الأحد، 23 أغسطس 2015

الرد على عباد القبور الصوفية========

وليس بها الحمد لله حجة
فمنصوصها في ترك من أظهر الهدى
فدلت على ترك لمن كان مظهراً
فيجري لهم حكم الظواهر جهرة
فان أظهر الكفر الذي هو مبطن
وليس على الاطلاق ما أنت مطلق
فقدهم خير المرسلين محمد
لانهمو لم يحضروا في جماعة
ولولا الذراري والنساء معللا
وما كان هم المصطفى بضلالة
وقد قتل الفاروق من ليس راضياً
ولم ينهه المعصوم عن قتل مثله
كما برأ من قتل خالد
فقالوا صبأنا قاصدين حقيقة
فأنكر هذا المصطفى ووداهمو
ولم ينته عن قتل من كان خارجاً
وهم انما فروا عن الكفر فاعتدوا
ويحقر أصخاب النبي صلاتهم
خلا أنه لم يأخذ المال منهو
فما قتل الشيخ الامام محمد
ولكنما تكفيره وقتاله
فقاتل من قددان بالكفر واعتدى
عن المسلمين الطائعين لربهم
وهب أن هذا قول كل منافق
(( فما كل قول بالقبول مقابل
ولا تلق للفساق سمعك واتئد
وما مربد في قوله بمصدق
(100/24)
فهذى تصانيف الامام شهيرة ... وليسا وتمويها على الأعين الرمد
فما باله لم ينته الرجل النجدي ))
مدونة مروبة عن ذوي النقد
على ترك مرتد عن الدين ذي جحد
وباطنه في الاعتقاد على الضد
من الدين اركانا فتدرأ عن حد
وباطن ما يخفى إلى الواحد الفرد
فليس له عاصم موجب يجدي
ففي ذاك تفصيل يبين لذي الرشد
باحراق من صلى وذاك على عمد
وقد فرضت عينا على كل مستهد
لا حرقهم فيما فباؤا بما يرى
ولا باطل لكن بحق وعن رشد
بحكم النبي المصطفى كامل المجد
ولا عابه في قتله ثم عن عمد
جذيمة لما أخطؤا باذلو الجهد
بذلك أسلمنا ولم يدر بالقصد
جميعاً فخذ بالعلم عن كل مستهد
عليه علي بل اباد ذوي اللد
وكانت صلاة القوم في غاية الحد
مع القوم من حسن الاداء مع الجهد
ولم يجرمنا في خطاء ولا عمد
لملتزم الاسلام ممن على العهد
لعباد أوثان طغاة ذوي جحد
وكف اكف المسلمين ذوي الرشد
ولم يشركوا بالواحد الصمد الفرد
يصد عن التوحيد بالجد والجهد
فحقق إذا رمت النجاة لما تبدي ))
ففيه وعيد ليس يخفى لذي النقد
فقد كان زند يقالدي كل مستهد
مدونة معلومة لذوي الرشد
(100/25)
قال المعترض في شرحه لابياته اخرج احمد والشافعي في مسنديهما من حديث عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلاً من الانصار حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (( أليس يشهد أن لا إله إلا الله )) فقال الانصارى بلى يا رسول الله ولا شهادة له ، قال (( أليس يشهد أن محمداً رسول الله )) قال بلى ولا شهادة له قال (( أليس يصلي )) قال بلى ولا صلاة له قال (( أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم )) وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد في قصة الرجل الذي قال يا رسول الله اتق الله وفيه فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ فقال (( لا لعله أن يكون يصلي )) فقال خالد فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إني لم أؤمر أن انقب عن قلوب الناس ولا أشق قلوبهم )) وفي الحديث الآخر (( نهيت عن قتل المصلين )) فجعل المصلين صلى الله عليه وسلم اقامة الرجل الصلاة ما نعه عن قتله وانه نهاه الله عنه .
(100/26)
( فالجواب ) أن يقال سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه ( كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ) اين إيراد هذه الاحاديث مما نحن فيه فان الشيخ رحمه الله تعالى لم يقاتل الاعلى أصل الاسلام ، والتزام مبانيه العظام ، ومن نقل عنه أنه قاتل على غير ذلك فقد كذب وافترى . على أن بعض العلماء يرى القتال على ترك الواجبات فكيف بما اجمع عليه سلف الامة وأئمتها ؟ وقد كان أهل نجد قبل ظهور هذه الدعوة المحمدية على غاية من الجهالة والضلالة والفقر والعالة لا يستريب في ذلك عاقل ولا يجادل فيه عارف كانوا على غاية من الجهالة في أمر دينهم جاهلية يدعون الصالحين ن ويعتقدون في الاشجار والاحجار والغيران يطوفون بقبور الاولياء ويرجعون الخير والنصر من جهتها ، وفيهم من كفر الاتحادية والحلولية وجهالة الصوفية ما يرون انه من الشعب الابمانية والطريقة المحمدية وفيهم من اضاعة الصلوات ومنع الزكاة وشرب المسكرات ما هو معروف مشهور ، فمحا الله بدعوته شعار الشرك ومشاهده وهدم بيوت الكفر والشرك ومعابده وكبت الطواغيت والملحدين ن والزم من ظهر عليه من البوادي وسكتن القرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى ، وكفر من أنكر البعث واسترب فيه من أهل الجهالة والجفا ، وأمر باقام الصلاة وايتاء الزكاة وترك المنكرات والمسكرات ، ونهى عن الابتداع في الدين ، وأمر بمتابعة السلف الماضين في الاصول والفروع ومسائل الدين ن حتى ظهر دين الله واستعلن واستبان بدعوته منهاج الشريعة والسنن وقام قائم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحددت الحدود الشرعية ، وعزرت التعازير الدينية ن وانتصب علم الجهاد قاتل لاعلاء كلمة الله أهل الشرك والفساد ، حتى سارت دعوته وثبت نصحه لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وجمع الله القلوب بعد بعد شتاتها ن وتألفت بعد عدوانها ، وصاروا بنعمة الله إخواناً فاعطاهم الله بذلك من النصر والعز والظهور ، ما
(100/27)
لا يعرف مثله لسكان تلك الفيافي والصخور ن وفتح الله عليهم الاحساء والقطيف ، وفهر سائر العرب من عمان إلى مصر ، ومن اليمن إلى العراق ، ودانت لهم عربها وأعطوا الزكاة ، فاصبحت نجد تضرب اليها أكباد الابل في طلب الدنيا والدين ن وتفتخر بما نالها من العز والنصر والاقبال كما قال عالم الاحساء وشيخها
لقد رفع المولى به رتبة العلى
تجربة نجد ذيول افتخارها ... بوقت به يعلي الضلال ويرفع
وحق لها بالالمعي ترفع
وهذا في أبيات لا نطيل بذكرها ولا ينكر ما قررناه الامكابر في الحسيات ومباهت في الضروريات ، يرى أن عبادة الصالحين ودعاءهم والتوكل عليهم وجعلهم وسائط بينه وبين الله مما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب ن وأنه هو الاسلام . والمقصود أن هؤلاء المعارضين قلبوا الحقائق وعكسوا القضية وأرادوا بهذا تنفير الناس عن دين الله والصد عن سبيله بما لفقوه من هذه الاكاذيب التي موهوا بها على خفافيش البصائر وزعموا أن الشيخ رحمه الله يقاتل اهل الاسلام وينهب أموالهم وهم يصلون ويزكون وهم قد بايعوا على الاسلام وهجروا ما كانوا عليه من الشرك بالله والكفر به . وهذا من الكذب والافتراء . ويستدل بهذه الاحاديث الواردة في المنافقين ومن المعلوم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل من المنافين علا نيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع إخبار الله له بأنهم ( اتخذوا أيمانهم جنة – وانهم يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا ) فعلم أن من ظهر الاسلام والتوبة من الكفر قبل ذلك منه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (( إني لم أؤمر أن انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) لما استؤذن في قتل ذي الخويصرة ولما استؤذن أيضا في قتل رجل من المنافقين قال (( أليس يشهد أن لا إله إلا الله )) قال بلى قال (( أليس يصلي )) قال بلى قال (( أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم )) فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل من
(100/28)
أظهر الاسلام من الشهادتين والصلاة وأن ذكر بالنفاق ورمي به وظهرت عليه دلالاته إذا لم يثبت بحجة شرعية أنه أظهر الكفر وأيضاً فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم وقد تبين ذلك حين قال (( لا يتحدث الناس ان محمداً يقتل أصحابه )) وقال (( إذاً تر عدله أنوف كثيرة بيثرب )) فانه لو قتلهم بما يعلم من كفرهم لا وشك أن يظن الظان أنه انما قتلهم لاغراض واحقاد قصد الاستعانة بهم عل الملك كما قال (( أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم )) وان يخاف من يريد الدخول في الاسلام أن يقتل مع اظهاره الاسلام كما قتل غيره وقد كان أيضاً يغضب قبيلته وأناس آخرون فيكون ذلك سبباً للفتنة واعتبر ذلك بما جرى في قصة عبد الله بن أبي لما عرض سعد بن معاذ بقتله خاصم اناس صالحون وأخذتهم الحمية حتى سكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استأذنه عمر في قتل ابن أبي .
قال أصحابنا ونحن الآن إذا حققنا مثل ذلك كففنا عن القتل كما قرر هذا شيخ الاسلام في الصارم المسلول .
فإذا تبين لك هذا علمت ان الاستدلال هذا المعترض بهذه الاحاديث التي ذكرها في المنافقين على ترك مقاتلة من كفر بالله وأشرك به من دعاة الاولياء والصالحين والاحجار والاشجار وطواغيت البوادي الذين يحكمون بأسلاف طواغيتهم وعاداتهم الجاهلية لاجل انهم يصلون ويزكون استدلال باطل ، وهل هذا الاقلب للحقائق ، ولبس للحق بالباطل بهذه الشقائق ، وهذا مما لا يخفى على الامير محمد بن اسماعيل الصنعاني رحمه الله فتبين أن هذا مما زوره عليه من لا يعرف دين الاسلام من دين أهل الكفر بالله من عباد الاوثان والاصنام .
قال الناظم
وقال لا ما أقاموا الصلاة في ... أناس أتوا كل القبائح عن قصد
فالجواب من النظم أن يقال
وقولك أيضاً في الائمة انهم
فقال له بعض الصحابة سائلا
(( فقال لهم لا ما أقاموا صلاتهم ))
(100/29)
أولئك قوم مسلمون أئمة
ولم يشركوا بالله جل جلاله
ولكنهم قد أخروها لفسقهم
ومسألة الانكار بالسيف جهرة
وفيها فساد بالخروج عليهمو
فماذا على الشيخ الامام محمد
ولكن على الكفر البواح الذي به
فايراد ذا في ضمن هذا تعنت ... أناس أتوا كل القبائح عن قصد
نقاتلهم حتى يفيئوا إلى القصد
نهى عن قتال القوم فاسمع لما أبدى
أتوا بمعاص منكرات ولا تجدي
ولم يتركوها قاصدين على عمد وعدوانهم أو للكاسل في الجد
تجر أموراً معضلات وقد تردي
بأنكر مما أنكروه من الجند
إذا لم يقاتل من ذكرت بما تبدى
أباح دماء القوم من كل ذي جحد
ولبس وإيهام على الاعين الرمد
قال الشارح للأبيات المزورة : إشارة إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يستعمل عليكم فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع )) فقالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم فقال (( لا ، ما صلوا )) انتهى .
وفي رواية (( ما أقاموا الصلاة )) فقولنا وقال لهم لا ضمير قاله ( ؟ ) صلى الله عليه وسلم والحديث اشرنا إليه بما ترى كما في قولنا في البيت نهيت عن ، ففي البيتين من علم البديع الاكتفا.
( فالجواب ) أن يقال وهذا أيضاً من نمط ما قبله فان شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب لم يقاتل الائمة ويخرج عليهم من أجل تأخيرهم الصلوات ولا غير ذلك من الامور التي ارتكبوها من الظلم والعدوان وغير ذلك مما لا يخرجهم من الملة وإنما قاتل على اصل الاسلام ومبانيه العظام كما قدمنا بيان ذلك مما لا فائدة في إعادته فالاستدلال على ترك قتال الائمة لأجل انهم يصلون على ترك قتال من عبد غير الله واتخذ من دون الاولياء يدعونهم ويستغيثون بهم ويتوكلون عليهم ويذبحون لهم ويلجئون إليهم في المهمات والملمات ويطلبون منهم قضاء الحاجات وإغاثة اللهفات إلى غير ذلك مما صرفه المشركون لغير فاطر السموات من المغالطة والتمويه وحسبنا الله ونعم الوكيل .
(100/30)
( واما قوله )
أبن لي أبن لي لم سفكت دماءهم
وقد عصموا هذا وهذا بقول لا
... ولم ذا نهبت المال قصداً على عمد
إله سوى الله المهيمن ذي المجد
( وقوله ) في الشرح إشارة إلى ما في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم علي الله )) وأخرجه الاماء أحمد رحمه في مسنده وابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم علي الله )) فأخبر صلى الله عليه وسلم ان الناس إذا آمنوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة حرمت دماؤهم وأموالهم وأما قوله إلا بحق الاسلام فالمراد به ما أباحه الاسلام في الدماء من قتل نفس مؤمنة بغير حق ومن زنى وهو محصن ومن ارتد عن الاسلام وقطع يد السارق وقتل الساعي في الارض فساداً أو نحو هذا وما أباحه من الاموال كأخذ الزكاة .
فالجواب على ما قاله في نظمه أن نقول
وقولك في مزيور ما أنت ناظم
(( ابن لي ابن لي لم سفكت دماءهم
(( وقد عصموا هذا وهذا بقول لا
أقول نعم خذ في الجواب أدلة
فمن كان صلى وزكى ولم يجيء
فدعواك في قتل ونهب تحكم
ومن بدل الاسلام يوماً بناقض
وكالمنع عن بذل الزكاة فحكمه
إذا قاتلوا بغيا اماما أرادها
ولو شهدوا أن لا إله سوى الذي
فما عصمتهم من صحابة أحمد
وسموهمو أهل ارتداد جميعهم
وما فرقوا بين المقر وجاحد
وليس علينا من خلاف مخالف
أولئك أصحاب النبي محمد
ومن بعدهم ممن يخالف لم يكن
وهم في جميع الدين أهدى طريقة
وأيضاً بنو القداح قد كان أمرهم
واجمع أهل العلم من كل جهبذ
(100/31)
وقد أظهروا لفظ الشهادة جهرة
وقد ابطنوا للكفر لكن تظاهروا
فلما أبانوا بعض أشياء خالفوا
فمن كان هذا حاله فهو كافر
وذاك باجماع الصحابة كلهم
وأما البغاة الخارجون فحكمهم
نقاتلهم حتى يفيؤا إلى الهدى
ومهما يقل فينا العدو فانهم
فما كان معروفاً من الدين واضحاً
على قتل مرتد وأخذ لماله
فما فرقوا بين المقر وجاحد
واجماع أهل العلم من بعد عصرهم
وغيلان بل كفروا لعبيدين والذي
وكل كفور من ذوي الشرك والردى
وما لفق الاعداء من قتل مسلم
فمحض أكاذيب وتزوير آفك ... كأنك قد أفصحت بالحق والرشد
ولم ذا نهبت المال قصداً على عمد ))
إله سوى الله المهمين ذي المجد ))
تدل على غير المراد الذي تبدى
بما ينقض الاسلام من كل ما يردي
وزور وبهتان وذلك لايجدي
لذلك بالكفران والجعل للنسد
كأحكام مرتد عن الدين ذي جحد
وذا قول أصحاب النبي ذوي الزهد
على العرش من فوق السموات ذي مجد
ولكنهم قد قاتلوهم على عمد
واجماعهم حتم لدى كل مستهد
كما هو معلوم لدى كل ذي نقد
لمن هم حماة الدين بالجد والجهد
فهم قدرة للسالكين على القصد
يقاربهم هيهات ما الشوك كالورد
وأقرب للتقوى وأقوم في الرشد
شهيراً ومعروفاً لدى كل ذي نقد
على كفرهم والحق في ذاك مستبد
وان رسول الله أفضل من يهدي
بما أظهروا للناس ما ليس بالمجدي
بها الشرع باؤا بالخسارة والطرد
حلال دم والمال ينهب عن قصد
وهذا باجماع الهداة ذوي الرشد
إذا خرجوا أو قاتلونا على عمد
ولا نأخذ الاموال نهباً كما تبدي
يقولون معروفاً وآخر لا يجدي
كاجماع اصحاب النبي ذوي الرشد
ومانع حق المال من غير ما جحد
ولا بين مرتد إلى الجعل للند
على قتل جهم والمريسي والجعد
على رأى جهم في اللتجهم والجحد
فتكفيرهم عنا صحيح بلا رد
ونهبة أموال تجل عن العد
وظلم وعدوان وذلك لا يجدي
(100/32)
( وأما ما ذكر ) في شرحه من الاحاديث المرفوعة فهو حق ولكن الشأن كل الشأن فيمن أتى بما يناقضها ومن المعلوم أنه قد اجمع العلماء على أن من قال لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها ولم يعمل بمقتضاها أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والاثبات قال القاضي عياض : اختصاص عصمة المال والنفس ممن قال لا إله إلا الله تعبير عن الاجابة إلى الايمان وان المراد بذلك مشركو العرب وأهل الاوثان فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره انتهى ملخصاً .
فان كان هذا المعترض بهذه الاحاديث يرى أن ما قدمناه من حال الشيخ مع أهل نجد وغيرهم ممن عدل بالله سواه واشرك به غيره ممن صرف خالص حق الله للأنبياء والاولياء والصالحين والاحجار والاشجار وغير ذلك مما قد أوضحنا فيما تقدم انه ليس بشرك ولا كفر مخرج من الملة فهذا ما عرف الاسلام العاصم للدم والمال ولا عرف الكفر المبيح لذلك وان كان يرى انه كفر يخرج من الملة وان كانوا مع ذلك يشهدون أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله ويصلون ويزكون فما الواجب لهذا الشنآن والاعتراض بما لا حقيقة له .
فإذا تحققت هذا فالشيخ رحمه الله لم يقاتل من قاتل من أهل نجد وغيرهم إلا من أقام على كفره وجد في اطفاء نور الله وانكاره توحيده ومن جحد البعث من بواديهم واعرابهم ولم يكفر إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل على الايمان بالله ورسله ووجوب الكفر بما عبد من دونه فالخصومة في الاصل الاصيل وحسبنا الله ونعم الوكيل .
(100/33)
وقد ظهر واشتهر عند الخاص والعام براءة الشيخ من تكفير المسلمين وقتلهم ونهب أموالهم وانما قتاله وتكفيره لمن كفر بالله واشرك به وان دعوته إلى طاعة الله ورسوله ويصرح بأن من عرف الاسلام ودان به فهو المسلم في أي زمان ومكان ويشهد الله كثيراً في رسائله ويشهدا ولي العلم من خلقه أن أعداءه جاؤه عن الله او عن رسوله بدليل يرد شيئاً من قوله ويحكم بخطئه فيه ليقبلنه على الرأس والعين ويترك ما خالفه أو عارضه وهذا معروف عنه بحمد الله وإنما يرميه بمثل هذا البهت وينسبه إليه من جعل زوره وقدحه في أهل العلم والايمان جسراً يتوصل منه ويعبر إلى ما انطوى عليه وزينه له الشيطان من عبادة الصالحين والتوسل بهم وعدم الدخول تحت أمر أولي العلم وترك القبول منهم والاستغناء بما نشأ عليه اهل الضلال واعتادوه من العقائد الضالة والمذاهب الجائرة كهذا الرجل الذي يسمى مربد بن أحمد وكذلك عبد الرحمن النجدي فاز هذين الرجلين قد شرقا بدين الله ورسوله لما ظهر ودخل فيه الناس افواجاً فغاظهما ذلك لما ألفاه واعتاداه من العقائد الضالة وبغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده .
وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته إلى حمد التويجري بعد كلام سبق : بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان وإنما نكفر من أشرك بالله في الاهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك وكذلك نكفر من حسنة للناس أو أقام الشبة الباطلة على إباحته وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها وقاتل من انكرها وسعى في إزالتها والله المستعان انتهى المقصود منه .
(100/34)
وقال في رسالته إلى السويدي البغدادي : وما ذكرت أني أكفر جميع الناس الامن اتبعني وازعم أن انكحتهم غير صحيحة ! فيا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم او كافر أو عارف أو مجنون ؟ - إلى أن قال – وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسل ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه ومادى من فعله فهذا هو الذي اكفره وأكثر الامة ولله الحمد ليسوا كذلك انتهى .
فإذا اعلمت هذا وتحققته فقول هذا المعترض في ديباحة شرحه أنه قدم إليه عبد الرحمن النجدي برسائل جمعها ابن عبد الوهاب في وجه تكفير أهل الايمان وقتلهم ونهبهم وقوله في النظم
وقد جاء من تأليفه برسائل
... يكفر اهل الارض فيها على عمد
علمت أن هذا كذب وبهتان وزور يريدون به الصد عن سبيل الله ويبغونها عوجا ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
وقال رحمه الله في رسالته للشريف : واما الكذب والبهتان مثل قولهم أنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدره على إظهار دينه وإنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل ومثل هذا واضعاف اضعافه وكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به عن دين الله ورسوله وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لا جل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله او لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) .
(100/35)
فإذا كان هذا كلام الشيخ رحمه الله فيمن عبد الصنم الذي على القبور إذا لم ييسر له من يعلمه ويبلغه الحجة فكيف يطلق التكفير لجميع أهل الارض ويقاتلهم على ذلك وينهب أموالهم وهل بتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه ؟ بل لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الامة بل ولا عن أهل السنة والجماعة منهم وجميع أقواله في هذا الباب أعني ما دعا إليه من توحيد الاسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات مجمع عليه عند المسلمين لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن منهاجهم كالجهمية والمعتزلة وغلاة عباد القبور ، بل قوله مما أجمعت عليه الرسل واتفقت عليه الكتب كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاؤا به وقصدوه . ولا يكفر إلا على هذا الاصل بعد قيام الحجة المعتبرة فهو في ذلك على صراط مستقيم متبع لا مبتدع وهذا كتاب الله وسنة رسوله وكلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل العلم والفتوى معروف مشهور مقرر في كتبهم في حكم من عدل بالله وأشرك به وتقسيمهم للشرك إلى أكبر وأصغر فالحكم على المشرك الشرك الاكبر بالكفر مشهور عند الامة لا يكابر فيه إلا جاهل لا يعرف ما الناس فيه من أمر دينهم وما جاءت به الرسل وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف غير واحد من أهل العلم وحكى الاجماع عليها وإنها من ضروريات الاسلام كما ذكره تقي الدين ابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن عقيل وصاحب الفتاوى البزازية وصنع الله الحلبي والمقريزي الشافعي ومحمد بن حسين النعمي الزبيدي ومحمد ابن إسماعيل الصنعاني ومحمد بن علي الشوكاني وغيرهم من أهل العلم .
(100/36)
إذا تمهد هذا فالذي أوجب للشيخ محمد رحمه الله سفك دمائهم ونهب أموالهم ما ارتكبوه من الاحداث التي أحدثوها الاسلام في مما قد أوضحناه فيما تقدم بيانه وقد درج على ذلك أهل العلم في كل زمان وقد عقد الفقهاء في كل كتاب من كتب الفقه المصنفة على مذاهبهم بابا مستقلاً في حكم أهل الاحداث التي توجب الردة وسماه أكثرهم باب الردة وعرفوا المرتد بأنه الذي يكفر بعد اسلامه وذكروا أشياء دون ما نحن فيه من المكفرات حكموا بكفر فاعلها وان صلى وصام وزعم أنه مسلم وقال الشيخ عثمان الحنبلي صاحب حاشية المنتهي في عقيدته : تتمة الاسلام الاتيان بالشهادتين مع اعتقادها والتزام الاركان الخمسة إذا تعينت وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ومن جحد ما لا يتم الاسلام بدونه أو جحد حكماً ظاهراً أو أجمع على تحريمه أو حله إجماعاً قطعياً أو ثبت جزماً – كتحريم لحم الخنزير – أو حل خمر ونحوهما كفر ، أو فعل كبيرة وهي ما فيها حد قي الدنيا أو وعيد في الآخرة أو داوم على ضغيرة وهي ما عدا ذلك فسق انتهى .
وبما ذكرناه يتبين لكل منصف أن كل مالفقه هؤلاء الجهلة من دعوى تكفير الامة وسفك دمائهم ونهب أموالهم كذب وزور وبهتان وأنه ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) .
( فصل )
( وأما قوله ) في نظمه
وقال ثلاث لا يحل بغيرها
وقال علي في الخوراج انهم
ولم يحفر الاخدود في دار كندة ... دم المسلم المعصوم في الحل والعقد
من الكفر فروا بعد فعلهم المردي
ليحرقهم فافهم إذا كنت تستهدي
وجوابه أن يقال
وقولك تمويها والزام مفتر ... بما لم يكن منا بفعل ولا عقد
والبيتين قبله
أقول نعم هذا هو الحق والهدى
ولم نتجاوز في الامور جميعها
ولكن أطعت الكاشحين ومينهم
بأنا قتلنا واستبحنا دماءهم
وحاشا وكلا ما لهذا حقيقة
... ونحن على ذا الامر نهدي ونستهدي
نحمد ولي الحمد منصوص ما تبدي
تزوير بهتان على العالم المهدي
وأموالهم هذى مقالة ذي الحقد
(100/37)
وليس له أصل يقرر في نجد
( وأما قوله ) في شرح البيت الاول : اشارة إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال (( لا يحل دم امريء مسلم إلا باحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حق )) أخرجه الشيخان بألفاظ وهذا هو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله (( إلا بحق الاسلام )) .
( والجواب ) أن نقول وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه ولم نتجاوز ولله الحمد والمنة نص الحديث فما وجه الاستدلال به على ما لم يكن ولم يصدر إلا بأكاذيب زنادقة شبهوا بها على عباد الله ونفروا بها عن الدخول في دين الله خفافيش البصائر الذين هم اتباع كان ناعق لم يلجؤا إلى علم وثيق وأيضاً فإن الزكاة حق المال كما قاله صديق الامة ووافقه على ذلك جميع الصحابة وسيأتي الكلام على ذلك في محله إن شاء الله تعالى .
( وأما قوله ) في شرح البيت الثاني إشارة إلى ماروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن الخوارج : أكفارهم ؟ فقال من الكفر فروا ، فقيل فما هم ؟ قال هم إخواننا بالامس بغوا علينا . فلم يكفر الخوارج مع تكفيرهم له وقتلهم لعباد الله وتكفيرهم لمن ليسوا على بدعتهم من عباد الله وللعلماء فيهم أقوال واسعة مستوفاة في فتح الباري .
(100/38)
( والجواب ) أن يقال قد ثبت هذا عن علي رضي الله عنه وهو الحق الذي ندين الله به وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه إلا كما يعود السهم إلى فوقه )) ومع ذلك نقاتلهم كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث وهم يقولون لا إله إلا الله ويشهدون أن محمداً رسول الله ويصلون ويزكون حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم مع صلاتهم فلم تعصمهم لا إله إلا الله ولا فعل الصلاة ولا بذل الزكاة لمروقهم من الدين ولما أحدثوا من البدعة وقتالهم أهل الاسلام فكان هذا من الادلة على قتال من أحدث حدثا يوجب قتاله حتى يرجع عن ذلك وأن كان يقول لا إله إلا الله ويصلي ويزكي فليس كل من صلى وزكى ينفعه قول لا إله إلا الله كما أنها لا تنفع المنافقين وقد هم صلى الله عليه وسلم بغزو بني المصطلق لما منعوا الزكاة وكان الرجل كاذباً عليهم حتى أنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) الآية .
( وأما قوله ) في شرح البيتين بعده من احراق علي رضي الله عنه للغلاة الذين غلوا فيه وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ فحق لأنهم ادعوا فيه الالهية فاستتابهم على ثلاثة أيام فلما لم يتوبوا خدلهم الاخاديد عند باب كندة فقذفهم فيها ، وكلام أهل العلم فيها معروف مشهور وهذا من الادلة أيضاً على كفر من أحدث حدثاً في الاسلام يخرجه من الملة ويبيح قتله وإن كان مع ذلك يقول لا إله إلا الله ويصلي ويزكي .
( وأما قوله ) فاعجب لجعل ابن عبد الوهاب فعل علي رضي الله عنه دليلاً له على قتله المسلمين المصلين المزكين الموحدين ذكره في رسالته دليلاً على قتله عباد الله ونهبهم .
(100/39)
( فالجواب ) أن نقول لاما جعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب فعل علي رضي الله عنه دليلاً له على قتل المسلمين المزكين الموحدين حاشا وكلا بل هذا من الكذب والظلم والعدوان الذي لا يستجيزه ولا يحكيه عن شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب من يؤمن بالله واليوم الآخر وإنما جعله دليلا على كفر من غلا في نبي من الانبياء أو ولي من الاولياء وجعل فيه نوعاً من الآلهية ، والرسالة التي أشار إليها هذا المعترض معروفة مشهورة والكلام الذي ذكره فيها الشيخ محمد شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونحن نسوقه بلفظه لتعلم أن هذا جاهل مزور ولم يعرف كلام الشيخ رحمه الله في رسالته لما ذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين وأمره صلى الله عليه وسلم بقتالهم .
(100/40)

قال (( فإذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن انتسب إلى الاسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر صلى الله عليه وسلم بقتالهم فيعلم أن المنتسب إلى الاسلام والسنة قد يمرق أيضاً من الاسلام في هذه الازمنة وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث يقول ( قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق ) وعلي بن أبي طالب حرق الغالية فأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كندة فقذفهم فيها واتفق الصحابة على قتلهم لكن ابن عباس كان مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق وهو قول أكثر العلماء وقصتهم معروفة عند العلماء . وكذلك الغلو في بعض المشايخ بل الغلو في علي بن أبي طالب بل الغلو في المسيح ونحوه فكل من غلا في نبي او رجل صالح وجعل فيه نوعاً من الآلهية مثل أن يقول يا سيدي فلان انصرني أو أغثني أو ارزقني أو أجبرني وأنافي حسبك ونحو هذه الاقوال فكل هذه شرك وضلال يستتاب صاحبها فإن تاب والاقتل فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له لا يجعل معه آلهة أخرى ، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى مثل المسيح والملائكة والاصنام لم يكونوا معتقدين أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو صورهم ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يدعي أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة قال تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) الآية قال طائفة من السلف كان أقوام يدعون المسيح وعزيراً والملائكة . ثم ذكر رحمه الله آيات ثم قال : وعبادة الله وحده لا شريك له هي أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزلت به الكتب قال تعالى لقد ( بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقال تعالى ( وما ارسلنا من

(100/41)

قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وكان صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيد ويعلمه أمته حتى قال له رجل ما شاء الله وشئت قال (( اجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده )) ونهى عن الحلف بغير الله وقال (( من حلف بغير الله فقد كفر – أو – اشرك )) وقال في مرض موته (( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد )) يحذر ما صنعوا ، وقال اللهم (( لا تجعل قبري وثنا يعبد )) وقال (( لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني )) ولهذا اتفق أئمة الاسلام على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ولا الصلاة عندها وذلك لأنه من أكبر أسباب عبادة الاوثان وتعظيم القبور ولهذا اتفق العلماء على أنه من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أن لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها لأنه إنما يكون ذلك لاركان البيت فلا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق ، كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملاً إلا به ويغفر لصاحبه ولا يغفر لمن تركه ، قال تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لم يشاء ) الآية ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام وأعظمه وأعظم آية فيه آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال صلى الله عليه وسلم (( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )) والاله هو الذي تألهه القلوب عبادة له ورجاء له وخشية واجلالا انتهى كلامه رحمه الله .

(100/42)

فهذا كله كلام شيخ الاسلام ابن تيمية ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته لما ارتد أهل حريملا وكان مربد بن أحمد من أهل حريملا وهو الذي غر هؤلاء بأكاذيبه وبهتانه وصدقه من تصدى لانشاء هذه المنظومة وشرحها والامير محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله لا يذكر مثل هذا الكلام السامج المتناقض وينسب كلام شيخ الاسلام إلى الشيخ محمد رحمه الله مع ما فيه من التدليس والتلبيس وحذف ما يعود عليه بالهدم والرد . واستدلال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه وكذلك الشيخ محمد رحمه الله بأن من غلا في نبي كعيسى أو ولي كعلي بن أبي طالب أو رجل صالح كالشيخ عدي ابن مسافر وغيرهم أنه كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل من أوضح الواضحات وأدل الدلائل على كفر من غلا كغلو هؤلاء فإن الاله هو الذي تألهه القلوب محبة وأجلالاً وتعظيماً وحباً ورجاء وخوفاً ودعاء واستغاثة واستعانة وتوكلا وخشية ورغبة ورهبة إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي لا تصلح إلا لله فمن صرف منها شيأ لغير الله فقد أشرك ذلك الغير في عبادة الله شاء أم أبي وأن سمى ذلك تشفعاً وتوسلاً ، فإن الحقائق لا تتغير بتغير اسمائها والشيخ رحمه الله إنما قاتل وكفر هذا الضرب من الناس بعد بلوغ الحجة وإقامتها عليهم وإن كانوا مع هذا يتلفظون بالشهادتين ويصلون ويزكون فإنها لا تنفعهم مع الكفر بالله والاشراك به سواه والله المستعان .
( فصل )
قال الناظم
وقد قلت في المختار أجمع كل من
على كفره هذا يقينا لأنه
... حوى عصره من تابعي ذوي رشد
تسمى نبياً لا كما قلت في الجعد
والجواب أن نقول
واعجب من هذا التهور كله
وابديت جهلا في نظامك والذي
كقولك عن بحر العلوم محمد
(( وقد قلت في المختار أجمع كل من
(( على كفره هذا يقينا لأنه
(( فذلك لم يجمع على قتله ولا
أقول لعمري قد نجارى بك الهوى
ويعلم هذا بالضرورة أنه
واوردت همطا لا يسوغ لعالم
وتنقض ما ابرمته بتهور
وحققت في المختار ما قال شيخنا

(100/43)

على كفره لما تنبا وبعده
على أن ذا الاجماع عن مثل مصعب
وكالفاجر الحجاج من كان ظالما
وأن أولاء القوم ليسوا بحجة
وطلاب ملك لالدن ولا هدى
فعن مثلهم لا يستجيز محقق
فناقض ما قد قال في النظم أولا
وما هكذا يحكي ذوو العلم والهدى
واغفل ذكر التابعين ذوي التقى
ليوهم ذا جهل غبيا بأنما
فقل للغبي الفدم لو كنت منصفا
لما حدت عن نهج الائمة كلهم
ووالله ما أدري علام نسبت ما
إلى الشيخ والشيخ المحقق لم يقل
ولكن حكى اجماع كل محقق
كما هو معلوم لدى كل عالم
وقولك في الجعد بن درهم إنه فذا فرية لا يمتري فيه عارف
على خالد القسري إذ كان عاملاً
فاجماع أهل العلم من بعد قتله
وقد شكروا هذا الصنيع لخالد
وما أحد في عصر خالد لم يكن
وأحسن قصد رامه خالد الرضى
وقد ذكر ابن القيم الثقة الرضى
وذلك لا يخفى على كل عالم
واظهر هذا القول بل كان داعياً
فدعنا من التمويه فالحق واضح
وما كان قصداً سيئاً قتل خالد
كما قلته ظنا وافكا وفرية
فنال به شكراً وفوزاً ورفعة ... مقالك في همط وخرط على عمد
شرحت به المنظوم من جهلك المردي
امام الهدى المعروف بالعلم والنقد
حوى عصره من تابعي ذوي رشد ))
تسعى نبياً لاكما قلت في الجعد ))
سوي خالد ضحى به وهو عن قصد))
إلى جحد معلوم من الدين مستبد
باجماع أهل العلم من كل مستهد
حكايته في شرح منظومك المردي
يعود على ما قلت بالرد والهد
باجماع أهل العلم من كل ذي نقد
تناقض ما حققت بالهد والرد
وكابن الزبير الفاضل العلم الفرد
وعبدالملك الشهم ذي العلم والمجدى
وليسوا ذوي علم وليسوا ذوي رشد
وارباب دولات ودنيا ذوي حقد
حكاية اجماع يقرر عن عمد
بما قاله في الشرح بالهمط ذوي اللد
ولا من له عقل وعلم بما يبدي
خلاصة أهل العلم في الحل والعقد
حكاية اجماع الائمة لا يجدي
خلياً من الاعراض والعل والحقد
وجئت بهذر لا يفيد لدى النقد
تلفقه من جهلك الفاضح المردي
باجماع اعيان الملوك ولا الجند
من السلف الماضين من كل ذي مجد

(100/44)

ولو كنت ذا علم لا نصفت في الرد
على قتله لم يجمع الناس عن قصد
وفيه من الاغضاء ما ليس بالمجدي
لمروان هذا قول من ليس ذا نقد
على إنه مستوجب ذاك بالحد
كما هو معلوم لدى كل مستهد
يرى قتله بل قرروا ذاك عن قصد
بذلك وجه الله ذي العرش والمجد
على ذاك اجماع الهداة ذوي الرشد
فقد قال بالكفر الصريح على عمد
ولا شك في تكفيره عن ذوي النقد
واجماع أهل العلم كالشمس مستبد
لجعد عدو الله ذي الكفر والجحد
على أنه قد غار لله من جعد
فنرجوا له الزلفى إلى جنة الخلد
قال المعترض في شرحه فمن العجب استدلاله بقتل المختار بن أبي عبيد الثقفي وانه اجمع التابعون مع بقية الصحابة على قتله ووجه التعجب من أن المختار طالب ملك فغلب على الكوفة ونواحيها وكان عبدالله بن الزبير قد ادعى الخلافة لنفسه بمكة وغلب على الحجاز واليمن وبعث أخاه مصعباً إلى العراق ليأخذها له فقتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد كما قتل بعد ذلك عبد الملك مصعب بن الزبير وقتل الحجاج عبد الله بن الزبير فهؤلاء أقوام طلاب ملك ودنيا ولا يستدل بافعالهم عاقل ولا يقال في أفعالهم أجمع الناس على فلان منهم وإلالزمه أن أجمع الناس على قتل عبد الله بن الزبير بل هؤلاء أقوام يسفكون الدماء لطلب الملك فانعالهم دولية فليس لعاقل ولا عالم أن يجعل أفعالهم قدوة إلى آخره .
( والجواب ) أن يقال قد ثبت اجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيدة ومن اتبعه ووافقت في النظم على إجماعهم على كفره وقتله ثم نقضت ذلك في الشرح غير متعجب ولا قول مصيب وذلك أن المختار طالب ملك فغلب على الكوفة ونواحيها وعبدالله بن الزبير رضي الله عنه على زعمك طالب ملك فبعث أخاه مصعب إلى الكوفة فاخذها وقتل المختار بن أبي عبيد ومراد هذا الجاهل المركب أن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه لم يقتل المختار لاجل كفره ولاجل أنه ادعى النبوة وانما قتله لاجل طلب الملك وهذا كذب وافتراء وقلة حياء .

(100/45)

وملخص القصة في ذلك أنه لما مات معاوية بن يزيد ولم يستخلف احدا فتغلب على الحجاز عبدالله بن الزبير وعلى دمشق واعمالها مروان بن الحكم وبايع أهل خرسان سالم بن زياد حتى يتولى على الناس خليفة وبايع أهل البصرة عبد الله بن الحارث بن نوفل المعروف ببسة وأمه هند بنت أبي شعيب فأقام فيهم أربعة أشهر ثم لزم بيته ثم خرج نجدة بن عامر الحنفي باليمامة وخرج بنو محوز في الاهواز وفارس وغير ذلك ثم استفحل امرا بن الزبير بالحجاز وما والاها وبايعه الناس بعد موت يزيد بيعة عامة هناك واستناب على المدينة أخاه عبيد الله بن الزبير وأمره باجلاء بني أميه فاجلاهم فدخلوا إلى الشام وفيهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير بعد حروب جرت بينهم وفتن كثيرة منتشرة يطول استقصاوها غير انهم في أقل من ستة أشهر أقاموا عليهم نحواً من أربعة أمراء من بينهم ثم اضطربت أمورهم ثم بعثوا إلى ابن الزبير وهو بمكة يخطبونه لانفسهم فكتب إلى أنس بن مالك ليصل بهم وبايعه عبد الله بن جعفر وعبدالله بن علي بن أبي طالب وبعث إلى ابن عمر وابن الحنفية وابن عباس ليبايعوه فأبا عليه وبويع في رجب بعد أن أقام الناس نحو ثلاثة أشهر بلا امام وبعث ابن الزبير إلى أهل الكوفة عبد الرحمن بن يزيد الانصاري على الصلاة وابراهيم بن محمد بن طلحة بن عبدالله على الخرج واستوثق له المصران جميعاً وارسل إلى مصر فبايعوه واستناب عليها عبد الرحمن بن جحد وأطاعت له الجزيرة وبعث على البصرة الحارث بن عبدالله بن ربيع وبعث إلى اليمن فبايعوه وإلى خرسان فبايعوه وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايعه وبايعه النعمان بن بشير بحمص وبايع له زفر بن عبدالله الكلابي بقنسرين وبايع له نائل بن قيس بفلسطين ثم اختلف الامر على ابن الزبير واجتمع أهل الشام على مروان ثم في سنة ست وستين وثب المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب بالكوفة ليأخذ بثأر الحسين بن علي فيما يزعم

(100/46)

والمقصود أن ابن الزبير قد أعطاه الطاعة وبايعه عامة أهل مكة والمدينة والعقد ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم عن طاعته والانقياد له فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الاسلام وواجباته فلما خرج المختار ابن أبي عبيد وادعى أنه يأخذ بثأر الحسين فاجتمع عليه خلق كثير لذلك ثم لما ادعى النبوة ارسل إليه عبد الله بن الزبير أخاه مصعباً في جيش كثيف فقتله وقد أجمع المسلمون على كفره ولم ينقل عن أحد من العلماء أنه توقف في كفره وقتله وإذا أجمع التابعون مع بقية الصحابة على ذلك وقتله أحد الاعيان المشهورين بالفضل والعلم والدين والعبادة فأي طعن في ذلك على قاتله ون كان طالب ملك إذا كان قد خرج عن طاعته وشق العصا وفارق الجماعة وادعى النبوة . وأي طعن على من تقل اجماع العلماء على ذلك وهو معروف مشهور في كتب أهل العلم ولا يطعن بهذا إلا جاهل مركب وله في ذلك شيء من الاغراض النفسانية ، والاهواء العصبية ، فنعوذ بالله من رين الذنوب وانتكاس القلوب . وأما قتل عبد الملك ابن مروان لمصعب بن الزبير وقتل الحجاج لعبد الله بن الزبير فظلم وعدوان وهؤلاء طلاب ملك ودنيا والشيخ رحمه الله لم يذكر إجماع هؤلاء التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار وقتله فذكر هؤلاء الملوك وادخالهم في كلام الشيخ رحمه الله تعنت وتحكم وإيهام ولبس للحق بالباطل ليوهم من لا معرفة لديه أنه لم يجمع على كفر المختار وقتله إلا هؤلاء الملوك ليتوجه الطعن على الشيخ بذلك ولا يقول هذا إلا من أعمي الله بصيرة قلبه .
( وأما قوله ) وإلا لزمه أن أجمع الناس على قتل عبد الله بن الزبير .

(100/47)

جوابه أن يقال هذا تفريع فاسد على تأصيل باطل فان المختار ابن أبي عبيد ادعى النبوة وزعم أنه يوحى إليه فاجمع التابعون مع بقية الصحابة على كفره وعلى قتله . وأما عبد الله بن الزبير فهو ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أفضل أهل زمانه ومن العلماء العاملين . وقد اشتهر بالعلم والدين والصلاح ، وله من الفضائل المأثورة والمحامد المشهورة والعبادة والجهاد في سبيل الله ما لا يحصى ولا يدرك له حد ولا أقصى فقياس أحدهما على الآخر من أبطل القياس وافسده لأن المختار مجمع على كفره وعلى قتله لادعائه النبوة وعبد الله بن الزبير قد ثبتت له الولاية بالغلبة وبايعه أهل الحل والعقد فقتله الحجاج ظلماً وعدواناً والحجاج من أظلم الناس وافجرهم والمختار من كفر الناس وقاتله من أفاضل التابعين فالقياس فاسد والاعتبار كاسد والله المستعان .
وأما قوله المعترض المخلط الذي لم يأت الامر من بابه ، ولا أقرأ الحق في نصابه ، إذ لا فكرة ثاقبة ، ولا رواية صائبة وقولنا لا كما قلت في الجعد إشارة إلى قوله في رسالته أنه أجمع التابعون ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم هذا كلامه في رسالته فادعى الاجماع على قتل جعد كما ادعاه على قتل المختار وهو كله باطل فإنه لم يجمع المسلمون على قتل الجعد .

(100/48)

( فالجواب ) أن يقال لهذا جاهل الاحمق نعم الشيخ رحمه الله في رسالته اجماع التابعين ومن بعدهم على كفر الجعد بن درهم وقتله كما ذكر ذلك أهلا العلم وادعى الاجماع على ذلك كما ادعاه على كفر المختار بن أبي عبيد وقتله ولا يشك في ذلك من له أدنى المام باجماع العلماء وما قاله أهل العلم في ذلك ودعواه أن هذا باطل كلام من لا يعقل ما يقول فهلا ذكر أحداً من العلماء قال ذلك وانكره ولن يجد إلى ذلك سبيلاً ولو قال ذلك أحد كان قوله مردوداً مخالفاً لما أجمع عليه أئمة السلف رحمهم الله وقد ذكر أهل السنة على قتل الجعد وعلى كفره شمس الدين بن قيم الجوزية وقد ذكرت في نظمك انه الاوحد الذي أتى بنفيس القول في كل ما يبدي فمن نفيس ما يبدي رحمه الله تعالى في قوله في الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية
ولا جل ذا ضحى بجعد خالد الـ
إذ قال إبراهيم ليس خليله
شكر الضحية كل صاحب سنة ... ـقسري يوم ذبائح القربان
كلا ولا موسى الكليم الدان
لله درك من أخي قربان
فذكر رحمه الله إجماع أهل السنة على استحسان قتل خالد للجعد وأن جميع أهل السنة شكروه على هذا الصنيع واخبر أن قتله لأجل أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما فقتله لأجل ذلك لا لأجل شيء من المقاصد التي يرميه بها من قل نصيبه من العلم والدين وأنه إنما قتله لغير ذلك من المقاصد السيئة وإذا أجمع أهل السنة على قتله فماذا عسى أن يكون قاتله من عمال بني أميه أو من غيرهم إذا حسن قصده والحامل على ذلك الغيرة لله من كفر هذا الملحد المفتري على الله فليس علينا من تحامل هذا المعترض إذ جعل ذلك مطعنا بأن قاتله قد كان عامل مروان فان هذا لا يذكره من له علم وفضل ودين وحاشا لله أن يكون هذا الكلام الساقط المتناقض كلام الامير محمد بن إسماعيل الصنعاني فإنه لا يليق بمنصه وجلالته وإمامته في الدين وعلوم قدره .

(100/49)

وأما ما ذكره من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه في المنهاج من حال الجعد بن درهم وقتل خالد له فقد ذكر في الرسالة الحموية أن أصل مقالة التعطيل إنما هو مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الاسلام من أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة وإنما استوى بمعنى استولى ونحو ذلك أول من ظهرت هذه المقالة من جعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الاعصم وأخذها طالوت من لبيد بن الاعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أرض حران وكان قبلهم خلق كثير من الصائبة والفلاسفة بقايا أهل دين النمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرين في سحرهم إلى آخر كلامه رحمه الله ولم يذكر رحمه الله أنه يجمع الناس على قبله كما ذكر هذا المعترض بل قرره وذكر أنه أول من أظهر مقالة التعطيل وإنه إنما أخذ هذه المقالة من اليهود والفلاسفة والصابئين فما وجه الاستدلال بكلام شيخ الاسلام على ما يدعيه من عدم الاجماع على قتله وشيخ الاسلام لم يذكر ما يدل على مطلوبه بل ذكر ما يناقضه ويدل على كفره ووجوب قتله اللهم إلا ما استراح إليه هذا المعترض من كلام شيخ الاسلام من أن الجعد كان معلم مروان فكان ماذا وهذا لا يستدل به عاقل فضلاً عن العالم والله المستعان .
( وأما قوله ) فهذا الذي قتل الجعد عامل من عمال نبي أمية قتله من غير مشاورة عالم من علماء الدين فكيف يقول ابن عبد الوهاب أنه قتل باجماع التابعين فأين الحياء من رب العالمين في نسبة الاجماع لهذا الفعل إلى التابعين وهو فعل عامل الجبارين .

(100/50)

( والجواب ) أن يقال لهذا الجاهل الذي ينطق بما لا يعقل قد كان خالد بن عبد الله القسري من عمال بني أمية وقد غضب لله وغار من كفر عدو الله الجعد بن درهم حيث زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى تكليماً فقتله غضباً لله وغيره وحمية فأقر على ذلك وشكره عليه جميع أهل السنة فكان إجماعاً ولا يلزم من ذكر الاجماع على مسألة او قصية أو فتوى أن يبعث إلى جميع ويشاورهم على فعلها ولا يكون إجماعاً إلا ما كان كذلك وهذا لم يقله أحد من العلماء بل الذي ذكر أهل العلم أن الصحابي أو الواحد من العلماء إذا قال قولا أو قضى بقضيته فانتشرت وظهرت ولم يكن لها مخالف من الصحابة أو فعل ذلك أحد من التابعين ولم يعرف له مخالف أن ذلك إجماع وقد اشتهر قتل خالد بن عبد الله القسري لجعد عدو الله ولم ينكره أحد من التابعين ولا من بعدهم من العلماء ولم يعرف في ذلك مخالف فكان إجماعاً والطرق التي يعرف بها الاجماع القطعي معروفة عند أهل العلم مقررة في محلها لا تخفى على مثل شيخنا فإذا احتج بالاجماع قبل منه وأخذ عنه فإن القول ما قالت حزام ولا يقدح في مثل حكاية الاجماع على قتل الجعد الارجل مغموص بالنفاق قد غاظه وأمضه ما فعل أمراء الاسلام من قتل أعداء الله ورسوله وقد اقره على ذلك وشكره عامة علماء أهل السنة وأما تعليله بأن من عمال الجبارين فهو تعليل بارد . وأما علم هذا المفتون أن أكثر ولاة أهل الاسلام من عهد يزيد بن معاوية حاشا عمر بن عبد العزيز وما شاء الله من بني أمية قد وقع منهم ما وقع من الجرأة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الاسلام ومع ذلك فسيرة الائمة الاعلام والسادة تاعظام معروفة مشهورة لا ينزعون يداً من طاعتهم فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الاسلام وواجبات الدين واضرب لك مثلا بالحجاج بن يوسف الثقفي وقد اشتهر أمره في الامة بالظلم والغشم والاسراف في سفك الدماء وانتهاك حرمات الله وقتل من قتل من سادات

(100/51)

الامة كسعيد بن جبير وحاصر ابن الزبير وقد عاذ بالحرم الشريف واستباح الحرمة وقتل ابن الزبير مع أن ابن الزبير قد أعطاه الطاعة وبايعه أهل مكة والمدينة واليمن وأكثر سواد العراق والحجاج نائب عن مروان ثم عن ولده عبد الملك ولم يعهد أحد من الخلفاء إلى مروان ولم يبايعه أهل الحل والعقد ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له فيما يسوغ طاعته فيه من أركان الاسلام وواجباته وكان ابن عمر ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينازعونه ولا يمتنعون من طاعته فيما يقوم به الاسلام ويكمل به الايمان وكذلك من في زمانه من التابعين كابن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم التيمي واشباههم ونظرائهم من سادات الامة واستمر العمل على هذا بين علماء الامة من سادات الامة وأئمتها يأمرون بطاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله مع كل إمام براً وفاجر كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد وكذلك بنو العباس استولوا على بلاد المسلمين قهرا بالسيف لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين فقتلوا خلقاً كثيراً وجما غفيراً من بني أمية وامرائهم ونوابهم وقتلوا ابن هبيرة أمير العراق وقتلوا الخليفة مروان حتى نقل أن السفاح قتل في يوم واحد ثمانين من بني أمية ووضع الفرض على جثتهم وجلس عليها ودعا بالمطاعم والمشارب ومع ذلك فسيرة الائمة كالاوزاعي ومالك والزهري والليث ابن سعد وعطاء بن أبي رباح مع هؤلاء الملوك لا تخفي على من له مشاركة في العلم واطلاع والطبقة الثانية من أهل العلم كأحمد بن حنبل ومحمد ابن اسمعيل ( البخاري ) ومحمد بن إدريس ( الشافعي ) وأحمد بن نوح وإسحق ابن راهوية وإخوانهم وقع في عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وانكار الصفات ودعوا إلى ذلك وامتحنوا فيه فقتل من قتل كمحمد بن نصر ومع ذلك فلا يعلم أن أحدا منهم نزع يدا من طاعة ولا رأي الخروج ، والمقصود أنه إذا فعل من عمال هؤلاء الملوك

(100/52)

الظلمة أمرا يحبه الله ورسوله يجب على كل مسلم إعانته عليه وحضه على فعل ما أمر الله به ورسوله وكان فيه اعزاز الاسلام وأهله وقمع الشرك وأهله ومحق آثار البدع وأهلها ومن أحدثها فإنه لا يعاب على فعل ما أمر الله به ورسوله لكونه عاملا من عمال الظلمة الجبارين فكيف إذا أقره على ذلك كافة علماء السنة وشكروه على هذا الصنيع فلا يعيب بهذا إلا رجل جاهل لا يدري ما الناس فيه من أمر دينهم ولا يعيب على الشيخ محمد رحمه الله بنقل اجماع أهل السنة على ذلك إلا معتوه مصاب في عقله مغموص بالنفاق والله المستعان .
وأما قوله فلذلك قلنا
فذلك لم يجمع على قتله ولا ... سوى خالد ضحى به وهو عن قصد
على أن ابن عبد الوهاب خالف إمامة الامام أحمد بن حنبل في دعوى الاجماع فإن أحمد يقول من ادعى الاجماع فهو كاذب ولذلك قلنا
وقد أنكر الاجماع أحمد قائلا
روى ذلك ابن القيم الا وحد الذي ... لمن يدعيه قد كذبت بلا جحد
أتى بنفيس العلم في كل ما يبدي
فالجواب أن يقال
ودعواك في الاجماع انكار أحمد
يرون أمورا محدثات ويذكروا
فانكره لا مطلقا فهو قد حكى
كما ذكر ابن القيم إلا وحد الذي
على قتل جعد في قصيدته التي وفيها حكى الاجماع في غير موضع
وقد كان من سادات أصحاب أحمد
وقد ذكرا الاجماع بعض ذوى النهى
وذلك لا يخفى لدى كل عالم
فما وجه هذا اعتراض بنفيه ... فذاك لأمر قد عناه من الضد
على ذلك الاجماع من غير ما نقد
على بعض ما يرويه إجماع من يهدي
أتى بنفيس العلم في كل ما يبدي
ابان بها شمس الهداية والرشد
وفي غيرها من كتبه عن ذوي النقد
ويحكي من الاجماع اقوال ذي المجد
فسل عنه أهل الاصابة من نجد (؟)
ففي كتب الاجماع ذاك بلا عد
وقد كن معلوما لدى كل مستهد
قال الشارح لابياته

(100/53)

قال محمد ابن أبي بكر ابن قيم الجوزية في كتابه أعلام الموقعين في الجزء الاول في أثناء كلامه وصار من لا يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالقرآن والسنة قال هذا خلاف الاجماع وهذا هو الذي أنكره أئمة الاسلام وعابوا من ناحية على من ارتكبه وكذبوا من ادعاه فقال الامام أحمد في رواية ابنه عبد الله من ادعى الاجماع فهو كاذب انتهى بالفاظه وهذا ينقله أحد الائمة من أهل أصول الفقه الحنبلي فنقله ابن الحاجب في مختصر المنتهي وغيره وقال ابن حزم في شرحه المحلى أن من ادعى الاحاطة بالاجماع كذب وإذا عرفت هذا عرفت أن الشيخ محمد بن عبد والوهاب كذب بنص إمامه

(100/54)

( والجواب) أن يقال لهذا الجاهل الاجماع الذي نفاه الامام أحمد كذب من ادعاه الاجماع الذي يدعيه أهل البدع مما يخالف الكتاب والسنة فأما ما وافق الكتاب والسنة فحاشا وكلا كما قال ابن القيم رحمه الله فيما نقله عنه حيث قال وصار من لا يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالكتاب والسنة قال هذا خلاف الاجماع وهذا هو الذي أنكره أئمة الاسلام وعابوه من كل ناحية على من ارتكبه وكذبوا من ادعاه . فأي دليل فيما نقلته على من يحكي اجماع أهل السنة والجماعة وإنما عابوا وكذبوا دعوى من ادعى ما يخالف والسنة وقد كان من المعلوم بالضرورة أن أهل العلم والائمة الراسخين يحكمون ويحتجون به لأنفسهم وينصرون به أقوالهم وقد جمع ابن هبيرة وابن حزم مسائل الاجماع مرتبة على أبواب الفقه وحكوها من أنفسهم و لأنفسهم وفي كتب الفقه كالاقناع والمغني والفروع والمقنع من ذكر الاجماع والاحتجاج ( به ) ما لا يخفىة على صغار الطلبة والطرق التي يعرف بها الاجماع القطعي معروفة عند أهل العلم مقررة في محلها لا تخفى على مثل شيخنا فإذا احتج بالاجماع قبل منه وأخذ عنه فإن القول ما قالت حزام . ومن الطرق التي يعرف بها الاجماع كون الحكم معلوماً بالضرورة من دين الاسلام فإذا عرفت هذا علمت يقينا أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخالف امامه لأن نص إمامه أحمد رحمه الله فيمن حكى إجماعاً يخالف الكتاب والسنة وقد حكى الامام أحمد رحمه الله الاجماع على أن هذه الآية وهي قوله ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) إنها نزلت في الصلاة وحكى ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين قول الامام الشافعي رحمه الله : اجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائنا من كان وقد كان من المعلوم عند أهل العلم أن الاجماع هو الاصل الثالث وأن الامة لا تجتمع على ضلالة وما أظن أن هذا الكلام يصدر من مثل الامام

(100/55)

محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله لأن هذا الكلام الذي نقله عن ابن القيم في الاعلام لا يدل على ما ادعاه من نفي الاجماع مطلقاً فكيف يحتج به هذا الرجل وهو لا يدل على مقصوده بشيء من الدلالات والله أعلم وحسبنا الله ونعم الوكيل .
( فصل )
وإما قوله
كدعواه في أن الصحابة أجمعوا
لمن لزكاة المال قد كان مانعاً ... على قتلهم والسبي والنهب والطرد
وذلك من جهل بصاحبه يردي
فالجواب أن يقال
وقولك فيما قاله الشيخ حاكياً
(( وذلك في أن الصحابة أجمعوا
(( لمن لزكاة المال قد كان مانعاً ))
جوابك عما قد ذكرت مفصلاً
حكى ذاك عن شيخ الوجود أخي التقي
وذاك أبو العباس أحمد ذو النهى ... على ذلك الاجماع من غير ما جحد
على قتلهم والسبي والنهب والطرد ))
نعم قد ذكرنا في الجواب وفي الرد
فرده تجد طعما ألذ من الشهد
أمام الهدى السامي إلى ذروة المجد
وفي ذاك ما يكفي لمن كان ذا رشد
قال الشارح لأبياته

(100/56)

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته عن الشيخ ابن تيمية أنه قال في الكلام على كفر ما نعي الزكاة : والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجودها أو جاحد لها ؟ هذا لم يعهد من الصحابة والخلفاء بل قال الصديق والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها فجعل المبيح للقتل مجرد المنع لا جحد الوجوب (1) وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن يخلوا بها ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي قتل مقاتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار وسموهم جميعهم اهل الردة وكان من أعظم فضائل الصديق عندهم ان ثبته الله عند قتالهم ولم يتوقف كما توقف غيره فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم انتهى ما نقله ابن عبد الوهاب عن ابن تيمية ثم قال فتأمل كلامه في تكفير المعين والشهادة عليه إذا قتل بالنار وسبي ذراريهم وأولاده عند منع الزكاة انتهى ثم قال ومن أعظم ما يجلو الاشكال في مسألة التكفير والقتال لمن قصده اتباع الحق اجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة وادخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم
__________
(1) جحد الوجوب من اصطلاح المتأخرين الذي خالفوا فيه اللغة واستعمال القرآن وأصل الجحد والجحود رد الشيء ونفيه مع اعتقاده والعلم به فجحود ما جاء به الرسول كله أو بعضه عبارة عن عدم الاذعان والاتباع له فيه قال تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ) وقال في طواغيت قريش ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) ولا ينفي المسلم وجوب الشيء من الدين إلا إذا جهل وجوبه فإذا أعلم به أقر وأذعن . ومانعوا الزكاة المذكورون لم يكونوا كذلك بل أبوا الاذعان والانقياد في ركن من أركان الاسلام وذلك عين رده فالاسلام هو الاذعان والانقياد وبالفعل كما هو مقرر في كتب العقائد . وكتبه محمد رشي رضا .

(100/57)

وفعلهم فيهم ما صح عندهم وهو أول قتال وقع في الاسلام على من ادعى أنه من المسلمين انتهى .
( قلت ) لا أدري كيف هذا النقل فالذي قاله القاضي عياض الحصبي العلامة المالكي في شرحه لمسلم المسمى بالاكمال وقال غيره من علماء السنة وفحول الرجال إن الذين خالفوا الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثة أصناف صنف عادوا إلى عبادة الاصنام وصنف اتبعوا مسيلمة والاسود العنسي وكل واحد منهما ادعى النبوة قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة من غيرهم وصدق الاسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم فقتل الاسود قبل وفاته صلى الله عليه وسلم وبقي بعض من أمن به فقاتلهم عمال أبي بكر رضي الله عنه وأما مسيلمة فجهز إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه الجيوش وكان أميرهم خالد بن الوليد فقلتوا مسيلمة بعد حرب شديدة وصنف ثالث استمروا على الاسلام إلا أنهم جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمنه صلى الله عليه وسلم وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم وهذا معروف في البخاري وغيره وفيه أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منع الزكاة وأنه بمنعه أياها ارتد عن الاسلام أذلو كان هذا رأيه وأنهم كفار لم يطالبهم بالزكاة بل يطالبهم بالايمان والرجوع ولقال لعمر لما ناظره أنهم كفار بل قال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة وهو صريح أن قتالهم لمنعهم الزكاة ولذا قال والله لو منعوني عناقاً الحديث وهذا في صحيح البخاري وغيره وإنما قاتلهم الصديق رضي الله عنه لما أصروا على منعها ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فبعث اليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم ولم يكفرهم ثم اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم هل تقسم أموالهم وتسبى ذراريهم كالكفار أو لا تقسم أموالهم ولا تسبى الذرية كالبغاة فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى الاول وذهب عمر إلى الثاني ووافقه غيره بعد خلافته وأرجع إلى من كان سباهم أبو بكر

(100/58)

وارجع إليهم أموالهم كما ذكره بسنده العلامة أبو عمر بن عبد البر في كتابه التمهيد قال الحافظ ابن حجر واستقر الاجماع على رأي عمر رضي الله عنه وقال ان تسمية هؤلاء أهل الردة تغليباً مع الصنفين الاولين والافليسوا بكفار انتهى وبه عرفت ما في نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن ابن تيمية وانه مخالف لما في الصحيحين ولما قاله العلماء وأنه لا إجماع على تكفير مانعي الزكاة ولا على سبي ذراريهم ولا على نهب أموالهم فدعواه الاجماع من الصحابة باطلة بل ليس في الصحابة من كفر مانع الزكاة ولذا قلنا أن دعواه في الاجماع على قتل الجعد بن درهم كدعواه الاجماع من الصحابة على ما ذكر وزدناه إيضاحاً بقولنا اهـ .
فالجواب أن نقول

(100/59)

ما نقله هذا المعترض عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ثابت عنه لكنه أسقط من كلام شيخ الاسلام قوله في مانعي الزكاة فكفر هؤلاء وادخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة وهذا يهدم أصله فلذلك حذفه وما نقله الشيخ عن شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه ووضريحه معروف مشهور عنه لا يستريب فيه عارف وهو الحق الصواب الذي ندين الله به كما هو معروف في السير والتواريخ وغيرها ولا عبرة بقول هذا المعترض وتشكيكه في هذا النقل فيما لا شك فيه فان عدم معرفته باجماع العلماء على قتل المختار ابن أبي عبيدة ونسبة ذلك إلى أعيان الملوك الذي لا يصلحون لذكر الاجماع وقوله ومقصوده بذلك ان الشيخ يحكي الاجماع عن مثل هؤلاء فلا يعول على نقله ولا يلتفت إليه مع أن الشيخ لم ينقل إلا إجماع التابعين مع بقية الصحابة وكذلك دعواه أن الاجماع لم ينعقد على قتل الجعد بن درهم وقد ذكر ذلك ابن قيم الجوزية في الكافية الشافية عن كافة أهل السنة وانهم شكروه على هذا الصنيع ثم لم يكتف بما ذكره من الخرافات حتى عمد إلى ما هو معلوم مشهور في السير والتواريخ وغيرها من كتب أهل العلم من اجماع الصحابة رضي الله عنهم على تكفير أهل الردة وقتلهم وسبي ذراريهم ونسائهم وإحراق بعضهم بالنار والشهادة على قتلاهم بالنار وإنهم لم يفرقوا بين الجاحد والمقر بل سموهم كلهم أهل الردة لأجل أن القاضي عياض ومن بعده ممن خالف الصحابة وحكم يمفهومه ورأيه مما يعلم أهل العلم من المحققين الذين لهم قدم صدق في العالمين أن هذا تحكم بالرأي فإن من أمعن النظر في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله علم وتيقن صحة ما قاله وموافقته لصريح كلام الصحابة واجماعهم فإن الشهادة على قتلاهم بالنار واستباحة أموالهم وسبي ذراريهم من أوضح الواضحات على ارتدادهم مع ما ثبت من تسميتهم أهل الردة جميعاً ولم يسيروا مع مانعي الزكاة بخلاف سيرتهم مع بني

(100/60)

حنيفة وطليحة الاسدي وغيره من أهل الردة ولم يفرقوا بينهم ومن نقل ذلك عنهم فقد كذب عليهم وافترى ودعوى أن ابا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منع الزكاة وانهم بمنعهم إياها لم يرتدوا عن الاسلام دعوى مجردة فأين الحكم بالشهادة على أن قتلاهم في النار هل ذاك إلا لأجل ارتدادهم عن الاسلام بمنع الزكاة ولو كان الصحابة رضي الله عنهم لا يرون أن ذلك ردة وكفراً بعد الاسلام لما سبوا ذراريهم وغنموا أموالهم ولساروا فيهم بحكم البغاة الذين لا تسبى ذراريهم وأموالهم ولم يجهزوا على جريحهم وقد كان الصحابة رضي الله عنهم اخشى لله واتقى من أن يصنعوا هذا الصنيع بمسلم ( ممن ) لا يحل سبي ذراريهم وأخذ اموالهم وهل هذا إلا غاية الطعن على الصحابة وتسفيه رأيهم وما اجمعوا عليه وتعليله بأنه لو كان يرى أنهم كفار لم يطالبهم بالزكاة بل يطالبهم بالايمان والرجوع تعليل بارد لا دليل عليه فانهم لم يكفروا ويرتدوا بترك الايمان بالله ورسوله وسائر اركان الاسلام وشرائعه فيطالبهم بالرجوع إلى ذلك وإنما كان ارتدادهم بمنع الزكاة وأدائها والقتال على ذلك فيطالبهم باداء ما منعوه واركان الاسلام فلما لما ينقادوا لذلك وقاتلوا كان هذا بسب ردتهم وعمر أجل قدرا ومعرفة وعلماً من أن يعارض أبا بكر أو يقره على خلاف الحق فغنه لما ناظره أبو بكر وأخبره أن الزكاة حق المال قال عمر فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق .

(100/61)

وقد كان من المعلوم أن جحد الصلاة أو تركها تهاوناً وأصر على ذلك أنه كافر . فلذلك قال أبو بكر والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فمن جحد الزكاة ومنعها كان كمن جحد الصلاة وامتنع عن فعلها (1) وبذلك تعرف عمق علم الصحابة وأنهم ابر هذه الامة قلوباً واعمقها علما وأقلها تكلفاً ، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه ولاظهار دينه .
وأما دعواه أن أبا بكر دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم ، ولم يكفرهم فدعوى مجردة وتحكم بلا علم فأين ادخالهم في أهل الردة وسبي نسائهم وذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار لولا كفرهم وارتدادهم فإنهم لو كانوا مسلمين عندهم لما ساروا فيهم سيرة أهل الردة.
__________
(1) وحجتهم عليه قوله تعالى في الكفار الذين يقاتلون ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وكتبه محمد رشيد رضا .

(100/62)

وشيخ الاسلام رحمه الله من أعلم الناس بأحوال الصحابة وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره وكان إليه المنتهى في ذلك . قال الامام الذهبي في معجم شيوخه : هو شيخنا وشيخ الاسلام وفريد العصر علما ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويراً إليهاً ، وكرماً ونصحاً للأمة ، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته وخرج ونظر في الرجال والطبقات وحصل ما لم يحصله غيره وبرع في تفسير القرآن وغاص في دقائق معانيه بطبع سيال وخاطر وقاد إلى مواضع الاشكال ميال واستنبط شيئاً لم يسبق إليها وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظ من الحديث مع شدة استحضاره له وقت الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين واتقن العربية أصولاً وفروعاً ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم ونبه على خطئهم وحذر منه ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين وأوذي في الله تعالى من المخالفين وأخيف في نصره السنة المحفوظة حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب اهل التقوى على محبته والدعاء له وكبت أعدائه وهدى به رجالا كثيراً من أهل الملل والنحل وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً وعلى طاعته وأحيى به الشام بل الاسلام بعد أن كان ينثلم خصوصاً في كائنة التتار وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى هو مثل نفسه لما حنثت انتهى . وقال ابن الوردي في تاريخه وقد عاصره ورآه : وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفته بفنون الحديث مع حفظه لمتونه الذي انفرد به وهو عجباً في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهي في عزوه إلى الكتب الستة والمسند حيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ولكن الاحاطة لله تعالى غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره من الائمة يغترفون من السواقي وأما التفسير

(100/63)

فسلم له ( قال ) وله الباع الطويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين قل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الاربعة ، وقد خالف الاربعة في مسائل معروفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة وبقي سنين يفتى بما قام الدليل ( عليه ) عنده ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية .
وكان دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل ثابت الجأش له أوراد وأذكار يديمها ، لا يداهن ولا يحابي ، محبوباً عند العلماء والصلحاء والامراء والتجار والكبراء انتهى ملخصاً .

(100/64)

وإذا كانت هذه حاله عند أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل وأنه كان إليه المنتهي في هذه الحقائق علماً وعملاً ومعرفة واتقاناً وحفظاً وقد جزم بإجماع الصحابة فيما نقله عنهم في أهل الردة تبين لك أنه لم يكن بين الصحابة خلاف قبل موت أبي بكر رضي الله عنه ولم يعرف له مخالف منهم بعد أن ناظرهم ورجعوا إلى قوله ولو ثبت خلافهم قبل موت أبي بكر وبعد الغلبة على أهل الردة كما زعم ذلك من زعمه لذكر شيخ الاسلام ولم يجزم بإجماعهم على كفر مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وقد اختلفوا ، هذا ما لا يكون أبداً وسيأتي كلامه في المنهاج قريباً إن شاء الله تعالى . وإنما ارجع عمر إلى من كان سباهم أبو بكر أموالهم وذراريهم بعد أن أسلموا ورجعوا إلى ما خرجوا عنه تطبيقاً لقلوبهم ورأياً رآه ولم يكن ذلك ابطالاً لما أجمع عليه الصحابة قبل ذلك كما ارجع رسول الله عليه وسلم إلى هوازن ذراريهم لما أسلموا تطييبا لقلوبهم وكما رأى رضي الله عنه أن لاتباع أمهات الاولاد كما رأى أن لا تجتمع ذمية ومؤمنة تحت رجل وكما رأى في الطلاق بلفظ واحد أن يجيزه عليهم عقوبة لما تتايعوا في الطلاق المحرم ولم يطلقوا للسنة فاجازه عليهم عقوبة وتأديبا لهم . ولم تجمع الامة على كل ما ذكرنا بل لم يزل الخلاف واقعاً بين الامة كما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في الهدي النبوي وفي إغاثة اللهفان وفي أعلام الموقعين .

(100/65)

والمقصود أن ما ذكره هذا المعترض من عدم الاجماع لا يصح وأن ذلك إن كان صدر من عمر رضي الله عنه فهو رأي رآه بعد أن دخلوا في الاسلام وأما قول ابن حجر أن تسمية هؤلاء اهل الردة تغليباً مع الصنفين الاولين وإلا فليسوا بكفار انتهى فهذا تأويل منه وليس بأبشع ولا أشنع مما تأولوه في الصفات وقد ثبت ذلك في الكتاب والسنة لأنهم رأوا ذلك مستحيلاً في عقولهم . وإذا كان صدر منهم ذاك في صفات رب العالمين وتأولوها بما لا يليق بجلال الله وعظمته فكيف لا يتأولون ما صدر من الصحابة مما يخالف آراءهم وتحيله عقولهم وقد بينا ما في ذلك من الوهم والغلط على الصحابة بمجرد ما فهموه ورأوا أنه الحق .
وإذا ثبت الاجماع عن الصحابة بنقل الثقات فلا عبرة بمن خالفهم وادعى الاجماع على ما فهمه وليس ما نقله عنهم بلفظ صريح يدل على تكفيرهم وإنما بدعاوي مجرد عن الدليل ولم يخالف الشيخ محمد رحمه الله ما في البخاري وإنما ذكر ذلك عياض من عند نفسه بمجرد مفهومه من الحديث والمخالف له ينازعه في ذلك الفهم كما قدمناه ولم يزل الخلاف واقعاً بين الامة والحق مع من وافق الدليل من الكتاب والسنة واجماع سلف الامة وما نقله الشيخ محمد عن شيخ الاسلام ابن تيمية لم يكن مخالفاً لما في الصحيحين بل كان موافقاً لهما وقد ثبت اجماع الصحابة كما ذكر ذلك العلماء في السير والتواريخ كما ثبت إجماع التابعين مع بقية الصحابة على قتل المختار وعلى كفره وكما أجمع العلماء على كفر الجعد بن درهم وعلى قتله وقد ظهر عدم علمك ومعرفتك بالاجماع ونقله فلا نسلم لك صحة ما نقلته لعدم علمك وإدراكك الامور على ماهي عليه .
( فصل )
…وأما قوله
فقد كان أصناف العصاه ثلاثة ... كما قد رواه المسندون ذوو النقد
…وقد جاهد – الي آخره
…فالجواب آن نقول
وقولك فيما قاله الشيخ حاكيا
( فقد كان أصناف العصاة ثلاثة
( وقد جاهد الصديق اصنافهم ولم
أقول لعمري ما أصبت ولم تسر
فسيرته مع صحب احمد كلهم

(100/66)

فكفر من قد آمنوا بطليحة
مسلمية الكذاب والكل كافر
وطائفة قد اسلموا لكن اعتدوا
فنازعه الفاروق فيهم معللا
فآب الي ما قد رآه واجمعوا
وسموهم آهل ارتداد جميعهم
ولا بين من يدعو مع الله غيره فان
نت ذا علم فعن صحب احمد
وآلا فدعنا من خلاف مخالف
فما غيرهم اهدي طريقا ولم يكن
ومن رد إجماع الصحابة بالذي
فما ذاك الا من سفاهة راية
فما صح بعد الاجتماع اختلافهم
ودعنا من التأويل فهو ضلالة
وقد كت قبل الآن احسب انه
كقولك اذ سموهمو آهل ردة
فلما تأملت النظام وجدته
فلم تعرف الكفر المبيح لقتلهم
ولم تعرف الإسلام حقا وكونه
فيا آيها الغاوي طريقة رشده
وصدق ما بعتاده من توهم
أفق عن ملام لا آبا لك لم يكن
فنفيك للإجماع ليس محققا
جوابك عما قد ذكرت مفصلا
حكي ذاك عن شيخ الوجود آخى التقي
و ذاك آبو العباس احمد ذو النهي ... علي ذلك الإجماع من غير ما جحد
كما قد رواه المسندون ذوو النقد )
يكفر منهم غير من ضل عن رشد )
علي منهج الصديق ذي الرشد والمجد
مقررة معلومة عند ذي النقد
وبالأسود العنسي ذي الكفر والجحد
سوي ألا سدي لما أناب الي الرشد
بمنع زكاة المال قصدا علي عمد
فناظره الصديق ذو الجد والجهد
جميعا علي قتل الغواة ذوي الطرد
وما فرقوا بين المقر وذي الجحد
كما هو معلوم لدي كل مستهد
ابن ذلك التفريق بالسند المجدي
لاجماع أصحاب النبي ذوي الرشد
يقاربهم تالله ما الشوك كالورد
يراه الحلوف القاصر ون علي عمد
ونقصانه في الدين والعقل والعقد
وكيف وقد كانوا جميعا ذوي رشد
فليس له فينا مساغ ولا مجدي
توهم صدق المفتري من ذوي الحقد
لذلك تغليبا وذا ليس بالمجدي
مع الشرح في غي وبغي علي عمد
وسبي ونهب المال من غير ما رد
لهم عاصما من كل ما كان قد يردي
ثكلتك من غاو قفي اثر ذي الحقد
بلبس وتمويه وهمط بلا رشد
بحق ولا صدق ولا قول ذي نقد
نعم قد ذكرنا في الجواب وفي الرد
فردة تجد طعما ألذ من الشهد
أمام الهدي السامي الي ذروة المجد

(100/67)

وفي ذاك ما يكفي لمن كان ذا رشد
…( قال الشارح ) وقد عرفت مما حققناه معني البيتين وتيقنيت آن لا إجماع من الصحابة الا علي كفر مسيلمة والعنسي وعلي قتالهم 0 واما ما نعو الزكاة فلم يكفرهم أحد من الصحابة ولا اجمعوا علي سيء ولا نهب بل رد عمر رضي الله عنه ذلك والشيخ محمد نقل ذلك مستدلا بها علي كفر من لديه من المسلمين وغير من لديه واباحة الدماء والأموال وهذا جهل لا يخفي علي الجهال فضلا عن العلماء والعقال 0
…( والجواب ) آن يقال لهذا الجاهل المركب الذي لا يدري ولا يدري انه لا يدري قد عرفنا وقد كان من المعلوم انهم اجمعوا علي ذلك وانهم سبوا زراريهم وغنموا أموالهم 0 وتحققنا عدم علمك ومعرفتك بالإجماع واذا جهلت وتحامقت بنفيك الإجماع علي كفر المختار بن عبيد والجعد ابن درهم وهو اشهر عند آهل السنة والجماعة من نار علي علم وواضح من الشمس في نحر الظهيرة فكيف لا تنفي إجماع الصحابة علي كفر ما نعي الزكاة وسبي زراريهم وغنيمة أموالهم وقد كان من المعلوم انهم اجمعوا علي ذلك وانهم سبوا زراريهم وغنموا أموالهم وشهدوا علي قتلاهم بالنار كما هو مذكور مشهور في كتب آهل العلم وقد قدمنا ما فيه الكفاية 0
…( واما قوله ) والشيخ محمد نقل ذلك مستدلا بها علي كفر من لديه من المسلمين وغير من لديه الي آخر 0
…( فالجواب ) آن يقال نعم نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذلك مستدلا به علي كفر من ارتد عن الإسلام بعد الدخول فيه فانهم كانوا قبل دعوة الشيخ علي الكفر بالله والإشراك به من دعاء الأولياء والصالحين والأحجار آبو بكر حسين بن غنام رحمه الله في تاريخه قال في أثناء كلامه :

(100/68)

وقد كان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم ؛ والكل علي تلك الأحوال مقيم ، وفي ذلك الوادي مسيم ( حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ) وقد مضوا قبل بدو نور الصواب يأتون من الشرك بالعجاب ، وينسلون إليه من كل باب ، ويكثر منهم ذلك عند قبر زيد بن الخطاب ويدعونه لتفريج الكرب بفصيح الخطاب ، ويسألونه كشف النوب من غير ارتياب ( قل أتتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض ؟ سبحانه وتعالي عما يشركون ) وكان ذلك في الجيلة مشهورا ، وبقضاء الحوائج مذكورا 0 وكذلك قربوه في الدرعية يزعمون آن فيها قبورا ، اصبح فيها بعض الصحابة مقبورا ، فصار حظهم في عبادتها موفورا ، فهم في سائر الأحوال عليها يعكفون ،( أإفكا آلهة دون الله تريدون ) ؟ وكان آهل تلك التربة اعظم في صدورهم من الله خوفا ورهبة ، و أفخم عندهم رجاء ورغبة ، فذلك كانوا في طلب الحاجات بهم يبتدون ( ويقولون آنا وجدنا آباءنا علي آمة وآنا علي آثارهم مهتدون ) وفي شعب غبيرا يفعل من الهجر والمنكر ، ما لا يعهد مثله ولا يتصور ، ويزعمون آن فيه قبر ضرار بن ألا زور ، وذلك كذب محض وبهتان مزور ، مثله لهم إبليس وصور ، ولم يكونوا به يشعرون ، وفي بليدة الفدا ذكر النخل المعروف بالفحال ، يأتونه النساء والرجال ، ويغدون عليه بالبكور والآصال ، ويفعلون عنده اقبح الفعال ، ويتبركون به ويعتقدون وتأنيه المرآة إذا تأخرت عن الزواج ، ولم تأتها لنكاحها الأزواج ، وتقول : يا فحل الفحول ، أريد زوجا قبل آن يحول الحول هكذا صح عنهم القول ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون ) وشجرة الطرفية تشبث بها الشيطان وإعتاق ، فكان ينتابها للتبرك طوائف وفرق ، ويعلقون فيها إذا ولدت المرآة ذكرا الخرق لعلهم عن الموت يسلمون 0 وفي اسفل الدرعية غار كبير يزعمون آن الله تعالي فلقه في الجبل لامرأة تسمي بنت الأمير ، أراد بعض الفسقة آن يظلمها فصاحت ودعت الله فانفلق لها الغار بأذن العلي الكبير ،

(100/69)

وكان الله تعالي لها من ذلك السوء مجير ، فكانوا يرسلون الي ذلك الغار اللحم والخبز ويهدون ( أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعلمون ) 0
…ثم ذكر في جميع قري نجد من ذلك ما لا يحصي ولا يعد ؛ وكذلك في الحرمين وفي سواد العراق وبغداد والمجرة والموصل والشام ومصر والحجاز واليمن ما هو معروف معلوم مذكور في التاريخ وقد اشتهر ذلك وبلغ مشارق الأرض ومغاربها واستفاض ما كان عليه آهل نجد من الكفر بالله والشرك به قبل دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته الخلق الي التوحيد لله وعبادته وترك عبادة ما سواه فاستجاب من استجاب لله رغبة في الحق وجاهد في الله من آبي الدخول في دين الإسلام ، حتى دخلوا في دين الله أفواجا وقد شهد بذلك الخاص والعام ، واقر به الموافق والمخالف فالحق ما شهدت به الأعداء 0
وقد رأيت في حال تسويد هذا الجواب تاريخا لبعض المؤرخين من النصارى في سنة وثلاثمائة و آلف ما نصه :
( نجد بعد الرسالة )

(100/70)

…ومن بعد آن بعث الحكيم صلي الله عليه وسلم بالهدي والحق وانتشر الدين الإسلامي في هاتيك الربوع عم بلاد نجد من جملة ما عم فصار أهلها علي هذه الطريقة المثلي بيد آن الحوادث التي طرأت علي قادة الآمة من بعد آبى بكر وعمر رضي الله عنهما شغلتهم عن مشارفة تلك البلاد فاوهملوها ، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى آن الحروب والمنازعات والاختلافات شغلت آهل نجد عن الإمعان في حقائق دينهم فمرت عليهم السنين الطويلة وهم يحبون في الأيمان والاعتقاد الي آن وصل الحال الي درجة اصبحوا فيها وقد تعددت فيهم الأوهام والخرافات والاعتقادات الباطلة بالشجر والحجر والنجم وعبادات القبور والعكوف عليها والاعتقاد بأهلها النفع والضر الي غير ذلك مما لاهل العراق فيه اليوم النصيب الأوفر والحظ الأكبر رغما عن انتشار العلم فيه وبقي آهل نجد في هذه الحالة وليس لهم سوي الحرب والضرب والاعتقاد الضار بالإنسان دينا ودنيا وأخرى وليس لهم من الدين الحق الا الاسم وذلك الي زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب 0
( نجد في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب )

(100/71)

نشا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بلدة العينية في حضن والده عبد الوهاب بن سليمان فرباه احسن تربية ولقنه العلم هو بنفسه وكان والده حينئذ قاضيا في بلدة العينية من قبل حاكمها الأمير عبد الله بن محمد ابن احمد المعمري ولما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب كثير المطالعة والتدبر والتفكر شديد الشوق الي العلم وطلبه حدثته نفسه بان يسير في طلب العلم الي بلاد أخرى فحج ثم سار الي المدينة فاتصل بالشيخين عبد الله بن إبراهيم مؤلف كتاب ( العذاب الفائض في علم الفرائض ) والشيخ محمد حياة السندي المدني فاقام عند هما مدة ثم رجع الي نجد ومن هناك سار الي البصرة فبغداد وهو في هذه الأثناء يتزود الكفاية من علم التوحيد والفقه وسائر العلوم ثم حاول المسير الي الشام فمصر ولكن صده عارض في الطريق فرجع أدراجه الي بلاده حاملا من زاد العلم ما لم يتيسر لاحد غيره في وقته ثم ذهب لرؤية والده وكان يؤمئذ في حر يملا وسبب تحول الوالد الي هذه البلاد هو انه في غياب الشيخ محمد توفي الله الأمير عبد الله وخلفه في الأمارة ابنه محمد فعزل والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان عن القضاء و أقام مكانه احمد بن عبد الله ابن عبد الوهاب ورحل عبد الوهاب القاضي الي حريملا ولما ثبت قدمه عند والده باشر الشيخ تزييف الخرافات والبدع والأضاليل ، وشعر عن ساعده لإبادة الأوهام المضرة بالدين ، واخذ ينشر الاعتقاد الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه 0
( هرب الشيخ محمد رحمه الله من بلدة حريملا )

(100/72)

كانت حريملا في عهد الشيخ بلدة لا ترجع الي أمير ولا الي أمارة بل كانت كوره تتقاذفها صوالجة قبيلتين وهما قبيلة العبيد وقبيلة أخرى فاتفق يوما آن الشيخ زجر بعض السفهاء من قبيلة العبيد عن ارتكاب بعض المخازي الدالة علي سوء الأخلاق فعمد هؤلاء الي أهانته بل الي قتله و أرادوا إتمام الآمر بالفعل فساروا إليه ليلا وتسوروا الجدار وبينما هم في هذا الفعل اذ صاح صائح في المحلة فظن هؤلاء المفسدون آن الصياح عليهم فهربوا وكفاه الله شرهم ولما أسفر الصباح رحل الي بلدة العينية وكان محمد الأمير قد توفاه الله وقبض علي زمام الأمارة من بعده عثمان ابن حمد بن معمر فتلقاه الأمير عثمان بالتحية والترحاب والإكرام التام وهناك اخذ يبث حقائق التوحيد والأمير عثمان بتعاهده بحفظ حياته ونصره علي أعدائه 0

(100/73)

( حكاية الشجرة والقبة ) وقد طلب الشيخ من الأمير آن يقطع شجرة كانت تعبد في البلدة وان يهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فتمنع الأمير وبعد ألح الشيخ عليه و أقنعه فآذن له في الآخر ثم طلب إليه آن يسير هو أيضا معه فسار الأمير مع الشيخ ومعهما ستمائة فارس ولما وصلوا الي المحل المطلوب قطعت الشجرة وهدمت القبة وكانت قرب بلدة الجبيلة فكان ذلك العمل من اخطر الأعمال التي آتاها الشيخ فلما فعل الشيخ هذا الفعل الاول اشتهر آمره ، ونبه ذكره ؛ فبلغ خبره أمير الاحساء سليمان بن محمد وكان ذا قوة وباس شديد فبعث الي عثمان بن محمد بن معمر يتهدده بقطع رواتبه عنه والسير إليه آن لم يطرد الشيخ من بلاده فآذن حينئذ الشيخ عثمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب آن يسافر الي حيث يريد فاختاره الشيخ الذهاب الي بلدة الدرعية فسار وستر الشيخ عثمان معه جماعة تحافظ عليه من أعدائه حتى وصل الرعية فحل ضيفا عند عبد الله بن عبد الرحمن ابن سو يلم أحد أعيانها ثم علم بعض كبار الدرعية فزاروه فلما اطلعوا علي مبدآه استحثنوه و أحبوه ثم أرادوا آن يسعوا عند أميرها محمد بن سعود لينزله ضيفا عنده فتخوفوا ففارضوا بذلك أخاه ثنيان وزوجته وأخاه مشاري فاتفق الجميع علي تحقيق ما في الأمنية فتم الآمر وذلك آن الأمير لما دخل قصره وقابل زوجته اجتمع به أخواه فعرضا عليه الآمر مع زوجة الأمير وأشاروا عليه بإكرامه واحترامه فسار إليه برجله ثم أخذه من عند عبد الله السالف الذكر وجاء به الي قصره فاختفي به احسن الاحتفاء واعزه وقام مؤيدا لدعوته بكل قوته فاخذ الناس يغدون الي الدرعية أفواجا أفواجا فازدادت بذلك قوة الأمير بل تضاعفت وشرع يكاتب بلدان نجد وقراها ويدعوها الي طريق الحق وما لبث أياما قلائل الا واصنعت له القبائل ودانت له اغلب البلدان وما زالت الأمارة في امتداد واتساع حتى أصبحت دولة بني ال سعود في درجة لو وفق أمراؤها الذين تسلموا قيادة زمامها في آخر

(100/74)

أيامها الي ثروة ومد نظر في السياسة لغدت اليوم من اعظم الدول الإسلامية قوة وسطوة ورهبة ولامتدت أمراؤهم الي بلاد شاسعة الا انه دهمها ما لم يدر في خلد أصحابها فأنها لما شددت في بعض أمورها كثر أعداؤها فاحتالوا علي الفتك بها فاوقع بعض الأمراء ما يلقي النفور بين ال سعود وبين الحكومة العثمانية وللحال اتقدت تلك النار الحامية نار الحروب والمضاعفات والزحفات المتكررة فأضرت بالطرفين ولا بد من ذكر تلك الأسباب التي حملت القوم الواحد علي القوم الآخر في فرصة أخرى والله ولي التوفيق ، وهو نعم الرفيق انتهي 0
…وقال الشيخ ملا عمران صاحب لينجه رحمه الله تعالي في ردة علي من اعترض علي الشيخ رحمه الله بنحو مما اعترض به هؤلاء الجهلة المفترون بعد كلام اسبق
الشيخ شاهد بعض آهل جهالة
تاجا وشمسانا ومن ضاهاهما
يرجون منهم قربة وشفاعة
ورأى لعباد القبور تقربا
ما أنكر القراء والأشياخ ما
بل جوزوه وشاركوا في آكله
فاتاهم الشيخ المشار إليه بال
يدعو همو لله آن لا يعبدوا
فتنافروا عنه وقالوا ليس ذا
ما قاله آباؤنا أيضا ولا
آنا وجدنا جملة الآباء علي
فالشيخلما آن رأي ذا الشان من
نادا همو يا قوم كيف جعلتموا
قالوا له بل آن قلبك مظلم ... يدعون أصحاب القبور الهمد
من قبله او تربة او مشهد
ويؤملون كذاك آخذا باليد
بالنذر والذبح الشنيع المفسد
شهدوا من الآمر الذي لم يحمد
من كان يذبح للقبور ويفتدي
صح المبين وبالكلام الجيد
الا المهين ذا الجلال السرمدي
الا عجيب عندنا لم يعهد
أجدادنا آهل الحجا والسؤدد
هذا فنحن بما وجدنا نقتدي
آهل الزمان اشتد غير مقلد
لله أندادا بغير تمدد
لم تعتقد في صالح متعبد
الي آن قال
لو انصفوا لرأوا له فضلا علي
ودعوا له بالخير بعد مماته
لكنهم قد عاندوا وتكبروا
ورموه بالبهتان والإفك الذي
كمقالهم وهو للمتابع قاطع
حاشا وكلا ليس هذا شانه
قالوا له اشقي الورى مع كونه
وهمو يرون الشمس ظاهرة لهم

(100/75)

قالوا له يا كافرا يا فاجرا
قالت قريش قبلهم للمصطفي
قالوا يعم المسلمين جميعهم
بل كل من جعل العديل لربه
قالوا له غشاش آمة احمد
هل قال الا وحدوا رب السما
وتمسكوا بالسنة البيضا ولا
هذا الذي جعلوه غشا وهو قد
من عهد آدم ثم نوح هكذا
وكذلك الخلفاء بعد نبيهم
منهاجهم هذا عليه تمسكوا
عجبا لمن يتلو الكتاب ويدعي
ويقول للتوحيد غشا آن ذا
ويجدد الإسلام والأيمان معترفا
ما ذنبه في الناس الا انه
ما صح عهد ثقيف لما عاهدوا
ما اللات الا كان عبدا صالحا
لما توفي عظموا لضريحه
اذ كان حيا قادرا قاموا باط
واذا تواري عنهمو في لحده ... اظهار ما قد ضيعوه من اليد
ليكافؤه علي وفاق المرشد
ومشوا علي منهاج قوم حسد
هم يعملون به ومنهم يبتدى
بدخول جنات وحور خرد
بل انه يرجو بها لموحد
ينهي عن الأنداد للمتفرد
لكن اعمي القلب ليس بمهتد
ما ضره قول العداة الحسد
ذا ساحر ذا كاهن ذا معتد
بالكفر قلنا ليس ذا بمؤكد
ونهي فصد فذاك كالمتهود
وهو النصيح بكل وجه يبتدى
وذروا عبادة ما سوي المتفرد
تتننطعوا بزيادة وتردد
بعثت به الرسل الكرام لمن هدي
تتري الي عهد النبي محمد
والتابعون وكل حبر مهتد
من كان مستنا بهم فليقتد
علم الحديث مسلسلا في المسند
خطر علي من قال فليشهد
بان الشيخ خير مجدد
هدم القباب وتلك سنة احمد
الا بهدم اللات لو لم يعبد
لت السويق لطائف متعبد
كصنيع عباد القبور النكد
عام له وبكسوة وتفقد
جعلوه ندا للإله انسيد
……الي آن قال
عجبا لهم لو كان فيهم منصف
من حيث آن الاتباع موافق
قالوا صبأتم نحوه قلنا لهم
ما بيننا نسب نميل به ولا
لكنها شمس الظهيرة قد بدت
فان اعتراكم في الذي قد قاله
فزنوا بميزان الشريعة قوله
ولئن وجدتم جافيا او فاسقا
قد زل يوما او هفا لا تنسوا
فالآهل والأصحاب ماذا ضرهم
من بعد ذاك الاجتماع علي الهدي
ماذا يضر السحب نبح الكلب آم
ثم الصلاة علي النبي محمد
والآهل والأصحاب جمعا كلما ... لرأي المحب محمدا لمحمد

(100/76)

للحب في نص الكتاب الأمجد
الحق شمس للبصير المهتدي
حسب يقربنا له بنودد
لذوي البصائر فاهتدي من يهتدي
شك وريب واختلاف يبتدى
تجدوه حقا ظاهرا للمقتدي
او جاهلا في العلم كالمتردد
هفواته لجناب ذاك المرشد
من بعدهم تكدير صافي المورد
ظهروا ذوو فرق و أنكر تبدد
ماذا يضر الصحب سب الملحد
أزكى الورى أصلا و أطيب محتد
قد ذب عن ذا الدين كل موحد
…انتهي
…وقال الشيخ محمد بن احمد الحفظي صاحب رو جال من قري عسير
الحمد حقا مستحقا ابدا ... لله رب العالمين سرمدا
…الي آن قال
مصليا علي الرسول الشارع
في البدء والختم واما بعد
حركني لنظمها الخير الذي
لما دعا من المشارق
وبعث الله لنا مجددا
شيخ الهدي محمد المحمدي
فقام والشرك الصريح قد سري
لا يعرفون الدين والتهليلا
الا اسأميها وباقي الرسم
وكل حزب فلهم وليجه
وملة الإسلام والأحكام
دعا الي الله وبالتهليلة
مستضعفا وماله من ناصر
في ذله وقلة وفي يده
كأنها ريح الصبا في الرعب
قد إذ كرتي درة لعمر
ولم يزل يدعو الي دين النبي
يعلم الناس معاني اشهد
محمد نبيه وعبده
آن تعبدوه وحده لا تشركوا
ومن دعا دون الإله أحدا
آن قلتمو نعبدهمو للقربة
وربنا يقول في كتابه
هذى معاني دعوة الشيخ لمن
فانقسم الناس فمنهم شارد
ما بين خفاش وبين جعل
وبعد ما استجيب لله فمن ... واله وصحبه والتابعي
فهذه منظومة تعد
قد جاءنا في آخر العصر القذى
بآمر رب العالمين الخالق
من ارض نجد عالما مجتهدا
الحنبلي الأثرى الاحمدي
بين الورى وقد طغي واعتكرا
وطرق الإسلام والسبيلا
والأرض لا تخلو من آهل العلم
يدعونه في الضيق للتفريجة
في غربة و أهلها أيتام
يصرخ بين اصهر القبيلة
ولا له مساعد موازر
مفهمة تغنية عن مهندة
والحق يعلو بجنود الرب
وضرب موسى بالعصا للحجر
ليس الي نفس دعا او مذهب
آن لا اله غير فرد يعبد
رسوله اليكمو وقصده
شيأ به والابتداع فاتركوا
آشرك بالله ولو محمدا
او للشفاعات فتلك الكذبة
هذا هو الشرك بلا تشابه

(100/77)

عاصره فاستكبروا عن السنن
مخاصم محارب معاند
شاهت وجوه آهل هذا المثل
جادل في الله تردي وافتتن
…قلت ومن القسم الذين شردوا عن الدين وخاصموا وحاربوا وعاندوا وبذلوا الجد والاجتهاد ، في التكذيب والزور والفساد ، مر بدين احمد وعبد الرحمن النجدي وهما اللذان اكثرا من البهت والهذيان ، واغتر بقولهما وبهتانهما آهل البغي والعدوان ، ومن داخله الغل والحقد والحسد ، وطغي علي قلبه من ذلك ما أوجب له الكمد والنكد ، فنعوذ بالله من رين الذنوب ، وانتكاس القلوب 0
…ثم قال رحمه الله
ومن أجاب داعي الله ملك
والسابقون الالون السادة
هم الغيوث والليوث والشنف
فاقبلوا والناس عنه أدبروا
حفوا به كأسود العرائن
وابن سعود كابي أيوب
قال اذهبوا فانتمو سيوم
وقام فاروق الزمان المؤتمن
فسار في الناس كسيرة الاشج
يسوس بالآثار والقران
يدعو الي الله بحزب غالب
ونفسه لله والنفيس
وبعده قام الأمام البارع
وهو الهزبر الضيغم العدل الولي
كم زع بالقران والسلطان
وفي العراقين له رعود
واليمن الميمون كالحجاز
والحرمين وهي المطهرة
بالرفق يدعوهم وبالتعطف
ولم يكن في نزعه من ضعف
فلم أر من عبقري يفري
وهكذا من يبتدى بنفسه
فانه يطاع لا محالة ... ومن تولي معرضا فقد هلك
آل سعود الكبراء القادة
ونصرة الإسلام والشم والآنف
وعرفوا من حقه ما أنكروا
وكم وكم لله من ضنائن
محمد الربيل واليسوب
وجندري قبله حيزوم
عبد العزيز من ومن ومن
ودوخ البر وخاض للثبج
علي طريق العدل والإحسان
مجاهدا بالأربع المراتب
والصدق للقلوب مغناطيس
بآمر رب العالمين الوازع
سعود مخ الرأس قلب الهيكل
من فارس والروم والزنجان
ومصر من صولته مرعود
دولخها بالقهر والمغازي
قد أصبحت بعدله معطرة
ومن آبى يطره بالمشرفي
وشاهد الواقع فيه يكفي
فريه من أمراء العصر
مجاهدا في يومه و أمسه
في خارج بيعا بلا إقالة

(100/78)

…الي آخر كلامه رحمه الله والمقصود بذلك هذا ما ذكره هذا المعترض علي الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث ذكر آن الشيخ محمدا نقل ذلك مستدلا به علي كفر من لديه من المسلمين وغير من لديه واباحة الدماء والأموال وهنا جهل لا يخفي علي الجهال فضلا عن العلماء والعقال انتهي
…وقد عرفت مما أسلفناه من كلام العلماء من كل قطر ما كان عليه آهل نجد وغيرهم من الكفر بالله وعبادة الأولياء والصالحين والأشجار والأحجار والغيران وغير ذلك مما قد أوضحناه وبيناه فمن زعم آن ما كان عليه آهل نجد وغيرهم مما ذكر ليس بكفر ولا شرك وانهم مع هذه الأفعال مسلمون وان من دعاهم الي التوحيد وعبادة الله وترك ما كانوا عليه من الشرك وجا هدهم علي ذلك انه كفر ونهب أموال وسفك دماء بغير حق فما عرف الإسلام الذي يعصم الدم والمال ولا عرف الكفر المبيح لذلك فكان هو الجاهل المركب الذي لا يدري ولا يدري آته لا يدري وحسبنا الله ونعم الوكيل 0

(100/79)

ونذكر هاهنا أيضا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه في منهاج السنة علي قول الرافضي ( الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة ) قاتلهم آبو بكر واجتهد عمر في أيام خلافته فرد السبايا والأموال إليهم و أطلق المحبوسين – فهذا من الكذب الذي لا يخفي علي من عرف أحوال المسلمين فان مانعي الزكاة اتفق آبو بكر وعمر علي قتالهم بعد آن راجعه عمر في ذلك كما في الصحيحين عن آبى هريرة رضي الله عنه آن عمر قال لآبي بكر يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم " أمرت آن أقاتل الناس حتى يشهدوا آن لا اله الا الله و أنى رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم الا بحقها وحسابهم علي رسول الله ، فقال آبو بكر : آلم يقل الا بحقها وحسابهم علي الله فان الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقا يؤدونها الي رسول الله صلي الله عليه وسلم لقاتلتهم علي منعها 0 قال عمر فو الله ما الا آن رأيت الله قد شرح صدر آبى بكر للقتال فعرفت انه الحق 0 وفي الصحيحين تصديق فهم آبى بكر عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال " أمرت آن أقاتل الناس حتى يشهدوا آن لا اله الا الله و أنى رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم الا بحقها " فعمر وافق آبا بكر علي قتال آهل الردة مانعي الزكاة وكذلك سائر الصحابة واقر أولئك بالزكاة بعد امتناعهم منها ولم تسب منهم ذرية ولا حبس منهم أحد ولا كان بالمدينة حبس لا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا علي عهد آبى بكر رضي الله عنه فكيف يموت وهم في حبسه 0 و أول حبس في الإسلام اتخذ بمكة : اشتري عمر من صفوان ابن أمية داره وجعلها حبسا بمكة ولكن من الناس من يقول سبي آبو بكر نساءهم وزراريهم وعمر أعاد ذلك عليهم وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما فانه قد يكون موافقا علي جواز سبيهم لكن رد إليهم سبيهم كما رد النبي صلي الله

(100/80)

عليه وسلم علي هوازن سبيهم بعد آن قسم المسلمين فمن طابت نفسه بالرد وإلا عوضه من عنده لما أنى أهلهم مسلمين فطلبوا رد ذلك إليهم 0 و آهل الردة قد اتفق آبو بكر وعمر وسائر الصحابة علي انهما يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يري الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم فلما تبين لعمر حسن إسلامهم رد ذلك إليهم لانه جائز انتهي 0
…فتبين بما ذكره شيخ الإسلام آن الصحابة اجمعوا علي قتالهم وانهم سموهم كلهم آهل الردة وانه لم يكن بين عمر وبين آبى بكر خلاف بعد رجوع عمر الي موافقة آبى بكر مع سائر الصحابة وان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يخالف ما في الصحيحين كما زعم هذا المعترض الجاهل والله اعلم 0
…فتبين بما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله كذب من ادعي آن الصحابة اختلفوا في آهل الردة وانهم جعلوهم ثلاثة أصناف وصرح انهم سموهم كلهم آهل الردة وانهم سبوا نسائهم وزراريهم وانه لم يكن بين آبى بكر وعمر خلاف وان رد عمر رضي الله عنه السبي والأموال إليهم انه كما رد النبي صلي الله عليه وسلم سبي هوازن إليهم بعد آن صح إسلامهم ولكن هذا المعترض جاهل بمدارك الأحكام ، وما عليه أئمة الإسلام ، والله المستعان 0
*******
…قال المعترض في أبياته ولذلك قلنا
وهذا لعمري غير ما آنت فيه من
فانهم قد بايعوك علي الهدي
وقد هاجروا ما كان من بدع ومن
فما لك في سفك الدماء قط حجة
وعامل عباد الله باللطف وادعهم
ورد عليهم ما سلبت فانه
ولا بأناس حسنوا لك ما تري
يريدون نهب المسلمين واخذ ما
فراقب اله العرش من قبل آن تري
نعم واعلموا أنى آري كل بدعة
( ولا تحسبوا أنى رجعت عن الذي
( بلى كل ما فيه هو الحق إنما تجا
( وتفكير آهل الأرض لست أقوله
( وها آنا أبرا من فعالك في الورى
( ودونكما مني نصيحة مشفق
( وتغلق أبواب الغلو جميعه
( وهذا نظامي جاء والله حجة ... تجاريك في قتل لمن كان في نجد

(100/81)

ولم يجعلوا لله في الدين من ند
عبادة من حل المقابر في اللحد
خف لله و أحذر ما تسر وما تبدي
الي فعل ما يهدي الي جنة الخلد
حرام ولا تغير بالعز والجد
فما همهم الا الإناث مع النقد
بأيديهم من غير خوف ولا حد
صديقا فلا شيء يفيد ولا يجدي
ضلالا علي ما قلت في ذلك العقد
تضمنه نظمي القديم الي نجد )
ريك في سفك لدماء ليس من قصدي )
كما قلته لا عن دليل به تهدي )
فما آنت في هذا مصيب ولا مهدي )
عليك عسي تهدي لهذا وتستهدي )
وتأتى الأمور الصالحات علي قصد )
عليك فقابل بالقبول الذي ابدي )
…والجواب آن يقال
أقوال لعمري ما أصبت ولم تكن
فقد كان شيخ المسلمين محمدا
فسار علي منهاج سنة احمد
وما قاتل الشيخ الأمام محمد
ينادون زيدا والحسين وخالدا
وقد جعلوا لله جل جلاله
وقاتلهم لما آبوا وتمردوا
فعمن آخذت الزور مما نظمته
اعن مربد من فر عن دين احمد
وقد هاضه بل غاضة و أمضه
وقد ألف المالفون ما كان قومه
ولما استجابوا واستقاموا علي الهدي
ففر وابدي ترهات وضلة
عن الدين والتقوي ذوي الإفك والردي
فقولك عمن فر عن دين احمد
فانهمو قد بايعوك علي الهدي
تهور أفاك وتزوير مبطل
فما بايعوا بعد الضلال علي الهدي
من الزور والبهتان ليس بثابت
ولا هجروا ما كان من بدع ومن
فلو آمنوا بالله من بعد غيهم
لما سفكت تلك الدماء وقتلوا
ولكنهم في غيهم وضلالهم
نعم كان منهم من أجاب تزندقا
الي الكفر والإشراك بالله جهرة
فخاف من المولي عقوبة تركهم
وعامل آهل الحق باللطف والذي
وقد قام يدعوهم الي الله برهة
وعاملهم باللطف والرفق داعيا
فلما آبوا واستكبروا وتمردوا
احل بهم ما قد احل نبيه
الي ان انابوا واستجابوا واذعنوا
فالوا به عزا ومجدا ورفعة
وقولك : فاردد ما نهبت ، تحكم
ايرجع اموالا ابيحت بكفرهم
اهذا حرام ويل امك او اتي
فلو ان ما تحكي من الزور كائن
وما عز شمس الدين في نصرة الهدي
ولا باناس حسنوا البغي بالهوي
كما قلته فيما تهورت قائلا

(100/82)

وما قلتمو بالمبين من هذيانكم
يريدون نهب المسلمين واخذ ما
ثكلتك هل هذي مقالة عالم
ايرجع اموالا الي كل من دعا
ينادون زيدا طالبين برغبة
وتاجا وشمسانا ومن كان يدعي
ويدعون اشجارا كثيرا عديدة
وغارا وقد اوت اليه يزعمهم
وقد رام منها فاسق ان يريدها
فكان لها المولي مجيرا وعاصما
وفحال نخل يختلفن نساؤهم
اذا لم تلد ولم تزوج ليعطها
وكل قري نجد بهن معابد
فان كان هذا ليس عندك مخرجا
لانهمو قد امنوا بمحمد
ولا اعتقدوا فيمن دعوه بانه
ولكنهم قوم اتوا بجهالة
فزين للجهال ان ذوي التقي
لهم شفعاء ينفعون وانهم
فمن اجل هذا كان هذا اعتقادهم
ولكن اولا القوم ليسوا كمن مضي
فما الاوليا والصالحون لديهم
فهذا مقال الفدم لادر دره
وكان لعمري سامجا متناقضا
فلست علي نهج من الدين واضحا
وان كان هذا غاية الكفر والردي
فما بال هذا الطعن ويحك جهرة
وترميه بالبهتان والزور زاعما
فهلا نصحت اليوم نفسك مزريا
لتنجو في يوم عظيم عصبصب
فانك قد اوغلت في الشر قائلا
وكل الذي قد قلت في الشيخ فرية
واعجب شيء قاله بعد هدره
( ولا تحسبوا اني رجعت عن الذي
( بلي كل ما فيه هو الحق انما
اقول نعم كل الذي قال اولا
وكل الذي قد قال في النظم اولا
لمن كان ذا قلب خلي من الهوي
ولم يبد ردا او رجوعا عن الذي
الي ان تقضي ذلك العصر كله
وتصديق ذا ان الذي قال لم يكن
لمن بايعوا طوعا علي الدين والهدي
وقد هجروا ما كان من بدع ومن
اذا تم هذا واستبان لمنصف
فصح يقينا ان هذا تقول
ولا حسد قد غامر الغي قلبه
وابصر في منظومه متاملا
وما قاله في الشرح من هذيانه
تيقن ان الشيخ كان علي الهدي
فما جاء هذا الوغد فيما هذي به
ولكن بتزوير وتاليف جاهل
وجاء ببرهان واقوم حجة
وان كان هذا النظم والشرح ثابتا
واعني به البدر المنير محمدا
وصدق اهل الغي في هذيانهم
وكان له في ذاك نوع من الهوي
فليس بمعصوم ولا شك انه
وعوقب بالهذر الذي قال حيث لم
وناقض ما قد قاله في اعتقاده

(100/83)

وقد شاع عن النظم عنه وشرحه
فلا غر و من هذا ولا بدع بل له
وماذا عسي لو قال ما قال جهرة
وانكر اهل العلم من كل جهبذ
فقد رد صديق عليه وقد راي
وانصف لما قال بالحق والهدي
ورد الاباطيل التي قد اتي بها
وقد خالفت ما قاله كل عالم
وقد قال قوم من ذوي الغي والردي
وقد زعموا ان الامام محمدا
ويقتلهم من غير جرم تجبرا
ومن لم يطعه كان بالله كافرا
وقد اجلبوا من كل اوب ووجهة
فبادوا وما فادوا وما ادركوا المني
واظهره المولي علي كل من بغي
واظهر دين الله بعد انطماسه
وساعده في نصرة الدين والهدي
وقد نال مجدا اهل نجد ورفعة
باظهار دين الله قسرا ودعوة
وقام بهذا الامر من بعد من مضي
وقد جاهدوا اعداء دين محمد
لكي يطمسوا اعلام سنة احمد
وقد جهدوا في محو اعلامه العلي
فما نال من عاداهمو من ذوي الردي
ونال ذو الاسلام عزا ورفعة
فلا زال تاييد الاله يمدهم
وازكي صلاة يبهر المسك عرفها
واصحابه والال مع كل تابع ... علي منهج ينجيك عن زورك المردي
علي المنهج الاسني وكان علي المرشد
ومنهج أصحاب النبي ذوي المجد
سوي آمة عادوا عن الحق والقصد
ومن كان في الأحداث من ساكن اللحد
نديدا تعالي الله عن ذلك الغد
وقد شردوا عن دعوة الحق للضد
وسطرته في الرق جهرا علي عمد
وقد أشرقت أنواره في ربي نجد
تلألؤ نور الحق من كوكب الرشد
عليه من الإشراك والجعل للند
تضايق لما لم يجد من له يجدي
يصد بها آهل الغواية واللسد
وهيهات قد بان الرشاد لذي النقد
بتزويره أفكار وبهتا علي عمد
ولم يجعلوا لله في الدين من ند
تجاري به الاهوواء الحسد المردي
وقاتلهم حاشا وكلا فما تبدي
وليس له اصل فدع عنك ما يردي
عبادة من حل المقابر في اللحد
وتابوا عن الإشراك بالصمد الفرد
بلا حجة هذا من الكذب المردي
وطغيانهم لا يهتدون لمن يهدي
وحاد أخيرا عن موافقة الرشد
فقاتلهم عمدا وقصدا لذا القصد
علي كفرهم حتى يفيئوا لما يبدي
يحيد عن الإسلام بالصارم الهندي

(100/84)

من الدهر لا يألوا اجتهاد بما يجدي

الي فعل ما يهدي الي جنة الخلد

عن الدين واستعدوا عداه ذوي جحد

بمن كفروا بالله من كل ذي طرد

لمن قام يدعوهم الي منهج الرشد

ودان لهم بالدين من صد عن جهد

ثكلتك هل تدري غوائل ما نبدي

اليهم وهل هذي مقاله ذي نقد

بذلك وحي مستبين لذي رشد

لكان حراما لا يباح ولا يجدي

تغززه بالجاه والعز والجد

وهمهم اخذ الاثاث مع النقد

بما لم يقل اهل الدراية من نجد

كقولك تمويها علي الاعين الرمد

بايديهمو من غير خوف ولا حد

تقي نقي عارف او اخي رشد

سوي الله معبودا من الخلق لا يجدي

ومن كان في الاحداث من ساكن اللحد

ولا يته الجهال من غير ما عد

لعمري واحجارا تراد لذا القصد

هنالك بنت للامير علي جهد

بسوء فعاد الغار منغلق السد

فيدعونه من اجل ذاك ذو واللد

اليه باهداء القرابين عن عمد

بنين وزوجا عاجلا غير ذي صد

كثير بلا حد يحدو لا عد

من الدين من ياتي به من ذوي الجحد

عليه صلاة الله ماحن من رعد

اله مع الرحمن ذي العرش والمجد

وغرهم الشيطان ذو الغدر والطرد

من الصلحا والاولياء ذوي الرشد

يضرون هذا قوله عن ذوي اللد

كما اعتقد الكفار من قبل في الند
فقد اثبتوا التوحيد للواحد الفرد
بالهة حاشا فليسوا ذوي جحد
كما هو معلوم من الشرح مستبد
فتبا لمن يبدي من الغي ما يردي
ولست بذي علم ولست بذي رشد
واديان عباد القبور ذوي الجحد
علي من محا تلك المعابد من نجد
بانك ذو نصح وتهدي وتستهدي
عليها ومستعد عليها بما تبدي
من الافك والبهتان في العالم المهدي
بما ليس معلوما لدي كل من يهدي
بلا مريه والحق كالشمس مستبد
وتلفيقه زورا من القول لا يجدي
نضمنه نظمي القديم الي نجد )
تجاربك من سفك الدما ليس من قصدي
هو الحق والتحقيق من غير مارد
يعود علي القول المزور بالهد
فقد عاش عصرا بعدما قال في العقد
تقدم او طعنا با ضاع ذي الحقد
ولم يشتهر ما قيل من كل ما يبدي
ولا صار هذا القتل والنهب في نجد
ولم يجعلوا لله في الدين من ند
(100/85)
عبادة من حل المقابر في اللحد
خلي الاغراض ليس بذي حقد
علي الحبر بحر العلم ذي الفصل والنقد
وصار به غل علي كل ذي رشد
مقاصد ما قد رامه بالذي يبد
وتلفيقة ما لا يفيد ولا يجدي
وكان علي نهج قويم من الرشد
بحق وتحقيق لدي كل ذي نقد
ولو كان ذا علم لا نصف في الرد
تدل علي ما قاله في الذي يبدي
عن السيد المشهور بالعلم والرشد
ووافق اهل الزيغ والطرد والجحد
بما قاله نظما ونثرا من الرد
وداخله شيء من الحسد المردي
بذلك قد اخطا وجاء بما يردي
يكن بصواب مستقيم ولا يجدي
وما قاله فيما تقدم في العقد
وساغ لدي قوم كثير ذوي حقد
بذلك امثال كثير بلا عد
فقد كان قد اخطا وحاد عن الرشد
عليه امورا خالها الحق عن قصد
مقالته الشنعاء فاحسن في الرد
وجاء ببرهان يلوح لذي النقد
والفها في شرح منظومة المردي
محق ويدري الحق ليس بذي لدي
كما قاله هذا البمرج عن قصد
يكفر اهل الارض طرا علي عمد
وياخذ اموال العباد بلا حد
الي غير هذا من خرافات ذي اللد
وصالوا باهل الشرك من كل ذي حقد
وابوا وقد خابوا وحادوا عن الرشد
عليه وعاداه بلا موجب يجدي
واعلي له الاعلام سامية المجد
ائمة عدل مهتدون ذوو رشد
بال سعود واستطالوا علي الضد
الي الله بالتقوي وبالصارم الهندي
بنوهم وقد ساروا علي منهج الحمد
وقد جرهم قوم طغاة الي نجد
ويعلوا بها اهل الردي من ذوي الجحد
واطفاء انوار له غاية الجهد
مناهم فباؤا بالخسارة والطرد
ومجدا بنصر الدين والكسر للضد
بنصر واسعاف علي كل ذي حقد
علي السيد المعصوم افضل من يهدي
وتابعهم والتابعين علي الرشد
( فصل )
(100/86)
…اذا تحققت ما قدمت لك من النظم والنثر في الرد علي هذا المزور الذي وضع هذه الاكاذيب من النظم والشرح علي السيد الامام محمد ابن اسماعيل الصنعاني رحمه الله وتبين لك ما في كله من الخطا والكذب والزور والبهتان والظلم والعدوان وان هذا الكلام لا يليق بجناب السيد محمد بن اسماعيل الصنعاني رحمه الله فانه كلام جاهل متناقض والسيد اجل قدرا من ان يتكلم بمثل هذا الكلام البارد السامج فعلم هذا المزور دليل النظم الاول بابيات ذكر فيها احكام الكفر وتقسيمه فذكر في القسم الذي لا يخرج عن الملة قوله0
(100/87)
…" قلت ومن هذا كفر من يدعو الاولياء ويهتف بهم عند الشدائد ويطوف بقبورهم ويقبل جداراتها وينذر لها شيئا من ماله فانه كفر عمل لا اعتقاد فانه مؤمن بالله وبرسوله صلي الله عليه وسلم وباليوم الاخر لكن زين لهم الشيطان ان هؤلاء عباد الله الصالحين ينفعون ويشفعون ويضرون فاعتقدوا ذلك جهلا كما اعتقده اهل الجاهلية في الاصنام لكن هؤلاء يثبتون التوحيد لله لا يجعلون الاولياء الهة كما قاله الكفار انكارا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم لما دعاهم الي كلمة التوحيد اجعل الالهة الها واحد فهؤلاء جعلوا لله شركاء حقيقة وقالوا في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك 0 فاثبتوا للاصنام شركة مع رب الانام ، وان كانت عبادتهم الضالة قد افادت انه لا شريك له تعالي لانه اذا كان يملكه وما مالك فليس شريكا له تعالي بل مملوك فعباد الاصنام جعلوا لله اندادا واتخذوا من دونه شركاء وتارة يقولون الشفعاء يقربونهم الي الله زافي ، بخلاف جهلة المسلمين الذين يعتقدون في اوليائهم النفع والضر فانهم مقرون بالوحدانية وافربادة بالالهية وصدقوا رسله فالذي اتوه من تعظيم الاولياء كفر عملي لا اعتقادي ، فالواجب هو وعظهم ، وتعريفهم جهلهم ، وزجرهم ولو بالتعزير كما امرنا بحد الزاني والشارب والسارق من اهل الكفر العملي كما قدمنا في الابيات الاصلية حيث قلنا * وكم هتفوا عند الشدائد باسمها * وكما قلنا * وكم عقروا في سوحها من عقيرة* وكما قلنا * وكم طائف حول القبور مقبل * الي اخرها فهذه كلها قبائح محرمة من اعمال الجاهلية فهو من الكفر العملي فقد ثبت ان هذه الامة تفعل امورا من امور الجاهلية فهو من الكفر العملي كحديث " اربع في امتي من امور الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الاحساب ، والطعن في الانساب والاستسقاء بالنجوم والنياحه " اخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابي مالك الاشعري فهذه من الكفر العملي لا يخرج بها الامة عن الملة بل هم مع
(100/88)
اتيانهم بهذه الخصلة الجاهلية اضافهم الي نفسه فقال من امتي ( فان قلت ) الجاهلية تقول في اصنامها أنهم يقربونا إلى الله زلفى كما تقوله القبوريون ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما يقوله القبور أيضاً ( قلت ) لا سواء فإن القبوريين مثبتون التوحيد لله تعالى بالالهية قاتلون إنه لا إله إلا هو ولو ضربت عنقه على أن يقول إن الولي إله مع الله لما قالها ، بل عنده اعتقاد جهل أن الوالي لما أطاع الله من اطاعته كان له عنده تعالى جاه به يقبل شفاعته ويرجو نفعه لا أنه إله مع الله بخلاف الوثني ، فإنه امتنع عن قول لا إله إلا الله حتى ضربت عنقه زاعماً أن وثنه إله مع الله ويسميه ربا والها كما قال يوسف - عليه السلام - ( أرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار ) فسماهم أربابا لأنهم كانوا يسمونهم بذلك كما قال الخليل - عليه السلام - هذا ربي في الثلاث الآيات مستفهما لهم مبكتاً متكلما على خطائهم حيث يسمون الكواكب أربابا وقال ( أجعل الآلهة إلها واحداً ) وقال قوم إبراهيم - عليه السلام - ( من فعل هذا بآلهتنا ؟ أأنت فعلت هذا بألهتنا يا إبراهيم ) فقال إبراهيم - عليه السلام - مستفهما ( أإفكاً آلهة دون الله تريدون ) ومنها تعلم أن الكفار غير مقرين بتوحيد الالهية ولا الربوبية كما توهمه من توهم من قوله ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ؟ من خلق السموات والارض ليقولن الله خلفهن العزيز العليم * قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله ) فهذا اقرار بتوحيد الخالقية والرازقية ونحوهما لا انه اقر بتوحيد الالهية لانهم يجعلون اوثانهم الهة وارباباكما عرفت فهذا الكفر الجاهلي كفر اعتقاد ومن لازمه كفر العمل بخلاف من اعتقد في الاولياء النفع والضر مع توحيد الله والايمان به وبرسله واليوم الاخر فانه كفر عمل فهذا تحقيق بالغ وايضاح لما هو الحق من
(100/89)
غير افراط ولا تفريط " الي اخر كلامه 0
…( الجواب ) ان يقال سبحان من طبع علي قلوب هؤلاء الجهلة حتي قلبوا الحقائق ، وارتكبوا الاحموقة من الشقاشق فضلوا واضلوا عباد الله وهذا الرجل الذي بلغ هذه الاكاذيب قد جاء بها شوهاء شمطاء لم تمتشط ولم تنتقب وظن من سفاهة رايه وقلة عمله وتحقيقه ومعرفته بدين الاسلام الذي بعث الله به رسله ولنزل به كتبه ان هذا هو التحقيق البالغ وايضاح الحق من غير افراط ولا تفريط وهو كلام متناقض مخالف للكتاب والسنة واجماع سلف الامة وائمتها ومخالف لكلام السيد الامير محمد بن اسماعيل الصنعاني رحمه الله مناقض له كما سنذكره ان شاء الله قريبا ولولا ان هذا النظم وشرحه انتشر واشتهر انه من كلام الامير محمد بن اسماعيل الصنعاني وصدق به من كان في قلبه زيغ وعنده عداوة لاهل الاسلام الحنفاء لما رفعنا به راسا لكن تعين علينا نصر الحق وبيانه والسعي في ابطال ماموه به هذا المبهرج علي خفافيش البصائر وليعلم كل من نظر فيه براءة السيد الامير محمد بن اسماعيل من هذا الكلام الباطل المتناقض السامج البارد بذكر ما يناقضه ويرده ويبطله مما هو الحق والصواب الموافق لصريح السنة والكتاب من كلام السيد في تطهير الاعتقاد قال رحمه الله تعالي 0
فصل
(100/90)
…" اذا تقرر عندك ان المشركين لا ينفعهم الاقرار بالله تعالي مع اشراكهم في العبادة ولا يغني عنهم من الله شيئا وان عبادتهم هي اعتقادهم انهم ينفعون ويضرون وانهم يقربون من الله زلفي وانهم يشفعون لهم عند الله تعالي فينحرون لهم النحائر وطافوا بهم ونذر النذور عليهم وقاموا متذللين متواضعين في خدمتهم ويسجدون لهم ومع هذا كله هم مقرون لله بالربونية وانه الخالق ولكنهم لما اشركوا في عبادته جعلهم مشركين ولم يعتد باقرارهم هذا لانه نافاه فعلهم فلم ينفعهم الاقرار بتوحيد الربونية فمن شان من اقر لله بتوحيد الربونية ان يفرده بتوحيد العبادة فاذا لم يفعل ذلك فالاقرار الاول باطل فقد عرفوا وهم في طبقات النار وقالوا ( تالله ان كنا لفي ضلال مبين * اذ نسويكم برب العالمين ) مع انهم لم يسووهم له من كل وجه ولا جعلوهم خالقين ولا رازقين لكن علموا ان صاروا في النار في قعر جهنم ان خلط الاقرار من ندرات الشرك وعدم توحيد العبادة صيرهم كمن سوي بين الاصنام وبين رب الانام قال تعالي ( وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ) اى ما يقر اكثرهم في اقراره بالله وبانه خلقه وخلق السموات والارض الا وهو مشرك بعبادة الاوثان بل سمي الله تعالي الرياء في الطاعات شركا مع ان فاعل الطاعات ما قصد بها الا الله تعالي وانما اراد تطلب المنزلة في الطاعة في قلوب الناس فالمرائي عبد الله تعالي لا غيره لكنه خلط العبادة بطلب المنزلة في قلوب العباد فلم تقبل له عبادة وسماها شركا كما اخرجه مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " انا اغني الشرك عن الشرك من عمل عملا اشرك معي فيه غيري تركته وشركه " بل سمي تعالي التسمية بعبد الحارث شركا كما قال تعالي ( فلما اتاهما صالحا جعلا له شريكا فيما اتاهما ) فانه اخرج احمد ابن حنبل والترمذي من حديث سمرة انه قال صلي الله عليه وسلم لما حملت حواء وكان لا يعيش لها ولد طاف بها
(100/91)
ابليس وقال لا يعيش لك ولد حتي تسميه عبد الحارث فسمته فعاش وكان ذلك وحي من الشيطان وامره فانزل الله الايات وسماه شركا وكان ابليس يسمي بالحارث والقصة في الدار المنثور وغيره "
فصل
…" قد عرفت من هذا كله ان من اعتقد في شجر او حجر قبر او ملك او حي او ميت انه ينفع او يضر وانه يقرب الي الله او يشفع عنده في الحاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع والتوسل الي الرب تعالي الا مارود من حديث فيه مقال في حق نبينا صلي الله عليه وسلم بخصوصة او نحو من ذلك فانه قد اشرك مع الله غيره واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الاوثان فضلا عن ان ينذر بما له او ولده لميت او حي يطلب بذلك ما لا يطلب الا من الله تعالي من الحاجات من عافية مريضة او قدوم غائبة ونيله لاي مطلب من المطالب فان هذا هو الشرك بعينه الذي كان عليه عبادة الاصنام والنذر بالمال علي الميت ونحوه والنحر علي قبره والتوسل به وطلب الحاجات منه هو بعينه الذي كان يفعله الجاهلية والجاهلية انما يسمون ما يعبدونه وثنا وصنما وهؤلاء يسمونه وليا وقبرا ومشهدا والاسماء لا اثر لها ولا تغير المعاني ضرورة لغوية وعقلية وشرعية فمن شرب الخمر واسماها ماء ما شرب الا خمرا 0 وقد ثبت في الاحاديث انه ياتي اقوام يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم قد اتي طوائف من الفسقة يشربون الخمر ويسمونها نبيذا واول من سمي ما فيه غضب الله وعصيانه بالاسماء المحبوبة عند السامعين ابليس لعنه الله فانه قال لابي البشر ادم - عليه السلام - ( يا ادم هل ادلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي ) فسمي الشجرة التي نهي الله ادم عن قربها ( شجرة الخلد ) غروراله وقد لبس عليه بالاسم الذي اخترعه لها كما سمي اخوانه المقلدون له الحشيشةبلقمة الراحة وكما يسمي الظلمة ما يقبضونه من اموال عباد الله ظلما وعدوانا ادبا فيقولون ادب القتل ادب السرقة ادب التهمة – بتحريف اسم الظلم
(100/92)
الي الادب – كما يحرفونه في بعض المقبوضات الي اسم النفاعة وفي بعضها الي السياسة وفي بعضها ادب المكابيل والموازين وكل ذلك عند الله ظلم وعدوان كما يعرفونه من شم رائحة الكتاب والسنة وكل ذلك ماخوذ عن ابليس وكل قوم لهم رجل ينادونه فاهل العراق والهند عبد القادر واهل الطائف ومكة يا ابن عباس واهل مصر يا رفاعي وفي كل قرية اموات يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع الضر وهو فعل المشركون في الاصنام كما قلنا في الابيات النجدية
اعادوا بها معني سواع ومثله
وقد هتفوا عند الشدائد باسمائها
وكم نحروا في سوحها من بحيرة
وكم طائف عند القبور مقبل
اعادوا بها معني سواع ومثله
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
وكم عقروا في سوحها من عقيرة ... يغوث وود بئس ذلك من ود
كما يهتف المضطر بالصمد القرد
اهلت لغير الله جهرا علي عمد
ومستلم الاركان منهن باليد
يغوث وود بئس ذلك من ود
كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
اهلت لغير الله جهرا علي عمد
…" فان قلت هؤلاء القبوريون يقولون نحن لا نشرك بالله عز وجل ولا نجعل له ندا والالتجاء الي الاولياء والاعتقاد فيهم ليس بشرك قلت نعم يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم ولكن هذا جهل منهم بمعني الشرك فان تعظيمهم الاولياء ونحرهم النحائر لهم شرك والله تعالي يقول ( فصل لربك وانحر ) أي لا لغيره كما يفيده تقديم الظروف ويقول ( فلا تدعوا مع الله احد ) الي اخر كلامه رحمه الله تعالي 0
( فصل )
…ولنختم الجواب بما هو اوضح من الواضحات واصرح الدلائل والبينات علي بطلان دعوي من اعتبر الالفاظ دون الحقائق بما ذكره شيخنا شيخ الاسلام الامام وعلم الهداة الاعلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن في ( فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد ) الذي الفة شيخ الاسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالي 0
(100/93)
…قوله باب من تبرك بشجر او حجر ونحوهما كبقعة او قبر ونحو ذلك أي فهو مشرك قوله وقول الله تعالي ( افر ايتم اللات والعزي ومناه الثالثة الاخري ) الايات
…ثم ذكر كلام المفسرين من اهل العلم عليها ثم قال رحمه الله تعالي فمطابقة الاية للترجمه من جهة ان عباد هذه الاوثان انما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها والاستغاثة بها والاعتماد عليها وحصول ما يرجونه ويؤملونه ببركتها وشفاعتها وغير ذلك فالتبرك بقبور الصالحين كاللات وبالاشجار والاحجار كالعزي ومناه من جملة فعل اولئك المشركين مع تلك الاوثان فمن فعل مثل ذلك واعتقد في قبر او حجر او شجرة فقد ظاهر عباد هذه الاوثان فيما كانوا يفعلونه معها من هذا الشرك علي ان الواقع من هؤلاء المشركين مع معبوديهم اعظم مما وقع من اولئك فالله المستعان "
…ثم قال رحمه الله تعالي قوله عن ابي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم الي حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها ويتوطون اسلحتهم يقال لها ذات انواط فمرر بالسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط قال " الله اكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو اسرائيل لموسي ( اجعل لنا الها كما لهم الهة قال انكم قوم تجهلون ) لتركبن سنن من كان قبلكم " رواه الترمذي وصححه ابو واقد الليثي اسمه الحارث بن عوف وفي الباب عن ابي سعيد وابي هريرة قاله الترمذي وقد رواه احمد وابو يعلي وابن ابي شيبة والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والطبراني بنحوه
(100/94)
…قال رحمه الله قوله وللمشركين سدرة يعكفون عندها العكوف هو الاقامة علي الشيء في المكان ومنه قول الخليل - عليه السلام - ( ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون ) وكان عكوف المشركين عند تلك السدرة تبركا بها وتعظما لها وفي حديث عمر وكان يناط بها السلاح فسميت ذات انواط وكانت تعبد من دون الله قوله وينوطون بها اسلحتهم أي يعقلونها عليها للبركة ( قلت ) ففي هذا بيان ان عبادتهم لها بالتعظيم والعكوف والتبرك وبهذه الامور الثلاثة عبدت الاشجار ونحوهما 0
…قوله اجعل لنا ذات انواط قال ابو السعادات سالوه ان يجعل لهم مثلها فنهاهم عن ذلك وانواط جمع نوط وهي مصدر سمي به المنوط ظنوا ان هذا الامر محبوب عند الله وقصدوا التقرب به والا فهم اجل قدرا من يقصدوا مخالفة النبي صلي الله عليه وسلم قوله فقال النبي صلي الله عليه وسلم " الله اكبر" وفي رواية " سبحان الله " والمراد تعظيم الله تعالي وتنزيهه عن هذا الشرك باي نوع كان مما لا يجوز ان يطلب او يقصد به غير الله وكان النبي صلي الله عليه وسلم يستعمل التكبير والتسبيح في حال التعجب تعظيما لله وتنزيها له اذا سمع من احد ما لا يليق بالله مما فيه هضم للربونية والالهة قوله إنها السنن بضم السين أي الطريق قوله قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو اسرائيل لموسي ( اجعل لنا الها كما لهم الهة ) فشبه مقالتهم هذه بقول بني اسرائيل بجامع ان كلا طلب ان يجعل له ما ياله اليه ويعبده من دون الله وان اختلف اللفظان فالمعني واحد فتغير الاسم لا يغير الحقيقة ففيه الخوف من الشرك وان الانسان قد يستحسن شيئا يظنه يقربه الي الله وهو ابعد ما يبعده من رحمته ويقربه من سخطه
…ولا يعرف الحقيقة الا من عرف ما وقع في هذه الازمان من كثير من العلماء والعباد مع ارباب القبور من الغلو فيها وصرف جل العبادة لها ويحسبون انهم علي شيء وهو الذئب الذي لا يغفره الله
(100/95)
…قال الحافظ ابو محمد عبد الرحمن بن اسماعيل الشافعي المعروف بابن ابي شامه في ( كتاب البدع والحوادث ) ومن هذا القسم ايضا ما قد عم الابتلاء به من تزبين الشيطان للعامة بتخليق الحيطان والعمد واسراج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكي لهم حاك انه راي في منامه بها احدا ممن شهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض الله تعالي وسننه ويظنون انهم متقربون بذلك ثم يتجاوزون هذا الي ان يعظم وقع تلك الاماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها وهي من عيون وشجر وحائط وحجر وفي مدينه دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينه الحمي خارج باب توما والعمود المخلق داخل باب الصغير والشجرة الملعونه خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهل الله قطعها واجتثاثها من اصلها فما اشبهها بذات انواط الواردة في الحديث انتهي 0
…وذكر ابن القيم رحمه الله نحو ما ذكره ابي شامة ثم قال فما اسرع اهل الشرك الي اتخاذ الاوثان من دون الله ولو كانت ما كانت ويقولون ان هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر أي تقبل العبادة من دون الله فان النذر عبادة وقربة يتقرب بها المنذور له وسياتي ما يتعلق بهذا الباب عند قوله " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " وفي هذه الجملة من الفوائد ان ما يفعله من يعتقد في الاشجار والقبور والاحجار من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك ولا يغتر بالعوام والطعام ولا يستبعد كون الشرك بالله تعالي يقع في هذه الامة فاذا كان بعض الصحابة ظنوا ان ذلك حسنا وطلبوه من النبي صلي الله عليه وسلم حتي بين لهم ان ذلك كقول بني اسرائيل ( اجعل لنا الها كما لهم الهة ) فكيف لا يخفي علي من هو دنهم في العلم والفضل باضعاف مضاعفة مع غلبة الجهل وبعد العهد باثار النبوة ؟ بل خفي عليهم عظائم الشرك في الالهية والربونية فاكثروا فعله واتخذوه قربة 0
(100/96)
…وفيها ان الاعتبار في الاحكام بالمعاني لا بالاسماء ولهذا جعل النبي صلي الله عليه وسلم طلبتهم كطلبة بني اسرائيل ولم يلتفت الي كونهم سموها ذات انواط فالمشرك مشرك وان سمي شركه ما سماه كمن يسمي دعاء الاموات والذبح لهم والنذور ونحو ذلك تعظيما ومحبة فان ذلك هو الشرك وان سماه ما سماه وقس علي ذلك انتهي ما ذكره شيخنا رحمه الله في فتح المجيد 0
…فتامل رحمك الله قوله فشبه مقالتهم هذه بقول بني اسرائيل بجامع ان كلا طلب ان يجعل له ما يالهة ويعبده من دون الله وان اختلف اللفظان فالمعني واحد فان تغير الاسم لا يغير الحقيقة ( وقوله ) بعد ذلك وفيها ان الاعتبار في الاحكام بالمعاني لا بالاسماء ولهذا جعل النبي صلي الله عليه وسلم طلبتهم كطلبة بني اسرائيل ولم يلتفت الي كونهم سموها ذات انواط فالمشرك مشرك وان سمي شركه ما سماه كمن سمي دعاء الاموات والذبح لهم والنذر ونحو ذلك تعظيما ومحبة فان ذلك هو الشرك وان سماه ما سماه 0
ثم تامل ما ذكره المعترض بقوله ( فان قلت ) الجاهلية يقولون في اصنامها انهم يقربونهم الي الله زافي كما يقول القبوريون ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما يقول القبوريون ايضا ( قلت ) لاسواء فان القبوريون يثبتون التوحيد لله تعالي بالهيته قائلين انه لا اله الا هو ولو ضربت عنقه علي ان يقول ان الولي اله مع الله لما قالها بل عنده اعتقاد وهو ان الولي لما اطاع الله من اطاعه (1) كان له عنده جاه به يقبل شفاعته ويرجو نفعه لا انه اله مع الله بخلاف الوثني فانه امتنع عن قول لا اله الا الله حتي ضربي عنقه زاعما ان وثنه اله مع الله ويسميه ربا والها الي اخر كلامه 0
__________
(1) كذا في الاصل وظاهرة ان كلمة ( من اطاعه ) زائدة لا معني لها ولا حاجة اليها هنا 0
(100/97)
…فاعتبر هذا المعترض الجاهل المركب الاسماء دون الحقائق متعلق بتسمية اهل الجاهلية من عباد الاصنام والاوثان اصنامهم واوثانهم التي يعبدونها مع الله الهه واربابا ولم يعتبر معاني هذه الاسماء وحقائقها فان الاله هو الذي تالهه القلوب محبه واجلالا وتعظيما وخوفا ورجاء ودعاء واستغاثة واستعانه وذبحا ونذرا وتوكلا وانابة وخشية ورهبة ورغبة فاذا تاله العبد غير الله بنوع من هذه الانواع فدعاه مع الله او استغاث به او استعان به او خانه او رجاه مع الله او طلب منه ما لا يقدر عليه الا الله او ذبح له او نذر له او توكل عليه او صرف له من هذه العبادة شيئا فقد تالهه وعبده من دون الله وان لم يسم ذلك المعبود المالوه الها وربا (1)
__________
(1) السبب الصحيح لتسمية عرب الجاهلية كل شيء مما ذكر الها هو انهم اهل اللغة وهذا معني الاله في لغتهم فلا يشترط في مفهوم لفظ الاله في اللغة العربية ان يكون هو الخالق او المدبر للخلق بل هذا يدخل في مفهوم اسم الله ولذلك دعاهم الرسول كما دعا سائر الرسل اقوامهم ( ان لا تعبدوا الا الله ما لكم من اله غيره ) واما جهلة المسلمين الذين اتخذوا الهه مع الله تعالي فلم يسموها الهه لجهلهم باللغه كجهلهم بالشرع فظنوا ان الاسلام انما ينهي عن تسميه غير الله الها واما عبادة غيره كدعاء الموتي والنذر لهم وتقريب القرابين والطواف بقبورهم وغير ذلك فلا ينافي التوحيد عندهم اذا سمي توسلا او استشفاعا مثلا وقد ينكرون كون اعمالهم هذه تسمي عبادة لجهلهم باللغة والشرع وبالتاريخ ايضا فان شرك جاهلية العرب والشرك الذي سري الي اهل الكتاب كان جله ومعظمه من النوع وكذا شرك قوم نوح من قبلهم كما رواه البخاري عن ابن عباس " - رضي الله عنه - " ولذلك قلت منذ اكثر من ربع قرن ان مشركي المسلمين الجغرافيين قد جنوا علي الدين واللغة العربية ومشركي الجاهلية حافظوا علي لغتهم فسموا كل شيء باسمه لانهم اهل اللغة 0 وجملة القول ان معني الاله في اللغة المعبود مطلقا ولذلك سمي القرآن تلك المعثوذات الهه في قوله تعالي ( فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من الله من شيء ) وقوله ( فراغ الي الهتهم ) الخ واما كلمة التوحيد وما في معناها فهي لبيان الواجب في الاسلام لا الواقع في الخارج كقوله تعالي ( ان الحكم الا لله ) وقول اهل الحق لا حكم الا لله 0
(100/98)
وسواء عتقد التاثير منه او لم يعتقد فان الحقائق لا تتغير بتغير الاسماء كما انه صلي الله عليه وسلم لم يلفت الي قول من قال اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط بل شبه طلبتهم هذه بقول بني اسرائيل لموسي ( اجعل لنا الها كما لهم الهه ) فالاعتبار بالحقائق والمعاني لا بالاسماء وهذا الكلام الذي ذكره هذا المعترض هو قول الكفار من اهل الجاهلية سواء بسواء ومن جهله وعدم علمه واطلاعه وتحقيقة قوله في اخر كلامه :
…ومن هنا نعلم ان الكفار غير مقرين بتوحيد الالهيه ولا الربونيه كما توهمه من توهمه من قوله ( ولئن سالتهم من خلقهم ليقولون الله ) وقوله ( ولئن سالتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم * قل من يرزقكم من السماء والارض – الي قوله – ليقولن الله ) فهذا قرار بتوحيد الخالقية والرازقية ونحوهما الي اخره 0 فزعم هذا الجاهل ان الكفار غير مقرين بتوحيد الربونيه وانما اقروا بتوحيد الخالقية والرازقية ونحوهما وهذا عنده ليس بتوحيد الربونيه فهل بعد هذا الجهل جهل ينتهي اليه ؟ وهل سمعت ايها الموحد باسمج من هذا الكلام ؟ وقد تقدم من كلام السيد الامير محمد ابن اسماعيل الصنعاني في تطهير الاعتقاد ما يبطل كلام هذا المزور المفتري ويناقضه 0 وبذلك تعلم وتتحقق قطعا ان هذا النظم وشرحه موضوع مكذوب عليه والله اعلم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلي الله علي اشرف المرسلين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلي اله واصحابة وجميع التابعين وسلم تسليما كثيرا الي يوم الدين والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله 0
(100/99)
تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد
بقلم محمد بن ناصر الدين الألباني
الطبعة الرابعة
المكتب الإسلامي
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
…إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }(1)، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }(2)، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }(3).
أما بعد ، فقد كنت طبعت آخر سنة (1377) هجرية رسالة بعنوان " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " ، وكانت نسختي الخاصة من هذه الطبعة طيلة هذه المدة في متناول يدي ، كلما عثرت على فائدة زائدة تناسب موضوعها علقتها عليها ، رجاء ضمها إليها عند إعادة طبعها مزيدة ومنقحة ، وبذلك توفر عندي زيادات كثيرة هامة ، ولما طلب مني الأستاذ الافضل زهير الشاويش صاحب المكتب الاسلامي أن أقدمها إليه ليجدد طبعها ، افتقدتها فلم أجدها ، ولما يئست منها أرسلت إليه نسخة أخرى استعرتها من بعض أصحابي لتطبع كما هي على قاعدة : " ما لا يدرك كله ، لا يترك جله " ، وبينما كان أخي الاستاذ زهير الشاويش يعد العدة لطبعها ، إذ عثرت عليها بفضل الله تعالى وكرمه ، فبادرت بإرسالها إليه ، بعد تهذيبها وتهيئتها للطبعة الثانية .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية 132 .
(2) سورة النساء ، الآية 1.
(3) سورة الأحزاب ، الآية 70.
(101/1)
…ولما كان لتأليف الرسالة المذكورة يؤمئذ ظروف خاصة وملابسات معينة ، اقتضت الحكمة أن يكون أسلوبها على خلاف البحث الهادئ ، والاستدلال الرصين ، ذلك أنها كانت رداً على أناس لم تعجبهم دعوتنا إلى الكتاب والسنة ، على منهج السلف الصالح ، وخطة الأئمة الأربعة وغيرهم ممن اتبعوهم باحسان ، فبادؤونا بالتأليف والرد ، وليته كان رداً علمياً هادئاً ، إذن لقابلتهم بأحسن منه ولكنه لم يكن كذلك ـ مع الأسف ـ بل كان مجرداً عن أي بحث علمي ، مملئاً بالسباب والشتائم وابتكار التهم التي لم تسمع من قبل لذلك ، لم نر يؤمئذ أن من الحكمة السكوت عنهم ، وتركهم ينشرون رسائلهم بين الناس ، دون أن يكون لدى هؤلاء مؤلف يكشف القناع عما فيها من الجهل والتهم ، { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة }(1) لذلك كان لا بد من الرد عليهم بأسمائهم .
…وعلى الرغم من أنني لم أقابل اعتداءهم وافتراءهم بالمثل ، فقد كانت الرسالة على طابعها العلمي رداً مباشر عليهم ، وقد يكون فيها شئ من القسوة أو الشدة في الأسلوب في رأي بعض الناس الذين يتظاهرون بامتعاظهم من الرد على المخالفين المفترين ، ويودون لو أنهم تركوا دون أن يحاسبوا على جهلهم وتهمتهم للأبرياء ، متوهمين أن السكوت عنهم هو من التسامح الذي قد يدخل في مثل قوله تعالى { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما }(2) وينسون أو يتناسون أن ذلك مما يعينهم على الاستمرار على ضلالهم وإضلالهم للأخرين ، والله عزوجل يقول { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }(3) وأي أثم وعدوان أشد من اتهام المسلم بما ليس فيه ، بل بخلاف ما هو عليه ! ولو أن بعض هؤلاء المتظاهرين بما ذكرنا أصابه من الاعتداء دون ما أصابنا لسارع إلى الرد ، ولسان حاله ينشد :
ألا لا يجلهن أحد علينا ……فنجهل فوق جهل الجاهلين

__________
(1) 1 سورة الأنفال الآية 42 .
(2) 2 سورة الفرقان الآية 63 .
(3) 3 سورة المائدة الآية 2.
(101/2)
…أقول على الرغم من ذلك : فإنني لأرى أن طبع الرسالة من جديد على وضعها السابق ليس من ورائه فائدة تذكر ، لذلك كان لابد من حذف بعض التعليقات ، وتعديل قليل من العبارات ، مما يهذب من أسلوبها ويتناسب مع طبعتها الجديدة ، ولا ينقص من قيمتها العلمية ، وبحوثها المهمة .
…وقد كنت ذكرت في مقدمة الطبعة الأولى أن موضوع الرسالة ينحصر في أمرين هامين جداً :
…الأول : حكم بناء المساجد على القبور .
…الثاني : حكم الصلاة في هذه المساجد .
وإني آثرت البحث فيهما ، لأن بعض الناس خاضوا فيهما بغيرعلم ، وقالوا ما لم يقله قبلهم عالم ، لا سيما وأكثر الناس لا معرفة عندهم فيه مطلقاً ، فهم في غفلة عنه ساهون ، وللحق جاهلون ، ويدعمهم في ذلك سكوت العلماء عنهم ـ إلا من شاء الله وقليل ما هم ـ خوفا من العامة ، أو مداهنة لهم في سبيل الحفاظ على منزلتهم في صدورهم ، متناسين قول الله تبارك وتعالى { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }(1) وقوله صلى الله عليه وسلم : " من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " .(2)
__________
(1) 1 سورة البقرة آية 159.
(2) 2 حديث حسن ، أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (296 ) والحاكم (1 / 102) وصححه ، ووافقه الذهبي .
(101/3)
…وكان من نتيجة هذا السكوت وذلك الجهل ، أن آل الأمر إلى ارتكاب كثير من الناس ما حرم الله تعالى ولعن فاعله ، كما سيأتي بيانه ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ! بل صار بعضهم يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك ! فترى كثيراً من محبي الخير وعمارة منهم ، ينفق أموالآ طائلة ليقيم لله مسجداً ، لكنه يعد فيه قبراً ، يوصي أن يدفن فيه بعد موته ! وآخر مثال أعرفه على ذلك ـ وعسى أن يكون الأخير إن شاء الله هذا المسجد الذي هو في رأس شارع بغداد من الجهة الغربية بدمشق ، وهو المعروف ب" مسجد بعيرا " ، وفيه قبره ، وقد بلغنا أن الأوقاف مانعت في دفنه أول الأمر ، ثم لا ندري الأسباب الحقيقية التي حالت بينها وبين ما أرادت ، ودفن " بعيرا " في مسجده بل في قبلته ! وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وهو المستعان على الخلاص من هذه المنكرات وأمثالها ! .
ومنذ أيام قليلة توفي أحد المفتين من الشافعية ، فأراد ذووه ان يدفنوه في مسجد من المساجد القديمة شرقي دمشق ، فمانعت الأوقاف أيضاً في ذلك فلم يدفن فيه ، ونحن نشكر الأوقاف على هذه المواقف الطيبة ، وحرصها على منع الدفن في المساجد ، راجين الله تبارك وتعالى ، أن يكون الحامل لها على هذا المنع هو رضاء الله عزوجل واتباع شريعته ، ليس هو اعتبارات أخرى من سياسية أو اجتماعية أو غيرها ، وأن يكون ذلك بداية طيبة منها في سبيل تطهير المساجد من البدع والمنكرات المزدحمة فيها! لا سيما ووزير الأوقاف فضيلة الشيخ الباقوري له مواقف كريمة ، في محاربة كثير من هذه المنكرات وخصوصاً بناء المساجد على القبور ، وله في هذا الموضوع كلام مفيد سيأتي نقله في المكان المناسب إنشاء الله تعالى .
…ومن المؤسف لكل مؤمن حقاً أن كثيراً من المساجد في البلاد السورية وغيرها لا تخلو من وجود قبر أو أكثر فيها ، كأن الله تبارك وتعالى أمر بذلك ولم يلعن فاعله ! فكم تحسن الأوقاف صنعاً لو حاولت بحكمتها تطهير هذه المساجد منها .
(101/4)
…ولست أشك أن ليس من الحكمة في شئ مفاجأة الرأي العام بذلك ، بل لا بد من إعلامه قبل كل شئ ، أن القبر والمسجد لا يجتمعان في دين الإسلام ، كما قال بعض العلماء الأعلام ، على ما سياتي ، وأن اجتماعهما معاً ينافي إخلاص التوحيد والعبادة لله تبارك وتعالى ، هذا الإخلاص الذي من أجل تحقيقه تبنى المساجد ، كما قال تعالى { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}(1) .
…أعتقد أن بيان ذلك واجب لا مناص منه ، ولعلي اكون قد وفقت للقيام به في هذه الرسالة ، فقد جمعت فيها الأحاديث المتواترة في النهي عن ذلك ، وأتبعتها بذكر مذاهب العلماء وأقوالهم المعتبرة ، التي تدل على ذلك ، وتشهد في الوقت نفسه على أن الأئمة رضي الله عنهم كانوا أحرص على اتباع السنة ودعوة الناس إلى اتباعها ، والتحذير من مخالفتها ، ولكن صدق الله العظيم القائل : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً}(2).
…وهذه فصول الرسالة :
الفصل الأول : في أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد .
الفصل الثاني : في معنى اتخاذ القبور مساجد .
الفصل الثالث : في أن اتخاذ القبور مساجد من الكبائر .
الفصل الرابع : شبهات وجوابها .
الفصل الخامس : في حكمة تحريم بناء المساجد على القبور .
الفصل السادس : في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على
القبور .
الفصل السابع : في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا
المسجد النبوي .
وفي تضاعيف هذه الفصول ، فصول اخرى فرعية ، تضمنت فوائد هامة نافعة إنشاء الله تعالى .
وقد سميت الرسالة :
( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )
ذلك ما كنت كتبت في مقدمة الطبعة الأولى .
…وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع المسلمين بهذه الطبعة أكثر من سابقتها ، وأن يتقبلها مني وسائر عملي الصالح قبولاً حسناً ، ويجزي القائم على طبعها خيراً . دمشق في 23ـجمادى الأولى ـ سنة 1392هـ
__________
(1) 1 سورة الجن آية 18.
(2) 1 سورة مريم آية 59 .
(101/5)
……………… محمد ناصر الدين الألباني
……الفصل الأول
أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد .
…1ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
…"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .
قالت : فلولا ذاك أبرز(1) قبره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجداً (2).
__________
(1) 1 أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل ، والمراد دفن خارج بيته ، كذا في " فتح الباري " .
…فائدة : قول عائشة هذا ، يدل دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبني عليه مسجد ، فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه وسلم في البيت ، يؤيد ذلك أنه خلاف الأصل ، لأن السنة الدفن في المقابر ، ولهذا قال ابن عروة في " الكوكب الدري" (ق188/ 1 تفسير 548):
…" والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله ( يعني الإمام أحمد ) من الدفن في البيوت ، لأنه أقل ضرراً على الأحياء من ورثته ، وأشبه بمساكن الآخرة ، وأكثر للدعاء له والترحم عليه ، ولم يزل أصحابه والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى .
…فإن قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته ، وقبر صاحبه معه ؟ قلنا : قالت عائشة : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجداً ، ولآن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ، وفعله أولى من فعل غيره ، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روي : " يدفن الأنبياء حيث يموتون " وصيانة لهم عن كثرة الطراق ، تمييزاً له عن غيره " .
(2) 2 رواه البخاري (3/156و198 و8/114 ) ومسلم (2/76 ) وأبو عوانة (1/399) وأحمد (6/80 و121و255) والسراج في "مسنده " (3/48 /2) عن عروة عنها .
…وأحمد (6/146 و252 ) والبغوي في " شرح السنة " (ج1ص415) طبع المكتب الإسلامي عن سعيد بن المسيب عنها .
…وسنده صحيح على شرط الشيخين .
(101/6)
…ومثل قول عائشة هذا ما روي عن أبيها رضي الله عنهما ، فأخرج ابن زنجويه عن عمر مولى غفرة قال :
لما أئتمروا في دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قائل : ندفنه حيث كان يصلي في مقامه ! وقال أبو بكر : معاذ الله أن نجعله وثناً يعبد ، وقال الاخرون : ندفنه في البقيع حيث دفن إخوانه من المهاجرين ، قال أبو بكر : إنا نكره أن يخرج قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ، فيعوذ به من الناس من لله عليه حق ، وحق الله فوق حق رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن أخرجناه ( الأصل : أخرناه ) ضيعنا حق الله ، وإن أخفرناه (!) أخفرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : فما ترى أنت يا أبا بكر ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قبض الله نبياً قط إلا دفن حيث قبض روحه ، قالوا : فأنت والله رضي مقنع ، ثم خطوا حول الفراش خطاً ، ثم احتمله على والعباس والفضل وأهله ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش (1) .
2ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
…"قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (2) .
3و4 ـ عن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة (3)
__________
(1) 1 قال ابن كثير : وهو منقطع من هذا الوجه ، فإن عمر مولى غفرة مع ضعفه لم يدرك أيام الصديق . كذا في ( الجامع الكبير ) للسيوطي (3/147 /1ـ2 ) .
(2) 2 رواه البخاري (2/422) ومسلم وأبوعوانة أبو داود (2/71 ) وأحمد (2/284و366و396و453و518) وأبو يعلى في " مسنده " (278/1) والسراج والسهمي في " تاريخ جرجان " (349) وابن عساكر (14/367/2) عن سعيد بن المسيب عنه ، ومسلم أيضاً عن يزيد بن الأصم عنه . وأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه " (1/406/ 1589) من الوجه الأول عنه ، ولكنه أوقفه .
(3) 3 ثوب خز أو صوف معلم . كذا في " النهاية " .
قلت : والمراد هنا الثاني ، لأن الخز هو الحرير كما هو المعروف الان وهو حرام على الرجال كما هو ثابت في النسة خلافاً لمن يستحله ممن لا يقيم للسنة وزناً ‍!.
(101/7)
له ، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول : " لعنة الله
على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . تقول عائشة يحذر مثل الذي صنعوا " (1) .
…قال الحافظ ابن حجر : "وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض ، فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى ، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم " .
قلت : يعني من هذه الأمة ، وفي الحديث الآتي (6) التصريح بنهيهم عن ذلك ،
فتنبه .

…5ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها : مارية ـ وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة ـ فذكرن من حسنها وتصاويرها قالت: [ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ] فقال :" أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، ثم صوروا تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله [ يوم القيامة ] " (2).
…قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " :
__________
(1) 1 رواه البخاري (1/422و6/386و8/116) ومسلم (2 /67) وأبو عوانة (1/399) والنسائي ( 1/115) والدارمي (1/326) وأحمد (1/218و6/34و229و275) وابن سعد في "الطبقات " (2/258 ) . ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (1 /406/1588) عن ابن عباس وحده .
(2) 2 رواه البخاري (1/416و422) ومسلم (2/66 / ) والنسائي (1/115) وابن أبي شيبة في " المصنف " (4/140طبع الهند) وأحمد (6/51 طبع المكتب الإسلامي ) وأبو عوانة في " صحيحه " (1/400ـ401) والسياق له وابن سعد في " الطبقات " (2/241) والسراج في " مسنده " (48/2) وأبو يعلى في " الطبقات " (ق .220/2) والبيهقي (4/80 ) والبغوي (2/415ـ416) .
(101/8)
" هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين ، وتصوير صورهم فيها ،كما يفعله النصارى ، ولا ريب أن كل واحدج منهما محرم على انفراده ، فتصوير صور الآدميين يحرم ، وبناء القبور على المساجد بانفراده يحرم ، كما دلت عليه نصوص أخر ، يأتي ذكر بعضها ، قال ": والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأم سلمة كانت على الحيطان ونحوها ، ولم يكن لها ظل ، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرك بها ، والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام ، وهو من جنس عبادة الأوثان ، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة ، وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك ، والتلهي محرم ، وهو من الكبائر وفاعله من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره ، وأنه تعالى ليس كمثله شئ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى " .
ذكره في " الكواكب الدراري " ( مجلد 65/82/2) .
قلت : ولا فرق في التحريم بين التصوير اليدوي والتصوير الآلي والفوتوغرافي ، بل التفريق بينهما جمود وظاهرية عصرية ، كما بينته في كتابي " آداب الزفاف " ( ص106ـ116الطبعة الثانية طبع المكتب الإسلامي ) .
6ـ عن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول :
" قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء ، وإني أبراء (1) إلى الله أن يكون لي فيكم
__________
(1) 1 أي امتنع من هذا وأنكره ، والخليل هو المنقطع إليه ، قيل : هو مشتق من الخلة ، بفتح الخاء وهي الحاجة ، وقيل : من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب ، فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى . " شرح مسلم " للنووي .
(101/9)
خليل ، وإن الله عز وجل قد اتخذني خليلاً كما تخذ إبراهيم خليلاً ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلاً ، لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا [ وإن ] من كان قبلكم [ كانوا ] يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " (1) .
…7ـ عن الحارث النجراني قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول :
…" ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك " (2) .
…عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه : " أدخلوا علي أصحابي " .
…فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة معافريّ (3) ، [ فكشف القناع ] فقال : " لعن الله اليهود [ والنصارى ] اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "(4)
…9ـ عن أبي عبيدة بن الجراح قال : آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم :

__________
(1) 1 رواه مسلم (2/ 67ـ 68) وأبو عوانة (1/ 401) والسياق له والطبراني في " الكبير " (1/84/2) ورواه ابن سعد (2/240) مختصراً دون ذكر الإخوة واتخاذ الخليل .
وله عنده (2/241) شاهد من حديث أبي أمامة ، وله شاهد ثان أخرجه الطبراني عن كعب بن مالك بسند لا بأس به كما قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " (1/120) وضعفه الحافظ نور الدين الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9/45) .
(2) 2 ـرواه ابن أبي شيبة (ق2/ 83/2 و ط2/ 376 ) وإسناده صحيح على شرط مسلم .
(3) 3 ـبرود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن . " نهاية " .
(4) 4 ـ رواه الطيالسي في مسنده (2/113من ترتيبه ) وأحمد ( 5/204) والطبراني في " الكبير " (ج1ق 22/ 1) ، وسنده حسن في الشواهد ، وقال الشوكاني في " نيل الأوطار" (2/114) "سنده جيد" ! وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 2/27) " رجاله موثقون " .
(101/10)
…" أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذي اتخذوا ( وفي رواية : يتخذون ) (1) قبور أنبيائهم مساجد " (2) .
…10 ـ عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لعن الله ( وفي رواية : قاتل الله ) اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (3)
__________
(1) 1 وبين الروايتين فرق ظاهر ، فالرواية الأولى تعني ناساً تقدموا ، وهم اليهود والنصارى كما في الأحاديث المتقدمة ، والرواية الأخرى تعني من يسلك سبيلهم من هذا الأمة ويؤيدها الأحاديث (6، 7، 12) .
(2)
2 ـرواه احمد ( رقم 1691، 1694) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4/13) وأبو يعلى (57/1) وابن عساكر (8/367/2) بسند صحيح ، وقال الهيثمي في " المجمع (5/325) :
" رواه أحمد بأسانيد (الأصل بإسنادين ) ، ورجال الطريقين منها ثقات متصل إسنادها ورواه أبو يعلى " .
قلت : وفي هذا الكلام نظر ظاهر ، لأن مدار الطرق الثلاث التي أشار إليها على إبراهيم بن ميمون عن سعد بن سمرة ، إلا أن الطريق الثالث أدخل بعض الرواة بينهما إسحاق بن سعد بن سمرة وهو وهم كما بينه الحافظ في " التعجيل " ثم إنه ليس فيه " واعلموا أن شرار الناس …) !
…ثم هذا الحديث ذكره الهيثمي في مكان آخر (2/ 82) نحوه وقال :

…" رواه البزار ورجاله ثقات " . وله شاهد مرسل عن عمر بن عبد العزيز مرفوعاً نحوه . رواه ابن سعد (2/ 254 ) .
(3)
3 ـ رواه أحمد (5/184، 186) ورجاله ثقات غيرعقبة بن عبدالرحمن هو ابن أبي معمر وهو مجهول كما في " التقريب " ولا تغتر بقول الهيتمي (2/27) : " رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال موثقون " ما فعل الشوكاني ، فإنه قال (2/114) " وسنده جيد " وذلك لأن قوله " موثقون " دون قوله " ثقات " فإن قولهم " موثقون " إشارة منهم إلى أن بعض رواته ليس توثيقه قوياً فكأن الهيثمي يشير إلى أن عقبة هذا إنما وثقه ابن حبان فقط وأن توثيق ابن حبان غير موثوق به والله أعلم
وكون توثيق ابن حبان لا يوثق به مما لا يرتاب فيه المتضلعون في هذا العلم الشريف ، وقد فصلت القول في ذلك في ردي على رسالة " التعقب الحثيث " للشيخ عبدالله الحبشي وقد نشر في التمدن الإسلامي في مقالات متتابعة ، ثم نشر في رسالة مستقلة تحت عنوان " الرد على التعقب الحثيث " فراجع (ص18ـ 21) . على أن قول القائل في حديث ما " رجاله ثقات " أو " رجاله رجال الصحيح " ، فليس معناه أن إسناده صحيح كما بينته في غير هذا الموضع ، فانظر مثلاً " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (طج2ص5ـ طبع المكتب الإسلامي ) ، لكن الحديث صحيح لشواهده المتقدمة
(101/11)
.
…عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا تجعل قبري وثناً(1) ، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "(2)
__________
(1) 1 " قال ابن عبد البر : الوثن الصنم ، يقول : لا تجعل قبري صنماً يصلى ويسجد نحوه ويعبد ، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبلهم ، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم ، واتخذوها قبلة ومسجداً ، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه ، وأنه مما لا يرضاه ، خشية عليهم من امتثال طرقهم ، وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته اتباعهم ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعبير والتوبيخ " لتتبعن سنن الذين كانوا من قبلكم حذوا النعل بالنعل ، حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه ؟".
كذا في " فتح الباري " لابن رجب (65/90/2) من " الكواكب " .
(2) 2 رواه أحمد (رقم 7352) وابن سعد (2/241ـ242) والمفضل الجندي في " فضائل المدينة " (66/1) وأبو يعلى في " مسنده " (312/1) والحميدي (1025) وأبو نعيم في " الحلية " (6/382و7/317) بسند صحيح .
…وله شاهد مرسل رواه عبدالرزاق في " المصنف " (1/406/1587) وكذا ابن أبي شيبة (4/141) عن زيد بن أسلم . وإسناده قوي .
…وأخر اخرجه مالك في " الموطأ " (1/185) وعنه ابن سعد (2/240ـ241)عن عطاء بن يسار مرفوعاً . وسنده صحيح ، وقد وصله البزار عنه عن أبي سعيد الخدري وصححه ابن عبدالبر مرسلاً وموصولاً فقال :" فهذا الحديث عند من قال بمراسيل الثقات ، وعند من قال بالمسند ، لإسناد عمر بن محمد له ، وهو ممن تقبل زيادته " .انظر " تنوير الحوالك " للسيوطي .
…وفيما قاله ابن عبدالبر في عمر هذا نظر ، فقد قال الحافظ ابن رجب في " الفتح" :
…" خرجه من طريقه البزار " وعمر هذا هو ابن صبهان ، جاء منسوباً في بعض نسخ البزار ، وظن ابن عبد البر أنه عمر بن محمد العمري ، والظاهر أنه وهم ، وقد روي نحوه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة بإسناد فيه نظر " .
(101/12)
.
…12ـ عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم احياء ، ومن يتخذ القبور مساجد"(1).
…13ـ عن علي بن أبي طالب قال :
" لقيني العباس فقال : يا علي انطلق بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان لنا من الأمر شئ وإلا أوصى بنا الناس ، فدخلنا عليه ، وهو مغمى عليه ، فرفع رأسه فقال : " لعن الله اليهود اتخذوا قبور الأنبياء مساجد " . زاد في رواية : " ثم قالها الثالثة " .
…فلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شئ (2) .

__________
(1) 3 رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1/92/ 2) وابن حبان (340و341) وابن أبي شيبة في " المصنف " (4/140 طبع الهند ) وأحمد ( رقم 3844و4143) والطبراني في " المعجم الكبير " (3/77/1) وأبو يعلى في " مسنده " (257/1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/142) بإسناد حسن ، وأحمد أيضاً (رقم 4342) بسند آخر حسن بما قبله ، والحديث بمحموعهما صحيح وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنة " (1311) و" الإقتضاء " (ص185) :" وإسناده جيد " وقال الهيثمي (2/27) :" رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن " .
…وفي اقتصاره في عزوه على الطبراني وحده قصور ظاهر ، مع أنه في المسند في ثلاثة مواضع منه كما أشرنا إليهما آنفاً !
…والشطر الأول من الحديث رواه البخاري في صحيحه (13/15) معلقاً .
(2) رواه ابن سعد (4/28) وابن عساكر (12/172/2) من طريقين عن عثمان ابن اليمان نا أبو بكر ابن أبي عون أنه سمع عبدالله بن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن جده أو قال : عن ابيه ، أو عن جده قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول :
قلت : هذا إسناد حسن لولا أنني لم أعرف أبا بكر هذا ، ولم يورده الدولابي وأبو أحمد الحاكم في " الكنى " .
(101/13)
…14ـ عن أمهات المؤمنين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : كيف نبني قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أنجعله مسجداً ؟ فقال أبو بكر الصديق : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) .
……
** *** * *** **
………الفصل الثاني
… معنى اتخاذ القبور مساجد

لقد تبين من الأحاديث السابقة خطر اتخاذ القبور مساجد ، وما على من فعل ذلك من الوعيد الشديد عند الله عز وجل ، فعلينا أن نفقه معنى الاتخاذ المذكور حتى نحذره ، فأقول :
الذي يمكن أن يفهم من هذا الاتخاذ ، إنما هو ثلاث معان :
الأول : الصلاة على القبور ، بمعنى السجود عليها .
الثاني : السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء .
الثالث : بناء المساجد عليها ، وقصد الصلاة فيها .
أقوال العلماء في معنى الاتخاذ المذكور
…وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء ، وجاءت بها نصوص صريحة عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم .
…أما الأول ، فقال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " (1/ 121) :
……" واتخاذ القبر مسجداُ معناه الصلاة عليه ، أو إليه "
…فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملاً لمعنيين ، أحدهما الصلاة على القبر .
…وقال الصنعاني في " سبل السلام " (1/214) : " واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها ، أو بمعنى الصلاة عليها ".
…قلت : يعني أنه يعم المعنيين كليهما ، ويحتمل انه أراد المعاني الثلاثة ، وهو الذي فهمه الإمام الشافعي رحمه الله ، وسيأتي نص كلامه في ذلك ، ويشهد للمعنى الأول أحاديث :
__________
(1) رواه ابن زنجويه في " فضائل الصديق " كما في " الجامع الكبير " (3/147/1) .
(101/14)
…الأول : عن أبي سعيد الخدري : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور ، أو يقعد عليها ، أو يصلى عليها " (1) .
…الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تصلوا إلى قبر ، ولا تصلوا على قبر "(2) .
…الثالث : عن أنس : أن النبي 3 رواه ابن حبان (343) .
صلى الله عليه وسلم نهى عن اار ـ وسئل عن الصلاة وسط القبور ـ قال : ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فعلنهم الله تعالى " (3).
…وأما المعنى الثاني : فقال المناوي في " فيض القدير " حيث شرح الحديث الثالث المتقدم :
__________
(1) 1 رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق 66/ 2) وإسناده صحيح ، وقال الهيثمي (3/61) : " ورجاله ثقات " .
(2)
2رواه الطبراني في " المعجم الكبير" (3/145/ 2) وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " عن عبدالله
كيسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً ، وقال المقدسي :
وعبدالله بن كيسان قال فيه البخاري : منكر الحديث ، قال أبو حاتم الرازي ضعيف ، وقال النسائي
ليس بالقوي " إلا أني لما رأيت ابن خزيمة والبستي أخرجا له أخرجناه " .
…قلت : لكن الحديث صحيح ، فإن له عند الطبراني (3/ 150 / 1) طريقاً آخر ، خيراً من هذه عن ابن عباس ، علقه البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 163) ، وشطره الأول له شاهد من حديث أبي مرثد ، يأتي قريباً .
(3) 4 رواه عبدالرزاق (1591) وهو مرسل صحيح الإسناد ، وموضع الشاهد منه أن عمراً استشهد بالحديث على النهي عن الصلاة بين القبور ، فد على أنه يعني المعنى المذكور .
(101/15)
…" أي اتخذوها جهة قبلتهم ، مع اعتقادهم الباطل ، وإن اتخاذها مساجد ، لازم(1) لاتخاذ المساجد عليها كعكسه ، وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم . قال القاضي ( يعني البيضاوي ) : لما كانت اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة ، ويتوجهون في الصلاة نحوها ، فاتخذوها أوثاناً لعنهم الله ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه … " .
…قلت : وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه فقال صلى الله عليه وسلم :
……" لا تجلسوا على القبور ، و لا تصلوا إليها " (2)
__________
(1) 1 يعني : يلزم من السجود إليها بناء المساجد عليها ، كما يلزم من بناء المساجد عليها السجود إليها وهذا امر واقع مشاهد .
(2) رواه مسلم ( 3/62) وأبو داود (1/71) والنسائي (1/124) والترمذي (2/154) والطحاوي في " شرح
المعاني " (1/296) والبيهقي (3/435) وأحمد (4/135) وابن عساكر (2/1512 و152/ 2) من حديث
أبي مرثد الغنوي ، وقال احمد :" إسناده جيد " .
وقول الشيخ سليمان حفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمهم الله ف) في حاشيته على " المقنع
(1ـ125) :" متفق عليه " . وهم منه .
…ثم عزاه (ص281) لمسلم وحده ، فأصاب : وله [ على علمه وفضله ] من مثل هذا التخريج أوهام كثيرة جداً ، يجعل الاعتماد عليه في التخريج غير موثوق به ، وأنا أضرب على ذلك بعض الأمثلة الأخرى تنبيهاً لطلاب العلم ونصحاً لهم ، وإنما الدين النصيحة .
…1ـ قال "ص20" روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنتفعوا من الميتة بشئ ، رواه الدارقطني بإسناد جيد ".
…قلت وهو حديث ضعيف ، وفي الصحيح ما يعارضه ، وعزوه للدراقطني وهم لم أجد من سبقه إليه .
…2ـ قال "ص28" لقوله صلى الله عليه وسلم : " من استنجى من ريح فليس منا " رواه الطبراني في " معجمه الصغير "
…قلت وليس هذا في " المعجم " وأنا أخبر الناس به ـ والحمد لله ـ فإني خدمته ، ورتبته على مسانيد الصحابة وخرجت احاديثه ووضعت فهرساً جامعاً لأحاديثه .
…ثم إن الحزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر ، لأنه من رواية أبي الزبير عن جابر ، كما أخرجه الجرجاني (272) وغيره ، وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه .
…3ـ قال "ص 29 " قال النبي صلى الله عليه وسلم : لخلوف فم الصائم …. " رواه الترمذي .
…قلت : وهو " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " !!
(101/16)
.
…قال الشيخ علي القاري في " المرقاة " (2/372) معللاً النهي :
…" لما فيه من التعظيم البالغ كأنه من مرتبة المعبود ، ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم ، فالتشبه به مكروه ، وينبغي ان تكون كراهة تحريم ، وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة ( يعني قبلة المصلين ) ، وهو مما ابتلي به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها " .
…قلت : يعني في صلاة الفريضة وهذا بلاء عام قد تعداه إلى بلاد الشام والأناضول وغيرها ، وقد وقفنا منذ شهر على صورة شمسية قبيحة جداً تمثل صفاً من المصلين ساجدين تجاه نعوش مصفوفة أمامهم فيها جثث جماعة من الأتراك كانوا ماتوا غرقاً في باخرة .
…وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أن الغالب من هديه صلى الله عليه وسلم هو الصلاة على الجنائز في " المصلى " خارج المسجد ، ولعل من حكمة ذلك إبعاد المصلين عن الوقوع في مثل هذه المخالفة التي نبه عليها العلاّمة القاري رحمه الله .
…ونحو الحديث السابق ما روى ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال :
…"كنت أصلي قريباً من قبر ، فرآني عمر بن الخطاب ، فقال : القبر القبر . فرفعت بصري إلى السماء وأنا أحسبه يقول : القمر !"(1) .
…وأما المعنى الثالث : فقد قال به الإمام البخاري ، فإنه ترجم للحديث الأول بقوله " باب ما يكره من اتخاذ القبور مسجداً على القبور " .
__________
(1) 1 رواه أبو الحسن الدينوري في " حزء فيه محالس من أمالي أبي الحسن القزويني (ق 3/1) بإسناد صحيح ، وعلقه البخاري (1/437فتح ) ، ووصله عبدالرزاق ايضاً في " مصنفه " (1/404/ /1581) وزاد : " إنما أقول القبر : لا تصل إليه ".
(101/17)
…فقد أشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجداً يلزم منه النهي عن بناء المساجد عليه ، وهذا أمر واضح ، وقد صرح به المناوي آنفاً ، وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث : " قال الكرماني : مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجداً ، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ، ومفهومها متغاير ، ويجاب بأنهما متلازمان ، وإن تغاير المفهوم ".
…وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الأول :
…" فلولا ذاك أبرز قبره ، غير انه خشي أن يتخذ مسجداً " .
…إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها ، لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة مكشوفة ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن بينى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم فتشملهم اللعنة .
…ويؤيد هذا ماروى ابن سعد (2/241) بسند صحيح عن الحسن وهو ( البصري ) قال : ائتمنروا (1) أن يدفنوه صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقال عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واضعاً رأسه في حجري إذ قال : قاتل الله أقواماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة .
قلت : هذه الرواية ـ على إرسالها ـ تدل على أمرين اثنين :
أحدهما : أن السيدة عائشة فهمت من الاتخاذ المذكور في الحديث انه يشمل المسجد الذي قد يدخل فيه القبر ، فبالأحرى أن يشمل المسجد الذي بني على القبر .
الثاني : أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ، ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه صلى الله عليه وسلم في بيتها .
فهذا يدل على أنه لا فرق بين بناء المسجد على القبر ، أو إدخال القبر في المسجد ، فالكل حرام لأن المحذور واحد ، ولذلك قال الحافظ العراقي :
__________
(1) 1 أي تشاوروا .
(101/18)
" فلو بنى مسجداً يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة ، بل يحرم الدفن في المسجد ، وإن شرط ان يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفة وقفه مسجداً (1) .
قلت : وفي هذا إشارة إلى أن المسجد والقبر لا يجتمعان في دين الإسلام ، كما تقدم ، ويأتي .
ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ :
" أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق …) .
فهو نص صريح في تحريم بناء المسجد على قبور الأنبياء والصالحين ؛ لأنه صرح أنه
من أسباب كونهم من شرار الخق عند الله تعالى ويؤيده حديث جابر رضي الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه " (2)
__________
(1) 1 نقله المناوي في " فيض القدير " (5/274) وأقره .
(2) 1 رواه مسلم (3/62) والسياق له ، وابن أبي شيبة (4/134) والترمذي (2/155) وصححه واحمد (3/339ـ399) .
…واعلم ان حديث جابر هذا في النهي عن النباء على القبر حديث صحيح ، لا يرتاب في ذلك ذو علم بطرق التصحيح والتضعيف ، فلا تغتر باعلال الكوثري له في " مقالاته " (ص159 ) بان " فيه عنعنة أبي الزبير " فإن ابن الزبير قد صرح بالتحديث عند مسلم وكذا احمد ، وما أعتقد أن هذا يخفى على الكوثري ، ولكن يفعل ذلك عمداً شأن أهل الأهواء قديماً وحديثاً ، يضعفون الأحاديث الصحيحة إذا كانت عليهم ، ويصححون الأحاديث الضعيفة إذا كانت لهم ! والكوثري هذا مشهور بذلك عند أهل العلم ، وقد بينت شيئاً من هذا في " الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة " (الأحاديث 23و24و25) فليراجع من شاء التأكد مما نقول ، ويأتيك مثال آخر في هذا الكتاب .
…ويؤيد صحة الحديث أنا أبا الزبير لم يتفرد به ، بل تبعه سليمان بن موسى عند أحمد وغيره ، ولما صححه الترمذي قال : " وقد روي من غير وجه عن جابر " وتابعه أيضاً أبو نضرة عند ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10/201 /1) .
…وله شاهد عن أم سلمة عند أحمد ، وآخر عند أبي سعيد كما في " الكواكب الدراري " (ق86ـ87تفسير 548) .
(101/19)
.
…فإنه بعمومه يشمل بناء المسجد على القبر ، كما يشمل بناء القبة عليه ، بل الأول أولى بالنهي ، كما لا يخفى .
فثبت أن هذا المعنى صحيح أيضاً يدل عليه لفظ ( الاتخاذ ) ، وتؤيده الأدلة الأخرى .
…أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح ، وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها ، من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه ، مثاله إذا نهى الشارع عن بيع الخمر ، فالنهي عن شربه داخل في ذلك ، كما لا يخفى ، بل النهي عن من باب أولى .
…ومن البين جداً أن النهي عن بناء المساجد على القبور ليس مقصوداً بالذات ، كما أن الأمر ببناء المساجد في الدور والمحلات ليس مقصوداً بالذات ، بل ذلك كله من أجل الصلاة فيها ، سلباً أو إيجاباً ، يوضح ذلك المثال الآتي : لو أن رجلاً بنى مسجداً في مكان قفر غير مأهول ، ولا يأتيه أحد للصلاة فيه ، فليس لهذا الرجل أي أجر في بنائه لهذا المسجد ، بل هو عندي آثم لإضاعة المال ، ووضعه الشئ في غير محله ! .
…فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمناً بالصلاة فيها ، لأنها هي المقصودة بالبناء ، وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور ، فهو ينهى ضمناً عن الصلاة فيها ؛ لأنها هي المقصودة بالبناء أيضاً ، وهذا بين لا يخفى على العاقل إن شاء الله تعالى .

ترجيح شمول الحديث للمعاني كلها وقول الشافعي بذلك
…وجملة القول : أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلاثة ، فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال بذلك الإمام الشافعي رحمه الله ، ففي كتابه " الأم " (1/ 246) ما نصه :
(101/20)
…" وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى ، أو يصلى عليه ، وهو غير مسوى ( يعني أنه ظاهر معروف ) أو يصلى إليه ، قال وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء ، أخبرنا مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . قال : وأكره هذا للسنة والآثار ، وأنه كره ـ والله تعالى أعلم ـ أن يعظم أحد من المسلمين ، يعني يتخذ قبره مسجداً ، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على ما يأتي بعده " .
…فقد استدل بالحديث على المعاني الثلاثة التي ذكرها في سياق كلامه ، فهو دليل واضح على أنه يفهم الحديث على عمومه ، وكذلك صنع المحقق الشيخ على القارئ نقلاً عن بعض أئمة الحنفية فقال في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1/45) :
…" سبب لعنهم : إما لأنهم كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لهم ، وذلك هو الشرك الجلي ، وإما لأنهم كانوا يتخذون الصلاة لله تعالى في مدافن الأنبياء والسجود على مقابرهم والتوجه إلى قبورهم حالة الصلاة نظراً منهم بذلك إلى عبادة الله والمبالغة في تعظيم الأنبياء ، وذلك هو الشرك الخفي لتضمنه ما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن ذلك إما لمشابهة ذلك الفعل سنة اليهود ، أو لتضحية الشرك الخفي . كذا قاله بعض الشراح من أئمتنا ، ويؤيده ما جاء في رواية : يحذر ما صنعوا " .
…قلت : والسبب الأول الذي ذكره وهو السجود لقبور الأنبياء تعظيماً لهم وإن كان غير مستبعد حصوله من اليهود والنصارى ، فإنه غير متبادر من قوله صلى الله عليه وسلم : " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فإن ظاهره أنهم اتخذوها مساجد لعبادة اله فيها على المعاني السابقة تبركاً بمن دفن فيها من الأنبياء ، وإن كان هذا أدى بهم ـ كما يؤدي بغيرهم ـ إلى وقوعهم في الشرك الجلي ذكره الشيخ القارئ .
………… *********
الفصل الثالث
اتخاذ المساجد على القبور من الكبائر
(101/21)
…بعد أن تبين لنا معنى الاتخاذ الوارد في الأحاديث المتقدمة ، يحسن بنا أن نقف قليلا عند هذه الأحاديث لنتعرف منها حكم الاتخاذ المذكور ، مسترشدين في ذلك بما ذكره العلماء حوله فأقول :
…إن كل من يتأمل في تلك الأحاديث الكريمة يظهر له بصورة لا شك فيها أن الاتخاذ المذكور يحرم ، بل كبيرة من الكبائر ، لأن اللعن الوارد فيها ، ووصف المخالفين بأنهم من شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى ، لا يمكن أن يكون في حق من يرتكب ما ليس كبيرة كما لا يخفى .

مذاهب العلماء في ذلك
وقد اتقفت المذاهب الأربعة على تحريم ذلك ، ومنهم من صرح بأنه كبيرة
وإليك تفاصيل المذاهب في ذلك :
1ـ مذهب الشافعية انه كبيرة

…قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر
(1/120) :
" الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون
اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها ".
ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها ، ثم قال ( ص111):
" [ تنبيه ] : عد هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية ، وكأنه
أخذ ذلك مما ذكرته من الأحاديث ، ووجه اتخاذ القبر مسجداً منها واضح ، لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه ، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله تعالى يوم القيامة ، ففيه تحذير لنا كما في رواية : " يحذر ما صنعوا " أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك ، فيلعنوا كما لعنوا ، ومن ثم قال أصحابنا : تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً ، ومثلها الصلاة عليه للتبرك والإعظام ، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة من الأحاديث المذكورة لما علمت ، فقال بعض الحنابلة :
" قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادة لله ولرسوله صلى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق