الاثنين، 24 أغسطس 2015

الرد على الصوفية الفلاسفة=التباين بين الفلسفة والعقيدة الإسلامية

       إنّ أوجه الخلاف والتباين الجوهرية بين الدين والفلسفة تكون موجودة بين الدين السماوي المنزل من الله عز وجل وبين الفلسفة التي هي ابتكار إنساني وصنعة بشرية.

1- العقيدة الإسلامية ربانية في مصدرها، فهي من عند الله المتصف بالكمال المطلـق، خالق الكون والإنسان"، فهي تصور اعتقادي موحى به من الله سبحانه ومحصورة في هذا المصدر لا يستمد من غيره ..وذلك تمييزاً عن التصورات الفلسفية التي ينشـئها الفكـر البشري حول الحقيقة الإلهية، أو الحقيقة الكونية، أو الحقيقـة الإنسـانية، والارتباطـات القائمة بين هذه الحقائق وتمييزاً له كذلك من المعتقدات الوثنية، التي تنشـئها المشـاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية".([1]) ومادامت ربانية متكاملة شاملة، فإنّ الخير والبركة وكذا السعادة ووفرة الإنتـاج من بركات الالتزام بها، وما دامت ربانية من عند الله عز وجل وتلبي أشـواق الـروح البشرية فإنّها مبرأة من النقص وخالية من العيوب، وبعيدة عن الظلم وبالتالي فإنّها وحدها تشبع الفطرة الإنسانية.

     بينما الفلسفة بشرية في مصدرها؛ أي هي من تفكير العقل البشري وحـده، مـع اعتماده على الخيال الذهني والتفكير المجرد، وهي أيضاً صدىً كبيراً للبيئة التي يعـيش فيها الفيلسوف إذ يتأثّر بها إلى حد كبير، لذا فإن هذه الفلسفة تعيش في أذهانهم فقط، أي لم تتفاعل مع مشاعر الناس ونفوسهم، ولم تترك آثاراً إيجابية في سلوك الناس وحيـاتهم ولكون الفلسفة بشرية فإن النقص والاضطراب وعدم الشمول مـن سـماتها وميزاتهـا الجوهرية، ولكونها بشرية لم تنفع البشرية، ولن تتقدم بها خطوة واحدة إلى الأمام.

2- العقيدة الإسلامية ثابتة بثبات مصدرها، وثبات مبادئها وثبات غايتها، قـال تعالى:"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلمون". سـورة الروم: 30، وقال تعالى:"لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِه"، وثبات العقيدة لكونها من عند الله، ولقد انقطـع الـوحي بالتحـاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وبقيت نصوص الدين ثابتة إلـى يـوم الدين، وإذا كان الإنسان يتحرك ويتطور وينمو، وتتبدل حاجاته ومتطلباته وتتغير، فـإنّ ذلك يكون داخل إطار العقيدة الثابتة التي تتسع لحركة الإنسان وتطوره.

أمّا الفلسفة فإنّ أنماطها مختلفة ومتغيرة ومتطورة أو كل فيلسوف تختلف فلسفته عن غيره، كما أن فلسفة فترة زمنية معينة تختلف عن فلسفة الفترة التي سبقتها أو التـي تليها.

3 - العقيدة الإسلامية يرتضيها العقل، ويطمئنّ لها القلب وتستقر في الوجدان وتتفاعـل مع المشاعر والأحاسيس البشرية، وبالتالي تنعكس على سلوك الإنسان وتصـرفاته فـي واقع الحياة؛ وتاريخنا الإسلامي يشهد كيف غيّرت العقيدة حياة الناس و أنماط سـلوكهم وواقعهم الاجتماعي والخلقي والثقافي، فلقد أحدثت العقيدة نقلة كبيرة وتغيراً شاملاً فـي حياة الإنسانية، وبدراسة واقع المجتمع الجاهلي ثم واقع المجتمع الإسلامي نـدرك ذلـك ببساطة وبكل وضوح.

إنّ هناك ً فرقا شاسعاً ً وكبيرا بين من يعبد الله )الإله)الخالق المتصـف بصـفات الكمال المتصرف في الوجود كله، وبين من يعبد إلهاً مجرداً عن الصفات ليس له صـلة بالعالم، وفرق بين التصور الاعتقادي الرباني المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صـلى الله عليه وسلم وبين التصور الفلسفي الذي يقوم على التخيلات والأوهام والذي يعتمد على مناهج التفكير الوثني اليوناني.

  4- إنّ الدّين كمال مطلق ويمتاز بالثبات في أصوله ومبادئه، والصدق في أحكامه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بينما الفلسفة في كل صـورها ومـذاهبها علـى اختلاف الدهور والعصور هي نتاج العقل الإنساني المحدود القاصـر القابـل للتغييـر والتبديل والتحول، وقد يقترب من الحق، وقد لا يقاربه أبداً .ولذا فإنّ التخالف والتعارض والتفاوت من سمات المذاهب الفلسفية، التي هي فبمجموعها فروض وتقديرات وآراء واجتهادات تدور في فلك الإمكان والاحتمـال، وقـد تقترب من دائرة الأسطورة والخيال كما في الفلسفة الهندية والصينية واليونانية القديمة .

5 - ومن أوجه التباين بين الفلسفة والدين: الاختلاف في طبيعة المنهج : فمـنهج الـدين مبني على الإيمان والتسليم، والمتابعة والانقياد لجملة أصوله وأركانه،والتطبيق العملـي لتشريعاته وأحكامه .أمَّا الفلسفة فبحث عقلي صرف قوامه الحجة والمنطق والاسـتدلال سواء أدى إلى إثبات جملة من قضايا الفطرة- ومنها مبادئ أساسية أثبتهـا الـدين - أم أدى إلى إنكار جملة ما ثبت من الدين بالضرورة، فالفلسفة عبر تاريخها شهدت مـذاهب مؤمنة بوجود الإله الخالق البارئ، ومذاهب ملحدة تنكره وتنكر ما وراء المادة كـالروح والبعث.

6 - إنَّ العقيدة الإسلامية تعتمد في تقريرها على الأدلة السمعية والعقلية المـأخوذة مـن القرآن والسنة، وهي أدلة قطعية الثبوت والدلالة توصل إلى المطلوب بيسـر وسـهولة، وهي شفاء لما في الصدور، شفاء من ألوان الشبه والشكوك والشبهات، قال تعالى:(يـا أيها النَّاسُ قدْ جَاءَتْكم مَوْعِظَة مِنْ رَبِّكمْ وَشِفَاءٌ لِمَـا فِـي الصُّـدُورِ وَهُـدًى ٌ وَرَحْمَـة لِلْمُؤْمِنِينَ) سورة يونس: 57 ، وقـال تعالى:(وَنُنزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِـفَاءٌ ٌ وَرَحْمَـة لِلْمُؤْمِنِين) سـورة الإسراء:.82

     بينما تعتمد الفلسفة في تصوراتها على الآراء العقلية البشرية القاصـرة، كمـا تعتمد على المصطلحات الغامضة والقضايا الذهنية المجردة التي يصعب فهمهمـا، وإن تيسـّر فهمهما للبعض فإنّهـا لا تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً، لا تفيد علماً ولا عملاً، لا توصل من يدرسها إلى الحق واليقين، ولن تسلمه من الشكوك والشبهات والأهواء، بـل جعلتهم محلاً للطعن والإسقاط، وأدت ببعضهم إلى الضلال، لقد اسـتطاع الشـيطان أن يتطاول على الفلاسفة وأن يتخذهم مطية إلى الضلال والإضـلال مـن جهـة إفـرادهم بمعتقداتهم ومعقولاتهم، وقولهم بالظن، واعتمادهم على الخيال الذهني في مجال العقيـدة دون التفات منهم إلى مسلك الأنبياء وأتباعهم في إثبات العقيـدة وتقريرهـا.

        إنّ الحجـج والبراهين التي تسوقها العقيدة الإسلامية يستفيد منها جميع الناس:عامهم وعلمائهم، بينما براهين وحجج الفلسفة فإنّ فهمها مقصور على طائفة معينة من الناس وهي قليلة، وهـي تكلِّف العقل البشري العنت والمشقة، فلا تكاد تخلو من التعقيد والتكليف والتطويـل، لـذا فإنّها ولَّدت لبعض الناس أمراض الشبه المفسدة للعلم، والمفسدة للإدراك والتصور.

7- الواقعية: العقيدة الإسلامية تمتاز بالواقعية، فهي تصـور يتعامـل مـع الحقـائق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي المستيقن، والأثر الواقعي الإيجابي. لا كالفلسفة التـي تتعامل مع تصورات عقلية مجردة، أو مع مثاليات لا مقابل لها في عـالم الواقـع، أو لا وجود لها في عالم الواقع. ثمّ إن التصميم الذي تضعه العقيدة للحياة البشرية يحمل طابع الواقعيـة، لأنـه قابل للتحقيق الواقعي في الحياة الإنسانية، ولكنها في الوقت ذاته واقعية مثالية، أو مثاليـة واقعية، لأنها تهدف إلى أرفع مستوى وأكمل نموذج، تملك البشرية أن تصعد إليه. ولا يضرب العقل البشري في التيه كما في الفلسفة ليتمثلها على هواه، في سلسـلة مـن القضايا المنطقية المجردة على طريقة "الميتا فيزيقا" التي لا تفيد شيئاً، لا علما ولا إيماناً.

 ثاني
الفائدة من دراسة الفلسفة الإسلامية

        يقول علي حسين صاحب أبجد العلوم:إنّ العلم وإن كان مذموماً في نفسه كمـا زعموا فلا يخلوا تحصيله من فائدة:أقلها ردّ القائلين به، والنظر والمطالعة فـي علـوم الفلسفة يحل بشرطين: أحدهما أن لا يكون خالي الذهن عن العقائد الإسلامية، بل يكـون قوياً في ذهنه راسخاً على الشريعة الإسلامية، والثاني أن لا يتجاوز مسـائل الفلاسـفة المخالفة للشريعة، وإن تجاوز فإنّما يطالعها للردّ لا غير، هذا لمن ساعده الذهن والسـن والوقت.([2])

    وفي نظرنا أنّ دراسة الفلسفة من قبل الباحثين فيها بعض الفوائد ومنها-:

1 - توضيح القضايا الدينية التي تناولها فلاسفة الإسلام بالبحث والدرس، وتبين المـنهج الذي سلكوه في دراسة هذه القضايا،؟ وتبين طريقتهم فيما سموه توفيقاً بين الإسلام وبين ما أنتجه العقل الإنساني من تصورات في مسائل الألوهية والعالم.

2 - دراسة الفلسفة الإسلامية تهيئ لنا الفرصة للإطلاع على مشاكلها ومسائلها، ومـدى تأثرها بالفلسفات الدخيلة، تلك التي اعتمد عليها كثير من علماء الكـلام فـي شـروحهم لمسائل العقيدة الإسلامية، مما أدى إلى تفرقهم أحزاباً متنازعة، وإلى تعصب كل فريـق لرأيه بإزاء شرح المسائل الإلهية، ومن ذلك موقف الفرق الإسلامية إزاء مسألة صـفات الله ...وغيرها من القضايا الاعتقادية التي احتدم الخلاف فيها بين فرق المسلمين.([3])

 3- دراسة الفلسفة الإسلامية تمكّن العلماء المسلمين من الرد على انحرافات وضلالات الفلاسفة الإسلاميين وكشف زيوفهم، وإبعاد تأثيراتها السيئة عن أبناء الإسلام، وتخلـيص العقيدة الإسلامية من أدران الفلسفة وركامها.

4 - دراسة الفلسفة تمكّن الباحث المسلم من معرفة أوجه التباين والاختلاف بين الـدين الحق والفلسفة.

-5  يتعرف منها على بيان المبرّرات الشرعية التي جعلت علمـاء الإسـلام يحكمـون بتضليل وتكفير وإلحاد الفلاسفة.
دخول الفلسفة اليونانية بلاد المسلمين:

        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنّ أمتنا أهل الإسلام ما زالوا يزنون بـالموازين العقلية، ولم يسمع سلفاً بذكر هذا المنطق اليوناني، وإنّما ظهر في الإسلام لمـا عربّـت الكتب الرومية في عهد دولة المأمون أو قريبا منها.)[4]) ذكر السيوطي قصة دخول الفلسفة اليونانية إلى المسلمين، فقال:إن يحي بـن خالد البرمكي- وهو من الفرس الذين كانت لهم صولة ودولة في حكم العباسيين - هـو الذي جلب كتب الفلسفة اليونانية إلى أرض الإسلام من بلاد الروم، حيث أرسل البرمكي إلى ملك الروم يطلب منه هذه الكتب، وكان الملك يخاف على الروم أن ينظروا في كتب اليونان فيتركون دين النصرانية ويرجعون إلى الوثنية ديانة اليونانية، ومن ثـمّ تتفـرق كلمتهم وجمعهم، فجمع الكتب اليونانية ووضعها في بئر وأغلق عليها بالحجر والجـص، فلما علم يحي بن خالد البرمكي بها أرسل لملك الروم في طلبها، ولقد فرح ملك الـروم لهذا الطلب، فجمع بطارقته وقال لهم:ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلاّ أفسـدتها وأوقعت بين علمائها، وإنّ القوم الذين يطالعون هذه الكتب سيهلك دينهم وستبدد جماعتهم، وأنا أرى أن نرسلها للمسلمين حتى يبلتون بها ونسلم نحن من شّرها، وإنّي لا آمن أن يأتي من بعدي من يخرجها للنّاس فيقعوا فيما أخاف منه، فقات البطارقـة نعـم الرأي أيّها الملك فأرسلها للمسلمين الذين طلبوها، فبعث الكتب اليونانية إلى يحي بن خالد البرمكي، فلما وصلت إليه جمع عليها كل زنديق وفيلسوف. وبدأ التعريب والنقل على يد البرمكي، وأكمل ذلك الخليفة العباسي المأمون، ويقال أنّ أول بدأ بتعريب الكتب اليونانية هو خالد بن يزيد بن معاوية لما أولع بكتب الكيميا(السحر).([5]) ومن المسلم به أنّ فلسفة أرسطو نُقلت إلى العربية، إ مّا مباشرة مـن اليونانيـة، وهذا هو شأن كتاب المقولات الذي نقله حنين بن إسحاق([6])، وإمّا عن طريق السـريانية التي طبعتها أساليب اليونان في التعبير.وكانوا يؤثرون الترجمة الحرفية باعتبارها تمثل الأسلوب العلمي الصحيح للنقل، كما كانت معرفة هؤلاء المترجمين بالعربية غير متينة، بل كانت ً أحيانا لا تتجاوز معرفة العامية، وأمّا معرفتهم بال فلسفة، فلم تكن حقـاً معرفـة المختصين، ولم تكن مقصودة لذاتها، بل كانت عندهم وسيلة لإتقـان الترجمة، وربّما اكتسبوها عن طريق التمرس على نقل النصوص الفلسفية. وهؤلاء المترجمين كانوا في غالبيتهم على دين النصارى، ومنهم من هو علـى دين الصابئة، وليس فيهم مسلم واحد، م مّا تر تّب عليه أ نّهم تركوا تعاطي الاحتكاك بالنص القرآني.فكانت الترجمة الحرفية، والنقص في إجادة العربية الفصحى، والضـعف فـي التكوين الفلسفي، و سيطرة المعتقد غير الإسلامي، ممّا أدي إلى وضع لغوي جداً معقد لا تفيد معه معرفة قواعد اللسان العربي ولا أساليب الكتابة العربية. كما أدى إلـى دخـول العقائد الكفرية إلى الفكر الإسلامي
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق