الأحد، 23 أغسطس 2015

الرد على الصوفية والقول بوحدة الوجود========= الرد على الصوفية وقوله بوحدة الوجود==‏
المحاذير المترتبة على القول بوحدة الوجود:1- إبطال حقيقة التوحيد:    إنَّ القول بوحدة الوجود لا وجود معه للتوحيد الذي دعت إليه الرسل، لأنَّه لا فرق بين الخالق والمخلوق، والموحد والمشرك، ويمتنع مع القول بالوحدة المطلقة أن يكون الله خلق شيئاً، لأن الأشياء ذاتهُ..وهذا مخالف لصريح القرآن وصدق الله تعالى إذ يقول:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ)الطور 35، لأنَّه من المحال أن يوجَد الشيء من العدم، أو يوجِد ذاته فلا بد للموجود من واجد ولا بد للمخلوق من خالق ولا بد للجائز من واجب. ولا يعقـل أن يكون المالك هو المملوك، والرازق هو المرزوق، ولا العابد هو المعبود.2- إبطال عقيدة الولاء والبراء: لأن هذه العقيدة قائمة على أن الدين عند الله الإسلام، وما سوى ذلك فليس ديناً عند الله تعالى، قال تعالى:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران 85. وتجب المحبة والولاء لله تعالـى ولرسولـه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولا تجوز لغيرهم قال تعالى:"وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ".المائدة:51.     وقال تعالى:(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة 22. وقد امتدح الله إبراهيم عليه السلام والذين معه بقوله تعالى:(إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الممتحنة:40، أمَّا عقيدة وحدة الوجود فقائمة على موالاة كل شيء وكل مخلوق وعدم معاداة أحد في الوجود لأن كل ما في الوجود هو الله، وكل من تواليه إنما توالي الله تعالى.وهذا مناقض لعقيدة الولاء والبراء في دين الله تعالى.   3- القول بإيمان فرعون: يزعمون أنَّ فرعون عرف الحقيقة وآمن بالوحدة في قوله (أنا ربكم الأعلى)،لأنَّ الجميع أرباب عنده لكنه هو الأعلى لأنَّه الحاكم. وفي قوله (وما علمت لكم من إله غيري)، وقد علم بالضرورة فـي ديـن الإسلام كفر فرعون وهامان..وقد ورد ذكر ذلك بصريح القرآن قال تعالى:(وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) هود:97-98، وقال تعالى:(وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)غافر 45-46.ولم يقصّ القرآن قصة كافر باسمه كما قص لنا قصة فرعون من الوضوح والبيان والتفصيل والتكرار.([1])ومعنى أن فرعون يقدم قومه في النار لا أنه يسوقهم بل يكون في مقدمتهم، وقوله تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، يدخل فيهم فرعون لأنه هو زعيمهم في الكفر، وليس المراد آله دونه.4- تعطيل شريعة الإسلام وحدوده: فالقول بوحدة الوجود فيه تعطيل لشريعة الإسلام، إذ يترتب عليها أن جميع الآلهة والمعبودات سواء، لا فرق بيـن من عبد الله ومن عبد الطاغوت أو الشيطان أو الحجر والشجر. وهو دعوة إلى الإباحية والفساد فلا فرق بين ما حُرم وما أبيح لأن الخمر عين الماء، والزوجة عين البنت والأم عين الأجنبية، بل عين الدابة فلا فرق عندهم بين من شرب خمراً أو شرب ماءً، ولا فرق بين من واقع زوجته أو واقع أمه وابنته أو دابته فكله سواء عندهم.وقولهم يؤدي إلى تعطيل الحدود لأن القاتل هو عين المقتول، والسارق هو عين المسروق بل عين السرقة، والفاعل هو عين المفعول به وكلهم عين الله وذاته. وتعطيل للعبادة فكل معبود هو الله وكل عابد هو الله تعالى، والمأمور به عين المنهي عنه فلا عبادة ولا شريعة ولا قيود.5- تخطئة الرسل عليهم السلام: فإذا كان الوجود واحداً والمعبود واحداً مهما كانت الصورة التي عبد فيها، فكيف قاتلت الرسل عليهم السلام وأتباعهم أعداء الله؟ وكيف استباحوا دماء الكفار؟ وما الموقف من التاريخ الإسلامي الطويل المليء بالجهاد في سبيل الله؟ وما حكم من قتلوا بسبب كفرهم؟ وما حكم قاتليهم؟ بل وما فائدة وجود النار يوم القيامة؟ وما فائدة وجود الجنة؟ وما فائدة البعث؟فبناءً على معتقد القائلين بوحدة الوجود يكون الرسل عليهم السلام جميعهم على خطأ، فيما دعوا إليه من توحيد وتكاليف، وأحكام، وحدود وجهاد. وهذا الكلام هو صريح الكفر والضلال.6- إبطال الحكمة من الخلق:قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات:56، فإذا كان القول بوحدة الوجود، يؤدي إلى إبطال العبادة، فما هي الحكمة من الخلق؟     والله عز وجل لم يخلق الخلق عبثاً، قال تعالى:)أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون:115، بل خلق الله الخلق لحكمة، خلقهم لعبادته، وخلق الجنة ليثيب أولياءه، وخلق النار ليعاقب أعداءه. وإذا كان المخلوق الناقص يترفع عن العبث ويحرص أن تكون أفعاله مبنية على حكمة وغاية سامية، فكيف بالخالق الذي يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقص. فإن كل كمال لا يعتريه النقص بوجه من الوجوه يتصف به الخالق. وكل كمال يتصف به المخلوق لا يكون كمالاً مطلقاً بل يعتريه النقص من أحد الوجوه.ثانيا:عقيدة الحلول:      الحلول من عقائد الصوفية، يقول ابن تيمية في بيانها:"والحلول إمّا معين في شخص، وإمّا مطلق. أمّا الاتحاد والحلول المعين كقول النصارى: أن الاتحاد كاتحاد الماء واللبن. وأما الحلول المطلق، وهو أنّ الله تعالى بذاته حال في كل شيء، فهذا يحكيه أهل السنة والسلف عن قدماء الجهمية، وكانوا يكفرونهم بذلك. فأمّا ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام فما علمت أحداً سبقهم إليه إلا من أنكر وجود الصانع، مثل: فرعون والقرامطة، وذلك أنّ حقيقة أمرهم أنّهم يرون أنّ عين وجود الحق هو عين وجود الخلق، وأنّ وجود ذات الله خالق السموات والأرض، هي نفس وجود المخلوقات، فلا يتصور عندهم أن يكون الله تعالى خلق غيره، ولا أنه رب العالمين، ولا أنه غني وما سواه فقير، لكن تفرقوا على ثلاثة طرق، وأكثر من ينظر في كلامهم لا يفهم حقيقة أمرهم لأنه أمر مبهم".      وقال ابن تيمية عنهم أيضاً:"مذهبهم الذي هم عليه أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق، عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح، ومدح وذم، إنَّما المتصف به عندهم عين الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلاً، بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه. ومن كلماتهم: ليس إلا الله، فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم، لأنهم ما عندهم له غير، ولهذا جعلوا قوله تعالى:(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)الإسراء:23، بمعنى قدر ربك أن لا تعبدوا إلا إيَّاه، إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته، فكل عابد صنم إنما عبد الله. وقيل عن رابعة العدوية أنها حجت فقالت هذا الصنم المعبود في الأرض، والله ما ولجه الله، ولا خلا منه.([2])وأشهر من قال بعقيدة الحلول:1- الحسين بن منصور بن محمد الحلاج أبو مغيث([3]) رأس الصوفية القائلين بعقيدة الحلول. ومن أشعاره التي تنعق بهذه العقيدة قوله:وله عقد الخلائق في الإله عقائد           وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوهبيني وبينك إني تزاحمني                  فارفع بحقك إنيي من البين.       يقول الشيخ شهاب الدين السهروردي الحلبي المقتول:وبهذه الإنية التي طلب الحلاج رفعها تصرفت الأغيار في دمه، ولذلك قال السلف الحلاج نصف رجل، وذلك أنه لم ترفع له الإنية بالمعنى فرفعت له صورة. وأمثال هؤلاء ممن يقول بإلهية بعض البشر وبالحلول والاتحاد فيه ولا يجعل ذلك مطلقا في كل شيء. ومن هؤلاء من يقول بذلك في بعض النسوان والمردان أو بعض الملوك أو غيرهم، فهؤلاء كفرهم أكثر شراً من كفر النصارى الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم.        وقد كان أبو منصور الحلاج يقول في دعائه‏:‏"‏يا إله الآلهة ويا رب الأرباب، ويا من لا تأخذه سنة ولا نوم ردّ إلي نفسي لئلا يفتن بي عبادك، يا من هو أنا، وأنا هو لا فرق بين إنيتي وهويتك، إلا الحدث والقدم‏"‏.([4])‏   ومن أشعار الحلاج‏ الحلولية:‏ -أنا من أهوى ومن أهوى أنا      نحن روحان حللنا بدنافإذا أبصرتني أبصرته   وإذا أبصرته أبصرتنـا- سبحان من أظهر ناسوته        سرَّ سنا لاهوته الثاقبثم بدا في خلقه ظاهراً        في صورة الآكل والشاربحتى قد عاينه خلقه           كلحظة الحاجب بالحاجب-جبلت روحك في روحي       كما يجبل العنبر بالمسك الفنق  فإذا مسك شيء مسني            وإذا أنت أنا لا نفترق-مزجت روحك في روحي كما     تمزج الخمرة بالماء الزلال                فإذا مسك شيء مسني            فإذا أنت أنا في كل حال- قد تحققتك في سري        فخاطبك لسانيفاجتمعنا لمعان          وافترقنا لمعانإن يكن غيبتك التعظيم     عن لحظ العيانفلقد صيرك الوجد       من الأحشاء دان-أريدك لا أريدك للثواب      ولكني أريدك للعقابوكل مآربي قد نلت منها       سوى ملذوذ وجدي بالعذاب       والحلاج نفسه هو الذي وجدت عنده ورقة مكتوب فيها:‏"‏من الرحمن الرحيم إلى فلان ابن فلان‏"‏‏.‏‏.‏وإذا قارنا ذلك بمذهب أبي الخطاب الرافضي الذي زعم أن الله خلق روح علي وأولاده وتوجه إليهم أمر العالم فخلقوا هم السماوات والأرض‏.‏ ومن هنا قلنا في الركوع سبحان ربي العظيم، وفي السجود‏:‏سبحان ربي الأعلى لأنه لا إله إلا علي وأولاده، وأما الإله الأعظم فهو الذي فوض إليهم العالم.([5])      وقال أبو عبد الرحمن بن الحسن السلمي‏:‏ سمعت إبراهيم بن محمد الواعظ يقول‏:‏ قال أبو القاسم الرازي، قال أبو بكر بن ممشاذ‏:‏ حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها ليلاً ولا نهاراً، فأنكروا ذلك من حاله ففتشوا مخلاته فوجدوا فيها كتاباً للحلاج، عنوانه‏:‏‏(‏من الرحمن الرحيم إلى فلان ابن فلان‏)‏-يدعوه إلى الضلالة والإيمان به-فبعث بالكتاب إلى بغداد، فسئل الحلاج عن ذلك فأقرّ أنه كتبه فقالوا له‏:‏ كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الألوهية والربوبية‏؟‏         والحلاج كان زميلاً وصاحبًا لكبار رجال التَّصوف المشهورين في القرن الثالث كالجنيد البغدادي والشبلي‏.‏ فالجنيد نفسه قد أرسل إليه عندما حكم عليه بالقتل والصلب يقول‏:‏ ‏"‏أنك أفشيت أسرار الربوبية فأذاقك طعم الحديد‏"‏‏!‏ وأما الشبلي فيقول‏:‏"‏كنت أنا والحسين بن منصور ‏الحلاج‏ شيئًا واحدًا غير أنه تكلم وسكت أنا‏"‏.2-ومن القائلين بالحلول:عبد الكريم الجيلي صاحب كتاب "الإنسان الكامل"، ومنظومة تسمى:"العينية" تقع في ثمانمائة بيت فيها كلام صريح بالكفر كهذه الأبيات:وما الكون في التمثال إلا كثلجة       وأنت لها الماء الذي فيه نابعوما الكون في التحقيق غير لمائه        وغيران في حكم دعته الشرائع       ففي البيت الأول حلول أي أن الله بزعمه حال في العالم حلول ماء الثلج في الثلج، وفي الثاني أن العالم والله شيء واحد أي ليس الله غيرا للعالم بل هو عين العالم فيما يزعم والعياذ بالله تعالى، وهاتان العقيدتان عقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول أي حلول الله في الخلق. وقال الجيلي في كتابه الإنسان الكامل: وإني رب للأنام وسيد لي            جميع الورى اسم وذاتي مسماه                الملك والملكوت نسجى وصنعتي       لي الغيب والجبروت منى منشأه  3- الشاعر الصوفي علي البرعي اليماني:وقد أثنا على أئمة القائلين بالحلول والإتحاد كالحلاج والبسطامي وتمجيده لمقالتيهما الكفريتين، واعتباره أن ما تفوَّها به من الكفر هو قمة المعرفة.فدَّل ثناء البرعي عليهما، وتمجيده لمقالتيهما على أنه يرتضي منهجهما كل الارتضاء، بل يقول بالحرف الواحد:طوبى لمن ذاق رشفة من تلك الخمرة التي شرب منها الحلاج وأبو يزيد فجعلتهما يتفوَّهان بما قالا من الكفر!!!.      واعتبار البرعي أنَّ قتل الحلاج كان ظلماً:قال في قصيدته:(قمر السماء صفحة 149) من ديوانه المذكور:كما سفك الذين خلوا دم الحلاج                   سفكوا دماء الأبرياء ظلموا      ثمَّ سؤاله الله أن يمُنَّ عليه بالإتحاد معه:كما في قوله في قصيدته الخضرا أم قزاز صفحه271:   له صلى الأحدا         عدد ما حادي حدا       بها برعى اتحدا        في رقاد الوحداوقال في قصيدته من مكة سار ذهاب:صلى وسلم يا أحد        لي من أقام الحد                            البرعي اتحد           وبدا ساسه بالأحد       ففي هذه الأبيات يسأل البرعي الله سبحانه وتعالى أن يمُنَّ عليه بالاتحاد معه، مما يدلّ على أنّه يعتقد أنَّ الله يَحلُّ في الصالحين ويتَّحد معهم فيصير بعدها الصالح كأنَّه هو الله له نفس صفات الإلهية، كما زعم ذلك النّصارى في أنّ الله حلَّ في المسيح واتّحد معه.([6])موقف الإسلام من عقيدة الحلول:      اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته، وأجمعوا على قتله وصلبه، قال أبو بكر محمد بن داود الظاهري حين أحضر الحلاج في المرة الأولى قبل وفاة أبو بكر هذا وسئل عنه فقال‏:‏ إن كان ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم حقاً وما جاء به حقاً، فما يقوله الحلاج باطل‏.‏ وكان شديداً عليه‏.‏ وقال أبو بكر الصولي‏:‏قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل، وغبياً يتبالغ، وخبيثاً مدعياً، وراغباً يتزهد، وفاجراً يتعبد‏.‏            يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإنَّ المسلمين إنما قتلوه على الحلول والإتحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله:"أنا الله"، وقوله:"إله في السماء وإله في الأرض"، وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق، (وإِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) مريم:93. وقال تعالى:(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) النساء:171. فالنصارى كفرهم الله ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم بالله لقولهم بتعدد الإله.         ويضيف:"وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الأرض‏:‏ الله، الله، وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك، فكله كذب‏.‏ فقد جمع المسلمون أخبار الحلاج في مواضع كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في أخبار الخلفاء-وقد شهد مقتله-وكما ذكر إسماعيل بن على الخطيب في تاريخ بغداد- وقد شهد قتله-وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه، وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي أبو بكر بن الطيب، وأبو محمد بن حزم وغيرهم، وكما ذكر أبو يوسف القزويني، وأبو الفرج بن الجوزي، فيما جمعا من أخباره‏".‏([7])      قال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏"سمعت أبا بكر الشاشي يقول‏:‏قال أبو الحديد المصري‏:‏"لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها الحلاج قام يصلي من الليل فصلى ما شاء الله، فلما كان آخر الليل قام قائماً فتغطى بكسائه ومد يده نحو القبلة، فتكلم بكلام جائز الحفظ، فكان مما حفظت منه قوله‏:‏ نحن شواهدك فلو دلتنا عزتك لتبدى ما شئت من شأنك ومشيئتك‏.‏ وأنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله تتجلى لما تشاء مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة، والصورة فيها الروح الناطقة بالعلم والبيان والقدرة، ثم إنّي أوعزت إلى شاهدك لأنّي في ذاتك الهوى كيف أنت إذا مثلت بذاتي عند حلول لذاتي، ودعوت إلى ذاتي بذاتي، وأبديت حقائق علومي ومعجزاتي، صاعداً في معارجي إلى عروش أزلياتي عند التولي عن برياتي، إني احتضرت وقتلت وصلبت وأحرقت واحتملت سافيات الذاريات‏.([8])‏      ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"الحلاج كانت له مخاريق وأنواع من السحر وله كتب منسوبة إليه في السحر، وبالجملة فلا خلاف بين الأمّة أنّ من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به وإن البشر يكون إلها وهذا من الآلهة فهو كافر، مباح الدم وعلى هذا قتل الحلاج. ومن زعم إنّ الحلاّج من أولياء الله فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد، فإنّ ولي الله من مات على ولاية الله يحبه ويرضى عنه". وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الأرض‏:‏الله، الله، وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك، فكله كذب"‏.([9])      وقال أبو الفرج بن الجوزي‏:‏"كان الحلاَّج متلوناً تارة يلبس المسوح، وتارة يلبس الدراعة، وتارة يلبس القباء، وهو مع كل قوم على مذهبهم‏:‏إن كانوا أهل سنة، أو رافضة، أو معتزلة، أو صوفية، أو فساقاً، أو غيرهم، ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة، فسئل الشيخ أبو علي الجبائي عن ذلك فقال‏:‏إنّ هذا كله ممّا يناله البشر بالحيلة، ولكن أدخلوه بيتاً لا منفذ له ثم سلوه أن يخرج لكم جرزتين من شوك‏.‏ فلمّا بلغ ذلك إلى الحلاج تحوّل من الأهواز‏.‏ ولما صلب في أول مرة ونودي عليه أربعة أيام سمعه بعضهم وقد جيء به ليصلب وهو راكب على بقرة يقول‏:‏ما أنا بالحلاج، ولكن ألقي علي شبهه وغاب عنكم، فلما أدني إلى الخشبة ليصلب عليها سمعته وهو مصلوب يقول‏:‏ يا معين الفنا علي أعني على الفنا‏.‏











الفصل الثالث موقف الصوفية من الشعائر الدينيةأولا:- الشريعة والحقيقة         يعتقد الصوفية أنّ الدين شريعة وحقيقة، والشريعة هي الظاهر من الدين، وأنّها الباب الذي يدخل منه الجميع، والحقيقة هي الباطن الذي لا يصل إليه إلا المصطفون الأخيار. والتَّصوف في نظرهم طريقة وحقيقة معاً. فأهل الشريعة عندهم أهل الظاهر وهم العوام من الناس الذين يعتمدون على النصوص الشرعية، ومنهم فقهاء المذاهب وعامة العلماء، ويسمونهم بعلماء الرسوم. وأمّا أهل الباطن:فهم أهل الحقيقة والطريقة وهم الخاصة من الناس الذين يعتمدون على تأويل النصوص الشرعية، والتأويل هو صرف النص إلى معنى لا يحتمله إلا عن طريق الأحلام واستفتاء القلوب. ([10])     فالشريعة عندهم هي مجموعة الأحكام العملية التكليفية أي ما يسمى بالفقه الإسلامي, والحقيقة هي ما وراء هذه الأحكام من إشارات وأسرار, فالفقهاء يعلمّون الناس أركان الصلاة وسننها، والصوفية يهتمون بأعمال القلوب من المحبة والخشية..هذا رأي المعتدلين منهم أما غلاتهم فقالوا:إن هذه الأحكام لعوام المسلمين نظراً لضيق عقولهم وقلوبهم عن استيعاب المعاني العلوية، دون الالتزام برسوم وأشكال معينة فالصلاة خمس مرات بشكل وترتيب معين هو أشبه ما يكون بالمعلم الذي يلزم الطالب بواجبات مدرسية لما يعلم عنه من عدم الاستفادة من العلم إن لم يعمل بتلك الواجبات, والمقصود هو العلم فإن كان من الخواص الذين يدركون المقصود الأساسي من الشرائع –وهو ما أطلقوا عليه الحقيقة– فقد حصل المقصود وإن لم يلتزم بها, فالصلاة هي دوام الصلة مع الله، فإن استدامت فالحاجة للصلاة تصبح مجرد الوقوف مع الأوامر الشرعية احتراماً لها، وإن كانت غير ذي فائدة, بل إنها انحرفت بعد ذلك عند البعض إلى القول بإسقاط التكاليف لمن أدرك الحقيقة.([11])      إنَّ بداية الانحراف كانت في هذا الفصل بين الشريعة والحقيقة, وعند أهل السنة الشريعة هي الحقيقة فالصلاة حركات معينة ولكنها تستلزم الخشية والإنابة, وهكذا كل الأحكام الشرعية القيام بها يعني الإتيان بها على تمامها كما أرادها الله سبحانه وتعالى. وقد جرَّهم ذلك إلى مصطلح آخر وهو الظاهر والباطن. فقد ادَّعى الصوفية أنَّ للقرآن ظاهراً وباطناً, فالظاهر هو ما يؤخذ من ألفاظه حسب الفهم العربي أو السياق أو غير ذلك من الأصول المرعية في التفسير وهو ما يهتم به علماء الظاهر أو ما يطلقونه عليهم (علماء الرسوم) زراية بهم, أمَّا الباطن فهو العلم الخفي وراء تلك الألفاظ وهو المراد الحقيقي بها، وهذا لا يطلع عليه إلاّ الخواص من أصحاب المقامات السامية، ويطلقون عليه (الإشارات), وهم يغمزون أهل الفقه بأنَّّهم لا يهتمُّون بأعمال القلوب.([12])     وانتقد ابن الجوزي هذا التقسيم فقال:"هذا قبيح لأنّ الشريعة ما وضعه الحق لصالح الخلق, فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين, وبغضهم الفقهاء أكبر الزندقة".([13])    كما أنَّ هذه التفرقة بين الظاهر والباطن أدَّت بهم في موضع التفسير إلى تأويل الآيات وتحريفها تخريفاً شنيعاً, وهذا التأويل المذموم حاولت كل الفرق الضالة الباطنية أن تجد له نصيراً من كتاب الله يتناسب وأهواءها. ثانيا:- العبادات:         يعتقد الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام، وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة، أو خاصة الخاصة ولذلك فإن لهم عبادات مخصوصة‏.‏ وقد شرع كل قوم منهم شرائع خاصة بهم كالذكر المخصوص بهيئات مخصوصة، والخلوة والأطعمة المخصوصة، والملابس المخصوصة والحلقات الخاصة‏.‏ وإذا كانت العبادات في الإسلام لتزكية النفس وتطهير المجتمع فإنَّ العبادات في التَّصوف هدفها ربط القلب بالله للتلقي عنه مباشرة حسب زعمهم، والفناء فيه واستمداد الغيب من الرسول والتخلق بأخلاق الله حتى يقول الصوفي للشيء كن فيكون ويطلع على أسرار الخلق، وينظر في كل الملكوت، ويتصرف في الكون‏. ‏ولا يهم في التَّصوف أن تخالف الشريعة الصوفية ظاهر الشريعة المحمدية الإسلامية‏.‏فالحشيش والخمر واختلاط النساء بالرجال في الموالد وحلقات الذكر كل ذلك لا يهم لأن للولي شريعته تلقاها من الله مباشرة فلا يهم أن يوافق ما شرعه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأنّ لكل واحد شريعته فشريعة محمد للعوام وشريعة الصوفي للخواص‏.‏
ثالثا:- أحكام الحلال والحرام:         وأهل وحده الوجود منهم لا شيء يحرم عندهم؛ لأن الكل عين واحدة وفعل الخير وفعل الشر والقبيح والحسن إنما هي أفعال لا فروق بينها لاحتواء الذات لها كلها، ولذلك فقد حصل من بعض كبارهم وأئمتهم ما يستقبح الشخص مجرد ذكره؛ إذ كان منهم الزناة واللوطية والملاحدة، ثم لا يحق لأي شخص أن يعترض؛ لأن الشيخ لا يفعل شيئاً إلا لحكمة. ومن يأتون الحمير جهارًا نهارًا‏.‏ ومنهم من اعتقد أنّ الله قد أسقط عنه التكاليف وأحلّ له كلّ ما حرمّ على غيره.       وأيضاً لا يفعل هذه الأمور التي يعتبرها الناس فواحش بجسمه وروحه بل بجسمه فقط، وأما روحه فهي أجل من أن تتدنى إلى فعل هذه الأمور الجسيمة، وقد وجدوا من الناس الذين هم أضل من البهائم من يصدقهم في كل ما يصدر عنهم، فصدقوهم في التفرقة بين ما يفعلونه بأجسامهم لحكمة وبين ما في أرواحهم من السمو والتعالي عن ما يفعله سائر الناس، والعقل من أجل نعم الله على الإنسان.     ثمَّ اخترعوا مفهوماً ضالاً وهو أنّه قد يصل الأمر أحياناً إلى حدِّ أنّ للولي شريعته الخاصة، وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم تلقي شريعته الخاصة فلا يمنع أن يحصل الخلاف بينهما ويكون الجميع على الصواب، فالولي يتلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للخاصة، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للعوام. ولذلك تجد في حلقات هؤلاء الصوفية الغلاة من الفواحش والخروج عن تعاليم الإسلام ما لا يمتُّ إلى الإسلام بصلة؛ لأنَّ هذه الأفعال من الاختلاط والحشيش وأنواع الفساد قد تكون مباحة في شريعة الولي مع حرمتها في شريعة النبي، ولكل شريعته.([14])        وما دام الشيخ الصوفي قد وصل إلى حد التلقي عن الله مباشرة وأطلعه على كثير من أسرار هذا الكون وعرف الكثير من المغيبات فإنّه والحال هذه ليس عنده طمع في جنة ولا خوف من النار، ومن هنا تنشأ الاستهانة التامة بجميع التكاليف الشرعية.رابعا:- اعتقادهم في التربية:        لعلَّ أخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس، ويلغونها وذلك بإدخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس، ثمَّ بالتهويل، والتعظيم بشأن التَّصوف ورجاله ثمَّ بالتلبيس على الشخص ثمَّ بالزرق إلى علوم التَّصوف شيئًا فشيئًا ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج‏.       "ففي التربية الصوفية يطلب من المريد أن يستحضر روح شيخه عند الذكر ويتمثله أمامه ويطلب من شيخه أن يربط روحه بروح الرسول الذي يزعمون أنه يفيض العلوم والأسرار على قلوب شيوخ الصوفية . والحق أن هذه العملية عملية شيطانية لأن المريد الذي يغيب عقله بالذكر المبتدع الذي يذكره آلاف المرات وعشرات الآلاف حتى يكل عقله ودماغه وهو في كل ذلك يحاول استحضار صورة شيخه أمامه، وقد يكون هذا في ظلام دامس فإن هذا هو الوقت المناسب ليدخل الشيطان إليه زاعمًا أنه هو شيخه وأنه يراه الآن، وأنه يربط الآن قلبه بقلب الرسول ليفيض عليه العلوم والأسرار الإلهية، ويبدأ الشيطان يلقي في قلوب هؤلاء وساوسه الإبليسية فيوهم الواحد منهم أنه الآن صاعد إلى السماء، وأن هذا هو عرش الله، وهذا هو كرسيه هذه هي الأرض، وأن قد أصبحت الحبيب والعظيم وصاحب الهمة وما إلى ذلك من هذا النفح الشيطاني حتى يتصور المسكين فعلًا أنه وصل إلى مكان القرب من الله، وأن السماوات قد أصبحت طوع أمره، والأرض أصبحت كالخلخال برجله، وأنه يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون..وهكذا يكون المريد الذي دخل الخلوة، وذكر هذه الأذكار المبتدعة، وقطع نفسه بالظلام على هذا النحو يعود بنفس أخرى وحال أخرى غير الحال التي دخل بها".([15])خامسا:- الغناء والرقص وضرب الدفوف والتصفيق:      ومن دين الصوفية الباطل التقرب إلى الله بالغناء والرقص، وضرب الدفوف والتصفيق. ويعتبرون هذا عبادة لله. قال الدكتور صابر طعيمة في كتابه:"الصوفية معتقدا ومسلكا":أصبح الرقص الصوفي الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسبات الاحتفال بموالد بعض كبارهم أن يجتمع الأتباع لسماع النوتة الموسيقية التي يكون صوتها أحياناً أكثر من مائتي عازف من الرجال والنساء، ومبار الأتباع يجلسون في هذه المناسبات يتناولون ألوانا من شرب الدخان، وكبار أئمة القوم وأتباعهم يقومون بمدارسة بعض الخرافات التي تنسب لمقبوريهم، وقد انتهى إلى علمنا من المطالعات أن الأداء الموسيقي لبعض الطرق الصوفية الحديثة مستمد مما يسمى كورال صلوات الآحاد المسيحية".([16])         وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبينا وقت حدوث هذا. وموقف الأئمة منه، ومن الذي أحدثه:"اعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة، لا بالحجاز ولا بالشام، ولا باليمن، ولا مصر، ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية، لا بدف ولا بكف، ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية. فلما رآه الأئمة أنكروه فقال: الشافعي رضي الله عنه:خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه "التغبير" يصدون به الناس عن القرآن، وقال يزيد بن هارون:ما يغبر إلا فاسق، ومتى كان التغبير؟ وسئل الإمام أحمد فقال: أكرهه هو محدث، قيل: أتجلس معهم، قال،لا. وكذلك سائر أئمة الدين كرهوه، وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه، فلم يحضره إبراهيم بن أدهم ولا الفضيل بن عياض، ولا معروف الكرخي، ولا أبو سليمان الدارني، ولا أحمد بن أبي الحواري، والسري السقطي وأمثالهم والذين حضروه من الشيوخ المحمودين تركوه في آخر أمرهم، وأعيان المشايخ عابوا أهله، كما فعل ذلك عبد القادر والشيخ أبو البيان، وغيرهما من المشايخ، وما ذكره الشافعي من أنه من إحداث الزنادقة، كلام إمام خبير بأصول الإسلام، فإنّ هذا السماع لم يرغب فيه ويدع إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة، كابن الراوندي والفارابي وابن سينا وأمثالهم إلى أن قال: وأما الحنفاء أهل ملة إبراهيم الخليل، الذي جعله الله إماما، وأهل دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا غيره، المتبعون لشريعة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فليس فيهم من يرغب في ذلك ولا يدعو إليه، وهؤلاء هم أهل القران والإيمان والهدى والسعد والرشاد والنور والفلاح وأهل المعرفة والعلم واليقين والإخلاص لله والمحبة له والتوكل عليه والخشية له والإنابة إليه. إلى أن قال: ومن كان له خبرة بحقائق الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة:إلا وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما هو أعظم منه فهو للروح كالخمر للجسد، ولهذا يورث أصحابه سكرا أعظم من سكر الخمر فيجدون لذة بلا تمييز، كما يجد شارب الخمر بل يحصل لهم أكثر وأكبر مما يحصل لشارب الخمر، ويصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة أعظم مما يصدهم الخمر ويوقع بينهم العداوة والبغضاء أعظم من الخمر. وقال أيضا:وأما الرقص فلم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة، بل قد قال الله في كتابه:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) لقمان: 19. وقال في كتابه:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) الفرقان:63. أي بسكينة ووقار، وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود. بل الدف والرقص لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من سلف الأمة.سادسا:- درجات السلوك الصوفية:      هناك فرق بين الصوفي والعابد والزاهد إذ أن لكل واحد منهم أسلوباً ومنهجاً وهدفاً. وأول درجات السلوك:-1-حبُّ الله ورسوله: ودليله الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأسوة الحسنة قال تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الممتحنة:6.2- التوبة: وذلك بالإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، وإبراء صاحبها إن كانت تتعلق بآدمي.3- المقامات: هي المنازل الروحية التي يمر بها السالك إلى الله فيقف فترة من الزمن مجاهداً في إطارها حتى ينتقل إلى المنزل الثاني..ولابد للانتقال من جهاد وتزكية. وجعلوا الحاجز بين المريد وبين الحق سبحانه وتعالى أربعة أشياء: المال، والجاه، والتقليد، والمعصية.4- الأحوال:إنها النسمات التي تهب على السالك فتنتعش بها نفسه لحظات خاطفة ثم تمر تاركة عطراًً تتشوق الروح للعودة إلى تنسُّم أريجه. قال الجنيد:الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم. والأحوال مواهب، والمقامات مكاسب، ويعبرون عن ذلك بقولهم:الأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود.5- الورع: أن يترك السالك كل ما فيه شبهة، ويكون هذا في الحديث والقلب والعمل.6- الزهد: وهو يعني أن تكون الدنيا على ظاهر يده، وقلبه معلق بما في يد الله. يقول أحدهم عن زاهد:صدق فلان، قد غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده على ظاهره. قد يكون الإنسان غنياً وزاهداً في ذات الوقت إذ أن الزهد لا يعني الفقر، فليس كل فقير زاهداً، وليس كل زاهد فقيراً، والزهد على ثلاث درجات:أ- ترك الحرام، وهو زهد العوام.ب- ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.ج- ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى، وهو زهد العارفين.7- التوكل: يقولون: التوكل بداية، والتسليم واسطة، والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية، ويقول سهل التستري:التوكل: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد.8- المحبة: يقول الحسن البصري: فعلامة المحبة الموافقة للمحبوب والتجاري مع طرقاته في كل الأمور، والتقرب إليه بكل صلة، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه.9- الرضا: يقول أحدهم:الرضا بالله الأعظم، هو أن يكون قلب العبد ساكناً تحت حكم الله عز وجل ويقول آخر:الرضا آخر المقامات، ثم يقتفي من بعد ذلك أحوال أرباب القلوب، ومطالعة الغيوب، وتهذيب الأسرار لصفاء الأذكار وحقائق الأحوال.10- اليقين: ويطلقون الخيال: لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يصل السالك إلى اليقين، وهو على ثلاث مراتب:-أ- علم اليقين: وهو يأتي عن طريق الدليل النقلي من آيات وأحاديث:(كلا لو تعلمون علم اليقين) التكاثر: الآية 5.ب- عين اليقين: وهو يأتي عن طريق المشاهدة والكشف:(ثم لترونَّها عين اليقين) التكاثر: الآية 7.ج- حق اليقين: وهو ما يتحقق عن طريق الذوق:(إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم) سورة الواقعة:الآيات95-96.سابعا:- الصوفية وطلب العلوم الشرعية:       لما كان الدخول في الطريق الصوفي لا يشترط له التوجه إلى الكتاب والسنة، بل إن التوفيق له يأتي أحيانًا عن طريق الهاتف، وأحيانًا بطرق أخرى سنعرفها فيما بعد إن شاء الله تعالى، فإن القوم منذ نشأتهم رأوا أن علمهم الذي يحصلون عليه - في زعمهم- أفضل من علم الكتاب والسنة، بل رأوا أن علم الكتاب والسنة مشغلة عن طريقهم ومسلكهم، وهذه بعض عباراتهم في ذلك‏:‏ -أ - قال أبو يزيد البسطامي ‏(توفي سنة 261هـ‏)‏ ناعيًا على علماء الشريعة مفاخرًا لهم‏:"‏أخذتم علمكم ميتًا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، حدثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون‏:‏ حدثني فلان، وأين هو‏؟‏ قالوا‏:‏ مات، عن فلان وأين هو‏؟‏ قالوا‏:‏ مات‏"‏.([17]) ‏ب ـ يقول الجنيد:‏‏"‏ما أخذنا التَّصوف عن القيل والقال‏".([18]) ويقول أيضا‏:‏‏"‏أحب للمبتدئ ألا يشغل قلبه بهذه الثلاث، وإلا تغيرت حاله‏:‏التكسب وطلب الحديث والتزوج، وأحب للصوفي أن لا يقرأ ولا يكتب لأنه أجمع لهمه‏"(‏[19]) ‏ج- وقال أبو سليمان الداراني‏:‏‏"‏إذا طلب الرجل الحديث، أو سافر في طلب المعاش، أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا‏"‏.([20]) ‏‏      ولا يخفى على أي منصف يتقي الله  تبارك وتعالى ويقول كلمة الحق أن هذه الأقوال كافية في هدم الشريعة الإسلامية، بل في هدم العمران كله، لأن الحضارة الإنسانية حتى المادية منها لا تقوم إلا على هذه الثلاث‏:‏ العلم، وطلب الكسب والمعاش، والزواج‏.‏ وحضارة الإسلام خاصة تقوم على هذه الثلاث، وتأمر بطلب علم الآخرة وهو علم الكتاب والسنة، وكذلك علم الدنيا وهو كل علم نافع لحياة الإنسان ورقيه في هذه الأرض‏.‏      ولم يكتف أهل هذا المنهج من المتصوفة بالتنفير من علم الشريعة والحديث بل جعلوا كشفهم، وما يزعمون نقله من العلم عن الله تبارك وتعالى حاكما على إسناد الحديث فيصححون ما شاءوا من الأحاديث، وإن كانت ضعيفة عند علماء الحديث والسنة، ويضعفون ما شاءوا منها، وإن كانت ثابتة صحيحة حسب الموازين العلمية الدقيقة التي تعارف عليها علماء الحديث ومصطلحه، والتي هي بحق مفخرة الإسلام، فليس عند أمة من أمم الأرض قديمًا وحديثًا تثبت في النقل على النحو الذي درج عليه علماء هذه الأمة في التعرف على الحديث الصحيح من الضعيف، وبذلك ولله الحمد سلم دين الأمة من دخول أقوال الزنادقة والملاحدة فيه‏.‏       لقد عمد رؤساء المتصوفة إلى هدم الإسناد في الحديث، وهو مفخرة الإسلام بحق، وذلك عن طريق الحكم على الإسناد بعلمهم الخاص‏.‏ يقول ابن عربي في رسائله‏:‏ "‏وربما قالوا ‏(‏أي علماء الشريعة‏)‏ إذا عاينوهم ‏(‏أي عاينوا علماء الصوفية‏)‏ يتكلمون بمواجيدهم مع أصحابهم‏:‏ دين مكتوم، دين مشوم، وما عرفوا جهات الدين‏.‏ وهؤلاء ما تكتموا بالدين فقط، وإنما تكتموا بنتائجه، وما وهبهم الحق تعالى في طاعته حين أطاعوه، وبما صح عندهم من أحاديث الأحكام ما اتفق على ضعفه، وتجريح نقلته، وهم أخذوه عن الكشف‏:‏ هو انكشاف حجاب القلب ورؤيته أشياء من الغيب زعم الصوفية أنه يحصل لهم، ومراد ابن عربي هنا بالكشف الاتصال بالرسول، ومعرفة الحديث منه رأسًا عن قائله صحيحا، فتعبدوا به أنفسهم على غير ما تقرر عند علماء الرسوم، فينسبونهم إلى الخروج عن الدين، وما أنصفوا فإن للحق وجوهًا يوصل إليه منها هذا أحدها، ورب حديث قد صححوه واتفقوا عليه، وليس بصحيح عندهم من طريق الكشف، ويتركون العمل به مثل ذلك سواء‏"‏.‏         ومعنى هذا كله أن للمتصوفة حكمهم الخاص على إسناد الحديث، فعن طريق الكشف يتصلون رأسًا بالنبي ويصححون الحديث أو يضعفونه‏!‏‏!‏ وبهذا الهجوم على قواعد علم الحديث تتهدم السنة، وتبقى ألعوبة في يد هؤلاء الذين يحكمون عليها بما شاءوا وليس من ضابط يرجع إليه، ولا فيصل يحتكم إليه ما دام أن الكشف هذا علم غيبي، وقد يكون كشف هذا غير كشف ذاك‏.‏     ولم يكتف المتصوفة بالنهي عن العلم، بل جعلوا العلم عورة يجب أن تستر وتغطى، حتى إن شيخًا يرى مريدًا له، وقد سقطت منه محبرة، فيقول له‏:‏اخف سوأتك‏!‏‏!(‏[21]) ‏      وبعد أن وضع المتصوفة هذه القواعد لهدم العلم الشرعي والتنفير منه دعوا الناس إلى العلم الباطني الذي أطلقوا عليه اسم الحقيقة، وقالوا‏:‏إن طريق الوصول إليه هو الكشف والفتح الرباني والفيض الرحماني‏.‏ لنعلم أنهم لا يعنون بالعلم الباطن إصلاح حال القلوب كما يزعم بعضهم، بل إنهم يعنون علمًا خاصًا يكشفون به حقائق يزعمون رؤيتها والتحقق بها‏.‏ ولقد بالغوا في تفضيل هذا العلم، وتشديد التنكير على من نفاه أو خالفه‏.‏ وقد كانوا يخفون هذا العلم والكشف في أول أمرهم، ويجعلونه من الأسرار والخصوصيات، ولكنهم سرعان ما أعلنوا عنه وكشفوه بعد أن تحولت دفة الناس إليهم‏.‏



الفصل الرابعالولاية الصوفية        يعتقد الصوفية في الأولياء عقائد شتى، فمنهم من يفضل الولي على النبي، وعامتهم يجعل الولي مساويًا لله في كل صفاته، فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون، ولهم تقسيمات للولاية، فهناك:الغوث المتحكم في كل شيء في العالم، والأقطاب الأربعة:الذين يمسكون الأركان الأربعة في العالم بأمر الغوث، والأبدال السبعة:الذين يتحكم كل واحد منهم في قارة من القارات السبع بأمر الغوث والنجباء:كل واحد منهم يتصرف في ناحية تتحكم في مصائر الخلق، ولهم ديوان يجتمعون فيه في غار حراء كل ليلة ينظرون في المقادير، وباختصار؛ الأولياء عالم خرافي كامل‏.‏ هذا بالطبع خلاف الولاية في الإسلام التي تقوم على الدين والتقوى وعمل الصالحات والعبودية الكاملة لله والفقر إليه، وأن الولي لا يملك من أمر نفسه شيئًا فضلًا عن أنه يملك لغيره، قال الله تعالى لرسوله:(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) الجـن:21.1 – الولاية الشرعية:      أعلن القرآن أن كل مؤمن صادق في الإيمان ولي لله سبحانه وتعالى‏،يقول ‏الله تعالى‏:(‏‏اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة:257، نصت الآية هنا على أن الله ولي كل مؤمن، وأنه بفضل هذه الولاية يخرج الله المؤمنين من الظلمات إلى النور، وقال تعالى‏:‏(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئًا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين)‏. الجاثية‏:‏18-19‏.‏ يخبر سبحانه وتعالى أنه ولي لكل من اتقاه وخافه‏.‏‏.‏وجاء في دعاء موسى عليه السلام لربه:(‏‏أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين‏).‏ ‏‏الأعراف‏:‏155‏.‏ وقال تعالى أيضًا‏:‏(هذا صراط ربك مستقيمًا قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) ‏الأنعام‏:‏126-127‏.‏ وقال تعالى‏:‏(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس:63.       والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا التي تبين ولايته سبحانه وتعالى لكل مؤمن صالح متق لله سبحانه وتعالى‏.‏‏.والولاية هي المحبة والنصرة‏:‏ فالله سبحانه وتعالى إذا والى عبدًا فإنه يحبه وينصره ويعزه ويكرمه كما قال تعالى‏:‏(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة:54.   وكذلك العبد إذا قيل إنه يوالي الله فمعنى ذلك أنه يحب الله وينصره كما قال تعالى‏:‏ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)البقرة:165، وقوله:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد:7، فولي الله من ينصره ويحبه، ومن يحب الله ينصره‏.‏‏.‏، فكل من أحبَّ الله ونصره، وسار في مرضاته، وحفظ حدوده، وأقام شريعته ودينه، فهو ولي الله سبحانه وتعالى‏.‏      وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم طريق الولاية فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏"قال الله تعالى من عادى لي وليًا فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه".‏رواه البخاري.‏ فالرسول فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى أن طريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض أولًا التي هي أحب الطاعات إليه سبحانه وتعالى، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله، فإذا أحبه الله سبحانه وتعالى كان وليًا حقًا له جل وعلا، وقد جاء في الحديث الصحيح‏:‏‏"‏إنَّ الله إذا أحب عبدًا قال يا جبريل إنِّي أحبُّ فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثمَّ ينادي جبريل في أهل السماء فيقول إنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"‏ ‏رواه مسلم.ولا شك أنه على الرغم من أن كل مؤمن هو ولي الله جل وعلا فإن ولاية الله للعبد ومحبته له تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح فكلما ازداد إيمان العبد وترقى في درجات الكمال والصلاح وتحلى بالتقوى كان أعظم ولاية، وأقرب من ربه سبحانه وتعالى، هذا مفهوم الولاية في الإسلام على وجه الإجمال‏.‏الولاية الصوفية الشيطانية:       في التَّصوف الشيطاني فإن الولاية لها معنى آخر تمامًا في الشكل والمضمون والموضوع، فولي الله عند الصوفية الزنادقة من اختاره الله وجذبه إليه، وليس من شرط ذلك أن يكون عند هذا المختار والمجذوب أية مواصفات للصلاح والتقوى إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة، ويجعلون الولاية الكسبية هي ولاية العوام والمتنسكين والولاية الحقيقية عندهم هي الولاية الوهبية، يستدلون لذلك بمثل قوله تعالى‏:‏(يختص برحمته من يشاء‏)‏ ‏البقرة‏:‏ 105‏‏‏.‏ فيقولون‏:‏الولاية اختصاص، وهذا تلبيس منهم، لأن اختصاص الله من يشاء برحمته لا يكون إلا لحكمة وأسباب اقتضت ذلك، كما قال سبحانه وتعالى‏:‏(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون‏)‏ المائدة‏:‏ 35‏‏‏.‏ فجعل سبحانه وتعالى تقواه واتخاذ الوسيلة منه هي الطريق الموصل لرحمته فيستحيل أن تكون رحمة الله التي يختص بها من يشاء كائنة دون حكمة لأنَّ الله سبحانه وتعالى يعلم أن يجعل رسالته وأين يضع هدايته كما قال تعالى‏:‏(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ‏الأنعام‏:‏ 124‏‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏‏(‏وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين‏) ‏الأنعام‏:‏53‏‏‏.‏فأخبر سبحانه ردًا على الكفار الذين احتقروا المؤمنين لفقرهم وقالوا‏:‏ كيف يرزقهم الله التقوى ونحن أكرم على الله منهم لأنه رزقنا الأموال والأولاد‏.‏ قال تعالى‏:‏(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)الأنعام:53، فالله سبحانه وتعالى إنه أعلم من يوفق لهدايته وهم الذين يحكمون بواجب شكره سبحانه وتعالى ولذلك عبد الرسول ربه حتى أتاه اليقين وهو الموت، وقام من الليل حتى تفطرت قدماه وقيل له‏:‏ يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال‏:‏"أفلا أكون عبدًا شكورًا‏".‏‏متفق عليه.      ولمَّا اعتقد الصوفية الزنادقة أنَّ الولاية قضية وهبية بلا حكمة ولا معقولية جعلوا المجاذيب والمجانين والفسقة والظلمة والملاحدة المشركين من أهل وحدة الوجود، أولياء لله بمجرد أن ظهر على أيديهم بعض خوارق العادات التي ظهر مثلها على الدجال وابن صياد، وأصناف من المشركين وأهل الإلحاد‏.‏‏.‏ فجعلوا الكرامة الشيطانية الإبليسية كالإخبار ببعض المغيبات واحتراف بعض الحيل والشعوذات وإتقانها كزعم الدخول في النيران وضرب الجسم بالسكاكين والسهام واللعب بالعقارب والحيات، وأمثال ذلك من المخاريق والترهات جعلوا أولياء الله هم هؤلاء الذين يدجلون على الناس بمثل هذه الخرافات مع ما هم عليه من مخالفة الإسلام، في الظاهر والباطن فظاهرهم مخالف للشريعة حيث عبدوا الله بالبدع والمظاهر الكاذبة والرياء والسمعة كملبس الخرق الملونة والمرقعات وإظهار الفقر والزهد، وذكر الله بالصياح والهوس والجنون وإقامة مشاعر الشرك عند القبور والمزارات والاستعانة بالأموات، وعبادة المشايخ والذوات،جعلوا من هذه أحوالهم في ظاهرهم أولياء لله، ومن أحوالهم في بواطنهم أشر من ذلك وأمر‏.‏ فهم من أهل وحدة الوجود الكافرين والزنادقة الملحدين الذين لا يفرقون بين خالق ومخلوق، ورب وعبد، ومن يجعلون النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم هو علة الأكوان، والمستوي على عرش الرحمن، ومبدع الأرض والسماوات إلى آخر هذا الكفر والهذيان مما يأباه من عنده أدنى إسلام وإيمان‏.‏‏.‏‏.‏هذه هي الولاية الصوفية في زعمهم جعلوها لهؤلاء كما جعلوها أيضًا للمجانين والصبيان ولأهل التخاريف والهذيان حتى عدوا في أوليائهم من يأتي الحمارة في وضح النهار، وأمام الأسماع والأبصار، وسلكوا في سلك الولاية الشيطانية هذه من يشرب الخمر جهارًا نهارًا، ويزني ويلوط عيانًا بيانًا، ويزعمون في كل ذلك أن هذا مظاهر غير مراد، وأنه نوع من التخييل للعباد، وأن الولي الصادق لا تضره معصية أبدًا، أو أن الأعيان ينقلب له فالخمر التي يشاهدها الناس خمرًا ينقلب في بطن الولي لبنًا خالصًا، والزانية الفاجرة التي يرى الناس الولي بصحبتها تكون زوجته، ولم يكتفوا بهذا أيضًا في تعريف الولاية عندهم بل قالوا في الفكر الصوفي إن الولي يتصرف في الأكوان ويقول للشيء كن فيكون، وكل ولي عندهم قد وكله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة، ويسمون الأقطاب، وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع، ويسمون الأبدال‏.‏ وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم في مصر ثلاثون أو أربعون وفي الشام كذلك، والعراق وهكذا، وكل واحد من هؤلاء قد أوكل إليه التصريف في شيء ما، حتى عدو منهم من صرفه الله في رعاية الكلاب، ومنهم من له التصريف في رعاية الحيات، وفوق هؤلاء الأولياء جميعًا ولي واحد مراد يسمى القطب الأكبر أو الغوث وهو الذي يدبر شأن الملك كله سمواته وأرضه والأولياء جميعًا في بقاع الأرض تحت أمره‏.‏فالأرض والسماوات تدار حسب الولاية الصوفية وأما الملائكة جميعًا فإنهم في خدمة هؤلاء الأولياء ينفذون أوامرهم ويخضعون لمشيئتهم‏.‏‏.‏هذه هي الولاية الصوفية وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية قط‏.‏‏    فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه وسار في مرضاة ربه حسب شريعته، وهو يخشى على نفسه دائمًا من الكفر والنفاق وسوء العاقبة ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا‏.‏‏.‏وأمَّا الولي الصوفي فهو رب كبير أو صغير يتصرف في جانب من جوانب الكون ولا يلتزم بشريعة لأن له شريعته المستقلة، والملائكة تحت مشيئته والسماوات والأرض كالخلخال برجله‏!‏‏!‏ ولا يغرب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض، ولا خوف عليه مطلقًا لأنه قد جاءه الأمان، ولا يحزن لشيء مطلقًا لأن بيده التصريف‏.‏‏.‏هذه هي الولاية الصوفية‏.‏ والحق أن الذي قرأ شيئًا من الفلسفة الإغريقية القديمة يعلم يقينًا أنَّ فكرة الولاية الصوفية هذه منقولة عن هذه الفلسفة فآلهة الإغريق قديمًا-كما صورتها الإلياذة والأوديسيا- يتصرفون في الكون ولكل منهم جانب خاص من جوانب العالم، ‏(فمارس‏)‏ هو إله الحرب، ‏(وكيوبيد‏)‏ هو إله الحب، و‏(‏افروديت‏)‏ هي إلهة الجمال، و(‏أبوللو‏)‏ هو رب الأرباب وهكذا‏.‏‏.‏إنَّ فكرة تعدد الآلهة عند الإغريق وتصرفهم في الكون هي فكرة الولاية الصوفية تمامًا حيث يعبث هؤلاء الولاياء الصوفيون بمصائر البشر، ويتحكمون في أرزاقهم وأعمالهم، ويتصارعون أيضًا ويتنافسون كما يصنع آلهة الإغريق تمامًا‏.‏‏وصف ولايتهم الصوفية‏:‏      أوَّلُ من ألف كتابًا مستقلًا في الولاية الصوفية هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه الحكيم، وهو غير الترمذي صاحب السنن المشهورة، وقد نشأ ‏(الحكيم‏)‏ هذا في أواخر القرن الثالث الهجري، وهو مجهول سنة الولادة والوفاة‏.‏ وكتابه الذي أشرنا إليه يسمى ‏ختم الأولياء‏.      رسم هذا الترمذي الملامح الخيالية الزندقية للولاية الصوفية ومن أجل هذا الكتاب شهد علماء زمانه بالزندقة والكفر ونفوه من بلدة ترمذ‏‏ كما أخبر بذلك صاحب الطبقات الصوفية أبو عبد الرحمن السلمي، وادعى الترمذي هذا في الولاية ما تابعه بعد ذلك عامة الصوفية عليه من أن الولاية وهب، ومنحة إلهية لا كسب وموجدات، وأن الولي يعلم علم البدء وعلم المقادير وعلم الحروف.([22]) ‏‏      ووضع الترمذي هذا مراتب للولاية، فجعل منهم المجاذيب وأهل العته والجنون لأن الله جذبهم إليه وأسقط عنهم التكاليف، وأن هناك أربعين من أوليائهم الذين يتصرفون في شئون العالم، وأن هناك القطب الأكبر والخاتم للولاية وأن الأولياء هؤلاء محروسون عند الله فلا يلقى في صدورهم إلا الوحي الرحماني الملائكي فقط‏!‏‏!‏ وجعل هؤلاء الأولياء منهم من بلغ ثلث النبوة، ومنهم من بلغ نصفها ومنهم من زاد على ذلك وهو ختم الأولياء.([23]) ومن هؤلاء الأولياء تظهر لهم الآيات مثل طي الأرض، والمشي على الماء ومحادثة الخضر.([24])‏ وزعم كذلك أنَّ قلوب هؤلاء الأولياء هي كتاب الله يطبع فيه ما يشاء‏!‏‏!‏ وأنهم كالأنبياء لهم من الله عقد الولاية ولذلك كشف عن قلوبهم الغطاء فيرون ملك الله في كل أجزائه في العالم العلوي والسفلي، وزعم أن هؤلاء الأولياء يعرفون منازلهم من الجنة، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويقطعون بذلك وأن الكرامات التي تظهر على أيديهم دليل على صدقهم وإيمانهم‏.‏‏.‏، يقول الترمذي‏:‏"‏ما قولك في مُحَدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال‏:‏ رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني لينقطع الشك والاعتراض‏.‏ فقال(‏أي الله‏)‏‏:‏آيتك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيتي الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت، وأجعل لك التراب في يديك ذهبًا، ففعل هذا هل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى بعد ظهور هذه الآية أولًا‏"‏.([25]) ‏‏      ولا غرو أن يدعي الترمذي هذا ما يدعي فأنه قد ذكر على نفسه فيما سماه(‏بدو شأن الترمذي‏)‏ أن زوجته قد تنبأت له، وزعمت له أنها رأت في شأنه عشرات من الرؤى منها أنها رأت أن سطح بيتها وكانت نائمة عليه قد هبط إلى الأرض وأنها وجدت داخل بيتها رجلين قاعدين في هيبة وأنهما قالا لها‏:‏ قولي لزوجك‏:‏أنت وتد من أوتاد الأرض تمسك طائفة من الناس‏!‏‏!(‏[26]) وأن هذين الرجلين الذين بشراها هما محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام،وزوجته هذه أيضًا تنبأت له بأنها كانت نائمة مع زوجها في فراش واحد وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل فراشهما معهما‏!‏‏!(‏[27])       ولا يخفى أن أمثال هذه الرؤيا والتنبؤات رؤى شيطانية حتمًا فليس هناك شيء يسمى أوتادًا تمسك الأرض لأن الله سبحانه وتعالى يقول‏:‏‏)‏إنَّ الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا‏)‏ ‏فاطر‏:‏41‏.‏ وإذا كان الله هو الذي يمسك السماوات والأرض فمعنى ذلك أنه ليس في حاجة إلى الترمذي وغيره ليكون وتدًا يمسك جانبًا من الأرض‏!‏‏!‏ نعم جعل الله الجبال أوتادًا للأرض ولم يجعل الترمذي الذي ينام ليله شاخراً وتدًا من أوتاد الأرض،وأمَّا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول:"‏من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي‏".‏(‏[28])  يستحيل أن يأتي ليدخل في فراش رجل مع زوجته ولم يدخل مع زوجة الترمذي في فراشها وهي مع زوجها إلا الشيطان حتمًا الذي يعلم من هم أولياؤه‏.‏     هذا هو الزعيم الأول والرائد الأول لفكرة الولاية الصوفية، وفكرة ختم الولاية‏.‏ والعجيب أنه كتب كتابه هذا نحو سنة 269هـ حيث ذكر أن زوجته رأت بعض هذه الرؤى يوم السبت 20 من ذي القعدة سنة 269هـ‏.‏‏.‏وبذلك يكون الترمذي أول من وضع لبنات الفكر الصوفي في قضية الولاية المزعومة‏.‏‏.‏ومن أجل هذا الكتاب رماه علماء بلده بالكفر والزندقة واستطاعوا طرده من ترمذ ولكنه عاد إليها بعد ذلك تحت جناح بعض الظالمين‏.‏‏.‏وقد أفضنا في بيان هذه القضية من كتاب الترمذي لأنَّه أوَّل من سنَّ هذا الشر المستطير الذي جاء بعده، وكتابه هو أول كتاب فيما أظن قد وضع الأسس الخبيثة هذه لفكرة الولاية الصوفية‏.‏ مراتب الولاية عند الصوفية       وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الولاية. فمنهم من قال إنهم ينقسمون إلى:- 1- الغوث وهو أكبر الأولياء جميعًا وهو واحد في كل زمان وتحته الأوتاد الأربعة، وكل واحد منهم في ركن من أركان العالم يقوم به ويحفظه.2- والأقطاب السبعة وكل منهم في إقليم من أقاليم الأرض السبعة أي في قارة من القارات السبع.-3 ‏(‏والأبدال‏)‏ وزعموا أنهم أربعون وهم يعيشون في العالم، وكلما هلك واحد منهم أبدله الله بغيره لحفظ الكون‏!‏‏!‏4- (والنجباء‏)‏ وهم ثلاثمائة كل منهم يتولى شأنًا من شئون الخلق‏.‏‏        ‏ولا يشك مسلم يعلم شيئًا من الكتاب والسنة ولا عالم قد اطلع على علوم الكتاب والسنة أن ما قاله الصوفية في هذا الصدد هراء وكذب، لا أساس له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: ولكن الصوفية أرادوا أن يؤسسوا لهم دولة في الباطن تحكم وتنفذ وتتحكم في شئون الناس فبنوا هذه الدولة العجيبة الباطنية التي يتحكم فيها هؤلاء الذين سموهم بالغوث والأقطاب والأبدال والنجباء والأوتاد‏.‏‏.‏ويتعجب الإنسان وهو يطالع الفكر الصوفي في هذا الصدد كيف أن المتصوفة أحكموا خطتهم للسيطرة على عقول الناس، ولإدخالهم إلى دينهم العجب العجيب حيث أوهموهم أن التصريف في الأرض والسماء والخلق أجمعين إنما هو لدولتهم الخفية التي يتحكم فيها أولياء الصوفية‏.‏‏.‏هؤلاء الأولياء الذين قد يكونون أحيانًا أميين لا يعرفون قراءة ولا كتابة وأحيانًا مجاذيب يصرخون ويبولون في الطرقات وأحيانًا زناة وشاربي خمور قد رفعت عنهم التكاليف الظاهرة وأن منهم من يعيش طيلة عمره قذرًا وسخًا لا يتطهر بماء قط أو صابون ليوفر الماء للفقراء‏!‏‏!‏ ومع ذلك فهؤلاء الأولياء يعلمون الغيب كله ولا يخفى عليهم شيء في الأرض ولا في السماء ولا يعجزهم شيء ولا يقف أمام إرادتهم أحد أبداً.       وقد كفانا عبد الوهاب الشعراني مئونة تجميع خرافاتهم في مراتب الولاية، يقول‏:‏"وأما القطب فقد ذكر الشيخ في الباب الخامس وخمسين ومائتين أنه لا يتمكن القطب من أن يقوم في القطابة إلا بعد أن يحصل معاني الحروف التي في أوائل السور المقطعة مثل ألم، والمص، ونحوهما فإذا أوقفه الله تعالى على حقائقها ومعانيها تعينت له الخلافة وكان أهلًا لها‏.‏‏فإن قلت‏‏:فما علامة القطب فإن جماعة في عصرنا ادعوا القطبية وليس معنا علم برد دعواهم‏.‏(‏فالجواب‏)‏ قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي أن للقطب خمس عشرة علامة‏:‏أن يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ويكرم بكرامة الحلم والفضل بين الموجودين وانفصال الأول عن الأول وما انفصل عنه إلى منتهاه وما ثبت فيه حكم ما قبل وما بعد وحكم من لا قبل له ولا بعد، وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه‏.‏‏.‏‏"‏.القطب الغوث واحد في الزمان فقط :      يقول ابن عربي أن القطب الأكبر أو ما يسمونه بالغوث واحد في كل زمان‏.‏ فيقول‏:"‏قال الشيخ في الباب الخامس والخمسين ومائتين‏:‏ومن خصائص القطب أن يختلي بالله تعالى وحده ولا تكون هذه المرتبة لغيره من الأولياء أبدًا ثم إذا مات القطب الغوث انفرد تعالى بتلك الخلوة لقطب آخر لا ينفرد قط بالخلوة لشخصين في زمان واحد أبدًا‏.‏ وهذه الخلوة من علوم الأسرار‏.‏ وأما ما ورد في الآخرة من أن الحق تعالى يخلو بعبده ويعاتبه فذلك من باب انفراد العبد بالحق تعالى لا من باب انفراد الحق بالعبد فافهم واكتم‏"‏‏.([29])‏‏ وحتى لا يقع المتصوفة في الأشكال المعروفة وهو أن كان أقطاب التَّصوف في عهد الخلافة الراشدة لذلك بادر ابن عربي للقول أن أبا بكر وعمر كانوا أقطابًا بالمعنى الصوفي‏.‏‏.‏ونقول حاشا الصحابة أن يدخلوا في هذا الزور والبهتان‏.‏       يقول ابن عربي‏:"‏ثم اعلم أنه لما كان نصب الإمام واجبًا لإقامة الدين وجب أن يكون واحدًا لئلا يقع التنازع والتضاد والفساد فحكم هذا الإمام في الوجود حكم القطب‏.‏ قال‏:‏ وقد يكون من ظهر الأئمة بالسيف أيضًا قطب الوقت كأبي بكر وعمر في وقته، وقد لا يكون قطب الوقت فتكون الخلافة لقطب الوقت الذي لا يكون إلا بصفة العدل، ويكون هذا الخليفة الظاهر من جملة نواب القطب في الباطن من حيث لا يشعر فإن الجور والعدل يقع من أئمة الظاهر ولا يكون القطب إلا عادلًا‏.‏ واعلم أن القطبية كما أنها قد تكون لولاة الأمور كذلك قد تكون في الأئمة المجتهدين من الأربعة وغيرهم بل هي فيهم أظهر ويكون تظاهرهم بالاشتغال بالعلم الكسبي حجابًا عليهم لكون القطب من شأنه الخفاء رضي الله عنهم أجمعين‏".([30]‏‏)‏ وهكذا يجعل ابن عربي بعض الخلفاء أقطابًا وبعض الفقهاء كذلك‏.‏ ولقد من ابن عربي على الإمام الشافعي فأعطاه رتبة ‏(‏الوتد‏)‏ في مملكته الصوفية، أي أنه كان يسيطر على ربع العالم‏.‏ وأما الإمام أحمد فأن ابن عربي لم يمن عليه بشيء من هذه الرتب الصوفية واكتفى بأن جعله مجرد(صديق‏)‏‏!‏‏!‏ وهي منزلة العامة عندهم ممن يؤمن بالخرافات الصوفية‏.‏وظيفة القطب‏:‏       يقول الشعراني عن شيخه ابن عربي‏:‏"‏وقال في الباب الثالث والثمانين وثلاثمائة‏:‏اعلم أن بالقطب تحفظ دائرة الوجود كله من عالم السكون والفساد وبالإمامين يحفظ الله تعالى عالم الغيب والشهادة وهو ما أدركه الحس، وبالأوتاد يحفظ الله تعالى الجنوب والشمال، والمشرق والمغرب، وبالأبدال يحفظ الله الأقاليم السبعة، وبالقطب يحفظ الله تعالى جميع هؤلاء لأنه هو الذي يدور عليه أمر عالم الكون كله فمن علم هذا الأمر علم كيف يحفظ الله الوجود على عالم الدنيا ونظيره من الطب علم تقويم الصحة ‏(‏فإن قلت‏)‏ فهل للقطب تصريف في أن يعطي القطبية لمن شاء من أصحابه وأولاده‏.‏(فالجواب‏)‏ ليس له تصريف في ذلك وقد بلغنا أن بعض الأقطاب سأل الله أن تكون القطبية من بعده لولده فإذا بالهاتف يقول له‏:‏ ذلك لا يكون إلا في الإرث الظاهر وأما الإرث الباطن فذلك إلى الله وحده الله أعلم حيث يجعل رسالته‏.‏فعلم أنه ما حفظ من حفظ من الأولياء وغيرهم من جهاته الأربعة إلا بالأوتاد الذين كان منهم الإمام الشافعي رضي الله عنه وما حفظ من حفظ في صفاتها لسبع إلا بالأبدال السبعة فكل صفة لها بدل يحفظها على صاحبها من حياة وعلم وقدرة،وإرادة وسمع وبصر وكلام‏.([31])الأبدال السبعة ووظائفهم‏:‏      قال الشعراني‏:‏وقال الشيخ أيضًا:"‏اعلم أن لكل بدل من الأبدال السبعة قدرًا، يمده من روحانية الأنبياء الكائنين في السماوات فينزل مدد كل بدل من حقيقة صاحبه الذي في السماء‏.‏قال‏:‏وكذلك أمداد الأيام السبعة فتنزل من هؤلاء الأبدال لكل يوم مدد يختص به من ذلك البدل‏.‏(فإن قلت‏)‏ وهل يزيد الأبدال وينقصون بحسب الشئون التي يبدلها الحق تعالى أو هم على عدد واحد لا يزيدون ولا ينقصون‏؟‏‏؟‏(فالجواب‏)‏هم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون وبهم يحفظ الله الأقاليم السبعة ومن شأنهم العلم بما أودع الله تعالى في الكواكب السيارة من الأمور والأسرار في حركاتها ونزوله في المنازل المقدرة‏.(‏فإن قلت‏)‏ فلم سموا أبدالًا‏؟‏ ‏(فالجواب‏)‏ كما قاله الشيخ في الباب الثالث والسبعين‏:‏أنَّهم سموا أبدالًا لأنَّ كلَّ واحد منهم إذا فارق مكانه خلفه فيه شخص على صورته لا يشك الرائي أن ذلك البدل‏.‏(فإن قلت‏)‏ فهل ترتيب الأقاليم السبعة على صورة ترتيب السماوات بحيث يكون ارتباط الإقليم الأول بالسماء السابعة والثاني بالسماء السادسة،وهكذا‏.‏‏.(‏فالجواب‏)‏ كما قاله الشيخ في الباب الثمن والتسعين ومائة‏:‏ نعم يكون روحانية كل إقليم مرتبطة بالسماء المشاكلة له، فالإقليم الأول للسِّماء السابعة وهكذا‏.‏‏.‏(وإيضاح ذلك‏)‏ أن تعلم يا أخي أنَّ الله تعالى جعل هذه الأرض التي تجن عليها سبعة أقاليم ‏(‏أي سبع قارات هي قارات العالم المعروفة‏)‏، واصطفى من عباده المؤمنين سبعة سماهم الأبدال، وجعل لكل بدل إقليمًا يمسك الله وجود ذلك الإقليم به فالإقليم الأول ينزل الأمر إليه من السماء الأولى التي هي السابعة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه هو على قلب الخليل إبراهيم عليه السلام والإقليم الثاني ينزل الأمر إليه من السماء الثانية وينزل إليه الروحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قلب موسى عليه السلام، والإقليم الثالث ينزل إليه الأمر الإلهي من السماء الثالثة، وينظر إليه روحانية كوكبها البدل الذي يحفظه على قلب هارون ويحيى بتأييد الرابعة قلب الأفلاك كلها، وينظر إليه روحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قلب إدريس عليه السلام وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن، والأقطاب فينا نوابه كما مر والإقليم الخامس ينزل إليه الأمر من السماء الخامسة،وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظ الله به هذه الأقاليم على قلب يوسف عليه السلام بتأييد محمد صلى الله عليه وسلم والإقليم السادس ينزل الأمر عليه من السماء السادسة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب عيسى روح الله ويحيى عليهما السلام والإقليم السابع ينزل الأمر إليه من السماء الدنيا وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب آدم عليه السلام‏.‏ مدة حكم القطب ووظيفته       يذكر ابن عربي لنا مدة حكم القطب والأعمال المنوطة به فيقول كما نقل الشعراني‏:‏"‏‏(فإن قلت‏)‏ فهل مدة معينة للقطبية إذا وليها صاحبها لا يعزل منها حتى تنقضي‏؟‏ (‏فالجواب‏)‏ ليس للقطبية مدة معينة فقد يمكث القطب في قطبيته سنة أو أكثر أو أقل إلى يوم إلى ساعة فإنها مقام ثقيل لتحمل صاحبها أعباء الممالك الأرضية كلها ملوكها ورعاياها‏.‏ وذكر الشيخ في(الباب الثالث والستين وأربعمائة) أنَّ كل قطب يمكث في العالم الذي هو فيه على حسب ما قدر الله عز وجل، ثم تنسخ دعوته بدعوة أخرى كما تنسخ الشرائع بالشرائع وأعني بالدعوة ما لذلك القطب من الحكم والتأثير في العالم فمن الأقطاب من يمكث في قطبيته الثلاث والثلاثين سنة وأربعة أشهر ومنهم من يمكث فيها ثلاث سنين ومنهم كما يؤيد ذلك مدة خلافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فإنهم كانوا أقطابًا بلا شك‏"‏.([32]) ابن عربي القطب الأعظم     بعد أن وصف ابن عربي كل هذا الوصف الخرافي للأقطاب والأبدال والأوتاد فلا بد أن يخص نفسه بلقب من هذه الألقاب‏.‏ وتأبى كرامة ابن عربي طبعًا أن يختار لقباً دونًا، فيعلن عن نفسه أنَّه القطب الأعظم الذي لا أعظم منه أبداً يقول بالنص‏:‏ "‏لا أعرف في عصري هذا أحدًا تحقق بمقام العبودية مثلي وذلك لأنني بلغت في مقام العبودية الغاية بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا العبد المحض الخالص الذي لا يعرف للربوبية على أحد من العالم طمعًا، وقد منحني الله تعالى هذا المقام هبة منه، ولم أنله بعمل، وإنَّما هو اختصاص إلهي‏".([33])ختم الولاية     نشأ في الفكر الصوفي منذ القرن الثالث الهجري دعوى كاذبة وهي أن الأولياء يختمون كما أن الأنبياء لهم نبي خاتم‏.‏ وأول من أظهر هذه الفكرة ودعا رجل يسمى محمد بن علي بن الحسن الترمذي ويسمونه الحكيم وجد في أواخر القرن الثالث الهجري وهو مجهول سنة الولادة والوفاة‏.‏ ولقد ألف كتابًا في هذا أسماه ‏(‏ختم الأولياء‏)‏ يقول في هذا الكتاب المذكور؛"‏وما صفة ذلك الولي، الذي له إمامة الولاية ورياستها وختم الولاية‏؟‏ قال‏:‏ ذلك من الأنبياء قريب، يكاد يلحقهم‏.‏ قال‏:‏ فأين مقامه‏؟‏ قال‏:‏ في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحًا في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي‏.‏ قال‏:‏وما خزائن السعي‏؟‏ قال‏:‏إنما هي خزائن ثلاث‏:‏ خزائن المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا خاتم الأولياء مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب‏:‏ فهو في السعي أبدًا فمرتبته ههنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشف له الغطاء عن مقام الأولياء ومراتبهم وعطاياهم وتحفهم‏".‏ختم الولاية.‏        وقد تدرَّج الترمذي هذا في دعواه تلك تدرجًا إبليسيًا خبيثًا حيث هو يجابه العالم الإسلامي بمثل هذه العقيدة الفاسدة، فيتذرع لنشر عقيدته الباطلة بتحريف النصوص القرآنية والحديثية فيزعم أن للأولياء البشرى في الحياة الدنيا مستدلًا بقوله تعالى‏:‏(‏ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم‏)‏ ‏يونس‏:‏62-64‏.‏ وأن الرسول بشر بعض أصحابه بالجنة، وأنَّه صلى الله عليه وسلم قد أخبر البشرى باقية في الرؤيا.       أقول‏: يتذرع الترمذي بهذه النصوص من القرآن والسنة الصحيحة ليبث في عقائد المسلمين أن الولاية لا تنقطع وأن فضل الله على هذه الأمة لا يتوقف، وأنَّ البشرى باقية بعد الرسالة، وأن الأولياء يصلون إلى معرفة الحق لأنَّ الله في زعمه كشف عنهم الحجب كلَّها ويقول في هذا الشأن بالنص‏:‏"‏فهذه الطبقة التي يكبر في صدورهم ‏(‏يعني علماء السنة الذين ينكرون هذه الترهات والأكاذيب‏)‏ بلوغ الأولياء هذا المحل من ربهم فيدفعون هذا لجهلهم، لا يعلمون أن لله عبادًا أغرقوا في بحر جوده، فجاد عليهم، بكشف الغطاء عن قلوبهم، عن عجائب، وأطلعهم من ملكه ما نسوا في جنبه كل مذكور، حتى تنعموا به في حجبه الربانية‏"‏.([34]) ابن عربي وختم الولايةيقول ابن عربي مدعيًا لنفسه ختم الولاية‏:‏"‏وأما ختم الولاية المحمدية فهي لرجل من العرب‏.‏ من أكرمها أصلًا ويدًا‏.‏ وهو في زماننا اليوم موجود‏.‏ عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه من عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه وهو خاتم النبوة المطلقة لا يعلمها كثير من الناس وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به‏.‏ وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم نبوة الشرائع كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الإرث المحمدي لا التي تحصل من سائر الأنبياء، فإن من الأولياء من إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوحدون بعد الختم المحمدي، وبعده فلا يوجد ولي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، هذا معنى خاتم الولاية المحمدية‏"‏.([35])      وابن عربي جاء من بعده ليزعم أن خاتم الأولياء - يعني نفسه- أفضل من خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بناء على تفضيله الولي على النبي كما قال في شعره‏:‏مقام النبوة في برزخ.......فويق الرسول ودون الولي      ويأتي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، ويعجبون له ويقولون‏:‏ هلا وضعت هذه اللبنة‏؟‏ قال‏:‏ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين‏".(‏ ([36]فيزعم أن اللبنة التي رآها الرسول هي لبنة فضة، وأما خاتم الأولياء فإنه يرى أن الجدار قد نقص لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب، وأنه يرى نفسه قد انطبع موضع هاتين اللبنتين.     وقد تصدى الإمام ابن تيمية رحمه الله لهذه المزاعم في أماكن كثيرة من كتبه ومن ذلك قوله‏:‏"‏وكذا خاتم الأولياء لفظ باطل لا أصل له‏.‏ وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي‏.‏ وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء‏:‏ كابن حموي، وابن عربي، وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعًا في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء، فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي رضي الله عنه، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن نقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم، بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما‏"‏.([37])      وقال رحمه الله أيضًا‏:"‏‏إن دعوى المدعي وجود خاتم الأولياء، على ما ادعوه، باطل لا أصل له، ولم يذكر هذا أحد من المعروفين قبل هؤلاء إلا أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي الحكيم في كتاب‏(‏ختم الولاية‏)‏ وقد ذكر في هذا الكتاب وهو خطأ وغلط مخالف للكتاب والسنة والإجماع‏.‏ وهو رحمه الله تعالى وإن كان فيه فضل ومعرفة، ومن الكلام الحسن المقبول والحقائق النافعة أشياء محمودة.     ‏قلت‏:‏رحم الله ابن تيمية‏:‏ أي شيء محمود في كتابه وقد بناه من أوله لآخره على أن الأولياء معصومون، وأن الله هو يختصهم ويختارهم، وأن التكليف ليس شرطًا في ولايتهم، وأنهم يعلمون الغيب كله‏.‏‏.‏بل أسس في كتابه ختم الولاية كل أصول الشر لمن جاء بعده‏، ففي كلامه من الخطأ ما يجب رده‏.‏     وقال أيضًا‏:"‏ومنها ما ادعاه من خاتم الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم خاتم الأنبياء مع الأنبياء، وهذا ضلال واضح، فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأمثالهم، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما ثبت ذلك بالنصوص المشهورة، وخير القرون قرن صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح‏:‏‏"‏خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".(‏[38])      واقرأ ما يقوله ابن تيمية أيضًا في ذلك‏:"‏ولهذا كان الملاحدة من المتصوفة على طريقهم، كابن عربي وابن سبعين وغيرهما، قد سلكوا مسلك ملاحدة الشيعة، كأصحاب رسائل إخوان الصفا واتبعوا ما وجدوه من كلام صاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها وغير ذلك مما يناسب ذلك، فصار بعضهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقه‏.‏ فيقول كما كان ابن سبعين يقول‏:‏‏"‏لقد زَرَّبَ ابن آمنة"، ‏ضيق على الناس ويعني بابن آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:"‏لا نبوة بعدي‏"‏‏!‏ أو يرى، لكونه أشد تعظيمًا للشريعة، أن باب النبوة قد أغلق؛ فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء‏.‏ ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا، وأنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول‏.‏‏.فمحمد عندهم يأخذ من الملك الذي هو عندهم خيال في نفسه، وذلك الخيال يؤخذ عن العقل‏.‏ فمحمد عندهم يأخذ عن جبريل وجبريل يأخذ عن ما علمه من النفس الفلكية، فزعم ابن عربي أنه يأخذ من العقل، وهو المعدن الذي يأخذ منه جبريل فإن ابن عربي وهؤلاء يعظمون طريق الكشف والمشاهدة والرياضة والعبادة، ويذمون طرق النظر والقياس وما يدعونه من الكشف والمشاهدة، عامته خيالات أنفسهم، ويسمونه حقيقة‏.‏‏.‏‏".([39])الديوان الصوفي الذي يحكم العالم:     إكمالًا لإحكام السيطرة الخرافية على العالم، اخترع رجال التَّصوف بخيالاتهم الشيطانية المريضة‏.‏‏.‏اخترعوا ديوانًا للأقطاب والأوتاد وسائر صنوف الأولياء عندهم ينعقد في غار حراء، وفي أماكن أخرى أحيانًا ليدير هذا الديوان العالم من خلال قراراته‏.‏‏.‏وقد كفانا أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي في كتابه الإبريز المؤنة وقد بسط وشرح بخيال لا يجارى، وبعقلية عندها قدرة عجيبة على الكذب والبهتان، هذا الديوان العجيب على الرغم من أنه غاية في الكفر والزندقة ولا يخلو من طرافة الخرافة‏.‏ وسأحاول أن تكون تعليقاتي وشرحي لبعض ما جاء في هذا الديوان قليلة وذلك أنني أتصور وأعتقد أيضًا أن الفكرة السيئة يكفي لدحضها وبيان تفاهتها أن يعرفها الناس فلو أن الناس عرفوا الأفكار الصوفية على حقيقتها لما راج التَّصوف وقامت سوقه، ولكن لأنه دائمًا كان يغلف الخرافة والكفر والشرك بالرموز والأسرار، واللف والدوران مع ما يعلنه من التمسك بالكتاب والسنة جعل الناس يتهافتون على ما عندهم ظنًا أن عندهم فعلًا علومًا جديدة وفوائد عظيمة ولكن لو أن الناس فهموا ما عند المتصوفة على حقيقته لتغير الحال‏.‏ وهذا نمط من الأسرار الصوفية التي يدعي المتصوفة أنهم وصلوا إليها‏.‏      والديوان يكون بغار حراء الذي كان يتحنف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، فيجلس الغوث خارج الغار ومكة خلف كتفه الأيمن والمدينة أمام ركبته اليسرى وأربعة أقطاب عن يمينه وهم مالكية على مذهب مالك بن أنس رضي الله عنه وثلاثة أقطاب عن يساره واحد من كل مذهب ومن المذاهب الأخرى والوكيل أمامه، ويسمى قاضي الديوان، وهو في هذا الوقت مالكي أيضًا من بني خالد القاطنين بناحية البصرى واسمه سيدي محمد بن عبد الكريم البصراوي، ومع الوكيل يتكلم الغوث ولذلك يسمى وكيلًا لأنه ينوب في الكلام عن جميع من في الديوان‏.‏ قال والتصرف للأقطاب السبعة على أمر الغوث، وكل واحد من الأقطاب السبعة تحته عدد مخصوص يتصرفون تحته والصفوف الستة من وراء الوكيل وتكون دائرتها من القطب الرابع الذي على اليسار من الأقطاب الثلاثة فالأقطاب السبعة هم أطراف الدائرة، وهذا هو الصف الأول وخالطه الثاني على صفته وعلى دائرته، وهكذا الثالث إلى أن يكون السادس آخرها‏.‏               ويحضره النساء وعددهن قليل وصفوفهن ثلاثة، وذلك في جهة الأقطاب الثلاثة التي على اليسار فوق دائرة الصف الأول فسحة هناك بين الغوث والأقطاب الثلاثة.       ويحضره بعض الكمل من الأموات ويكونون في الصفوف مع الأحياء ويتميزون بثلاثة أمور:-أحدها:أن زيهم لا يتبدل بخلاف زي الحي وهيئته، فمرة يحلق شعره ومرة يحدد ثوبه وهكذا‏.‏ وأما الموتى فلا تتبدل حالتهم فإذا رأيت في الديوان رجلًا على زي لا يتبدل فاعلم أنه من الموتى كأن تراه محلوق الشعر ولا ينبت له شعر، فاعلم أنه على تلك الحالة مات، وإن رأيت الشعر على رأسه على حاله لا يزيد ولا ينقص ولا يحلق فاعلم أنَّه ميت وأنه مات على تلك الحالة.ثانيها:أنَّه لا تقع معهم المشاورة في أمور عالم الأموات.ثالثها: أن ذات الميت لا ظل لها فإذا وقف الميت بينك وبين الشمس فإنك لا ترى له ظلًا وسره أنه يحضر بذات روحه لا بذاته الفانية الترابية وذات الروح خفيفة لا ثقيلة وشفافة لا كثيفة. والأموات الحاضرون في الديوان ينزلون إليه من البرزخ يطيرون طيرًا بطيران الروح فإذا قربوا من موضع الديوان بنحو مسافة نزلوا إلى الأرض ومشوا على أرجلهم إلى أن يصلوا إلى الديوان تأدبًا مع الأحياء وخوفًا منهم‏.‏ قال وكذا رجال الغيب إذا زار بعضهم بعضًا فإنه يجيء بسير روحه، فإذا قرب من موضعه تأدب ومشى مشي ذاته الثقيلة تأدبًا وخوفًا‏.‏ قال وتحضره الملائكة وهم من وراء الصفوف ويحضر أيضًا الجن الكمل وهم الروحانيون وهم من وراء الجميع وهم لا يبلغون صفًا كاملًا. وفائدة حضور الملائكة والجن أن الأولياء يتصرفون في أمور تطيق ذواتهم الوصول إليها وفي أمور أخرى لا تطيق ذواتهم الوصول إليها فيستعينون بالملائكة وبالجن في الأمور التي لا تطيق ذواتهم الوصول إليها‏".(‏[40])   والغوث الصوفي هو بمنزلة رب الأرباب عندهم أو كبير المتصرفين في هذا العالم، وهناك عدد كبير جدًا من المتصوفة زعم أنه وصل إلى هذه المرحلة ‏‏الغوثية أو القطبية، ومن القطبانية الكبرى‏‏ الدباغ:الذي كان أمياً جاهلًا لا يحفظ حزبًا من القرآن الكريم.        وجعلت الصوفية هذا الغوث الذي يدبر العالم من غار حراء جعلوا في خدمته الأقطاب والأوتاد والنجباء وسائر الأولياء بل والملائكة والجن أيضًا‏.‏‏.‏ولم يقصروا الحضور على الأحياء فقط بل جعلوا الحضور للأموات أيضًا‏.‏‏ من يحضر الديوان؟:-      قال الدباغ‏:‏‏"‏وفي بعض الأحيان يحضره النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أحضر عليه السلام جلس في موضع الغوث، وجلس الغوث في موضع الوكيل للصف، وإذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم جاءت معه الأنوار التي لا تطاق دائمًا وهي أنوار محرقة مفزعة قاتله لحينها، وهي أنوار المهابة والجلالة والعظمة، حتى إننا لو فرضنا أربعين رجلًا بلغوا في الشجاعة مبلغًا لا مزيد عليه ثم فوجئوا بهذه الأنوار فإنهم يصعقون لحينهم إلا أن الله تعالى يرزق أولياءه القوة على تلقيها ومع ذلك فإنه قليل منهم هو الذي يضبط الأمور والتي صدرت في ساعة حضوره صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال وكلامه صلى الله عليه وسلم مع الغوث قال وكذلك الغوث إذا غاب صلى الله عليه وسلم تكون له أنوار الخارقة حتى لا يستطيع أهل الديوان أن يقربوا منه بل يجلسون منه على بعد فالأمر الذي ينزل من عند الله تعالى لا تطيقه ذات إلا ذات النبي صلى الله عليه وسلم وإذا خرج من عنده صلى الله عليه وسلم فلا تطيقه ذات إلا ذات الغوث ومن ذات الغوث يتفرق على الأقطاب السبعة ومن الأقطاب السبعة تفرق على أهل الديوان‏"‏.([41])        ويستمر السلجماسي في خيالاته الشيطانية فيقول‏:‏ ‏"‏وسألته رضي الله عنه هل يحضر الديوان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وغيرهما من الرسل على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام فقال رضي الله عنه يحضرونه في ليلة واحدة في العام قلت فما هي قال في ليلة القدر فيحضره في تلك الليلة الأنبياء والمرسلون ويحضره الملأ الأعلى من الملائكة المقربين وغيرهم ويحضره سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ويحضر معه أزواجه الطاهرات وأكابر صحابته الأكرمين رضي الله عنهم أجمعين‏"‏.([42])ساعة انعقاد الديوان-:      ساعة الديوان هي الساعة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أيضا ساعة الاستجابة من ثلث الليل الأخير التي وردت بها الأحاديث كحديث‏:‏"ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له"‏.‏‏ ومن أراد أن يظفر بهذه الساعة فليقرأ عند إرادة النوم.([43]) لغة أهل الديوان:-       يقول المؤرخ الصوفي أحمد بن مبارك‏:"‏سمعته رضي الله عنه يقول إن لغة أهل الديوان رضي الله عنهم هي السريانية لاختصارها وجمعها المعاني الكثيرة ولأن الديوان يحضر الأرواح والملائكة والسريانية هي لغتهم ولا يتكلمون العربية إلا إذا حضر النبي صلى الله عليه وسلم أدبًا معه‏"‏.([44])     ولسنا أدري لماذا يجمع المتصوفة تقريبًا على اختيار اللغة السريانية لغة للديوان، ولمعاني الحروف، وللأذكار فإما للتلبيس على الناس لأنها لغة منقرضة لا توجد إلا في قرية واحدة الآن من قرى سوريا ولا يتكلمها إلا نحو خمسمائة شخص فقط، أو لأن هذه اللغة كانت لغة أقوام اشتهروا بعبادة الجن والأوثان وهذا الذي يبدو فإنَّ هذه اللغة كانت لأقوام وثنيين من عبدة الجن والكواكب وما يزال كثير من هذه القرية التي يتكلم أصحابها بهذه اللغة مهجورًا مسكونًا بالجن‏.‏
 الديوان يعقد في صحراء السودان أحيانًا:      الصحراء السودانية مكان آخر لانعقاد الديوان يقول السلجماسي‏:"‏‏‏وسألته‏- أي الدباغ- رضي الله عنه هل يكون الديوان في موضع آخر غير غار حراء؟ فقال رضي الله عنه:نعم يكون في موضع آخر مرة في العام لا غير، وهذا الموضع يقال له زاوية أَسَا غرب السودان، فيحضر أولياء السودان ومنهم من لا يحضر الديوان إلا في تلك الليلة ويأذن الله تعالى، ويسوق أهل آفاق تلك الأراضي ويجتمعون بالوضع المذكور قبل تلك الليلة بيوم أو يومين وبعدها كذلك يجتمع في ذلك السوق من التبر ما لا يحصى فقلت وهل ثم مع آخر في غير هذين الموضعين فقال نعم يجتمعون ولكن لا يجتمع نحو العشرة منهم في موضع قط إلا في الموضعين السابقين لأن الأرض لا تطيقهم لأنه تعالى أراد تفرقهم في الأرض وفي الخلق والله تعالى أعلم‏".([45])ماذا لو غاب الغوث؟‏:‏      يقول السلجماسي أيضًا‏:‏ "‏وسمعته رضي الله عنه يقول قد يغيب الغوث عن الديوان فلا يحضر فيحصل بين أولياء الله تعالى من أهل الديوان ما يوجب اختلافهم فيقع منهم التصرف الموجب لأن يقتل بعضهم بعضًا فإن غالبهم اختار أمرًا، وخالف الأقل في ذلك فإن الأقل يحصل فيهم التصرف السابق فيموتون جميعًا وقد اختلفوا ذات يوم في أمر فقال طائفة منهم قليلة إن يكن لكم ذلك الأمر فلتمت فقالت الطائفة الكثيرة فموتوا إن شئتم فماتت الطائفة القليلة قال رضي الله عنه فإن تكافأ الفريقان إن حصل التصرف فيهم معًا فقلت فإنهم أهل بصيرة وكشف فلم يحصل بينهم النزاع، وهم يشاهدون مراد الله تعالى ببصيرتهم فقال رضي الله عنه إذا كان الأقل هو المخالف فإن الله يحجبهم عن المراد حتى ينفذ ما فيهم، وإذا تكافأ الفريقان فإنَّ مراد الحق سبحانه يخفى على الجميع، لأنَّ قلوب الأولياء الأوفياء مظاهر الأقدار، وقد اختلفت وتكافأت، فقلت فما سبب غيبة الغوث رضي الله عنه عن الديوان فقال رضي الله عنه:سببه أحد أمرين إما غيبته في مشاهدة الحق سبحانه فلهذا لا يحضر في الديوان وإما كونه في بداية توليته كما إذا كان بقرب موت الغوث الذي قبله فإنه قد لا يحضر في بداية الأمر حتى تأنس ذاته شيئًا فشيئًا قال رضي الله عنه:وقد يحضر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم في غيبة الغوث فيحصل لأهل الديوان من الخوف والجزع من حيث إنهم يجهلون العاقبة في حضوره صلى الله عليه وسلم ما يخرجهم عن جناسهم حتى إنه لو طال ذلك أيامًا لا نهدم العوالم‏"‏.([46]) أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ:         يقولون ليس كل من يحضر الديوان من الأولياء يقدر على النظر في اللوح المحفوظ بل منهم من يقدر على النظر فيه ومنهم من يتوجه إليه ببصيرته ويعرف ما فيه ومنهم من لا يتوجه إليه لعلمه بأنه ليس من أهل النظر إليه قال ابن عربي كالهلال فإن رؤية الناس إليه مخالفة‏"‏.لماذا يجتمع أهل الديوان‏:‏         يقول السلجماسي‏:‏‏"‏وسمعته رضي الله عنه يقول أن أهل الديوان إذا اجتمعوا فيه اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد فهم رضي الله عنهم يتكلمون في قضاء الله عز وجل في اليوم المستقبل والليلة التي تليه قال رضي الله عنه، ولهم التَّصرف في العوالم كلها السفلية والعلوية وحتى في الحجب السبعين وحتى في عالم الرقا وهو ما فوق الحجب السبعين فهم الذين يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهمس به ضمائرهم فلا يهمس في خاطر واحد منهم شيء إلا بإذن أهل التصرف رضي الله عنهم أجمعين وإذا كان هذا في عالم الرقا الذي هو فوق الحجب السبعين التي هي فوق العرش فما ظنك بغير من العوالم‏"‏.([47]) الشريعة الصوفية:       الشريعة الصوفية ونعني بها العمل الظاهر، والمنهج العملي الذي سلكه رجال التَّصوف تضليلًا للعامة، ووصولًا إلى العقيدة الباطنية، وتظاهرًا بالتمسك بالإسلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وسيعلم القارئ كيف أن الظاهر الصوفي والشريعة الخاصة الصوفية لا تكاد تخرج عن البدعة والفسق والكفر والشرك‏.‏ ولنبدأ بأخص أمورهم وأشهرها، التي جعلوها دائمًا المدخل إلى الطريق الصوفي ألا وهو الذكر‏.‏السماع والذكر الصوفي:     لقد كان أوائل الصوفية يحضرون مجلس السماع وهو الاجتماع في مكان معين لسماع منشد صاحب صوت حسن مع استعمال الإيقاع الموسيقي, ينشد قصائد الزهد وترقيق القلوب, ثم تطوروا إلى إنشاد قصائد الغزل وذكر ليلى وسعدى، ويقولون نحن نقصد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه القصائد التي تهيج الحب المطلق, الحب غير المعين, فكلٌ يأخذه حسب هواه وما يعتلج في قلبه من حب الأوطان أو حب النساء. وقد أباح لهم هذا السماع أبو حامد الغزالي، وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم, واحتجُّوا بأشياء واهية ضعيفة, وليس هذا موضوع مناقشة حكم الإسلام في الغناء, فقد ردَّ عليهم العلماء مثل ابن الجوزي، وأجاد ابن القيم في مناقضة هذا الموضوع في كتابه (إغاثة اللهفان), وتبقى الحقيقة أنَّ الأمة المسلمة أمَّة جادة ولا يحلل هذا الغناء إلا من لا يفقه الإسلام حق الفقه.      ولم يقتصر الأمر على هذه القصائد بل تطور إلى ذكر الله بالرقص والدف والغناء, وعندما تقام الحضرة.([48]) تبدأ التراتيل بذكر اسم الله المفرد (الله) بصوت واحد, ولكن عندما يشتد الرقص ويلعب الشيطان برؤوسهم يرفعون عقيرتهم أكثر ويتحول اسم الله إلى (هو) ثم لا تسمع بعدها إلا همهمة, وقد يجتمع مع هذا الصراخ والقفز في الهواء أخلاط الناس من النساء والأولاد لرؤية هذا(التراث الشعبي), حقاً إنها مهزلة اتبعوا فيها سنن الذين من قبلنا فقد جاء في مزامير العهد القديم عن اليهود:"ليبتهج بنو صهيون بملكهم, ليسبحوا اسمه برقص, بدف وعود, سبحوه برباب, سبحوه بصنوج الهتاف".([49])       جاء في(ترتيب المدارك) للقاضي عياض:"قال التنيسي:كنا عند مالك بن أنس وأصحابه حوله فقال رجل من أهل نصيبين:عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ثم يأخذون في القصائد, ثم يقومون فيرقصون. فقال مالك:أصبيان هم؟ فقال:لا. قال:أمجانين هم؟ قال:لا هم مشايخ وعقلاء. قال:ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا".([50])       وقد يكون من أسباب فعلتهم هذه هو أن النفس ترى أن تغطي شهواتها باسم الدين والذكر والحضرة. ولو كشفت بصراحة عن نوازعها لكان الخطب أهون, لأنها عندئذ تبقى في دائرة المعصية وهي أقل خطراً من البدعة. والله سبحانه وتعالى وصف الذاكرين له باطمئنان قلوبهم وخشوعهم وإخباتهم, وقد كان السلف إذا سمعوا القرآن خافوا وبكوا واقشعرت جلودهم, وهذا عكس الرقص والطرب, ولم يأمر الله سبحانه حين أمر الناس بالعبادة أن يأكلوا أكل البهائم ثم يقوموا للرقص, بل هذا الرقص الذي يسمونه (ذكراً) وما يرافقه من منكرات مستقبح ديناً وعقلاً, هو وصمة عار أن يكون في المسلمين من يفعل هذا.
 كيفية تتلقى الأذكار عند الصوفية:     يخطئ من يظن أن الصوفية أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم في هديه في الذكر حيث شرع لنا صلى الله عليه وسلم أن نذكر الله سبحانه وتعالى بأذكار مخصوصة في أوقات معلومة، والنبي عندما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن من قال كذا وكذا فله كذا وكذا من الأجر إنما يتكلم بالوحي لأن الأجر أمر غيبي يقدره الله ويعلمه، ولكن مشايخ الصوفية أراد كل منهم أن ينصب من نفسه مشرعًا لمجموعة من المريدين، وإلهًا يعبده الأتباع الجاهلون، وكان باب الأذكار هو الباب الذي دخل منه هؤلاء للتشريع للأتباع والمريدين فوضع كل منهم لأتباع طريقته منهجًا خاصًا بالذكر، وأذكارًا مخصوصة وكان لكل واحد منهم أن يضفي على ذكره الخاص هالة من التقديس، وأن يحاول جذب المريدين إليه بشتى الطرق والوسائل فمنهم من زعم أنَّ ذكره الخاص قد أخذه من الرسول منامًا، ومنهم من ادعى أنه أخذه من الرسول يقظة، ومنهم من زعم أن الخضر الذي أوحى له بالذكر، ومنهم من تنازل فنسب ذكره إلى شيخ طريقة ميت، ومنهم من تنازل عن ذلك فأخبر أتباعه أنه جمع لهم هذا الذكر من آيات القرآن، وأحاديث الرسول وتأليفاته، وأنه مجرب وأن من فعله حصل له كذا وكذا من الخير‏.‏ فقد فعله فلان فحصل له كذا وكذا، وفعله فلان فحصل له كذا وكذا‏.‏‏.‏وإليك أنماطًا من هذه الافتراءات والأكاذيب والخزعبلات لا يصدقها إلا من طمست بصائره.ذكر الله تعالى باسمه المفرد(الله):      لا شك في بدعية ذكر الله تعالى باسمه المفرد-الله- وأشد منه ذكره باسمه المضمر(هو) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً: فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحدٌ مِن سلف الأمة، ولا شَرعَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة، ولا حالاً نافعاً، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يُحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة، والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره. وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد، وأنواع مِن الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع.      وما يُذكر عن بعض الشيوخ مِن أنه قال:أخاف أن أموت بين النفي والإثبات!: حالٌ لا يقتدي فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اله الله، وقال:"مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"([51])، ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقَّن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمودٍ بل كان يلقَّن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد.         والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنَّة، وأدخل في البدعة، وأقرب إلى إضلال الشيطان فإن من قال:"يا هو، يا هو" أو:"هو،هو" ونحو ذلك:لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوِّره قلبُه والقلب قد يهتدي وقد يضل.       ثمَّ كثيراً ما يَذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل:"الله" بقوله:(قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) الأنعام:91. ويظن أنّ الله أمر نبيَّه بأن يقول الاسم المفرد، وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله:(قل الله) معناه:الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله تعالى:( قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله) الأنعام:91،أي:الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، ردَّ بذلك قول من قال:"ما أنزل الله على بشر من شيء:"فقال:"من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى؟ ثم قال: قل الله أنزله ثم ذر هؤلاء المكذبين في خوضهم يلعبون.        وممَّا يبين ما تقدم ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاما لا يحكون به ما كان قولاً فالقول لا يحكى به إلا كلام تام أو جملة اسمية أو فعلية ولهذا يكسرون "أن" إذا جاءت بعد القول فالقول لا يحكى به اسم والله تعالى لا يأمر أحداً بذكر اسم مفرد ولا شرع للمسلمين اسماً مفرداً مجرداً، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام ولا يؤمر به في شيء من العبادات ولا في شيء من المخاطبات.([52])        وقال رحمه الله أيضاً: فأما الاسم المفرد مظهرا مثل "الله...الله"، أو مضمراً مثل "هو...هو": فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنَّة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد مِن سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنَّما لهج به قوم من ضلال المتأخرين. وربما اتبعوا فيه حالَ شيخ مغلوب فيه مثلما يروى عن الشبلي أنَّه كان يقول:"الله، الله" فقيل له: لم لا تقول لا إله إلا الله ؟ فقال:أخاف أن أموت بين النفي والإثبات. وهذه مِن زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجْده وغلبة الحال عليه؛ فإنه كان ربما يجنُّ، ويُذهب به إلى المارستان، ويَحلق لحيته، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الإقتداء به فيها، وإن كان معذوراً أو مأجوراً، فإنَّ العبد لو أراد أن يقول لا إله إلا الله ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئاً إذ الأعمال بالنيات بل يكتب له ما نواه.   وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم " لا إله إلا الله " للمؤمنين، و"الله" للعارفين، و"هو" للمحققين، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على"الله الله الله"، أو على "هو"، أو "يا هو"، أو "لا هو إلا هو.      وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك واستدل عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّن عليَّ بن أبى طالب أن يقول "الله الله الله". فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ثم أمَر عليّاً فقالها ثلاثا، وهذا حديث موضوع بإتفاق أهل العلم بالحديث.     وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه، ورأس الذكر لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي عرضها على عمِّه أبي طالب حين الموت، وقال:"يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله". وقال:"إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند الموت إلا وجد روحه لها روحاً"، وقال:"مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، وقال:"مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة"([53])، وقال:"أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"([54]). والأحاديث كثيرة في هذا المعنى.    وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله:قد دلَّت الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة عن النبي أن أفضل الكلام كلمة التوحيد: وهي لا إله إلا الله، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله". وقوله عليه الصلاة والسلام:"أحبَّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر". وقد ذكر الله في كتابه العظيم هذه الكلمة في مواضع كثيرة؛ منها:قوله سبحانه:(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ). وقوله عز وجل:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ). والمشروع للمسلمين جميعا أن يذكروا الله بهذا اللفظ:"لا إله إلا الله"، ويضاف إلى ذلك:سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.      وقول الصوفية:الله الله، أو هو هو، فهذا من البدع، ولا يجوز التقيد بذلك. لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فصار بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". وقوله عليه الصلاة والسلام:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فهو رد أي فهو مردود ولا يجوز العمل به ولا يقبل. فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتعبدوا بشيء لم يشرعه الله؛ للأحاديث المذكورة. وما جاء في معناها؛ لقول الله سبحانه منكرا على المشركين:(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى:21.من أذكار الصوفية:       ذكر أحمد بن المبارك السلجماسي قال‏:‏"‏قص علينا بعض أصحابنا من أخيار أهل تلمسان، فأخبرني أنه سمع بعض من حج بيت الله الحرام يقول إنه زار قبر سيدي إبراهيم الدسوقي، فوقف عليه الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي نفعنا الله به وعلمه دعاء وهذا هو‏:‏بسم الله الخالق، يلجمه بلجام قدرته‏.‏ أحمى حميثاً أطمى طميثاً وكان الله قويًا عزيزًا‏.‏ حم عسق حمايتنا كهيعص كفايتنا، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏".([55])‏     والعجيب بعد كل هذا أنهم إذا سئلوا من أين لكم بهذه الخزعبلات التي تسمونها أذكارًا يقولون كما قال أبو الحسن الشاذلي عن نفسه، وقد سئل عن شيخه الذي أخذ عنه العلم فقال‏:‏‏"‏أمَّا فيما مضى فكان سيدي عبد السلام بن مشيش‏.‏ وأما الآن فأستقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية، أما السماوية فجبريل وميكائيل، وإسرافيل وعزرائيل والروح وأما الأرضية فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والنبي صلى الله عليه وسلم‏"‏.       وعبد السلام بن مشيش يقول في صلاته المشهورة عن الرسول يقول‏:‏"‏اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك اللهم ألحقني بنسبه وحققني بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من موارد الفضل واحملني على سبيله إلى حضرتك حملًا محفوفًا بنصرتك واقذف بي على الباطل فأدمغه وزج بي بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول يا أول يا آخر يا ظاهر، يا باطن اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا وانصرني بك لك وأيدني بك لك واجمع بيني وبينك‏"‏.([56])      وفي هذا الدعاء من الكفر والهذيان شيء عظيم لا يخفى على من عنده أي إلمام بشيء من علوم الدين قوله:(‏وزج بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة‏)‏ تصريح واضح لعقيدة ابن مشيش ومن على شاكلته من أهل وحدة الوجود الذين يسمون عقيدة التوحيد أوحالًا‏!‏‏!‏ وأما قوله:(‏واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي‏)‏ فيعني بالحجاب الرسول صلى الله عليه وسلم أي أن صورة الرسول صورة الله كما مضى بيان ذلك في كلام عبد الكريم الجيلي، والعجيب من قول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر والإمام الأكبر ‏"‏كان ابن مشيش متمسكًا بالكتاب والسنة عاملًا بها ملتزمًا لهما‏"‏.([57])     بل إن الشيخ عبد الحليم محمود يدوِّن في كتابه عن الشاذلي ما هو أدهى وأمر من ذلك وأضل فيقول‏:‏ "‏ولقد بهر ابن مشيش أبا الحسن الشاذلي، بهره بعلمه المشيد على الكتاب والسنة وبهره بولايته وكرامته، يقول أبو الحسن، كما يروي صاحب كتاب درة الأسرار‏: ورأيت له خرق عادات كثيرة، فمنها أنني كنت يومًا جالسًا بين يديه، وفي حجره ابن له صغير يلاعبه، فخطر ببالي أن أسأله عن اسم الله الأعظم، قال فقام إلى الولد، ورمى بيده في طوقي وهزني وقال‏:(‏يا أبا الحسن، أنت أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم، إنما الشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم‏)‏‏!‏‏!‏ يعني أن سر الله مودع في قلبك‏.‏ قال فتبسم الشيخ وقال لي‏:‏ جاوبك فلان عني‏"‏.       ومن ذلك الزعم بأن أوراد الطريقة الشاذلية التي تلقاها ابن إدريس وأخذها عن شيخه قد تعلمها ابن إدريس هذا مشافهة من النبي حال اليقظة لا حال المنام‏.‏ وقد رأينا نماذج من هذه الأوراد ونماذج الرجال الذين يزعمون أن رسول الله تنزل عليهم، وحضر إليهم ليخصهم بهذه الكرامات وبهذه الأوراد والأذكار، وحرم من ذلك أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة وجاء بعد ستة قرون من الزمان ليعلم هؤلاء أن يقول أحدهم ‏"‏اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في بحار الوحدة‏"‏‏.‏       هذه نماذج من الأدعية التي يزعمون أنهم يتلقونها من الغيب وأن الرسول جاء ليعلمها لهم والحال أن جميعها من وضع الشياطين وتلبيس الأباليس ومن التمويه على العامة والسذج بأن هؤلاء المشايخ عندهم أسرار ويتكلمون بكلام من الغيب العجيب كل العجب أن يجعل أمثال هؤلاء الذين يصرفون الناس عن القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة التي ظاهرها كباطنها أن يجعلوا أئمة للناس يقتدي بهم في هذا الدجل والشعوذة والكذب على الله ورسوله‏.‏
[1]- انظر مجموع الفتاوى 2/124.[2]- مجموع الفتاوى:ابن تيمية 2/52.[3]- قال إسماعيل بن علي الخطيب البغدادي في تاريخه قال‏:‏ وظهر أمر رجل يقال له‏:‏ الحلاج الحسين بن منصور، وذكر عنه ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس، من جهات تشبه الشعوذة والسحر، وادعاء النبوة،وترقى به الأمر إلى أن ادعى الربوبية، وسعى بجماعة من أصحابه إلى الخليفة فقبض عليهم ووجد عند بعضهم كتب تدل على تصديق ما ذكر عنه، وأقر بعضهم بذلك بلسانه، وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله‏.‏ فأمر الخليفة بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمره أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرى في ذلك خطوب طوال، ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر عنه، وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء فأمر بقتله وإحراقه بالنار‏.‏[4]- طبقات الصوفية للسلمي‏‏‏.[5]- ‏‏اعتقادات فرق المسلمين والمشركين:فخر الدين الرازي ص57‏‏‏.‏
[6]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق