الأحد، 23 أغسطس 2015

الرد على العقيدة الصوفيىة الخرافية=

الوجه الثامن:
(98/154)
ومما يؤكد كلام ابن عربي قول صاحب جواهر المعاني:" وأما قول السائل ما معنى قول الشيخ عبد القادر الجيلاني - - رضي الله عنه -: (وأمري بالله إن قلت كن، يكن ) وقول الشيخ زروق - - رضي الله عنه -:(في طي قبضتي) وكقول بعضهم:(يا ريح اسكني عليهم بإذني) إلى غير ذلك من أقاويل السادات رضي الله عنهم مثل هذا، قال - - رضي الله عنه -: معنى ذلك أن الله ملكهم الخلافة العظمى واستخلفهم على مملكته تفويضا عاما أن يفعلوا في المملكة كلما يريدون ويملكهم الله تعالى كلمة التكوين متى قالوا لشيء كن كان من حينه وهذا من حيث بروزه بالصورة الإلهية المعبر عنها بالخلافة العظمى فلا يستعصي عليهم شيء عن الوجود. جواهر المعاني 2/ 279-280 اهـ
- ومما يؤيد قولك ماقاله التجاني في جواهر المعاني ونصه:" والجواب عن هذه الشطحات أن للعارف وقتا يطرأ عليه الفناء والإستغراق حتى يخرج بذلك عن دائرة حسه وشهوده ويخرج عن جميع مداركه ووجوده لكن تارة يكون ذلك في ذات الحق سبحانه وتعالى فيتدلى له من قدس اللاهوت من بعض أسراره فيض يقتضي منه أن يشهد ذاته عين ذات الحق لمحقه فيها وإستهلاكه فيها ويصرح في هذا الميدان بقوله سبحاني لا إله إلا أنا وحدي إلخ... من التسبيحات كقوله جلت عظمتي وتقدس كبريائي وهو في ذلك معذور لأن العقل الذي يميز به الشواهد والعوائد ويعطيه تفصيل المراتب بمعرفة كل بما يستحقه من الصفات غاب عنه وانمحق وتلاشى واضمحل وعند فقد هذا العقل وذهابه وفيض ذلك السر القدسي عليه تكلم بما تكلم به فالكلام الذي وقع فيه خلقه الحق فيه نيابة عنه فهو يتكلم بلسان الحق لا بلسانه ومعربا عن ذات الحق لا عن ذاته ومن هذا الميدان قول أبي يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني وقول الحلاج أنا الحق وما في الجبة إلا الله وكقول بعضهم فالأرض أرضي والسماء سمائي كقول التستري - - رضي الله عنه -:
أنظر أنا شيء عجيب لمن يراني
أنا المحب والحبيب ماثم ثان
(98/155)
" جواهر المعاني ص2 /277 اهـ
فانظر إلى تناقضهم في هذه المسألة وحدها فكيف بغيرها !.
الوجه التاسع:
وأما قولك يا مفتاح:" وأنه بتر من كلام الشيخ أبي يزيد البسطامي ما فيه الحجة عليه ومزيد التفصيل وهو قوله: وعرفوا أنه غائب فلما صحا من سكرته وتحققوا منه الصحو أخبروه بما سمعوه منه فقال ما علمت بشيء وهلا قتلتموني في تلك الحالة فإنكم لو قتلتموني كنتم غزاة في سبيل الله وكنت شهيدا فقالوا لم نقدر " اهـ
فهذا باطل من وجهين:
أ- أنك حذفت بقية الكلام التي فيها الحجة عليك وهي قوله " على ذلك وقد قلنا أن الحضرة في غاية الصفاء لا تقبل الغير والغيرية لأن الله تعالى إذا تجلى بكمال جلاله للعبد أماته عن جميع الألوان فلم يعقل لا غير ولا غيرية فهذا غاية الصفاء " المصدر السابق 2/239 اهـ
فهذا هو الحذف والبتر حتى عن المتعلق " لم يقدر على ذلك " وذلك لأن في هذه الفقرة التصريح بعقيدة وحدة الوجود التي تنكرها.
ب- ما نقلت عن البسطامي حجة عليك لأنه أباح لهم قتله وما ذلك إلا لأنه يعلم أن ما قاله كفر مخرج من الملة وقد تقدم كلام الذهبي في أن ما قال البسطامي ظاهره إلحاد سير أعلام النبلاء13/88 وأن الشأن أو الشك في ثبوته وذلك قد انتفى بإثبات التجاني له كما تقدم.
الوجه العاشر:
(98/156)
أن هذا النوع من الكفر البواح لا يتأول لصاحبه كما قال شيخ الإسلام زين الدين العراقي في رده على مسألة وحدة الوجود عند ابن عربي ما نصه:" ولا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ولا نؤول له كلامه ولا كرامة، ولقد أحسن بعض من عاصرناه من العلماء العارفين وهو الشيخ الإمام العلامة علاء الدين علي ابن إسماعيل القونوي حيث سئل عن شيء من هذا فقال إنما نؤول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع كلاميه لعدم جواز الخطأ عليه وأما من لم تثبت عصمته فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر فنؤاخذه بظاهر كلامه ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله أو مما يخالف الظاهر وهذا هو الحق " انظر مصرع التصوف ص 65 اهـ
الوجه الحادي عشر:
قال الإمام أبو علي السكوتي ما نصه:" كل كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع فأحرى وأولى إذا كان صريحا بالباطل فإن قالوا لم نقصد بكلامنا ورموزنا وإشاراتنا الإتحاد والحلول وإنما قصدنا أمرا آخر يفهم عنا قلنا لهم الله أعلم بما في الضمائر وما يخفى في السرائر وإنما اعترضنا نحن الألفاظ والإطلاقات التي تظهر فيها الإشارات إلى الإلحاد والحلول والإتحاد " المرجع السابق ص 126-127 اهـ
الوجه الثاني عشر:
(98/157)
قال أبو حامد الغزالي:" وأما الطامات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة كدأب الباطنية في التأويلات وهذا أيضا حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالالفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله - - صلى الله عليه وسلم - فإنما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر" إحياء علوم الدين 1/37 اهـ
الوجه الثالث عشر:
وأما ادعاؤه أن ابن القيم رحمه الله تعالى أجاب عن البسطامي فهو ادعاء عار من الصحة وكذب ما جرى منه حرف قط وإنما الذي قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره من العلماء هو أن هذا الكلام كفر وإلحاد فإن قاله في وعيه فهو كافر وإن قاله في حال فقدان العقل والتمييز فليس مخاطبا كسائر المجانين وهاك نص كلامه:"... ولكن في حال السكر والمحو والإصطلام والفناء قد يغيب عن التمييز في هذا الحال قد يقول صاحبها ما يحكى عن أبي يزيد أنه قال سبحاني أو مافي الجبة إلا الله ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت عن قائلها وعقله معه لكان كافرا ولكن مع سقوط التمييز والشعور قد يرتفع عنه قلم المؤاخذة " اهـ مدارج السالكين 1/296
ونحوه ما تقدم عن الحافظ الذهبي في ترجمة أبي يزيد البسطامي حيث قال: " وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهرها إلحاد مثل سبحاني، وما في الجبة إلا الله " سير أعلام النبلاء 13/88 اهـ
الوجه الرابع عشر:
(98/158)
على أن كلام البسطامي لكثرته وصراحته في الكفر والإلحاد لا يمكن تأويله إلا بتعسف شديد قال ابن كثير في ترجمة البسطامي:" وقد حكي عنه شطحات ناقصات وقد تأولها كثير من الفقهاء والصوفية وحملوها على محامل بعيدة وقد قال بعضهم إنه قال ذلك في حال الإصطلام والغيبة ومن العلماء من بدعه وخطأه وجعل ذلك من أكبر البدع وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته " اهـ البداية والنهاية 11/30
الوجه الخامس عشر:
وقال الدكتور صابر طعيمة:" وهذا يشبه إلى حد كبير ما كان يقول به أبو يزيد البسطامي المتوفى 260 هـ الذي كان ينحدر من أصل زرادشتي وعنصر وحدة الوجود محدد عنده تحديدا واضحا فالله كما يقول(محيط لا قرار له ) وأنه هو نفسه العرش واللوح المحفوظ والقلم والكلمة "اهـ الصوفية معتقدا ومسلكا ص62
قال مفتاح التيحاني:
" وأما اعتراض هذا الجاهل المغرض على ما نقله الشيخ إبراهيم في كاشف الألباس ص 171 عن الإمام محي الدين بن عربي في الفتوحت المكية ونصه:
(فإن من لم تصبه الرؤية دائما مع الأنفاس لا يكون من هؤلاء الرجال وهذا مقام من يقول ما رأيت إلا الله فإن قيل من الرائي قال هو فإن قيل من القائل قال هو فإن قيل له من السائل قال هو...) " اهـ ص 31-32.
والرد عليه من وجوه تسعة إجمالا:
الوجه الأول:
لم تذكر آخر الكلام لأنه حجة عليك كما هي عادتك فقد قال بعد هذا مباشرة " فإن قيل له فكيف الأمر ؟ قال نسب تظهر فيه منه له فما ثم في ثم إلا هو وهو عين ثم وهذا مذهب أبي يزيد البسطامي - - رضي الله عنه - بالحال " اهـ والطبقات الكبرى للشعراني 1/5 كاشف الألباس ص 171
الوجه الثاني:
هذا الكلام صريح في وحدة الوجود لأن قوله " من لم تصبه الرؤية دائما " لا يصح إلا على قول أهل وحدة الوجود لأنهم يعتقدون أن ما يشاهدونه من الوجود هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
(98/159)
وقوله:" ما رأيت إلا الله " و" من الرائي قال هو " و" ومن السائل قال هو " وقوله " نسب تظهر فيه منه له فما ثم في ثم إلا هو "
كلها عبارات في غاية الصراحة لا تحتمل إلامعنى واحدا هو وحدة الوجود.
الوجه الثالث:
أما قوله بأنني نسبت الكلام لابراهيم انياس وهو إنما نقله عن ابن عربي فهوفخ سقط فيه مفتاح التجاني لأنكم معاشر التيجانية تقولون بوحدة الوجود وأن الخالق هو عين المخلوق فكيف تعيب علي مع ذلك التفريق بين مخلوقين أليس هذا دليل تنقاضكم في هذه الفكرة الباطلةواستحالة تطبيقها في الواقع لأنه إذا كان وجود المخلوق ليس هو وجود المخلوق الأخر فكيف يكون الخالق هو المخلوق ؟! ثم إبراهيم انياس إنما نقل هذا الكلام مستدلا به فهو قائل به قطعا.
الوجه الرابع:
أما قوله بأن ابن عربي ينفي الحلول والإتحاد فهذه مغالطة مكشوفة لأنه وإن نفى ذلك فقد أثبت وحدة الوجود وأثبتتها التيجانية كما تقدم والفرق واضح بين الحلول والإتحاد وبين وحدة الوجود ولكنك خلطت بينهم لجهلك وتلبيسك على الناس، فالحلول والإتحاد يقتضي وجود خالق ومخلوق وبمداومة المخلوق على رياضات روحية معينة حل في الخالق كحلول الزبدة في اللبن والماء في الإناء فهذا هو الحلول أواتحد به حتى صار شيئا واحدا وهذا هو الإتحاد وأما وحدة الوجود فهي أعظم كفرا من ذلك إذ لا تعترف بوجود خالق ومخلوق أصلا بل الوجود كله واحد هو الله.
الوجه الخامس:
أما هروبك من محل البحث والنقاش وهو وحدة الوجود إلى مسألة أجنبية عنها وهي وحدة الشهود فهو دليل على وقوف حمارك في العقبة وتبلد ذهنك وعجزك التام عن الجواب.
ثم وحدة الشهود التي هربت إليها لم تذكر لها دليلا صريحا من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ولا القياس ولا قول صاحب ولا تابع.
الوجه السادس:
أما الآيات الأربعة التي ذكرت فهي:
(98/160)
الآية الأولى: قوله تعالى - { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم - } [ الحديد 03] وهذه الآية قد فسرها رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - فقال ((... أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعد شيء وأنت الظاهر فليس فوق شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء..)) مسلم صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء باب الدعاء عند النوم ح ( 6889 )
هكذا فسرها رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -فلم يذكر وحدة وجود ولا شهود ولم يذكرها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم فلماذا وصلتم انتم إلى هذه الدرجة الرفيعة من الشهود التي لم يصل إليها واحد من هؤلاء ؟ ليس ذلك إلا من باب تفضيلكم معاشر المتصوفة أنفسكم على الأنبياء فمن دونهم مثل قول قائلكم:
" خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله " وقول آخر:" معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا ما لم تؤتوه " وقال شاعركم:
ودونك بحرا خضته وقف الأولى
بساحله صونا لموضع حرمتي
وقول أحد عارفيكم: " نهاية أقدام النبيين بداية أقدام الأولياء ". جواهر المعاني 2/276- 277
وإليك أقوال المفسرين المعتمدين في هذه الآية:
- قال ابن جرير الطبري:
" يقول تعالى ذكره - { هو الأول - } قبل كل شيء بغير حد - { والآخر - } يقول و الآخر بعد كل شيء بغير نهاية وإنما قيل ذلك كذلك لأنه كان ولا شيء موجود سواه وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها كما قال جل ثناؤه - { كل شيء هالك إلا وجهه - } وقوله: - { والظاهر - } يقول وهو الظاهر على كل شيء دونه وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه - { والباطن - } يقول هو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه كما قال - { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد - } وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن - - صلى الله عليه وسلم -وقال به أهل التأويل " تفسير الطبري 11/670
(98/161)
- وقال القرطبي عند هذه الآية:" وقد شرحها رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - شرحا يغني عن قول كل قائل فقال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعد شيء وأنت الظاهر فليس فوق شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر )) تفسير القرطبي17/154 .
- وقال النسفي: " - { هو الأول - } هو القديم الذي كان قبل كل شيء - { والآخر - } الذي يبقى بعد هلاك كل شيء - { والظاهر - } بالأدلة الدالة عليه - { والباطن - } لكونه غير مدرك بالحواس وإن كان مرئيا " تفسير النسفي 4/222
- وقال ابن كثير:" وقال البخاري قال يحي الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما وقال شيخنا الحافظ المزي يحي هذا هو ابن زياد الفراء له كتاب سماه معاني القرآن وقد ورد في ذلك أحاديث..." تفسيرابن كثير 4/2765 اهـ
- قال الشوكاني: " - { هل الأول - } قبل كل شيء - { والآخر - } بعد كل شيء أي الباقي بعد فناء خلقه - { والظاهر - } العالي الغالب على كل شيء أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة - { والباطن - } أي العالم بما بطن من قولهم فلان يبطن أمر فلان أي يعلم داخلة أمره ويجوز أن يكون المعنى المحتجب عن الأبصار والعقول وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي فتعين المصير إلى ذلك " فتتح القدير 5/165-166 اهـ
أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: - { ولا تدع مع الله إله آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون - } القصص 88.
ولما كانت الآية حجة عليه في تحريم دعاء غير الله والإستغاثة به بتر أولها ووسطها ولم يذكر منها إلا - { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون - } فانظر إلى التحريف المتعمد من أجل ليّ أعناق النصوص. ثم الآية لا ذكر فيها لوحدة الشهود لا صراحة ولا ضمنا وإليك كلام أئمة المفسرين فيها:
(98/162)
ـ قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري:" يقول تعالى ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كل شيء معبودا آخر سواه وقوله - { لا إله إلا هو - } يقول لا معبود تصلح له العبادة إلا الله الذي كل شيء هالك إلا وجهه واختلف في معنى قوله - { إلا وجهه - } فقال بعضهم معناه كل شيء هالك إلا هو وقال آخرون معنى ذلك إلا ما أريد به وجهه واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول الشاعر:
استغفر الله ذنبا لست محصيه
رب العباد إليه الوجه والعمل
وقوله - { له الحكم - } يقول له الحكم بين خلقه دون غيره ليس لأحد غيره معه فيهم حكم، - { وإليه ترجعون - } يقول إليه تردون من بعد مماتكم فيقضي بينكم بالعدل فيجازي مؤمنكم جزاؤهم وكفاركم ما وعدهم " تفسيرالطبيري 10/119
- وقال القرطبي:" قوله تعالى - { ولا تدع مع الله إله آخر - } أي لا تعبد معه غيره فإنه لا إله إلا هو نفي لكل معبود وإثبات لعبادته - { كل شيء هالك إلا وجهه - } قال مجاهد:( معناه إلا هو ) وقال الصادق (دينه ) وقال أبو العالية وسفيان (أي إلا ما أريد به وجهه أي ما يقصد إليه بالقربة ) " تفسير القرطبي 13/322 اهـ
قال النسفي: - { " كل شيء هالك إلا وجهه - } أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات وقال مجاهد يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله - { له الحكم - } القضاء في خلقه - { وإليه ترجعون - } " تفسير النسفي 3/249 اهـ
- قال ابن كثير قوله - { ولا تدع مع الله إلها آخر - } أي لا تليق العبادة إلا له ولا تنبغي الألوهية إلا لعظمته وقوله - { كل شيء هالك إلا وجهه - } إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى - { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام - } فعبر بالوجه عن الذات وهكذا قوله ههنا - { كل شيء هالك إلا وجهه - } أي إلا إياه تفسير ابن كثير 3/2141 اهـ
(98/163)
قال الشوكاني: " وكذلك قوله - { ولا تدع مع الله إلها آخر - } فإنه تعريض لغيره ثم وحد سبحانه نفسه ووصفها بالبقاء والدوام فقال - { لا إله إلا هو كل شيء - } من الأشياء كائنا ما كان - { هالك إلا وجهه - } أي إلا ذاته " فتح القدير 4/189 اهـ
قال أبو السعود: " - { ولا تدع مع الله إلها آخر - } هذا وما قبله للتهييج والإلهاب وقطع أطماع المشركين عن مساعدته عليه الصلاة والسلام لهم وإظهار أن المنهي عنه في القبح والشرية بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره عنه أصلا - { لا إله إلا هو - } وحده - { كل شيء هالك إلا وجهه - } إلا ذاته فإنما عداه كائنا ما كان ممكن في حد ذاته عرضة للهلاك والعدم - { له الحكم - } أي القضاء النافذ في الخلق - { وإليه ترجعون - } عند البعث بالجزاء بالحق والعدل " تفسير أبو السعود بحاشية التفسير الكبير 7/370 اهـ
- قال الرازي:" اختلفوا في قوله - { كل شيء هالك - } فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم والمعنى أن الله تعالى يعدم كل شيء سواه ومنهم من فسر الهلاك باخراجه عن كونه منتفعا به إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت أجزاؤه باقية فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريدون به فناء أجزائه بل خروجه عن كونه منتفعا به ومنهم من قال معنى كونه هالكا كونه قابلا للهلاك في ذاته فإن كل ما عداه ممكن الوجود لذاته وكل ما كان ممكن الوجود كان قابلا للعدم فكان قابلا للهلاك فأطلق عليه اسم الهلاك نظرا إلى هذا الوجه..." 1 التفسير الكبير للرازي 6/462 اهـ
أما الآية الثالثة التي تعلق بها فهي قوله تعالى - { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما تدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير - } [لقمان 30 ].
وفي ما يلي ننقل لك أقوال المفسرين المعتمدين حتى يتبين أنه لا علاقة لها بالكشف والشهود الصوفي:
(98/164)
- قال ابن كثير:" قوله - { ذلك بأن الله هو الحق وأن مايدعون من دونه الباطل - } أي إن ما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق أي الموجود الحق الإله الحق وأن كل ما سواه باطل فإنه الغني عما سواه وكل شيء فقير إليه لإن كل ما في السماوات والأرض الجميع خلقه وعبيده لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك ولهذا قال تعالى - { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير - } أي العلي الذي لا أعلي منه الكبير الذي هو أكبر من كل شيء فالكل خاضع حقير بالنسبة إليه" تفسير ابن كثير 3/2205 اهـ
قال الشوكاني: " والإشارة بقوله - { ذلك - } إلى ما تقدم ذكره والباء في - { بأن الله - } للسببية أي ذلك بسبب أنه سبحانه - { هو الحق - } وغيره الباطل أو متعلقة بمحذوف أي فعل ذلك ليعلموا أنه الحق - { وأن ما يدعون من دونه الباطل - } قال مجاهد: الذي يدعون من دونه هو الشيطان وقيل ما اشركوا به من صنم أو غيره وهذا أولى - { وأن الله هو العلي الكبير - } معطوفة على جملة - { أن الله هو الحق - } والمعنى أن ذلك الصنع البديع الذي وصفه في الآيات المتقدمة للإستدلال به على حقية الله وبطلان ما سواه وعلوه وكبريائه - { هو العلي - } في مكانته ذوالكبرياء في ربوبيته وسلطانه " فتح القدير 4/244 اهـ
قال الرازي: " قوله - { هو الحق - } إشارة إلى التمام وقوله - { وأن الله هو العلي الكبير - } أي فوق التمام وقوله - { هو العلي - } أي في صفاته، وقوله - { الكبير - } أي في ذاته وذلك ينافي أن يكون جسما في مكان لأنه يكون حينئذ جسدا مقدرا بمقدار فيمكن فرض ما هو أكبر منه فيكون صغيرا بالنسبة إلى المفروض لكنه كبير مطلقا أكبر من كل ما يتصور " التفسير الكبير 6/550 اهـ
(98/165)
قال أبو السعود: " - { ذلك - } إشارة إلى ما تلى من الآيات الكريمة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتها في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى - { بأن الله هو الحق - } أي بسبب بيان أنه تعالى هو الحق إلهيته فقط ولأجله لكونها ناطقة بحقية التوحيد - { وأن ما يدعون من دونه الباطل - } أي ولأجل بيان بطلان إلهية ما يدعون من دونه تعالى لكونها بذلك شهادة بينة لا ريب فيها " تفسير أبي السعود حاشية التفسير الكبير 7/417-418 اهـ
قال الشنقيطي: " أي وذلك الوصف بخلق النهار والليل والإحاطة بما يجري فيهما والإحاطة بكل قول وفعل بسبب - { أن الله هو الحق - } أي الثابت الإلوهية والإستحقاق للعبادة وحده وأن كل ما يدعى إلها غيره باطل وكفر ووبال على صاحبه وأنه جل وعلا - { هو العلي الكبير - } الذي هو أعلا من كل شيء وأعظم وأكبر سبحانه وتعالى علوا كبيرا " أضواء البيان للشنقيطي 5/505 اهـ
أما الآية الرابعة - { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب - } [ الرعد 39 ] فها أنذا أنقل لك أقوال المفسرين عند هذه الآية حتى ترى أنه لا حجة له فيها من قريب ولا من بعيد.
(98/166)
- قال الطبري: " وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهها بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد وذلك أن الله - تعالى ذكره - توعد المشركين الذين سألوا رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - الآيات بالعقوبة وتهددهم بها وقال لهم - { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب - } يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل ثم قال لهم فإذا جاء ذلك الأجل يجيء الله بما شاء ممن قد دنا أجله وأنقطع رزقه أو حان هلاكه أو إتضاعه من رفعة أو هلاك مال فيقضي ذلك في خلقه فذلك محوه ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول - - صلى الله عليه وسلم - " تفسير الطبري 7/403 اهـ
- قال القرطبي: " قوله تعالى - { يمحو الله ما يشاء ويثبت - } أي يمحو من ذلك الكتاب ما شاء أن يوقعه بأهله ويأتي به ويثبت ما شاء أي يؤخره إلى وقته " تفسير القرطبي 9/329 اهـ
- قال ابن كثير: " قوله - { يمحو الله ما يشاء ويثبت - } أختلف المفسرون في ذلك فقال الثوري ووكيع وهشيم عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس: " يدبر أمر السنة فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت " تفسير ابن كثير 2/1506 اهـ
- قال الشوكاني: وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في الكتاب فيمحو ما شاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أوشر ويبدل هذا بهذا ويجعل هذا مكان هذا - { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - } وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة والضحاك وابن جريج وغيرهم " فتح القدير 3/88 اهـ
- قال الرازي: " المسألة الرابعة في هذه الآية قولان:
(98/167)
الأول: أنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ قالوا إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر وهو مذهب عمر وابن مسعود...القول الثاني أن هذه الآية خاصة في بعض الأشياء دون البعض " التفسير الكبير 5/210 اهـ
- قال أبو السعود: " - { يمحو الله ما يشاء - } أي ينسخ ما شاء نسخه من الأحكام لما تقتضيه الحكمة بحسب الوقت - { ويثبت - } بدله ما فيه المصلحة أو يبقيه على حاله غير منسوخ أو يثبت ما شاء إثباته مطلقا أعم منهما ومن الإنشاء ابتداء أو يمحو من ديوان الحفظة الذين ديدنهم كتب كل قول وعمل ما لا يتعلق به الجزاء ويثبت الباقي أو يمحو سيئات التائب ويثبت مكانها الحسنة أو يمحو قرنا ويثبت آخرين أو يمحو الفاسدات من العلم الجسماني ويثبت الكائنات أو يمحو الرزق ويزيد فيه أو يمحو الأجل أوالسعادة والشقاوة وبه قال ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما والقائلون به يتضرعون إلى الله تعالى أن يجعلهم سعداء وهذا رواه جابر عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - والأنسب تعميم كل من المحو والإثبات ليشمل الكل" تفسير أبي السعود بحاشية التفسير الكبير6/170-171 اهـ
الوجه السابع:
(98/168)
وأما استدلاله بحديث ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها..)) هذا ما ذكره من الحديث فانظر إلى بتر الأحاديث والتصرف فيها وقطع أوصال النصوص وإليك نص الحديث، قال البخاري (6502) حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد،حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - (( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولأن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )) فالحديث لا دلالة فيه على وحدة الوجود ولا الشهود بل ولا على ما دون ذلك من الحلول والإتحاد:
أ- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:" وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفو من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وإن لم تعدم في الخارج وعلى الأوجه كلها فلا متمسك فيه للإتحادية ولا للقائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث ((ولإن سألني )) ((ولإن استعاذني )) فإنه كالصريح في الرد عليهم " فتح الباري 3/2858 اهـ
قلت: ولهذا حذف مفتاح التجاني هذه الجملة الأخيرة لصراحتها في الرد عليه كما قال ابن حجر العسقلاني وهذا قمة في التدليس والتحريف والعياذ بالله.
(98/169)
ب- قال الطوفي:"اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية ((فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي)) قال: والإتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيئ جبريل في صورة دحية قالوا: فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه، تعالى الله عنما يقول الظالمون علوا كبيرا " فتح الباري 3/2857 اهـ
ج - قال ابن رجب: " فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نطق نطق بالله وإن سمع سمع به وإن نظر نظر به وإن بطش بطش به فهذا هو المراد بقوله (( كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها )) ومن أشار إلى غير هذا فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول أوالإتحاد والله ورسوله بريئان منه " جامع العلوم والحكم ص 684 اهـ
د- قال الخطابي:" هذه أمثال والمعنى والله أعلم توفيقه في الأعمال التي باشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه من موافقة ما يكره الله تعالى من الإصغاء إلى اللهو مثلا ومن النظر إلى ما نهى عنه ومن البطش بما لا يحل له ومن السعي في الباطل برجله..." عمدة القارئ 15/577 اهـ
الوجه الثامن:
وأما قوله " ويتحققون بمشاهدة ما في صحيحه - يعني البخاري - أيضا من قوله - - صلى الله عليه وسلم - (كان الله ولا شيء معه) وفي رواية ( كان الله ولم يكن شيء غيره ) " اهـ ص 35.
(98/170)
قلت: هذه هي عادته، قطع أوصال النصوص مع تحريف ألفاظها وتبديل ما لا يوافقه منها وإليك نص الحديث: قال البخاري حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال دخلت على النبي - - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال ((اقبلوا البشرى يا بني تميم )) قالوا قد بشرتنا فاعطنا، مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال ((اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم )) قالوا: قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئنا نسألك عن هذا الأمر قال: ((كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض ))فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها.
هذا لفظ البخاري من كتاب بدأ الخلق باب ما جاء في قوله تعالى: - { هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه - } ورواه البخاري في كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء الحديث رقم ( 7418) بلفظ (( كان الله ولم يكن شيء قبله )).
أما لفظ (( معه )) الذي ذكره هو فلا أصل له انظر تخريج الألباني لشرح الطحاوية ص 133 بهذا اللفظ وإن كان في معنى الرواية الثابة ولفظ الحديث في المسند 4/ 431 (( كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء )) وأعلم أن المتصوفة لكي يستدلوا بهذا الحديث على باطلهم وضعوا في آخره زيادة وهي (( وهو الآن على ما عليه كان )) وهي كذب لا أصل لها قال ابن حجر: " وقع في بعض الكتب في هذا الحديث (( كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان )) وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه على ذلك العلامة تقي الدين ابن تيمية وهو مسلّم في قوله (( وهو الآن إلى آخره...)) وأما لفظ ((ولا شيء معه )) فرواية الباب بلفظ (( ولا شيء غيره بمعناها )) " فتح الباري 2/1503 اهـ
(98/171)
وقال الملا علي القاري: "... لكن الزيادة وهي قولهم (( الآن على ما عليه كان )) من كلام الصوفية يشبه أن يكون من مفتريات الوجودية القائلة بالعينية " الأسرار المرفوع ص 261 اهـ
الوجه التاسع:
أما قول مفتاح التجاني: " وقوله - - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري أيضا أصدق كلمة قالها الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وقوله - - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم وأصله في البخاري اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اهـ ص 35.
وأما الحديث الأخير فقد تقدم الكلام على معناه في تفسير آية سورة الحديد - { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم - } [ الحديد 03 ].
وأما الحديث الأول فقال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال لي رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -: (( أصدق كلة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )) البخاري المناقب باب أيام الجاهلية ح (3841) وانظر في ح ( 6147 ) و( 6489 ) وصحيح مسلم ( 2256) . ولا حجة لهم في البيت لأن المقصود بالبطلان الموت والفناء والهلاك
1 - قال ابن حجر: " والمراد في البيت بالبطلان الفناء لا الفساد فكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار وإنما يبقيان بإبقاء الله لهما وخلق الدوام لأهلهما والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال ولعل هذا هو السر في إثبات الألف واللام في قوله ((أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق )) وحذفهما عند ذكر غيرهما والله أعلم اهـ فتح الباري 2/1713
(98/172)
2- قال المناوي: " (( ألا كل شيء ما خلا باطل )): أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى - { كل من عليها فان - } ولا ريب أن هذه الكلمة أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر مقدمتها كلية مقطوع بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء قطعا إلا ما مر إستثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه وثوابه " فيض القدير1/529 .
3 - وهكذا يتبين أن الحديث لا علاقة له بالفناء المزعوم ولا بما يسمى وحدة الوجود وإنما فيه أن ما سوى الله فان وزائل وأن الله هو الذي لا يفنى ولا يزول .
أما ابن القيم فقد رد عليكم في هذا الفناء إذ قال في مدارج السالكين (1/304):" ومن كان هذا التوحيد والفناء غاية توحيده انسلخ من دين الله ومن جميع رسله وكتبه وإذلم يتميز عنده ما أمر الله به مما نهى عنه ولم يفرق بين أولياء الله وأعدائه ولا بين محبوبه ومبغوضه ولا بين المعروف والمنكر وسوى بين المتقين والفجار والطاعة والمعصية بل ليس عنده في الحقيقة إلا طاعة لاستواء الكل في الحقيقة التي هي المشيئة العامة الشاملة ثم صاحب هذا المقام يظن أنه صاحب الجمع والتوحيد وأنه وصل إلى عين الحقيقة وإنما وصل المسكين إلى الحقيقة الشاملة التي يدخل فيها إبليس وجنوده أجمعون وكل كافر ومشرك وفاجر...". اهـ
وقال أيضا (1/296):" وأما عدم الشعور والعلم بحيث لا يفرق صاحبه بين نفسه وغيره ولا بين الرب والعبد مع اعتقاده الفرق ولا بين شهوده ومشهوده بل لا يرى السوى ولا الغير فهذا ليس بمحمود ولا هو وصف كمال ولا هو مما يرغب فيه ويؤمر به بل غاية صاحبه أن يكون معذورا لعجزه وضعف قلبه وعقله عن احتمال التمييز والفرقان... " اهـ
(98/173)
قال الذهبي في الميزان (3/630) آخر ترجمة ابن عربي:" فوالله لأن يعيش المسلم جاهلا خلف البقر لا يعرف من العلم شيئا سوى سور من القرآن يصلي بها الصلوات ويؤمن بالله وباليوم الآخر خير له بكثير من هذا العرفان وهذه الحقائق ولو قرأ مائة كتاب أو عمل مائة خلوة " اهـ
قال الغزالي في الإحياء (1/36):" وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية (أحدهما) الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة حتى انتهى قوم إلى دعوى الإتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب فيقولون قيل لنا كذا وقلنا كذا ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب من أجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس ويستشهدون بقوله (أنا الحق ) وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قا ل: ( سبحاني، سبحاني ) وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوى فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدال، والعلم حجاب والجدل عمل نفسي وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق فهذا ومثله مما استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة " اهـ
قال مفتاح التجاني:
" أما اعتراض هذا الجاهل المغرض على قول عبيدة بن محمد الصغير في ميزاب الرحمة ص 66 فإذا عرفت أن وجود الله تعالى لا ماهية له وأنه يقبل التجلي في جميع الصور عرفت أن الوجود في هذه الصورة المرئية هو وجوده تعالى والصور ليست له بل من حكم الذات المتجلي عليها فيجاب عنه بأنه كلام صحيح المعنى والمبنى لأنه يتلخص في ثلاثة أمور... " اهـ ص 35
(98/174)
والرد عليه من وجوه خمسة:
الوجه الأول:
أن هذا الكلام صريح في وحدة الوجود لأنه قال " عرفت أن الوجود في هذه الصورة المرئية هو وجوده تعالى ".
الوجه الثاني:
أن عبيدة قال قبل ذلك بقليل " والقائلون بوحدة الوجود أولي الذوق الصحيح والكشف الصريح وأهل هذا التصديق الجامع فإنهم قائلون بأن الله تعالى هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي " ميدان الفضل والإفضال ص 66 اهـ
فهل تستطيع تأويل هذا ؟!
الوجه الثالث:
وقال أيضا عند شرح إحاطة النور المطلسم ما نصه: " مما يوحي إلى وحدة الوجود لتعلم صحة اعتقاد معتقدها وكماله ونقص اعتقاد منتقدها واعتلاله ولكن قد علم كل أناس مشربهم ومشرقهم ومغربهم "3 اهـ فانظر كيف دافع عن وحدة الوجود ورد على منكرها مع ذلك ينكر مفتاح أنه يقول بها !!
الوجه الرابع:
من شدة جهل مفتاح بكتب التجانية أنه عزا هذا الكلام لميزاب الرحمة الربانية ظنا منه أنه ليس لعبيدة بن محمد الصغير التيشيتي إلا هذا الكتاب والكلام إنما هو في كتاب آخر هو " ميدان الفضل والإفضال في شم رائحة جوهرة الكمال " طبع بالمطبعة الرسمية العربية بحاضرة تونس 1329هـ 1911 م .
الوجه الخامس:
ومن كلام عبيدة الصريح في وحدة الوجود قوله "...وأن هذا الإعتقاد ليس هو إعتقاد القائل بوحدة الوجود لأن ذلك إعتقاد صحيح شرعا يقبله العقل السليم بالوهب الإلهي والفيض الرحماني وإن لم يدركه بالنظر الفكري" المصدر السابق .
حكم القائلين بوحدة الوجود
وإذا عرفت مما سبق أن التيجانية تقول بوحدة الوجود وتدافع عنها فلنشرع في بيان حكمها الشرعي:
(98/175)
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم أنها كفر لم يفهم هذا اللفظ حالها فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة بل كفر كل كافر جزء من كفرهم ولهذا قيل لرئيسهم أنت نصيري فقال نصير جزء مني، وكان عبد الله بن المبارك يقول:(إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية ) وهؤلاء شر من أولئك الجهمية فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان وهؤلاء قولهم: إنه وجود كل مكان ما عندهم موجودان أحدهما حال والآخر محل، ولهذا قالوا: إن آدم من الله بمنزلة إنسان العين من العين وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالإضطرار من دين المرسلين أن من قال عن أحد من البشر أنه جزء من الله فإنه كافر في جميع الملل " مجوع الفتاوى 2/127 اهـ
قال أيضا " وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة وبالإتحاد أخرى وبالوحدة تارة فإنه مذهب متناقض في نفسه ولهذا يلبسون على من لم يفهمه فهذا كله كفر باطنا وظاهرا بإجماع كل مسلم ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين " المرجع السابق2/368 اهـ
2- وقد قال القاضي عياض :"فذلك كله كفر بإجماع المسلمين كقول الإلهيين من الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين وكذلك من ادعى مجالسة الله والعروج إليه ومكالمته أو حلوله في أحد من الأشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى والقرامطة" الشفاء للقاضي عياض 2/585-586 اهـ
(98/176)
3- قال زين الدين العراقي في رده على ابن عربي:" وأما قوله (فهو عين ما ظهر وعين مابطن) فهوكلام مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة وأن جميع مخلوقاته هي عينه ويدل على إرادته لذلك صريحا قوله بعد ذلك وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات وكذلك قوله بعد ذلك ( والمتكلم واحد وهو عين السامع ) وقائل ذلك المعتقد له كافر بإجماع العلماء " مصرع التصوف ص 64 اهـ
4- وفي المواقف للعضد مع شرح الجرجاني بعد أن ذكر المخالفين للمسلمين في مسألة الحلول والإتحاد مانصه: " ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره ويقول: لا حلول ولا اتحاد إذ ذاك يشعر بالغيرية ونحن لا نقول بها بل نقول ليس في ذات الوجود غيره وهذا العذر أشد قبحا وبطلانا من ذلك الجرم إذ يلزم من ذلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ولا مميز أدنى تمييز " شرح المواقف 8/29 اهـ
5- قال أبو حيان الأندلسي:"ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالإتحاد والوحدة كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض واتباع هؤلاء كابن السبعين والتستري - وعد جماعة - ثم قال وإنما سردت هؤلاء نصحا لدين الله - يعلم الله ذلك - وشفقة على ضعفاء المسلمين وليحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه والرد على النصارى والحلولية والقائلون بالوحدة هو من علم أصول الدين " البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 3/448 اهـ
(98/177)
6 - قال ابن النقاش في تفسيره: "...ومن ذلك تدرجوا إلى وحدة الوجود وهو مذهب الملحدين كابن عربي وابن سبعين وبن الفارض ممن يجعل الوجود الخالق هو الوجود المخلوق وقد لا يرضى هؤلاء بلفظ الاتحاد بل يقولون بالوحدة لأن الاتحاد يكون افتعالا بين شيئين وهم يقولون الوجود واحد لا تعدد فيه ولم يفرقوا بين الواحد في العين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود ولكن ليس وجود هذا وجود هذا والقدر المشترك هو كلي والكلي المطلق لا يوجد كليا مطلقا إلا في الأذهان لا في الأعيان بل كل موجود من المخلوقات له وصف يختص به لا يشاركه فيه غيره في الخارج وأنقص المراتب عند هؤلاء مرتبة أهل الشريعة " مصرع التصوف ص147- 148 اهـ
7 - قال شمس الدين العيزري:" وهم شعبان: شعب حلولية يعتقدون حلول الخالق في المخلوق وشعب اتحادية لا يعتقدون تعددا في الوجود في زعمهم أن العالم هو الله وكل فريق منهم يكفر الآخر وأهل الحق يكفرون الفريقين " المرجع السابق ص 152 اهـ
8 - قال علاء الدين البخاري:"...إذ لا يخفى على العاقل أن ذلك من الخيالات المتناقضة الحاصلة من الحشيش إذ عندهم أن وجود الكائنات هو الله تعالى فإذن الكل هو الله لا غير فلا نبي ولا رسول ولا مرسل إليه ولا خفاء في امتناع النوم على الواجب وفي امتناع افتقار الواجب إلى أن يأمره النبي بشيء في المنام لكن لما كان لكل ساقطة لاقطة ترى طائفة من الجهال ذلت أعناقهم لها خاضعين أفرادا وأزواجا وشرذمة من الضلال يدخلون في فسوق الكفر بعد الإيمان زمرا وأفواجا مع أنهم يرون أنه اتخذ آيات الله وما أنذروا هزوا وأشرك جميع الممكنات حتى الخبائث والقاذورات بمن لم يكن له كفوا أحد " المرجع السابق ص 165 اهـ
(98/178)
9 - وقال جلال الدين السيوطي في رسالته تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد:" القول بالحلول والاتحاد الذي هو أخو الحلول أول من قال به النصارى إلا أنهم خصوه بعيسى عليه السلام أو به وبمريم أمه ولم يعدوه إلى أحد وخصوه باتحاد الكلمة دون الذات إلى أن قال: أما المتوسمون بسمة الإسلام فلم يبتدع أحد منهم هذه البدعة وحاشاهم من ذلك لأنهم أذكى فطرة وأصح لبا من أن يمشي عليهم هذا المحال وإنما مشى ذلك على النصارى لأنهم أبلد الخلق أذهانا وأعماهم قلوبا غير أن طائفة من غلاة المتصوفة نقل عنهم أنهم قالوا بمثل هذه المقالة وزادوا على النصارى في تعدية ذلك والنصارى قصروه على واحد فإن صح ذلك عنهم فقد زادوا في الكفر على النصارى " الحاوي للفتاوي 2/ 122 ـ 123 اهـ
10 - قال أبو حامد الغزالي: " ومن هنا نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد وقال أنا الحق وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو تدرعها بها أو حلولها فيها على ما اختلفت فيه عباراتهم وهو غلط محض " إحياء علوم الدين2/292 اهـ
(98/179)
11 - قال ابن القيم رحمه الله تعالى:" أما الفناء عن وجود السوى فهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود وأنه ما ثم غير وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة ونفي التكثر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار فلا يشهد غيرا أصلا بل يشهد وجود العبد عين وجود الرب بل ليس عندهم في الحقيقة رب وعبد وفناء هذه الطائفة في شهود الوجود كله واحد وهو الواجب بنفسه ما ثم وجودان ممكن وواجب ولا يفرقون بين كون وجود المخلوقات بالله وبين كون وجودها هو عين وجوده وليس عندهم فرقان بين العالمين ورب العالمين ويجعلون الأمر والنهي للمحجوبين عن شهودهم وفنائهم والأمر والنهي تلبيس عندهم والمحجوب عندهم يشهد أفعاله طاعات أو معاص ما دام في مقام الفرق فإذا ارتفعت درجته شهد أفعاله كلها طاعات لا معصية فيها لشهوده الحقيقة الكونية الشاملة لكل موجود فإذا ارتفعت درجته عندهم فلا طاعة ولا معصية بل ارتفعت الطاعات والمعاصي لأنها تستلزم اثنينية وتعددا وتستلزم مطيعا ومطاعا وعاصيا ومعصيا وهذا عندهم محض الشرك والتوحيد المحض يأباه فهذا فناء هذه الطائفة " مدارج السالكين1/293 ـ 294 اهـ
12 - قال قاضي القضاة الماوردي:" القائل بالحلول والاتحاد ليس من المسلمين بالشريعة بل في الظاهر والتسمية ولا ينفع التنزيه مع القول بالاتحاد والحلول فإن دعوى التنزيه مع ذلك إلحاد " الحاوي للفتاوي 2/125 اهـ
13 - وقال عز الدين ابن عبد السلام في قواعده الكبرى:" ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفي عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الإبتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل فلا يعفى عنه" المرجع السابق 2/126 اهـ
(98/180)
قال السيوطي معقبا عليه:" قلت مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة بل يقطع بكفر القائلين بالحلول إجماعا وإن جرى في المجسمة خلاف " المرجع السابق 2/126 اهـ
14 - قال أبو نعيم الأصبهاني في أول الحلية:" وذلك لما بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل الفقه والآثار في كل الأقطار والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة والفجار والمباحية والحلولية الكفار " حلية الأولياء 1 /4 اهـ
15 - قال - صاحب كتاب معيار المريدين - أبو محمد عبد الله بن محمد النوري:" والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال فإن رجلين مثلا لا يصير أحدها عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما كما هو معلوم فالتباين بين العبد والرب سبحانه وتعالى أعظم فإذن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته " الحاوي للفتاوي 2/126 اهـ
16 - وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد:" حدثني الشيخ كمال الدين المراغي عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال له مرة الكفار إنما انتشروا في بلادكم لانتشار الفلسفة هناك وقلة اعتنائهم بالشريعة والكتاب والسنة قال فقلت له في بلادكم ما هو شر من هذا وهو قول الاتحادية فقال هذا لا يقوله عاقل فإن قول هؤلاء كل أحد يعرف فساده " المرجع السابق2/127 اهـ
(98/181)
17 - وقال العلامة محمد رشيد رضا: " وهذه المرتبة هي وحدة الشهود وما يذكرونه من مرتبة وراء هذه تسمى وحدة الوجود وهي عبارة عن كون وجود الخلق عين وجود الحق وكون ذات العبد هي ذات الرب أو لا عبد ولا رب ما ثم إلا شيء واحد له مظاهر وأطوار كظهور الماء في صورة الثلج الجامد والسائل والبخار وقد يحتجب بالانحلال إلى عنصري الأكسجين والهدروجين عن الأبصار فهذه فلسفة مادية باطلة اخترعتها مخيلات صوفية البوذية والبراهمة وهي كفر بالله وخروج من ملل جميع رسل الله وقد فتن بها بعض صوفية المسلمين ولهم فيها من الشعريات المنظومة والمنثورة وتأويل بعض الآيات والأحاديث المأثورة ما أضل كثيرا من الناس بهم وبها ..." تفسير المنار 10/240 اهـ
18 - وقال العلامة حافظ أحمد الحكمي:"... الطائفة الثالثة الاتحادية وهم القائلون إن الوجود بأسره هو الحق وأن الكثرة وهم بل جميع الأضداد المتقابلة والأشياء المتعارضة الكل شيء واحد هو معبودهم في زعمهم وهم طائفة ابن عربي الطائي صاحب الفتوحات المكية وفصوص الحكم وغيرهما مما حرف فيه الكلم عن مواضعه وتلاعب فيه بمعاني الآيات وأتى بكفر لا يشبه كفر اليهود الذين قالوا عزير ابن الله ولا النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله وقالوا: هو الله وقالوا: ثالث ثلاثة؛ فإن النصارى وأشباههم خصوا الحلول والاتحاد بشخص معين وهؤلاء جعلوا الوجود بأسره على اختلاف انواعه وتقابل أضداده مما لا يسوغ التلفظ بحكايته هو المعبود فلم يكفر هذا الكفر أحد من الناس..." معارج القبول 1/301-302 اهـ
(98/182)
19- وقد ألف العلامة الشيخ محمد بن أبي مدين في الرد عليكم كتابه شن الغارات على أهل وحدة الوجود وأهل معية الذات قال فيه: " قال جامعه وفقه الله إنما جمعت بين الكلام على معية الذات ووحدة الوجود لأني رأيت التصيرح بالثانية في كلام بعض أئمة الأولى وسمعت بعض مشائخي يقول إن القول بمعية الذات يفضي إلى القول بوحدة الوجود وكفى بمقالة تفضي إليها قبحا وفسادا فإن جل مقالات أهلها صريح في كفر من يقوله، فهم يقولون بقدم العالم وينكرون بعث الأجساد وحشرها... كما أن من أمهات مقالاتهم المؤذنة بكفرهم تصريحهم بأنهم يرونه تعالى في دار الدنيا يقظة وذلك مبني على زعمهم أنه سبحانه عين خلقه أوحال فيه كما نص على ذلك شيخهم الحلاج بقوله: (أنا الحق وما في الجبة إلى الله) شن الغارات154- 158 - إلى أن قال - فمن زعم أن الله عز وجل هو عين مخلوقاته أو أنه حل في شيء منها فهو ضال كافر بالإجماع " المصدر السابق 167 اهـ
المحظورات الشرعية المترتبة على القول بوحدة الوجود:
واعلم أنه يترتب على عقيدة وحدة الوجود محظورات كثيرة من أهمها:
1- لو كان الوجود وحدة واحدة لكان الخالق عين المخلوق فكيف يأمره وينهاه ؟ وكيف يرغبه ويرهبه ؟ إذ الآمر هو المأمور وهو الأمر الذي أمر به وهذا لا يقول به من له أدنى مسحة من عقل الله ذاتا وموضوعا لعبد الكريم الخطيب ص 219 .
يقول ابن عربي:
أنت عبد وأنت رب
لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد
لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص
بحله من سواه عقد الفصوص ص 90
(98/183)
2- في هذا القول إنكار أن يكون الله خلق شيئا من هذه المخلوقات لأنها ليست سواه فالمخلوقات عين المخلوق والمخلوق عين الخالق ومن الممتنع أن يكون خالقا لنفسه لأن الشيء لا يخلق نفسه قال تعالى متحديا للكفار: - { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون - } [ ] وقال شيخ الإسلام: " وعند هؤلاء الكفرة الملاحدة الفرعونية أنه ما ثم شيء يكون الرب قد خلقه وبرأه أو أبدعه إلا نفسه المقدسة ونفسه المقدسة لا تكون مخلوقة مربوبة مصنوعة مبروءة لامتناع ذلك في بدائه العقول وذلك من أظهر الكفر عند جميع الملل " مجموع الرسائل والمسائل ( ق 2/135 ) اهـ
3- ويلزم على هذا القول ألا يكون الله رب العالمين ولا مالك الملك لأنه لا يكون رب نفسه ولا يكون مالكا ممولوكا إذليس هنالك أحد سواه التجانية : على دخيل الله ص 91 .
4- يلزم منه أنه تعالى لم يرزق أحدا ولا هدى أحدا ولا علم أحدا علما فلم يصل إلى أحد منه خير ولا شر إذ هو الرزاق المرزوق والهادي المهدي والعالم المعلم إذليس في الوجود سواه التفسير القيم لابن القيم ص 51 .
5- وأن الله هو الذي يصوم ويقوم ويركع ويسجد ويموت ويمرض وتتسلط عليه الأعداء ويوصف بكل نقص وعيب - تعالى الله عما يقولون - إذ ليس في الوجود سواه. مجموع الرسائل والمسائل ق2/135
6- كما يلزم منه أن الذين عبدوا الأوثان وغيرها من كل ما عبد من دون الله ما عبدوا إلا الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقد صرح التجاني بذلك:" يعني لا معبود غيري وإن عبد الأوثان من عبدها فما عبدوا غيري ولا توجهوا بالخضوع والتذلل لغيري " جواهر المعاني 1/185
7- كما يلزم منه تصحيح دعوى من ادعى الألوهية من البشر كفرعون والدجال المنتظر. مجموعة الرسا/ل والمسائل ق2/147
8- أن كل عابد للشيطان أو لهواه هو عابد لله إذ ليس الشيطان عندهم شيء سوى الرحمن فالمتبعين للهوى والشيطان هم المطيعون لله لأن الله هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي.
(98/184)
9- يلزم منه أن تكون الكلاب والحمير والخنازير آلهة وكذا الأبقار وغيرها إذ ليس في الوجود أحد سواه الله ذاتا وموضوعا ص 205 تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
10- يلزم عليه اعتقاد ماهو مستحيل عقلا قال الرازي: "البارى لا يتحد بغيره لأنه حال الإتحاد إن بقيا موجودين فهما أثنان لا واحد وإن صارا معدومين فلم يتحدا بل حدث ثالث وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فلم يتحد لأن المعدوم لا يتحد بالموجود " محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص 112 اهـ
11- يلزم عليه مناقضة الفطر والشرائع إذ لا تحله شريعة سماوية إطلاقا ولا تستسيغه فطرة سوية أبدا لأن الله فطر الناس على أنهم مخلوقين وأنه هو الخالق حتى الكافر يعلم ذلك وإن جحدها بعضهم منهم - { ولئن سألتهم من خلقهم ليقون الله - } [الزخرف 87 ].
دعوة التيجانية إلى الأمن من مكر الله وتجرئتهم على المعاصي:
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراضه على ماقال سيدي علي حرازم في جواهر المعاني ج1ص104 ونصه:( فمن أراد الدخول في طريقنا فلا بد له من هذا الشرط ولا خوف عيله من صاحبه ولا من غيره أيا كان من الأولياء الأحياء والأموات في الدنيا والآخرة، لا من شيخه ولا من غيره ولا من الله ولا من سوله - - صلى الله عليه وسلم - بوعد صادق لا خلف فيه ) فيجاب عنه من ثلاثه أوجه أولها: أن هذا الوعد الذي قاله علي حرازم مشروط بما اشترطه الشيخ نفسه في طريقته من اجتناب المنهيات وامتثال المأمورات...إلخ" اهـ ص36
والرد عليه من وجوه ثمانية:
الوجه الأول:
(98/185)
لِمَ لم تذكر تمام كلام شيخك حتى يتضح مقصوده ؟! أم أن في كلامه الذي تركت صارحة لا تقبل التأويل ؟ فهل هذه هي الأمانة العلمية ؟ ونص كلامه: "واعلم أن هذا الورد العظيم لا يلقن لمن كان له ورد من أوراد المشايخ رضي الله عنهم إلا إن تركه وانسلخ منه ولا يعود إليه أبدا وعاهد الله على ذلك فعند ذلك يلقنه الورد من له الإذن الخاص من الشيخ - - رضي الله عنه - وإلا فلا يلقنه له إن لم ينسلخ عن ورده الذي بيده فيتركه وورده وطريقته لأن أوراد المشايخ رضي الله عنهم كلها علىهدى وبينة من الله وكلها مسلكة وموصلة إلى الله تعالى وهذا ليس منا تكبرا واستعلاء على المشايخ رضي الله عنهم حاشا وكلا ومعاذ الله بل هذا الشرط مشروط في طريقتنا لا غير فمن أراد الدخول في طريقتنا فلا بد له من هذا الشرط ولا خوف عليه من صاحبه ولا من غيره أيا كان من الأولياء الأحياء والأموات في الدنيا والآخرة وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا وفي الآخرة لا من شيخه ولا من غيره ولا من الله ولا من سوله - - صلى الله عليه وسلم - بوعد صادق لا خلف له ". جواهر المعاني 1/91ـ92 والرماح 1/372ـ373 وبغية المستفيد ص 329 والدرة الخريدة 2/123 اهـ
الوجه الثاني:
أنك حذفت من وسط الكلام ما فيه حجة عليك دون أن تشير إلى ذلك وهو قوله:"وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا والآخرة لا من شيخه ولا من غيره ولا من الله ولا من سوله - - صلى الله عليه وسلم - بوعد صادق لا خلف له " المرجع السابق . اهـ
فهل بعد هذا درجة من التزوير والتحريف والكذب ؟!!.
الوجه الثالث:
أما قوله أن هذا مشروط بالامتثال والإجتناب قلنا هذا تحريف بين يفرغ كلام شيخك من محتواه ويصبح لا فائدة فيه إذ لا فرق بين صاحب طريقتكم وغيره وهذا خلاف المقصود من السياق.
الوجه الرابع:
هذه خديعة مكشوفة في جمع الأتباع السذج بالترغيب والترهيب وقد عفا عليها الزمن.
الوجه الخامس:
(98/186)
قوله أنه آمن فهذا باطل وضلال حتى لو كان أعبد الناس فينبغي أن يكون أشدهم خوفا وأبعدهم عن الأمن من مكر الله.
الوجه السادس:
إذا كانت طرق المشايخ هدى من الله كيف تلزمه بتركها ومعاهدة الله على أن لا يعود إلى ذلك الهدى الذي في تلك الطرق ؟!!.
الوجه السابع:
إذا كانت طرق المشايخ هدى فلم لا يمكن جمعها مع الهدى الذي عندك كيف يكون كله هدى والجمع بينه محرم وممنوع.
الوجه الثامن:
وأما استدلاله بأن التجاني في موضع آخر نهى عن الأمن من مكر الله فهذا من باب ذر الرماد في العيون وإلا فعامة كلامه حث على الأمن من مكر الله وبما أنك نقلت عنه ثلاثة أنقال فأنا أنقل لك عنه ثلاثين كلها في الحث على الأمن من مكر الله:
1. ما تقدم من قوله:"وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا والآخرة...الخ"
2. قال التجاني:" من ترك وردا من أوراد المشايخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله تعالى على جميع الطرق أمنه الله تعالى في الدنيا والآخرة فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله تعالى ولا من رسوله - - صلى الله عليه وسلم - ولا من شيخه أيا كان من الأحياء أو من الأموات " الرماح 1/378و2/413 والدرة الخريدة 2/124 اهـ
3. قال التجاني: " وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنه بغيرحساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ماعملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي" الرماح 2/413و2/422 والدرة الخريدة 1/87 اهـ
4. قال التجاني:" كل من عمل عملا لله تعالى فرضا أو نفلا وتقبل منه يعطينا الله على ذلك العمل أزيد مما يعطيه لعامله بأكثر من مائة ألف ضعف ونحن رقود " بغية المستفيد ص 279. اهـ
5. قال التجاني: " أخبرني سيد الوجود يقظة لامناما قال لي أنت من الآمنين وكل من رآك من الآمنين إن مات على الإيمان وكل من أحسن إليك بخدمة أو غيرها وكل من أطعمك يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب " جواهر المعاني 1/96 اهـ
(98/187)
6. قال التجاني: " وسألته - - صلى الله عليه وسلم - لكل من أخذ عنى ذكرا أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله لا من حسناتهم أن يرفع الله عنهم محاسبته على كل شيء وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة بلا حساب ولاعقاب في أول الزمرة الأولى وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي - - صلى الله عليه وسلم - فقال لي - - صلى الله عليه وسلم - ضمنت لهم هذا كله ضمانة لا تنقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين " المرجع السابق 1/96 اهـ
7. قال التجاني: " ومن أخذ عنى الورد المعلوم الذي هو لازم للطريقة أو عن من أذنته يدخل الجنة هو ووالداه وأزواجه وذرياته المنفصلة عنه لا الحفدة بلا حساب ولا عقاب بشرط ألا يصدر منهم سب ولا بغض ولا عداوة وبدوام محبة الشيخ بلا انقطاع إلى الممات وكذلك مداومة الورد إلى الممات " المرجع السابق 1/98 اهـ
8. وفي جواهر المعاني:"وأخبره - - صلى الله عليه وسلم - بقوله عليه الصلاة والسلام بعزة ربي يوم الإثنين ويوم الجمعة لم أفارقك فيها من الفجر إلى الغروب ومعي سبعة أملاك وكل من يراك في اليومين يكتب الملائكة اسمه في رقعة من ذهب ويكتبونه من أهل الجنة وأنا شاهد على ذلك" المرجع السابق 1/98 اهـ
9. قال في جواهر المعاني:" قيل أن أبايزيد باسطه الحق في بعض مباسطاته فقال له يا عبد السوء لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة، فقال له وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحدك، فقال له: لا تفعل، فسكت " المرجع السابق 1/ 132و136 اهـ
10.في جواهر المعاني: " وورد في بعض الاخبار أن الله سبحانه وتعالى يوقف العبد بين يديه فيقول له: ما الذي جرأك على معصيتي حتى خالفت أمري ؟ أو ما هذا معناه، فيقول:
العبد رب ظننت أنك تغفر لي فيغفر له لحسن ظنه " المرجع السابق 2/227 اهـ
(98/188)
11. وفيه أيضا:" أن يحي ابن أكثم وكانت حالته معروفة قال بعض من رآه في النوم: وسأله ما فعل الله بك فقال غفر لي، قال قلت له لماذا، قال لي سبحانه وتعالى: فعلت وفعلت وفعلت قال: قلت إلهي ما بهذا حدثت عنك قال: وبماذا حدثت عني قال: قلت، حدثني فلان عن فلان وذكرت الرواية إلى النبي - - صلى الله عليه وسلم - أنه - - صلى الله عليه وسلم - يقول:إن الله يستحيي من ذي الشيبة في الإسلام أن يعذبه أو ما معناه هذا، فقال صدق فلان وفلان وذكر الرواية ثم قال لي اذهب فقد غفرت لك " المرجع السابق 2/227ـ 228 اهـ
12. وفيه أيضا:" قال أبو نواس الشاعر المشهور وكانت حالته معروفة قال بعض الصالحين، رأيته في النوم بعد موته في حالة حسنة محمودة قال: قلت له ما فعل الله بك، قال: غفر لي فقلت بماذا، قال لي: بأبيات قلتها عند موتي...الخ " المرجع السابق 2/228 اهـ
13. قال التجاني: " كل أعمال الناس ذهبت مجانا إلا أعمار أصحاب الفاتح لما أغلق فإنها فازت بالذكر دنيا وأخرى ولا يتصل بها إلا سعيد من الناس " كشف الحجاب ص 365 اهـ
(98/189)
14. قال في الجواهر:" اطلعت على مارسمه من خطه ونصه: " أسأل من فضل سيدنا رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - أن يضمن لي دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى أنا وكل أب وأم ولدوني من أبوي إلى أول أب وأم في الإسلام من جهة أبي ومن جهة أمي وجميع ما ولد آبائي وأمهاتي من أبوي إلى الجد الحادي عشر والجدة الحادية عشرة من جهة أبي ومن جهة أمي من كل ما تناسل منهم من وقتهم إلى أن يموت عيسى ابن مريم من جميع الذكور والإناث والصغار والكبار وكل من أحسن إلي بإحسان حسي أومعنوي من مثقال ذرة فأكثر وكل من نفعني بنفع حسي أو معنوي من مثقال ذرة فأكثر من خروجي من بطن أمي إلى موتي وكل من له علي مشيخة في علم أو قرآن أو ذكر أو سر من كل من لم يعادني من جميع هؤلاء أما من عادانى أو أبغضنى فلا وكل من أحبنى ولم يعادنى وكل من والاني واتخذني شيخا أو أخذ عني ذكرا وكل من زارني وكل من خدمني أو قضى لي حاجة أو دعا لي كل هؤلاء من خروجي من بطن أمي إلى موتي وآبائهم وأمهاتهم وأولادهم وبناتهم وأزواجهم ووالدي أزواجهم وكل من أرضعني وأولادهم وبناتهم ووالديهم ووالدي أزواجهم يضمن لي سيدنا رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - ولجميع هؤلاء إلى أن نموت أنا وكل حي منهم على الإيمان والإسلام وأن يؤمننا الله وجميعهم من جميع عذابه وعقابه وتهويله وتخويفه ورعبه وجميع الشرور من الموت إلى المستقر في الجنة وأن تغفر لي ولجميعهم جميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخر وأن تؤدي عني وعنهم جميع تبعاتنا وتبعاتهم وجميع مظالمنا ومظالمهم من خزائن فضل الله عز وجل لا من حسناتنا وأن يؤمنني الله عز وجل وجميعهم من جميع محاسبته ومناقشته وسؤاله عن القليل والكثير يوم القيامة وأن يظلني الله وجميعهم في ظل عرشه يوم القيامة وأن يجيزني ربي وكل واحد من المذكورين على الصراط أسرع من طرفة العين على كواهل الملائكة وأن يسقيني الله وجميعهم من حوض سيدنا محمد - -
(98/190)
صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة وأن يدخلني ربي وجميعهم جنته بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى وأن يجعلني ربي وجميعهم مستقرين في الجنة في عليين من جنة الفردوس ومن جنة عدن أسأل سيدنا رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - بالله أن يضمن لي ولجميع الذين ذكرتهم فيه هذا الكتاب جميع ما طلبت من الله لي ولهم في هذا الكتاب بكماله ضمان يوصلني وجميع الذين ذكرتهم في هذا الكتاب إلىكل ما طلبته من الله لي ولهم فأجاب - - صلى الله عليه وسلم - بقوله الشريف: كل ما في هذا الكتاب ضمنته لك ضمانة لا تتخلف عنك وعنهم أبدا إلى أن تكون أنت وجميع من ذكرت في جواري في أعلى عليين وضمنت لك جميع ما طلبته منا ضمانة لا يخلف عليك الوعد فيها والسلام" جواهر المعاني 1/96ـ97 والدرة الخريدة 4/27-28 اهـ
15. قال التجاني لرسول الله - - صلى الله عليه وسلم -:" إن كنت بابا لنجاة كل عاص مسرف على نفسه تعلق بي فنعم وإلا فأي فضل لي فقال - - صلى الله عليه وسلم - أنت باب لنجاة كل عاص تعلق بك " رماح حزب الرحيم 2/413 اهـ
16. وفي بغيةالمستفيد: " أن من جملة ما ذكره سيدنا - - رضي الله عنه - من فضل هذا الورد العظيم عن نبينا المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم أن كل من أخذه عن الشيخ أو عمن عنده الإذن الصحيح في التلقين يكون مقامه ومستقره من فضل الله تعالى في أعلى عليين بجوار سيد المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ويغفر الله له تعالى بفضله من ذنوبه الكبائر والصغائر وتؤدي عنه التبعات من خزائن الرب المجيد القادر ولذلك كان آمنا من أن يروعه هول المحشر أو يؤلمه ضنك القبر وأزواجه وأولاده المنفصلون عنه دنية وكذا أبواه داخلون معه في هذا الخير الجزيل بفضل الله بشرط أن لا يصدر بغض من الجميع في هذا الشيخ الجليل وجانبه الأعز المنيع " بغية المستفيد ص 273 اهـ
(98/191)
17. قال التجاني:" وسألته - - صلى الله عليه وسلم - لكل من أخذ عني وردا أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله لا من حسناتهم وأن يدفع الله عنهم محاسبته على كل وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة لا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى وأن يكونوا معي في عليين في جوار النبي - - صلى الله عليه وسلم - فقال لي النبي - - صلى الله عليه وسلم - ضمنت لك هذا ضمانا لا تنقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين " الجيش الكفيل بأخذ الثأر ص 214ـ 215 والدرة الخريدة 4/27 اهـ
18. قال في الرماح:" رأيت شيخنا التجاني - - رضي الله عنه - وأرضاه في واقعة من الوقائع وبيده حلة من نور وقال لي - - رضي الله عنه - وأرضاه وعنا به من رأى هذه الحلة دخل الجنة ثم ألبسني إياها - - رضي الله عنه - " الرماح 1 /360 اهـ
19. قال التجاني: " إن أصحابنا لا يدخلون المحشر مع الناس ولا يذوقون مشقة ولا يرون محنة من تغميض أعينهم إلى الاستقرار في عليين " المرجع السابق 2/425 اهـ
20. قال التجاني: " أخبرني سيد الوجود أن كل من أحبني فهو حبيب النبي - - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يكون وليا قطعا " المرجع السابق 2/421 اهـ
21. قال التجاني: " كل من أخذ وردنا وداوم عليه إلى الممات يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب هو والداه وأزواجه وذريته إن سلم الجميع من الإنتقاد " المرجع السابق 2/422 اهـ
22. قال التجاني: " قال لي سيد الوجود: أنت من الآمنين وكل من أحبك من الآمنين أنت حبيبي وكل من أحبك حبيبي وفقراؤك فقرائي وتلاميذك تلاميذي وأصحابك أصحابي وكل من أخذ وردك فهو محرر من النار " اهـ ؛ قال الفوتي قلت: ولهذا صار أهل طريقته صحابيين بهذا المعنى. المرجع السابق 2/421 اهـ
23. قال التجاني: " أن سيد الوجود قال له من نظر إلى وجهك غفر الله تعالى له " المرجع السابق 2/425 اهـ
(98/192)
24. قال التجاني:" طائفة من أصحابنا لو اجتمع أكابر أقطاب هذه الأمة ما وزنوا شعرة من أحدهم " الإفادةالأحمدية ص 40 اهـ
25. قال التجاني:" هو - - صلى الله عليه وسلم - كفاني الحضور مع أصحابي عند الموت وعند السؤال " المرجع السابق ص 69 والدرة الخريدة 1/101-102 اهـ
26. قال التجاني في فضائل الفاتح لما أغلق:"ومن جملتها أيضا أن الله تعالى يعطيه ثواب جميع الخالائق ومن جملتها أيضا أن الله تعالى يعطيه ثواب سبعين نبيا كلهم بلغوا الرسالة " جواهر المعاني 1/100 اهـ وفي الدرة الخريدة (1/142)ما نصه: " قال التجاني: يعطي الله لأصحابنا ثواب الأنبياء قلت له ثواب الأعمال أو ثواب المرتبة؟ قال ثواب الأعمال والمرتبة "اهـ
27. قال التجاني:" لو أجتمع أهل السموات السبع وما فيهن والأرضين السبع وما فيهن على أن يصفوا ثواب الفاتح لما أغلق ما قدروا " المرجع السابق 1/109 اهـ
28. قال التجاني ما نصه:" وأما فضل وظيفة اليوم والليلة وهي لاإله إلا الله والله أكبر إلخ فمن ذكرها في الصباح ثلاثا لا يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم ومن ذكرها في المساء ثلاثا كذلك لا يكتب عليه ذنب في تلك الليلة حتى يصبح " المرجع السابق 1/111 اهـ
29.قال صاحب بغية المستفيد:" ومن فضائل أصحاب سيدنا - - رضي الله عنه - ومآثار أهل طريقه التي اختصهم بها مولاهم ومزاياهم التي تفضل بها عليهم بجوده وكرمه وأولاهم ما أخبر به سيدنا - - رضي الله عنه - تبشيرا لهم وترجية وتأكيدا لنور إيمانهم وتقوية من أن مراتبهم يوم القيامة عند ربهم الملك القادر الفاعل بالإختيار أكبر من مقامات من عداهم من الأولياء المقربين الأبرار وذلك لما لحقهم بفضل الله تعالى وسابق عنايته من بركة أستاذهم الذي طابوا من طيبه وشرفوا بولايته " بغية المستفيد ص 276 اهـ
(98/193)
30. قال التجاني:" شفعني الله في أهل عصري ومرة قالها فقال خليفته على حرازم - - رضي الله عنه - وزيادة عشرين سنة فأقر الشيخ - - رضي الله عنه - مقاله ذلك واستحسنه فظهر أنه مما ساره به قبل ذلك الزمان ثم استفاض بعد ذلك " المرجع السابق ص 220 والإقادة الأحمدية ص 69 اهـ
بهذه الأنقال الثلاثين يتبين أن أحمد التجاني إنما يربي أتباعه على الأمن من مكر الله إنطلاقا من عقيدته الخبيثة القائلة بوحدة الوجود إذ تقتضى أنهم الإله الخالق فلماذا يخافون العذاب ؟ ومن الذي سيعذبهم ؟ !
فاعرف مقامك في درك العلوم ولا
تعرض لمن خاض فيها شاسع الشقق
فأنت ويحك في وهد الحضيض فلا
تمدد يديك لمأوى فارق الأنق
ادعاء التجانية معرفة الغيب المطلق
قال مفتاح التجاني:
" وأما قول هذا الجاهل المغرض هل تعتقد أن التجاني يعلم الغيب المطلق حتى ما تخفي القلوب من أحوال أم تؤمن أن الله - { لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول - } واعتراضه على قول علي حرا زم في جواهر المعاني ج 1 ص153 - 154: " ومن كماله - - رضي الله عنه - - يعني الشيخ التجاني - ونفوذ بصيرته الربانية وفراسته النورانية التي ظهرت مقتضاها في معرفة أحوال الأصحاب وغيرها من إظهار مضمرات وإخبار بمغيبات وعلم بعواقب الحاجات وما يترتب عليها من المصالح والآفات وغير ذلك من الأمور الواقعات فيعرف أحوال قلوب الأصحاب وتحول حالهم وإبدال أعراضهم وانتقال أغراضهم وحالة إقبالهم وإعراضهم وسائر عللهم وأمراضهم ويعرف ما هم عليه ظاهرا وباطنا. اهـ وما نقل عن الرماح ج 1 ص 28 والدرة الخريدة ج 1 ص 219 وبغية المستفيد ص 226 مما هو مندرج فيما قاله علي حرازم هنا فالجواب عليه من خمسة أوجه:
(98/194)
أولها: أنني لا أعتقد أن أحدا من الأنبياء المرسلين فضلا عن غيرهم من الملائكة والأولياء المقربين يعلم الغيب المطلق الذي هو العلم الإحاطي بحقائق ودقائق الكليات والجزئيات على الجملة والتفصيل وأعتقد أن الله يطلع الشيخ التجاني وغيره من الأولياء على الكثير من أحوال وضمائر الناس... الخ " اهـ ص38-39.
والرد عليه من أربعة أوجه:
الوجه الأول:
أعلم أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته أن هؤلاء التجانيين يدعون الغيب المطلق الذي استأثر الله بعلمه مثل ما يكون في المستقبل من أمور - { وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا - } [لقمان 34 ] بل بالغوا في شيخهم حتى جعلوه - { يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون - } [ القصص 69] بل - { يعلم السر وأخفي - } [طه 7 ].بل ادعوا أنه يعلم مفاتيح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله.
وإليك نصوصهم الصريحة في ادعاء علم الغيب.
1- قال علي حرازم ما نصه: وسألته - - رضي الله عنه - - يعني التجاني - في قوله تعالى - { وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو - } فأجاب - - رضي الله عنه - بقوله نفى الله العلم بالغيب عن الخلق بهذه الآية فلا يعلمها أحد سواه لكن العلم المنفي ما كان للخلق إليه طريق وطرق العلم إلى الخلق من أحد ثلاث: إما بحاسة من الحواس وإما بطريق السمع وتبليغ الخبر وإما بطريق الفكر وهو النظر في أمور معلومة يتوصل بالنظر فيها إلى العلم بأمور مجهولة فهذه الطرق هي المنفية عن الخلق وبقيت الطريق الرابع وهي ما يقذفه الله في قلب العبد بغير حاسة ولا واسطة ولا فكر ويسمى هذا بالعلم اللدني فإن هذا العلم غير منفي على الرسول ولا على غيره من النبيين والمرسلين يشهد بهذا قوله سبحانه وتعالى - { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول - } قال المرسي أو صديق أو ولي " جواهر المعاني 1/166 اهـ أنظر كيف ادعى معرفة مفاتيح الغيب.
(98/195)
2- قال في الرماح ما نصه: " وينبغي على المريد أن يعتقد في شيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة رماح حزب الرحيم1/28 اهـ فانظر كيف جعل الشيخ ربا يعلم - { ما تخفي الصدور - } .
3 - وفي الرماح ما نصه: " حكى القشيري في رسالته أن شقيقا البلخي وأبا تراب النخشى قدما على أبي يزيد وقدمت السفرة وشاب يخدم أبا يزيد فقال شقيق كل معنا يا فتى فقال أنا صائم فقال أبو تراب ولك أجر صوم شهر فأبي فقال شقيق كل ولك أجر صوم سنة فأبى فقال أبويزيد دعوا من سقط من عين الله فأخذ ذلك الشاب بعد مدة وقطعت يده بسرقة الرماح 1/ 338 اهـ
4 - وقال في بغية المستفيد: " وأما مكاشفاته - - رضي الله عنه - بمعنى إخباره بالأمر قبل وقوعه فيقع على وفق ما أخبر به فلا يكاد ينحصر ما حدث به الثقات عنه - - رضي الله عنه - وقد ذكر في الجامع أنه - - رضي الله عنه - كان كثيرا ما يستره بقوله قلبي يحدثني بكذا أو وقع في خاطري كذا فيخرج كما قال وذكر فيه أيضا ما يفيد أنه - - رضي الله عنه -كان يخبر بقدوم الغائب قبل أن يقدم فيكون ذلك وفق ما أخبر به وذكر من ذلك أنه أخبره مرة وهو معه في بلاد الصحراء بقدوم الأمير الظالم إذ ذاك فكان ذلك وأنه - - رضي الله عنه - أخبره مرة أخرى بخراب قرية قبل وقوعه فوقع وأنه أخبر مرة أخرى أيضا بقدوم بعض أصحابه فكان كما قال بغية المستفيد ص 246 والدرة الخريدة 1/64 اهـ
(98/196)
5 - وقال أيضا ما نصه: " أن الخليفة المعظم سيدي علي حرازم - - رضي الله عنه - كان حين أراد التوجه إلى بيت الله الحرام يذكر لبعض الخاصة ممن يساره بالأمور أن النبي - - صلى الله عليه وسلم - زوجه بنت بتونس وكان يصفها وربما ذكر اسمها واسم أبيها ثم لما سافر ووصل تونس حرسها الله كان ما أخبر به قال المحدث فلم نلبث أن جاء الخبر بأنه طلقها قال فكان يقع في باطني شيء من جهة تطليقه إياها وهو أخبر أن النبي - - صلى الله عليه وسلم - زوجه بها قال وكان الشيطان لعنه الله كثيرا ما يكدر عليه وقته بالوسوسة في ذلك وخصوصا حين يطيب وقته قال لي فجلست يوما مع الشيخ - - رضي الله عنه - ولم يحضر معنا ثالث فطاب لي الوقت بمحادثة الشيخ - - رضي الله عنه - ولان القلب وخشعت الجوارح فلم أشعر حتى ألقي ذلك الخاطر ببالى وأشتغل به فكري وكدر على صفوي فرفع - - رضي الله عنه - بصره إلي وأدنى رأسه مني وقال لي كانت لا تصلي ولم يزد - - رضي الله عنه - على ذلك شيئا قال: فعلمت أن ذلك موجب لطلاقه إياها " المرجع السابق 248 اهـ
فانظر إلى هذه القصة المخترعة التي يهدف من خلالها الاستدلال على أن شيخه يعلم خفيات الضمائر وما توسوس به النفوس فلم يبق له إلا أن يدعي له الخلق - { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه - } [ ق 16 ].
ثم ليت شعرى كيف يأمره - - صلى الله عليه وسلم - بالزواج بهذه الكافرة التي لا تصلى ؟! وكيف يرغب هو عما اختار له رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - ؟!
6 - وقال في الدرة الخريدة: قلت لا مانع من كونه تعالى يطلع على غيبه بعض أصفيائه كما قال تعالى: - { فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارضى من رسول - } يعني أو ولي كما قال بعض العارفين والصحيح أنه لم ينقل من هذه الدار حتى أطلعه الله على مفاتيح الغيب فلتكن بعض خواص أمته كذلك بطريق الوراثة المحمدية. الدرة الخريدة 1/ 219
(98/197)
فانظر إلى دعوى علم مفاتح الغيب مع قوله تعالى - { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو - } [ الأنعام 59 ].
7 – وفي بغية المستفيد: " ومن إخباره بالغيب عن طريق كشفه - - رضي الله عنه - إخباره بأمور لم تقع إلا بعد وفاته إما بالتصريح أو التلويح فأخبر بالفتن التي وقعت بالقرب من وفاته في الغرب فكان الأمر وفق ما أخبر به وأخبر بالمسغبة العظيمة أعاذنا الله منها التي كانت بعد وفاته بنحو تسع سنين " بغية المستفيد ص 247 اهـ
8 - وفي كشف الحجاب ما نصه: " فمن ذلك ما بلغني عن أن سيدنا - - رضي الله عنه - قال له - - رضي الله عنه - بعد الاجتماع ما هذا التواني الذي فيك يا فلان حتى أنك لم تسارع للدخول في طريقتنا من أول وهلة مع أني مربيك وكفيلك قبل أن تلدك أمك ولقد كانت أمك حاملة بك فسقطت يوما على شيء كاد أن يثقب جننيها ويؤذيك في جسدك فتلقيتها برفق ولين فلم يؤثر ذلك في جسمك تأثيرا يؤدي إلى فساد الخلقة وتشويه الصورة بإذن الله تعالى وإذن رسوله - - صلى الله عليه وسلم - وإنما أصابك بعض الضرر في رأسك ودليل ذلك وجود أثر فيه وكان في رأس صاحب الترجمة حفرة " كشف الحجاب ص 172 اهـ
الوجه الثاني:
وأعلم أن ما يدعون لشيخهم من معرفة الغيب يكذبه الواقع وإليك أمثلة على ذلك:
(98/198)
1 - تقول الكاهنة المشهورة لالة منانة المعروفة بشنيورة: " كنت يوما جالسة فأتانى مشاوريان فقالا لي قومي تكلمي السلطان فظننت السلطان مولانا سليمان وكان كثيرا ما يرسل إليها وتذهب إليه وكان يحبها محبة خاصة قالت فذهبت معهما حتى خرجنا على باب الفتوح أحد أبواب فاس فوجدت هناك المحلة فتقدمت إلى السلطان فلم أجده مولانا سليمان، وإنما وجدته سيد أحمد التجاني - - رضي الله عنه - ولم أعرفه من قبل قالت فصرت أتعجب مما رأيت ثم قال لي السلطان سيد أحمد التجاني ما تقولين أنت في دخول الطاعون إلى هذه المدينة فإنه لا بد من دخوله لهؤلاء الناس الذين اتصفوا بكذا وكذا وعد جملة فعال.
قال فلما سمعت منه ذلك قالت له إذا وقع الإجماع عليه من الأولياء الموجودين ولم يقدروا على حمل هذا البلاء فأنا ألقي الباس عن الناس فقال لها أو تقدري على ذلك وتتحملي به فقالت نعم فأمرها أن ترجع لمحلها فلما دخلت على باب المدينة سمعت من وراءها عمارة بارود فأصابتها فسقطت على وجهها وبقيت ساقطة حتى جاء الناس بالنعش وحملوها عليه حتى أوصلوها إلى محلها وكان الناس يسمعون البارود يتكلم فيها وهي تصيح في كل مرة إلى أن قضى الله برفع ذلك البلاء عن هذه البلد " كشف الحجاب 190 اهـ
(98/199)
2 - وذكر صاحب كشف الحجاب أن جماعة من تلاميذ التجاني: " ارتحلوا إلى فاس قاصدين زيارة سيدنا - - رضي الله عنه - وكان سيدنا - - رضي الله عنه - في مرضه الذي توفي فيه وقد حصل لهم في طريق سفرهم مانع أخرهم عن الوصول حتى بعث سيدنا - - رضي الله عنه - إلى الولية الصالحة لالة منان شنيورة المتقدمة وسألها عن سبب تأخرهم فأخبرته بأن سبب ذلك أن الترك عمال تلمسان أخذوا إبلهم فارغة لقضاء بعض أغراضهم وقد ردوها لهم ولا بأس عليهم وعما قريب يدخلون لهذه البلدة ثم بعد أن دخلت قافلتهم بنحو عشرة أيام بعث لها وقال لها أنه يحب أن يرسل القافلة لمحلها فما تقولين فقالت إن بعثها قبل يومين أو ثلاثة فذاك وإن زاد على ذلك تقع لها عطلة بسبب موت السلطان فسأل صاحبه وأي سلطان تعنى ورده إليها وقال لها لم تتيسر لنا هذه المدة فأعادت قولها الأول فبقي سيدنا - - رضي الله عنه - يومين أو ثلاثة ثم توفي - - رضي الله عنه - فحضرت جنازته فقيل لها أليس قد قلت السلطان فقالت نعم هذا هو السلطان " كشف الحجاب 197 ـ 198 اهـ
هكذا ترى أن التجاني مولع بسؤال الكهان عن الغيب لأنه لا علم له به.
3 - ونقل في بغية المستفيد عن بعض علمائهم قال " حضرت مع والدي وكان ممن أخذ الطريقة في أول ظهورها عن سيدنا الشيخ جعلنا الله في حماه وكان قد طال عهده - - رضي الله عنه - برؤيته يعني والده المذكور فسأله الشيخ من أنت فقال له إن المشايخ يعرفون تلاميذهم بظهر الغيب ويحضرون معهم عند الموت في كلام ينحو منحى هذا فقال سيدنا - - رضي الله عنه - مجيبا له عند ذلك هو - - صلى الله عليه وسلم - كفاني الحضور مع أصحابي عند الموت وعند سؤال الملكين في القبر " بغية المستفيد 279 ـ 280 والدرة الخريدة 1/102 اهـ
فانظر كيف ألقمه هذا الرجل حجرا وأفحمه في دعواه علم الغيب.
الوجه الثالث:
وإذا علمت ادعاءهم علم الغيب فإليك بيان حكم مدعيه:
(98/200)
قال الله تعالى - { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله - } [ النمل 65 ] و قال: - { وما كان الله ليطلعكم على الغيب - } [ آل عمران 179 ] وقال: - { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول - } [ الجن 26 ] وقال: - { قل إنما الغيب لله - } [ يونس 20 ] وقال - { ولله غيب السماوات والأرض - } [ النحل 77 ] وقال - { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب - } [ الأنعام 50 ]وقال: - { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء - } [ الأعراف 188 ] وقال: - { قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض - } [ الكهف 26 ] وقال: - { إن الله عالم غيب السماوات والأرض - } [ فاطر 38 ] وقال: - { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو - } [ الأنعام 59 ] وقال: - { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت - } [ لقمان 34 ] وقال - - صلى الله عليه وسلم - (( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله )) صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالي: عالم الغيب الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الحديث رقم 7379.
وفي حديث جبريل أنه قال: متى الساعة فقال له - - صلى الله عليه وسلم -:(( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشرا طها إذا ولدت الأمة ربتها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي - - صلى الله عليه وسلم - إن الله عنده علم الساعة.. الآية )) صحيح البخاري كتاب الإيمان باب سؤال جبريل... الحديث رقم 50
(98/201)
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول قل لا يعلم من في السماوات والأرض إلا الله " صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا...ح (7380) وصحيح مسلم مع شرح النووي 3/9 واللفظ له.
من أقوال العلماء في كفر مدعي علم الغيب:
1 - قال القرطبي: "فمن قال إنه ينزل الغيث غدا وجزم به فهو كافر أخبر عنه بأمارة أدعاها أم لا وكذلك من قال إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر - إلى أن قال - وأما من أدعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر أو أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة في أن تكون قبل أن تكون فلا ريب في كفره أيضا " تفسير القرطبي 7 /2-3 اهـ
2 - قال أبو حيان الأندلسي: " ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى التصوف أشياء من إدعاء علم المغيبات والإطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم معهم في الجنة مقطوع لهم ولأتباعهم بها يخبرون بذلك على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد هذا مع خلوهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمون الغيب.. " البحر المحيط 4 /145 و436 و5/ 93 اهـ
3- قال ابن حجر:"وفي الآية - يعني - { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا - } - رد على المنجمين وعلى كل من يدعي أنهه يطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك لأنه مكذب للقرءان وهم أبعد شيء من الارتضاء مع سلب صفة الرسلية عنهم " فتح الباري 3/3300 اهـ
(98/202)
4- قال الشوكاني:" وفي هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم ولقد ابتلي الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق - - صلى الله عليه وسلم - (( من أتى كاهنا أومنجما فقد كفر بما أنزل على محمد ))" فتح القدير 2/123 والحديث عند أحمد والحاكم وصححه الألباني في تخريج شرح الطحاوية (768) اهـ
5- قال شارح الطحاوية: " والواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والقالات ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات أو يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك – إلى أن قال – وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة أنواع:
- نوع منهم أهل تلبيس وكذب وخداع الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له.
- أويدعي الحال من أهل المحال من المشايخ النصابين والفقراء الكاذبين والطرقية الماكرين، فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل " شرح الطحاوية ص504 اهـ
6- وقال أب ولد أخطور الشنقيطي: " وهذه الآية الكريمة تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله وهو كذلك لأن الخلق لايعلمون إلا ما علمهم خالقهم جل وعلا " أضواء البيان 2/149 اهـ
(98/203)
7- قال محمد رشيد رضا: " وإذا كان الله تعالى لم يؤت الرسل ما لم يؤت غيرهم من أسباب التصرف في المخلوقات ومن علم الغيب وكان كل من التصرف بالقدرة الذاتية وعلم الغيب خاصا به عزوجل يستحيل أن يشاركه غيره فيه فمن أين جاءت دعوى التصرف في الكون وعلم الغيب لمن هم دون الرسل منزلة وكرامة عند الله تعالى من المشايخ المعروفين وغير المعروفين حتى صاروا يدعون من دون الله تعالى لما عز نيله من الأسباب والسنن الإلهية " تفسير المنار 7/425 اهـ
الوجه الرابع:
لقد ذكرت لك يا مفتاح أربعة نصوص في هذه المسألة الأول من جواهر المعاني والثاني في الرماح والثالث في الدرة الخريدة والرابع في بغية المستفيد، ورددت بزعمك على الأول فقط ولم تستطع تأويل وتحريف الثلاثة الأخرى.
ومن قدمته نفسه دون غيره
رأى غيره التأخير ذاك التقدما
تقدمت للتصدير جهلا مؤخرا
ذوي الرأي والتصدير أن تتقدما
الفراسة ليست حجة شرعية:
قال مفتاح التجاني:
"خامسها أنه لما انقطع الوحي التشريعي بانتقال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى أكرم الله أمته بأن أبقى لها ثلاثة أبواب مفتوحة للاطلاع على الغيب هي الفراسة والرؤيا والإلهام.
أما الفراسة فدليلها من القرآن قوله تعالى: - { إن في ذلك لآيات للمتوسمين - } قال السيوطي في الدر المنثور ج4 ص 103 ما لفظه:( أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: - { إن في ذلك لآيات للمتوسمين - } قال هم المتفرسون وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبن السني وأبو نعيم معا في الطب وأبن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنورالله ثم قرأ - { إن في ذلك لآيات للمتوسمين - } ... " ثم ذكر شواهد هذا الحديث عن ثوبان وأنس وأبي الدرداء وأبي أمامة انظر ص 40 - 41 اهـ
والرد عليه من وجوه ثمانية:
الوجه الأول:
(98/204)
الفراسة ليست وحيا ولا علما وإنما هي ظن وتخمين قال ابن الأثير وابن منظور في تعريف الفراسة: " ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس " النهاية في غريب الحديث 3/428 ولسان العرب 6/160 اهـ
الوجه الثاني:
أما الآية التي استدل بها فليست صريحة فيما قال وبيان ذلك:
- قال آبّ بن اخطور الشنقيطي " يبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن فيما أوقع من النكال بقوم لوط آيات للمتأملين في ذلك تحصل لهم بها الموعظة والإعتبار والخوف من معصية الله أن ينزل بهم مثل ذلك العذاب الذي أنزل بقوم لوط لما عصوه وكذبوا رسله ويبين هذا المعنى في مواضع أخرى كقوله في العنكبوت - { ولقد تركنا فيها آية بينة لقوم يعقلون - } وقوله في الذاريات - { وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم - } وقوله هنا - { إن في ذلك لآيات للمتوسمين - } وقوله في الشعراء بعد ذكر قصة قوم لوط - { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - } كما صرح بمثل ذلك في إهلاك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب في الشعراء، وقوله - { المتوسمين - } أصل التوسم تفعل من الوسم وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها يقال توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسمه فيه أي علامته التي تدل عليه ومنه قول عبد الله بن رواحة - - رضي الله عنه - في النبي - - صلى الله عليه وسلم -:
إني توسمت فيك الخير أعرفه
والله يعلم إني ثابت النظر
وقال آخر
توسمته لما رأيت مهابة
عليه وقلت المرء من آل هاشم
(98/205)
هذا أصل التوسم وللعلماء فيه أقوال متقاربة يرجع معناها كلها إلى شيء واحد فعن قتادة:" - { للمتوسمين - } أي المعتبرين " وعن مجاهد:" - { للمتوسمين - } أي المتفرسين " وعن ابن عباس والضحاك:" - { للمتوسمين - } أي للناظرين " وعن مالك عن بعض أهل المدينة:" - { للمتوسمين - } أي للمتأملين " ولا يخفى أن الإعتبار والنظر والتفرس والتأمل معناهما واحد وكذلك قول ابن زيد ومقاتل:" - { للمتوسمين - } أي للمتفكرين " وقول أبي عبيدة:" - { للمتوسمين - } أي للمتبصرين " فمآل جميع الأقوال راجع إلى شيء وهو أن ما وقع لقوم لوط فيه موعظة وعبرة لمن نظر في ذلك وتأمل فيه حق التأمل وإطلاق التوسم على التأمل والنظر والإعتبار مشهور في كلام العرب ومنه قول زهير:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
أي المتأمل في ذلك الحسن .
وقول طريف بن تميم العنبري:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
أي ينظر ويتأمل " أضواء البيان 3/118 ـ 119 اهـ
- قال ابن كثير:" أي إن آثار هذه النقم الظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته كما قال مجاهد في قوله - { للمتوسمين - } قال المتفرسين وعن ابن عباس والضحاك للناظرين وقال قتادة للمعتبرين وقال مالك عن بعض أهل المدينة - { للمتوسين - } للمتأملين " تفسير ابن كثير 2/ 1554
- قال الشوكاني: " - { إن في ذلك - } أي في المذكور من قصتهم وبيان ما أصابهم - { لآيات - } لعلامات يستدل بها - { للمتوسمين - } للمتفكرين الناظرين في الأمر ومنه قول زهير:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
وقال الآخر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
وقال أبو عبيدة:" للمتبصرين " وقال ثعلب:" الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك " والمعنى متقارب وأصل التوسم التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير " فتح القدير 3/138
(98/206)
- قال الرازي " واختلفت عبارات المفسرين في تفسير المتوسمين قيل المتفرسين وقيل الناظرين وقيل المتفكرين وقيل المعتبرين وقيل المتبصرين قال الزجاج حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وصفته وعلامته " التفسير الكبير 5/279 اهـ
- قال أبو السعود " - { إن في ذلك - } أي في ما ذكر من القصة - { لآيات - } لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق - { للمتوسمين - } أي المتفكرين المتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيئ بسمته " تفسير أبى السعود 6/285 بحاشية التفسير الكبير. اهـ
الوجه الثالث:
أما الحديث الذي تعلق به (( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله )) فلا يصح بحال من الأحوال وإليك البيان:
ورد هذا الحديث عن أبي سعيد و أبي أمامة وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وثوبان رضي الله عنهم.
- أما حديث أبي سعيد فيرويه عمرو بن قيس عن عطية عنه قال: قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - فذكره، أخرجه البخاري في التاريخ الكبير(4/1/354) والترمذي(4/132) والطبري في تفسيره (14/31) وأبو نعيم (10/281 -282) والسلمي في طبقات الصوفية ص156 والخطيب في تاريخه(7/242) والعقيلبي في الضعفاء (396) وأبو الشيخ في الأمثال (127) وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/337 /1-2) والمايليني في الأربعين الصوفية(3/1) من طرق عن عمرو بن قيس به وقال الترمذي " حديث غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه "
قلت: معلول بثلاث علل:
العلة الأولى: ضعف عطية وهو ابن سعد العوفي الكوفي قال أبو حاتم " يكتب حديثه ضعيف " وقال سالم المرادي " كان عطية يتشيع " وقال ابن معين " صالح " وقال أحمد " ضعيف الحديث " وكان هشيم يتكلم فيه وضعفه الثوري و النسائي وابن عدي والذهبي وقال ابن حبان" لا يكتب حديثه إلا على التعجب" انظر ترجمته في الكبير للبخاري 8/7 والميزان 3/79 وتهذيب التهذيب 5/591-592 والضعفاء للنسائي ص225
(98/207)
العلة الثانية: تدليس عطية وهو شر أنواع التدليس فإنه يدلس تدليس التسوية قال أحمد:" بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنى بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد " قال الذهبي " يعني يوهم أنه الخدري " الميزان 3/79
وذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من المدلسين وهم من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل وقال " ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح " تعريف أهل التقديس ص 130 اهـ
العلة الثالثة: الإرسال فالصواب إرساله لا وصله قال العقيلي بعد أن رواه من طريق سفيان بن عمرو بن قيس الملائي قال:" كان يقال فذكره، قال هذا أولى " الضعفاء للعقيلي ص396 وقال الخطيب:" وهو الصواب والأول وهم " تاريخ بغداد3/191 اهـ
- وأما حديث أبي أمامة فيرويه أبو صالح عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عنه به، أخرجه الطبراني وعنه أبو نعيم في الحلية(6/118) وابن عدي في الكامل(4/206) وابن نصر في الفوائد (2/229 /2) والخطيب في التاريخ (5/99) وابن عبد البر في الجامع (1/196) والضياء المقدسي في المنتقى من مسموعاته بمرو (32/2و127/2) من طرق.
(98/208)
وهذا الحديث ضعيف علته أبو صالح عبد الله بن صالح فإنه كثير الغلط فاحش الغفلة قال صالح جزرة:" كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث "وقال النسائي:" ليس بثقة " وقال ابن المديني:" لاأروي عنه شيئا " وقال ابن حبان:" كان في نفسه صدوقا إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له وسمعت ابن خزيمة يقول كان له جار كان بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به " وقال ابن عدي:" هو عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد " وقال أحمد بن حنبل:" كان أول أمره متماسكا ثم فسد بآخرة وليس هو بشيء يروي عن ليث عن ابن أبي ذئب ولم يسمع الليث من أبن أبي ذئب شيئا " انظر ترجمته في الكامل 4/206 والميزان2/337 وتهذيب التهذيب 5/256 -261 اهـ
وأما حديث أبي هريرة فيرويه أبو معاذ الصائغ عن الحسن عن أبي هريرة أخرجه أبو الشيخ ص 126 وابن بشران في مجلسين من الأمالي 210-211 وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 329 - 330) وقال:" لا يصح أبو معاذ هو سليمان بن أرقم متروك"
قلت: هو واه شديد الضعف آفته سليمان بن أرقم قال أحمد:" لا يساوي حديثه شيئا " وقال ابن معين:" ليس بشيء، ليس يساوي فلسا " وقال عمرو بن علي:"ليس بثقة روى أحاديث منكرة " وقال:" وقال: محمد بن عبد الله الأنصاري كانوا ينهوننا عنه ونحن شبان " وذكر عنه أمرا عظيما وقال البخاري:" تركوه وقال أبو داوود:" متروك الحديث وقال أبو حاتم والترمذي وابن خراش وغير واحد:" متروك الحديث " وقال أبو زرعة:" ضعيف الحديث ذاهب الحديث " وقال الجوزقاني:" ساقط " وقال ابن عدي:" عامة ما يرويه لا يتابع عليه " وقال أبو أحمد الحاكم والنسائي:" متروك الحديث" وقال مسلم في الكنى:" منكر الحديث " انظر ترجمته في الكبير للبخاري 2/ 2 والميزان 2/154 وتهذيب التهذيبب 4/ 168 ـ 169 اهـ
(98/209)
وأما حديث ابن عمر فيرويه فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عنه أخرجه ابن جرير في التفسير(24 - 32) وأبو نعيم في الحلية (4/ 94) وقال:" غريب من حديث ميمون لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
قلت: هذا الحديث شديد الضعف علته الفرات ابن السائب قال البخاري:" تركوه منكر الحديث " وقال ابن معين:" ليس بشيء " وقال الدارقطني وغيره:" متروك " وقال أحمد:" قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك " قال النسائي وابن الجوزي:" متروك الحديث " انظر ترجمته في الكبير 7/ 130 والميزان 3/ 330 وضعفاء النسائي 226 والضعفاء الصغير للبخاري 98
وأما حديث ثوبان فيرويه سليمان بن سلمة ثنا مؤمل بن سعيد بن يوسف حدثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي قال حدثني وهب بن منبه عن طاووس عنه أخرجه ابن جرير (24/32) وأبو الشيخ في الأمثال 128 وطبقات الأصبهانيين (223-224) وأبو نعيم في الأربعين الصوفية (ق 62/ 1) والحلية (4/81).
قلت:" هذا الحديث منكر فيه ثلاث علل ".
أسد بن وداعة شامي من صغار التابعين ناصبي يسب قال ابن معين:" كان هو وأزهر الحراني وجماعة يسبون عليا وقال النسائي ثقة " الميزان 1/ 229
مؤمل بن سعيد قال فيه ابن أبي حاتم (4/1 /375) عن أبيه:" هو منكر الحديث وسليمان بن سلمة منكر الحديث ".
سليمان بن سلمة هو الخبائري تقدم قريبا قال ابن أبي حاتم:" هو منكر الحديث " وقال أيضا:" متروك لا يشتغل به " وقال ابن الجنيد:" كان يكذب ولا يحدث عنه " وقال النسائي:"ليس بشيء " وقال ابن عدي:" له غير حديث منكر " وقال الخطيب:" الخبائري مشهور بالضعف "، ذكر له الذهبي حديثا موضوعا انظر الكامل لابن عدي 3/ 293 و الميزان 2/ 164 ـ 165 ويكفي حديث ثوبان ضعفا أن السيوطي ضعفه وأقره المناوي في فيض القدير (1/186) ويتحصل مما تقدم أن قول من قال أنه حديث حسن ليس بحسن فإنه إن لم يكن حكم ابن الجوزي عليه بالوضع صحيح فهو واه شديد الضعف.
(98/210)
وأما حديث أنس بن مالك بلفظ (( إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم )) أخرجه الطبراني في الأوسط (3086) والقضاعي (2/84) فليس شاهدا له لأنه يختلف عنه في اللفظ والمعنى ولأنه منكر مداره على أبي بشر المزلق عن ثابت عن أنس به وأبو بشر المزلق اسمه بكر بن الحكم التميمي جار حماد بن زيد قال أبو زرعة:" ليس بالقوي " قال الذهبي:" روى خبرا منكرا قاله أبو حاتم عن ثابت عن أنس عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - قال (( إن لله رجالا يعرفون الناس بالتوسم )) الميزان 1/ 353 " وقال ابن حجر:"صدوق فيه لين " التقريب 65 اهـ
وهكذا حكم عليه أبو حاتم الرازي والذهبي بأنه منكر والمنكر لا يعتبر به.
الوجه الرابع:
وأما القصص التي ذكرت في شأن الفراسة فلم تذكر لها أسانيد حتى ننظر في صحتها على أنه لا حجة في كلام البشر دون رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الخامس:
كثير من القصص التي ذكرت تتعلق بالتأمل في سنن الله الجارية في الكون والتي من خلالها يمكن الجزم ببعض الأمور المستقبلية كالجزم الآن بسقوط الحضارة الأمريكية.
الوجه السادس:
الفراسة ثلاثة أنواع:
أ - فراسة إيمانية وهي خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده يثب على القلب كوثوب الأسد على الفريسة مدارج السالكين3/ 360 .
قلت: فالفراسة خواطر وأفكار ظنية تخمينية وليست أدلة مقطوعا بها ولذلك لا تثبت بها الأحكام الشرعية بإجماع المسلمين.
ب - فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي فإن النفس إذا تجردت من العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية وكثير من الجهال يغتر بها وللرهبان فيها وقائع معلومة المرجع السابق 3/364 .
ج - الفراسة الخلقية وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخلق على الخُلق لما بينهما من الأرتباط الذي اقتضته حكمة الله المرجع السابق 3/ 365 .
الوجه السابع:
(98/211)
أما إقسام بعض الناس على أمور لم تقع فليس له علاقة بالفراسة وإنما هي من باب (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره )) البخاري ح 2703 ومسلم ح 4374 .
الوجه الثامن:
لم يثبت أحد من السلف الصالح حكما شرعيا واحدا بالفراسة عكس ما تلهجون به معاشر الصوفية.
قال الشاطبي:" وعلى هذا لو حصلت له مكاشفة بأن هذا المعين مغصوب أو نجس أو أن هذا الشاهد كاذب أو أن المال لزيد وقد تحصل بالحجة لعمرو أو ما أشبه ذلك فلا يصح له العمل على وفق ذلك ما لم يتعين سبب ظاهر فلا يجوز له الإنتقال إلى التيمم ولا ترك قبول الشاهد ولا الشهادة بالمال لزيد على حال فإن الظواهر قد تعين فيها بحكم الشريعة أمر آخر فلا يتركها اعتمادا على مجرد المكاشفة أو الفراسة " الموافقات 2/ 184 اهـ
الإحتجاج بالرؤى والمنامات
قال مفتاح التجاني:
" أما الرؤيا فقد ثبتت بنص القرآن ومتواتر السنة وثبت العمل بمقتضاها فيهما أما القرآن فدليلها منه قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: - { يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين - } وقوله على لسان يعقوب عليه السلام: - { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين - } ... إلخ " ص 44 اهـ
والرد عليه من واحد وعشرين وجها:
الوجه الأول:
هذه الآيات التي ذكرتها حول رؤيا الأنبياء وقياس غيرهم عليهم باطل لأنه قياس مع وجود الفارق لأن رؤيا الأنبياء وحي قال ابن القيم: " ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها " مدارج السالكين 1/123 .
الوجه الثاني:
(98/212)
أنه لجهله إنما ذكر الآيات التي فيها رؤيا غير نبينا محمد - - صلى الله عليه وسلم - وجهل الآيات التي فيها رؤياه - - صلى الله عليه وسلم - مثل - { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس - } [ الإسراء 60 ] وفي الآية الأخرى - { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله - } [ الفتح 27 ]ونحو ذلك.
الوجه الثالث:
كل الآيات التي ذكر هي في الأنبياء السابقين والخلاف في شرع من قبلنا معروف لأن الله تعالى يقول: - { ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا - } [ المائدة 48 ] أما الأحاديث فلم يذكر منها إلا اثنان:
حديث (( الرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة )) وحديث (( لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات قال: الرؤيا الصالحة )) وهذا يدل على قصر باعه في علم الحديث.
الوجه الرابع:
الرؤيا الصالحة جزء من النبوة في حق الأنبياء فقط. قال أبو زرعة العراقي: " لا يتخيل من هذا الحديث أن رؤيا الصالح جزء من أجزاء النبوة فإن الرؤيا إنما هي من أجزاء النبوة في حق الأنبياء عليهم السلام وليست في حق غيرهم من أجزاء النبوة ولا يمكن أن يحصل لغير الأنبياء جزء من النبوة " طرح التثريب 8/214 اهـ
الوجه الخامس:
إنما المعنى أن الرؤيا الواقعة للصالح تشبه الرؤيا الواقعة للأنبياء التي هي في حقهم جزء من أجزاء النبوة فأطلق أنها من أجزاء النبوة على طريق التشبيه المرجع السابق. .
الوجه السادس:
قال الخطابي:"وإنما كانت من أجزاء النبوة في حق الأنبياء صلوات الله عليهم دون غيرهم لأن الأنبياء صلوات الله عليهم يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة ثم قال وقال بعض أهل العلم معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة " معالم السنن للخطابي 4/129 اهـ
(98/213)
ورجح ابن حزم هذا القول قال " وهذا هو الأظهر والله أعلم ويكون خارجا على مقتضى ألفاظ الحديث بلا تأويل يتكلف " ورجحه أيضا ابن العربي " الفصل لابن حزم 3/ 190 وعارضة الأحوذي 9/125 اهـ
الوجه السابع:
الإجماع منعقد على أن الرؤيا لا تثبت الأحكام. قال العراقي:" قد يفهم من كون الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ولم يذكر أنها جزء من الرسالة أنه لا يعتمد عليها في إثبات حكم وإن أفادت الاطلاع على غيب فشأن النبوة الاطلاع على الغيب وشأن الرسالة تبليغ الأحكام للمكلفين ويترتب على ذلك أنه لو أخبر صادق عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - في النوم بحكم شرعي مخالف لما تقرر في الشريعة لم نعتمده وذكر بعضهم أن سبب ذلك نقص الرائى لعدم ضبطه وقد حكي عن القاضي حسين أن شخصا قال له ليلة شك رأيت النبي - - صلى الله عليه وسلم - وقال لي صم غدا أو نحو ذلك فقال له القاضي: قد قال لنا في اليقظة لا تصوموا غدا فنحن نعتمد ذلك أو ما هذا معناه " اهـ.
وحكى القاضي عياض الإجماع على عدم اعتماد المنام في ذلك. طرح التثريب 8/215
الوجه الثامن:
والرؤيا لا تكون لبيان الأحكام الشرعية بل للبشارة في الغالب قال - - صلى الله عليه وسلم -: (( لم يبق من النبوة إلا المبشرات )) قالوا: وما المبشرات: (( الرؤيا الصالحة )) الموطأ 2/957 والبخاري في التعبير باب المبشرات ح (6990 ) بنحوه
الوجه التاسع:
الرؤيا منها ما هو رحماني ومنها ما هو نفساني ومنها ما هو شيطاني قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - (( الرؤيا ثلاث:حدث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله )) البخاري في التعبير باب القيد في المنام (7017) بنحوه ومسلم برقم( 2263) متفق عليه واللفظ للبخاري وعليه فلا اعتبار إلا لنوع واحد منها.
الوجه العاشر:
(98/214)
قال عبد العزيز بن ناصر الجليل: " ينبغي الحذر من تلاعب الشيطان بالناس في رؤيا المنامات فكم ضل أفراد بل أقوام بسبب الرؤيا في النوم فعطلت أحكام واتخذت مواقف بنيت عليه أعمال ما أنزل الله بها من سلطان بل واعتدي بسببها على معصومين كل ذلك بسبب رؤيا في النوم من ورائها الشيطان في غالب الأحيان وقد يبرم الشيطان كيده وألاعيبه مع ذريته في نشر رؤيا واحدة بين فئام من الناس حتى تتواطأ رؤياهم فلا يشكون بصدقها فيعملون بها ويبنون عليها مواقف وهذا حاصل مشاهد " هامش مدارج السالكين 1/124 اهـ
الوجه الحادي عشر:
قال الشاطبي: " وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون رأينا فلانا الرجل الصالح فقال لنا اتركوا كذا واعملوا كذا ويتفق مثل هذا كثيرا للمتمرسين برسم التصوف وربما قال بعضهم رأيت النبي - - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا فيعمل بها ويترك بها معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا " الإعتصام للشاطبي 1/189 اهـ
الوجه الثاني عشر:
(98/215)
وقد كمل الدين بنزول - { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا - } [ المائدة 3 ] فلا يحتاج إلى رؤيا ولا غيرها ولا تقبل أيضا إن غيرت ما كان مستقرا في الشرع لو قال الشخص أنه رأى النبي - - صلى الله عليه وسلم - قال الشاطبي: " وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - الرائي بالحكم فلا بد من النظر فيها أيضا لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر وإن أخبر مخالف فمحال لأنه - - صلى الله عليه وسلم - لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائى النومية لأن ذلك باطل بالإجماع فمن رأى شيئا من ذلك فلا عمل عليه وعند ذلك نقول إن رؤياه غير صحيحة إذ لو رآه حقا لم يخبره بما يخالف الشرع " الاعتصام 1/191 اهـ
الوجه الثالث عشر:
قال محمد أفندي الرومي في كتابه الطريقة المحمدية حاكيا عن الصوفية: " وأنا إذا صدر منا مكروه أو حرام نبهنا بالنوم بالرؤيا فنعرف بها الحلال والحرام وإنما فعلنا مما قلتم أنه حرام لم ننه عنه في المنام فعلمنا أنه حلال قال: ونحو هذا من الترهات كله إلحاد وضلال إذ فيه ازدراء للشريعة الحنيفية والكتاب والسنة النبوية وعدم الاعتماد عليهما وتجويز الخطأ والبطلان فيهما العياذ بالله فالواجب على كل من سمع مثل هذه الأقاويل الباطلة الانكار على قائله والجزم ببطلان مقاله بلا شك ولا تردد ولا توقف ولا تلبث وإلا فهو من جملتهم فيحكم بالزندقة عليهم " الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية 162 ـ 164 اهـ
الوجه الرابع عشر:
وقال عبد الغني النابلسي في شرحه لهذا الموضع: " وهذا القول من غلبة الجهل عليهم وفساد عقولهم لأنهم في أحكام شريعتهم يتكلون على ما يرونه في مناماتهم من الخيالات الشيطانية والوساوس النفسانية لعدم اعتنائهم بالحلال والحرام ورفضهم بالكلية لشرائع الإسلام " الحديقة الندية ص 162 اهـ
(98/216)
الوجه الخامس عشر:
وأعلم أن رؤيا أهل الكفر والفسوق والعصيان لا تنسب إلى النبوة لقوله في الحديث (( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح )) قال القاضي أبو بكر بن العربي: " رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة ومعنى صلاحها استقامتها وانتظامها قال وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة " عارضة الأحوذي 9/127 اهـ
قلت: وأي كفر وفسوق بعد القول بوحدة الوجود ومحبة الله للكفار وإنكار الوعيد وتفضيل كلام البشر على كلام خالق البشر.... إلخ
الوجه السادس عشر:
قال سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم: " وكذا من رأى النبي - - صلى الله عليه وسلم - في النوم يأمره وينهاه لا يجوز اعتماده وإن كان من رآه في النوم فقد رآه حقا وإن كان على غير صفته المعروفة في الدنيا عند الجمهور لعدم ضبط الرائى" نشر البنود 2/170 اهـ
الوجه السابع عشر:
قال آب بن أخطور الشنقيطي في معرض كلامه على الإلهام: " والحق فيه ما ذكره المؤلف من أنه ينبذ بالعراء أي يلغى ويطرح بالفضاء إذ لا يثبت الشرع إلا بدليل ومثل الإلهام ما لو رأى النبي - - صلى الله عليه وسلم - يامره أو ينهاه في النوم لأن النائم لا يضبط " نثر الورود 2/576 اهـ
الوجه الثامن عشر:
(98/217)
الاحتجاج بالرؤيا بعد وفاة النبي - - صلى الله عليه وسلم - طعن في كمال الدين واستدراك على رب العالمين قال الشوكاني: " ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا - - صلى الله عليه وسلم - قد كمله الله عز وجل وقال: - { اليوم أكملت لكم دينكم - } ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته - - صلى الله عليه وسلم - إذا قال فيها بقول أو فعل فيها فعلا يكون دليلا وحجة بل قبضه الله إليه عند أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة فى أمر دينها وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت وإن كان رسولا حيا وميتا وبهذا تعلم أن لو قدرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله - - صلى الله عليه وسلم - أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة " إرشاد الفحول ص 416 اهـ
الوجه التاسع عشر:
أن الرؤيا تحتاج إلى تعبير غالبا ولا يمكن أن يجزم بالتأويل الصحيح على سبيل القطع إلا بالنسبة للأنبياء قال العلامة رشيد رضا: " والرؤى صور حسية في الخيال تذهب الآراء والأفكار في تعبيرها مذاهب شتى قلما يعرف تأويل الصادق منها غير الأنبياء كرؤيا ملك مصر التي عبرها يوسف عليه السلام ورؤياه هو في صغره " تفسير المنار 11/150 اهـ
الوجه العشرون:
قال الشاطبي: " ومن أمثلة ذلك مسألة سئل عنها ابن رشد في حاكم شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة في أمر فرأى الحاكم في منامه أن النبي - - صلى الله عليه وسلم - قال له لا تحكم بهذه الشهادة فإنها باطل فمثل هذا من الرؤيا لا معتبر بها في أمر ولا نهي ولا بشارة ولا نذارة لأنها تخرم قاعدة من قواعد الشريعة وكذلك سائر ما يأتى من هذا النوع " الموافقات 2/183-184 اهـ
الإلهام ليس حجة شرعية
قال مفتاح التجاني:
(98/218)
" وأما الإلهام فدليله من القرآن قوله تعالى: - { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه - } قال القرطبي ج 13 ص 259 كان إلهاما قال وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية وقال ابن كثير ج 2 ص 78 الذى عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال - { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى - } وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله على ذلك الإجماع...." إلخ ص 45
والرد عليه من ثمانية عشر وجها:
الوجه الأول:
كل ما قلته من كلام في هذا الموضوع فهو حول إثبات الإلهام وهذا لا نزاع فيه أصلا وإنما النزاع في الاحتجاج به لكنك عند ما لم تجد دليلا على حجيته لجأت كعادتك على ما لا علاقة له بالموضوع.
الوجه الثاني:
عامة أهل العلم على أن الإلهام ليس بحجة في دين الله قال العلامة تاج الدين السبكي " الإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر يخص به الله تعالى بعض أوليائه وليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره خلافا لبعض الصوفية " جمع الجوامع في أصول الفقه ص 111 ؛ قلت وقد نقله القسطلاني محتجا به ومقررا له. المواهب اللدنية( 2/300 )
الوجه الثالث:
قال سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم في المراقي:
وينبذ الإلهام بالعراء أعني به إلهام الأولياء
وقال في الشرح: والإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة يخص به الله تعالى بعض أصفيائه وليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها وهذا هو معنى قولنا " وينبذ الإلهام " البيت نشر البنود ( 2/170 )
الوجه الرابع:
(98/219)
قال الشيخ آبّ بن اخطور الشنقيطي في شرح هذا البيت: " يعني أن الإلهام ليس بحجة لعدم الثقة بإلهام من ليس معصوما فلا تؤمن دسيسة الشيطان فيه والنبذ الطرح والإلغاء والعراء الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر والإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال يخص الله به من شاء والحق فيه ما ذكره المؤلف من أنه ينبذ بالعراء أي يلغي ويطرح بالفضاء إذ لا يثبت الشرع إلا بدليل " نثر الورود شرح مراقي السعود ( 2/576 )
قال عند قول المصنف:
" لا يحكم الولي بلا بدليل من النصوص ومن التأويل
هذا البيت بين فيه المؤلف نبذ إلهام الأولياء بالعراء فبين أن معناه أنهم لا يحكمون أي لا يثبتون حكما من أحكام الله تعالى إلا بدليل من الأدلة الشرعية من نص صريح أو مؤول غير ذلك لانعقاد الإجماع على ان الأحكام الشرعية لا تعرف إلا بأدلتها وقد كان - - صلى الله عليه وسلم - ينتظر الوحي فيما لم يرد عليه فيه نص " المرجع السابق ( 2/577 )
الوجه الخامس:
وقد كان الأكثرون من الصوفية لا يحتجون بالإلهام حتى قال الشاذلي: " ضمنت لنا العصمة في الشريعة ولم تضمن لنا في الخواطر " نشر البنود (2/170 )
الوجه السادس:
قال صاحب الطريقة المحمدية: " وقد صرح العلماء بأن الإلهام ليس من أسباب المعرفة بالأحكام " الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية ص 164
الوجه السابع:
قال في شرح مرقاة الوصول: " إن إلهام النبي - - صلى الله عليه وسلم - وحي بأن يريه الله تعالى بنوره كما قال تعالى - { لتحكم بين الناس بما أراك الله - } وهو حجة منه لأمته يجب عليهم اتباعه بخلاف إلهام الأولياء فإنه لا يكون حجة على غيره. المرجع السابق ص 164
الوجه الثامن:
في شرح العقائد للتفتزانى: " والإلهام المفسر بإلقاء معنى في القلب بطريق الفيض ليس من أسباب المعرفة بصحة الشيء عند أهل الحق " الحديقة الندية ص 164
الوجه التاسع:
(98/220)
قال صاحب الحديقة الندية وهو من أكابر الصوفية: " فأعلم أن الإلهام ليس حجة عند علماء الظاهر والباطن بحيث تثبت به الأحكام الشرعية فيستغنون بذلك عن النقل من الكتاب والسنة، بل هو طريق صحيح لفهم معاني الكتاب والسنة عند المحققين من علماء الباطن بعد تصحيح العمل على مقتضى ما فهم بالاجتهاد من معاني الكتاب والسنة وإلا كان وسوسة شيطانية لا يجوز العمل به" المرجع السابق ص 165
الوجه العاشر:
ثم ما يلقى في قلب الملهم ليس محققا من كونه من عند الله تعالى قال ابن القيم: " فمن أين للمخاطب أن هذا خطاب رحماني أو ملكي ؟ بأي برهان أو بأي دليل ؟ والشيطان يقذف في النفس وحيه ويلقي في السمع خطابه فيقول المغرور المخدوع " قيل لي وخوطبت " صدقت لكن الشأن في القائل لك والمخاطب وقد قال عمر ابن الخطاب - - رضي الله عنه - لغيلان بن سلمة وهو من الصحابة لما طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه " إني لأظن الشيطان - فيما يسترق من السمع - سمع بموتك فقذفه في نفسك " فمن يأمن القراء بعدك يا شهر " مدارج السالكين ( 1/114 )
الوجه الحادي عشر:
قال الشوكاني: " ثم على تقدير الاستدلال لثبوت الإلهام بمثل ما تقدم من الأدلة من أين لنا أن دعوى هذا الفرد لحصول الإلهام له صحيحة وما الدليل على أن قلبه من القلوب التي ليست بموسوسة ولا بمتساهلة " إرشاد الفحول ص 415
الوجه الثاني عشر:
إذا عرفت أن الإلهام ليس حجة شرعية فلا بد إذن لصاحبه من رده إلى كتاب الله وسنة النبي - - صلى الله عليه وسلم - قال ابن حجر العسقلاني: " إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لا بد له من عرضه على القرآن فإن وافقه أو وافق السنة عمل به وإلا تركه ". فتح الباري ( 3/1670 )
الوجه الثالث عشر:
(98/221)
أن كثيرا مما يسميه الصوفية إلهام إلهي إنما هو خطاب حالي نفسي قال شمس الدين ابن القيم في كلامه على الإلهام: " النوع الثالث خطاب حالي تكون بدايته من النفس وعوده إليها فيتوهمه من خارج وإنما هو من نفسه منها بدأ وإليها يعود وهذا كثيرا ما يعرض للسالك فيغلط فيه ويعتقد أنه خطاب من الله كلمه به منه إليه " مدارج السالكين ( 1/115 )
الوجه الرابع عشر:
لقد أثبت الطب النفسي المعاصر أن كثيرا مما تدعيه النصرانية والصوفية من الإلهامات أنه أمراض نفسية قال عبد العزيز بن ناصر الجليل: " وقد تكون أيضا نتاج مرض نفسي ألم بهذه النفوس فتخيلت ما لم يكن موجودا وهذا ما أثبته الطب النفسي المعاصر وأنه عرض من أعراض ما يسمى بانفصام الشخصية " المرجع السابق هامش ( 1/116 )
الوجه الخامس عشر:
واعلم أن الصوفية إنما يتشبثون بالإلهام لأنهم يجعلونه وسيلة إلى قولهم بوحدة الوجود قال ابن القيم: وحاصل هذا الإلهام أنه إلهام ترتفع معه الوسائط وتضمحل وتعدم لكن في الشهود لا في الوجود وأما الإتحادية القائلون بوحدة الوجود فإنهم يجعلون ذلك اضمحلالا وعدما في الوجود " المرجع السابق ( 1/119 )
الوجه السادس عشر:
قال آب بن أخطور الشنقيطي: " وما يستدل به بعض الجهلة ممن يدعي التصوف على اعتبار الإلهام من ظواهر بعض النصوص كحديث (( استفت قلبك وإن أفتاك وأفتوك )) لا دليل فيه البتة على اعتبار الإلهام " أضواء البيان 4/124
الوجه السابع عشر:
قال الشاطبي: " فالاعتبارات الغيبية مهملة بحسب الأوامر والنواهي الشرعية ومن هنا لم يعبأ الناس من الأولياء وغيرهم بكل كشف أو خطاب خالف المشروع بل عدوا أنه من الشيطان " الموافقات 2/188 اهـ
الوجه الثامن عشر:
(98/222)
لو قلنا بحجية الإلهام لكان حاكما على الشرع والشريعة حاكمة لا محكومة قال الشاطبي:" الثاني أن الشريعة حاكمة لا محكوم عليها فلو كان ما يقع من الخوارق والأمور الغيبية حاكما عليها بتخصيص عموم أو تقييد إطلاق أو تأويل ظاهر أو ما أشبه ذلك لكان غيرها حاكما عليها وصارت هي محكوما عليها بغيرها وذلك باطل باتفاق فكذلك ما يلزم منه " المرجع السابق 2/190 ـ 191
خرافة العلم اللدني حيلة لإلغاء الشرع
قال مفتاح التجاني:
" وأما قول هذا المعترض: هل يمكن أن تستغني عن الرسل وتأخذ العلم عن الله مباشرة مع أن الله يقول: - { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا - } الآية واعتراضه على ما نقله علي حرازم في جواهر المعاني ج 1 ص 12 عن الشيخ محيى الدين بن عربي أنه كتب إلى الشيخ فخر الدين الرازي صاحب التفسير رسالة يقول فيها " اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك أن الرجل لا يكمل في مقام العلم حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ، فإن من كان علمه مستفادا من نقل أو شيخ فما برح من الأخذ عن المحدثات إلى أن قال له فيها: وكان الشيخ الكامل أبو يزيد البسطامي - - رضي الله عنه - يقول لعلماء عصره " أخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت " واعتراضه أيضا على قول الشيخ التجاني في جواهر المعاني ج 1 ص 153 قيل إن أبا يزيد باسطه الحق في بعض مباسطاته فقال له يا عبد السوء لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة فقال له: وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحد فقال لا تفعل فسكت " اهـ ص 48.
(98/223)
إلى أن قال مفتاح التجاني: " ثالثها أن المحققين من فهماء العلماء وصلت عقولهم إلى أن العلم ينقسم إلى أربعة أقسام: علم الرواية وقد فاز به الحفاظ وعلم الدراية وقد فاز به الفقهاء وعلم النظر والقياس والاستنباط وقد فاز به المجتهدون وعلم المكافحة وهو العلم اللدني الذي يفيضه الله على قلوب أوليائه المقربين من غير واسطة مشهودة " اهـ ص 50
والرد عليه من اثنا عشر وجها:
الوجه الأول:
كل شيء في جواهر المعاني فهو كلام التجاني وهو ملزم به لأن على حرازم لما كتب أجازه التجانى بل تدعون معشر التجانيين أن رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - أجازه واعتمده ونسبه إلى نفسه وهذا الكلام نقله في جواهر المعاني مقررا له ومستدلا به. قال في بغية المستفيد: " وبعد أن فرغ منه - يعني جواهر المعاني- أحضره بين يديه يعني التجاني - وأجازه في سائر ما فيه وكتب له بخط يده المباركة أوله وآخره بذلك في مسجد الديوان " بغية المستفيد ص 183 اهـ
وقال في بغية المستفيد أيضا: " ومما بلغنا في فضل هذا الكتاب عن سيدنا - - رضي الله عنه - أن سيد الوجود - - صلى الله عليه وسلم - نسبه إليه فقال فيه كتابي هذا وأنا ألفته " المرجع السابق اهـ
وفي كشف الحجاب " ولم يؤلفه - - رضي الله عنه - إلا بعد إذنه - - صلى الله عليه وسلم - له فيه " كشف الحجاب ص 71 اهـ
الوجه الثاني:
(98/224)
لقد حذفت من وسط كلام صاحب جواهر المعاني ما فيه الحجة الدامغة عليك حيث حذفت بعد قوله: " فما برح الأخذ عن المحدثات... ما نصه: " وذلك معلوم عند أهل الله عز وجل ومن قطع عمره في معرفة المحدثات وتفصيلها فإنه حظه من ربه عز وجل لأن العلوم المتعلقة بالمحدثات يفنى الرجل فيها ولا يبلغ إلى حقيقتها ولو أنك يا أخى سلكت على يد شيخ من أهل الله عز وجل لأوصلك حضرة شهود الحق تعالى فتأخذ منه العلم بالأمور عن طريق الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر كما أخذه الخضر عليه السلام فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين وكان الشيخ الكامل أبو يزيد البسطامي..." جواهر المعاني 1/14 ـ 15 إلخ ما تقدم .
فانظر إلى الكذب والخيانة والخديعة التي وقعت فيها وإن تعجب فعجب قول شيخه الذي حذفه " فلا علم إلا ما كان عن كشف... إلى آخره. فهل يقول هذا مؤمن بالرسل والكتب ؟!!
العلم للرجل اللبيب زيادة
ونقيصة للأحمق الطياش
مثل النهار يزيد أبصار الورى
نورا ويعمى أعين الخفاش
الوجه الثالث:
وإليك أخي القارئ الكريم أمثلة على ادعائهم للوحي من نصوص كلام التجاني:
أ - قال التجاني: " الأمر العام الذي كان يأتيه عاما للأمة طوي بساط ذلك بموته - - صلى الله عليه وسلم - وبقي الأمر الخاص الذي كان يلقيه للخاص فإن ذلك في حياته وبعد مماته دائما لا ينقطع " جواهر المعاني 1/103 اهـ
فانظر كيف جعل الشرع للعوام وجعل لهم شرعا خاصا بهم.
ب - قال التجاني: " وأما أصحاب باطن الألوهية وهم الصديقون فوحيه إليهم أن كشف لهم أحوال الغيب جهارا وأسمعهم سبحانه وتعالى لذة مساررته لهم لتبدي حقائق تلك الأسرار لكن وإن بلغوا ما بلغوا من وحي الله إليهم تقصر رتبتهم عن مرتبة الأقطاب كما أن الأقطاب وإن بلغوا ما بلغوا من وحي الله إليهم تقتصر مرتبتهم عن مرتبة النبيين عليه الصلاة والسلام " المصدر السابق 1/203- 204 اهـ
(98/225)
ج - وقال التجاني: " ومن الوحي أيضا ما يكون بالنظر في مراتب الأسماء والصفات وما تستحقه من الخواص فيأخذ منها فيضا إلهيا ووحيا ربانيا يعلم به حكم الغيب وصريح الأمر الإلهي ومن الوحي ما يكون بطريق الورود يرد عليه الوارد في حضرته من عند الله تعالى في منزلة الرسول من عنده فيلقى إليه ما يلقى من التعريفات والأسرار والعلوم وكشف الغيوب وتحقيق الأمر " المصدر السابق 1/204 اهـ فانظر كيف جعلوا أنفسهم في الوحي في منزلة الرسول أليس هذا هو ادعاء النبوة بصريح العبارة يا عباد الله ؟
د - وقال التجاني: " اعلم أن عند الصديق بل عند كل صديق من العلم القطعي من عند الله بطريق الوحي التحقيقي بما أفاض عليه من العلوم وعرفه من حقائقها " المصدر السابق 1/ 215 اهـ
بهذه النصوص الصريحة يتبين لكل أحد ما هم عليه من ادعاء النبوة حيث يدعون الوحي إليهم وحصولهم على العلم من غير طريق رسول - - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الرابع:
(98/226)
قال القرطبي قال شيخنا أبو العباس: " ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق لا تلزم منه الأحكام الشرعية فقالوا هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها الأنبياء والعامة وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم وقالوا وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسي من تلك الفهوم وقد جاء فيما ينقلون " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " قال شيخنا - - رضي الله عنه -: وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما علم من الشرائع فإن الله تعالى قد أجرى سنته وانفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه وهم المبلغون عنه رسالتهم وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك كما قال تعالى: - { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير - } وقال تعالى: - { الله أعلم حيث يجعل رسالته - } وقال تعالى: - { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيئين مبشرين ومنذرين - } إلى غير ذلك من الآيات وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي واليقين الضروري وإجماع السلف والخلف على أن لا طريق إلى معرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل فمن قال إن هنالك طريق أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل حتى يستغني عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا - - صلى الله عليه وسلم - الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله
(98/227)
تعالى وأنه يعمل بمقتضاه وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله - - صلى الله عليه وسلم -:" إن روح القدس نفث في روعي.... " اهـ تفسير القرطبي 11/40 ـ41 وعنه الشنقيطي في أضواء البيان 4/ 123 ـ 124
الوجه الخامس:
قال البقاعي: " ومن يعتقد أن لأحد من الخلق طريقا إلى الله من غير متابعة محمد - - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر من أولياء الشيطان بالاجماع فإن رسالته - - صلى الله عليه وسلم - عامة ودعوته شاملة " مصرع التصوف ص 24
الوجه السادس:
قال ابن حجر العسقلاني: " ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء أما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم... إلى أن قال نقلا عن أبي العباس القرطبي: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أنا لا آخذ عن الموتى وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت وكذا قال آخر أنا آخذ عن قلبي عن ربي وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع ونسأل الله الهداية والتوفيق ". فتح الباري 1/351
الوجه السابع:
(98/228)
قال القسطلاني: " وأما قصة موسى مع الخضر فالتعلق بها في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني إلحاد وكفر يخرج عن الإسلام، موجب لإراقة الدم والفرق أن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثا إلى الخضر ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته ولو كان مأمورا بها لوجب عليه أن يهاجر إلى موسى ويكون معه ولهذا قال له: أنت موسى بني إسرائيل قال نعم، ومحمد - - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى جميع الثقلين فرسالته عامة للجن والإنس في كل زمان ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه. فمن ادعى أنه مع محمد كالخضر مع موسى أو جوز ذلك لأحد من الأمة فليجدد إسلامه وليشهد بشهادة الحق فإنه مفارق لدين الإسلام بالكلية فضلا عن أن يكون من خاصة أولياء الله تعالى وإنما هو من أولياء الشيطان وحلفائه ونوابه " المواهب اللدنية 2/492- 493
الوجه الثامن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن ادعى أن من الأولياء الذين بلغتهم رسالة محمد - - صلى الله عليه وسلم - من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد - - صلى الله عليه وسلم - فهذا كافر ملحد وإذا قال أنا محتاج إلى محمد - - صلى الله عليه وسلم - في علم الظاهر دون علم الباطن أو علم الشريعة دون علم الحقيقة فهو شر من اليهود والنصارى " مجموع الفتاوى 11/225 اهـ
قال أيضا: " ومن اعتقد أن في أولياء الله من لا يجب عليه اتباع المرسلين وطاعتهم فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مثل من يعتقد أن في أمة محمد - - صلى الله عليه وسلم - من يستغني عن متابعته كما استغنى الخضر عن متابعة موسى فإن موسى لم تكن دعوته عامة بخلاف محمد - - صلى الله عليه وسلم - فإنه مبعوث إلى كل أحد فيجب على كل أحد متابعة أمره " مجموع الفتاوى 4 /318 اهـ
الوجه التاسع:
(98/229)
قال القاضي عياض المالكي: "... أو من ادعى النبوة لنفسه أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور العين فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي - - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر - - صلى الله عليه وسلم - أنه خاتم النبيين لا نبي بعده وأخبر عنه الله تعالى أنه خاتم النبيين وأنه أرسل كافة للناس؛ وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعا اجماعا وسمعا " انظر الشفاء 2/586-587 اهـ
الوجه العاشر:
قال محمد عليش المالكي: " ويكفر إن جوز اكتساب النبوة بتصفية القلب وتهذيب النفس والجد في العبادة لاستلزامه جوازها بعد سيدنا محمد - - صلى الله عليه وسلم - وتوهين ما جاء به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم" منح الجليل شرح مختصر خليل 4/464 وانظر حاشية الدسوقي 4/269 والشرح الصغير للدردير 6/149 اهـ
الوجه الحادي عشر:
وقال الشربينى: " من نفى الرسل بأن قال لم يرسلهم الله أو نفى نبوة نبي أو ادعى النبوة بعد نبينا محمد - - صلى الله عليه وسلم - أو صدق مدعيها أو قال النبوة مكتسبة أو تنال رتبتها بصفاء القلوب أو أوحى إليه ولم يدع النبوة... فقد كفر " مغني المحتاج 4/135 بتصرف وانظر نهاية المحتاج للرملي 7/395 اهـ
الوجه الثاني عشر:
(98/230)
قال محمد أفندي الرومي ممزوجا بكلام الشارح عبد الغني النابلسي الدمشقي ما نصه: " (فإن حصل لنا) بفتوى رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - (قناعة) أي اكتفاء (فيها) أي فقد رضينا بها (وإلا) أي وإن لم يحصل لنا قناعة بذلك (رجعنا) في تلك المسألة (إلى الله تعالى بالذات) تأكيد لاسم الجلالة... (فنأخذ) حكم تلك المسألة التي اشكلت علينا (منه) سبحانه بلا واسطة أحد وهذا القول كفر أيضا لا محالة بالاجماع من وجوه الأول التصريح بعدم الدخول تحت أحكام الكتاب والسنة مع وجود شروط التكليف بذلك من العقل والبلوغ ووصول الدعوة والكون في دار الإسلام ومنها التصريح بعدم قبول قول رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - إذا أفتاه في حكم من الأحكام وأنه مخير فيه إن شاء قبله وإن شاء رده ومنها دعوى تلقى الأحكام الشرعية من الله تعالى بلا واسطة نبي وذلك دعوى نبوة " الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية ص 158. اهـ
رؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة مستحيلة عقلا وشرعا
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراض هذا الجاهل المغرض على قول الشيخ التجاني - - رضي الله عنه - في جواهر المعاني ج 1 ص 114 " ثم أمرني بالرجوع إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته - - صلى الله عليه وسلم - عن فضلها؛ فالجواب عنه أن ما ثبت بنص القرآن ومتواتر السنة من لقي النبي - - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء ليلة أسري به ونصيحة موسى له بطلب التخفيف عن أمته ونصيحة إبراهيم الخليل له بأن يأمر أمته بالاكثار من الحوقلة أصل أصيل فيما يقع للأولياء الورثة المحمديين من الإجتماع بالنبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة وأخذ العلوم عنه في حياته البرزخية " اهـ ص 51 .
والرد عليه من اثنا عشر وجها:
الوجه الأول:
(98/231)
اعلم أن رؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته لم يقل بها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباع التابعين ولا من بعدهم من الأئمة المجتهدين ولا أحد من المسلمين إلا ثلة قليلة من غلاة المتصوفة القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود فخالفوا اجماع الأمة خلفا عن سلف قال القاضي أبو بكر بن العربي: " ووغلا صالح فيه فقال كل الرؤيا والرؤية بعين الرأس حقيقة وهذا حماقة " عارضة الأحوذي 9/130
الوجه الثاني:
رؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته مستحيل شرعا من عدة وجوه:
1 - أنه - - صلى الله عليه وسلم - قد مات فادعاء حياته بعد موته قبل البعث تكذيب لقوله تعالى: - { إنك ميت وإنهم ميتون - } [ الزمر 30 ] وقوله تعالى: - { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون - } [ الأنبياء 95 ].
2 - إذا كان يحيا لكل شخص ممن ادعى رؤيته فسوف يموت موتات كثيرة ويحيى عدة مرات وهذا مخالف لقوله تعالى - { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون - } [ البقر 28 ]. ولا يتعارض ذلك مع حياة الأنبياء في قبورهم فإن تلك حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة الدنيوية وهي من الغيب والغيب لا يكيف قال العلامة محمد رشيد رضا: " والحق أن كل ما ورد في حياة الشهداء والأنبياء بعد الموت فهو من أخبار الغيب التي لا يقاس عليها ولا يتعدى فيها ما صح منها عن المعصوم باجماع علماء المسلمين " تفسير المنار 11/432 اهـ
3 – أنه قال في الحديث (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )) البخاري ح ( 6993 ) ومسلم ( 266) وقد رآه ملايين البشر من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين في المنام ولم يدع أحد منهم أنه رآه في اليقظة فحمل الحديث على الرؤية في اليقظة في الدنيا يؤدي إلى تكذيب رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - وتلك غاية الكفر والإلحاد.
(98/232)
قال ابن حجر العسقلاني: " ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف " فتح الباري 3/3124 اهـ
4 - القول برؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة والأخذ عنه بعد موته يستلزم وصفه - - صلى الله عليه وسلم - بالتقصير في نصح الأمة وتبليغها وإصلاح أمرها لأنه لم يأت لمحاصري دار عثمان فينهاهم كما لم يرشد الصحابة في وقعة الجمل وصفين وتركهم يتقاتلون ولو رأوه يقظة لتوقفوا عن ذلك وكذلك ما خرج لجيش بني أمية في وقعة الحرة فينهاهم إلى غير ذلك من الحوادث العظيمة والخطوب الجليلة.
الوجه الثالث:
القول برؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته مستحيل عقلا قال القرطبي: " وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانيين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من المعقول وملتزم شيء من ذلك مختل مخبول " فتح الباري 3/3123 والمواهب اللدنية 3/399 اهـ
الوجه الرابع:
وأما تعلقه بحادثة الإسراء والمعراج فمردود من وجهين:
أ - الإسراء والمعراج كانا معجزتين للنبي - - صلى الله عليه وسلم - خاصة لا يقاس عليه غيره من الأنبياء أحرى من دونهم.
ب - أن هذه المسألة من باب العقائد وهي توقيفية لا يدخلها القياس.
الوجه الخامس:
وأما تعلقه بحديث (( من رآنى في المنام فسيراني في اليقظة )) تقدم قريبا وفي رواية (( فقد رآني )) البخاري ح ( 6994 ) و مسلم ح ( 2264 ) وفي رواية (( من رآني فقد رأى الحق )) البخاري ح (6996 ) ومسلم ح ( 2261 ).
فمردود من وجوه:
(98/233)
أ - لا يمكن حمله على رؤيته يقظة في الدنيا لما تقدم من رؤية كثير من الناس له من عصر الصحابة إلى الآن في النوم ولم يره أحد منهم في اليقظة ورسول الله - - صلى الله عليه وسلم - هو الصادق المصدوق.
ب - قال ابن بطال قوله (( فسيراني في اليقظة )) يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق " فتح الباري 3/3123 وقد رجح هذا الوجه ابن حجر العسقلاني فقال: " والذي يظهر لي أن المراد (( من رآني في المنام )) على أي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله لا الباطل الذي هو الحلم " ورجحه ابن العربي في العارضة المرجع السابق 3/3125 وعارضة الأحوذي 9/131 . قلت ويؤيده رواية (( فقد رأى الحق )).
ج - وقال ابن التين " المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز " المرجع السابق 3/3123 اهـ
د - وقيل معنى الحديث أنه يراه يقظة في الآخرة وفي هذا بشارة لرائيه بحسن الخاتمة وهذا قول الدماميني ونصره محمد الخضر الشنقيطي انظر فتح الباري 3/3124 والمواهب اللدنية 2/296 ومشتهي الخارف الجاني ص 93 وعون المعبود 7/249 وتؤيده رواية (( فسيراني )).
هـ - وقيل أنه على التشبيه والتمثيل ويدل على ذلك رواية (( لكأنما رآني في اليقظة )) مسلم ح ( 5920 ) وأبو داود ح ( 5023 ) وابن ماجه ح ( 3904).
و – وقيل إذا رؤي على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة كحاله فإن رؤي على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤية حقيقة فإن من الرؤيا ما يخرج عن وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل وعبارة. إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/219
الوجه السادس:
وأما ادعاؤه بأن رؤيته - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته من باب الكرامة فباطل من وجوه:
(98/234)
أ - أن الكرامة هبة من الله تعالى لمن يشاء من عباده الصالحين لا تطلب ابتداءا محموع الفتاوى 11/360 وأما هم فهذه المسألة هي غاية مطلوبهم حتى قال في الدرة الخريدة: " وأما الذي هو أفضل وأعز من دخول الجنة فهو رؤية سيد الوجود - - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة فيراه الولي اليوم كما يراه الصحابة رضي الله عنهم فهي أفضل من الجنة " الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة 1/84 اهـ
ب - أن الكرامة لا تدرك بالتعلم وهم يدعون أن رؤيته - - صلى الله عليه وسلم - يقظة تدرك بتعلم رياضات وأذكار بصيفة مخصوصة ومن أمثلة ذلك قوله في بغية المستفيد ما نصه: " طريقتنا أن نكثر من الصلاة عليه - - صلى الله عليه وسلم - حتى نصير من جلسائه ونصحبه يقظة مثل أصحابه ونسأله عن أمور ديننا وعن الأحاديث التي ضعفها الحفاظ عندنا ونعمل بقوله فيها " بغية المستفيد ص 79. اهـ
قال الشيخ صنع الله الحلبي: " أما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات فهو من المغالطة لأن الكرامة شيء من عند الله يكرم بها أولياءه لا قصد لهم فيها ولا تحد ولا قدرة ولا علم كما في قصة مريم بنت عمران وأسيد بن حضير وأبي مسلم الخولاني " تيسير العزيز الحميد ص 198. اهـ
ج - أن الكرامة أمر خارق للعادة لا يخالف النصوص الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة ورؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته في الدنيا معارضة للشرع كما تقدم .
د - أن الكرامة لا تكون إلا نادرة ولا تتكرر غالبا أما أنتم تدعون كثرة هذه الرؤية المزعومة بل دوامها حتى قال شيخكم الاكبر أبو العباس المرسي: " لو حجب عني النبي - - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين " شرح المواهب اللدنية 5/300 ـ301 اهـ
الوجه السابع:
وأما من نسب إليه مفتاح القول برؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته فهم أربعة أنواع:
(98/235)
أ - علماء افترى عليهم لم يقولوا بذلك بل بعضهم أنكره مثل ابن العربي فإنه قال إنها " غلو وحماقة " المواهب اللدنية 2/300 والعز ابن عبد السلام فإنه نقل كلام ابن الحاج في ذلك فقط ولم يقل به الحاوي للفتاوى 2/245 وابن الحاج فإنه قال فقط أنه لا ينكر على من يقول بها الحاوي للفتاوى 2/245 والقاضي شرف الدين البارزي فإنه نقلها عن غيره فقط ولم يقل بها المرجع السابق 2/245 ومنهم أبو عبد الله القرطبي فإنه إنما ادعي سماع الكلام ورد السلام ولم يدع الرؤية مطلقا المرحع السابق 2/247 ومنهم نور الدين فإنه ادعي أنه سمع رد السلام من القبر الشريف ولم يدع الرؤية أصلا المرجع السابق 2/248
. فأنظر إلى تعمد الكذب على العلماء نصرة لباطله.
ب - صوفيون يؤمنون بوحدة الوجود فلا غرو في دعواهم رؤيته - - صلى الله عليه وسلم - لأنهم يعتقدون انه - - صلى الله عليه وسلم - حال في كل شيء من الكون.
قال التجاني: قوله " (الساري) معناه أنه - - صلى الله عليه وسلم - سار في جميع الموجودات كسريان الماء في الأشجار لا قيام لها بدونه وتلك السراية منه - - صلى الله عليه وسلم - في الموجودات لا مطمع للعقل في دركها ولا أن يحوم حول حماها فما وصل إليها أحد من خلق الله ولا عرف لها كيفية ولا صورة وكل الوجود في حجاب عن هذا الإدراك يعني إدراك السراية منه في الموجودات فما أدركتها أكابر الملائكة العالين ولا أكابر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كلهم لم يشموا لها رائحة فمن دونهم أحرى وأولى لا يذوق منها شيئا وغاية السريان أنه - - صلى الله عليه وسلم - لو فقد سريانه في ذاته من ذوات الأكوان لصارت محض العدم من ساعتها " جواهر المعاني 2/421 اهـ
ج - من ذكره مرتين ليكثر به العدد كأبي عبد الله الأسنوي هو نفس محمد بن يحي الأسنوي الحاوي 2/246 .
(98/236)
د - الجماعة الرابعة قالت برؤية الروح أو الرؤية الحالية كالسيوطي حيث قال: " ليست الرؤيا البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشره " الحاوي 2/249 اهـ
الوجه الثامن:
أعلم أن الصوفية القائلين برؤية الأنبياء يقظة إنما يقلدون النصارى فإنهم قد اشتهروا بذلك.
قال العلامة رشيد رضا: " إن الذين يتراءى لهم المسيح أو أمه عليهما السلام أو غيرهما من القديسين عندهم كثيرون ومن الرجال المشهورين بهذا في هذا الزمان رشيد بك مطران وهو وجيه سوري من بعلبك مشهور يقيم في أروبه ويكون غالبا في باريس فهو يرى أو يتراءى له مثال السيدة مريم العذراء في اليقظة كثيرا ويسألها عن كثير مما يشكل عليه فتجيبه وحدثني الأمير شكيب أرسلان عنه أنه سألها مرة عن نبينا محمد - - صلى الله عليه وسلم - فأجابته مثنية عليه - - صلى الله عليه وسلم - ثناء عظيما لم أحفظه " وقرأت في جريدة مرآة الغرب العربية التي صدرت في نيويورك في مارس سنة 1933 م رسالة من عمان عاصمة إمارة شرق الأردن كتبت في 26 من كانون الثاني ( يناير ) سنة 1933 م (الموافق 29 رمضان سنة 1351 هـ ) ملخصها أن امرأة نصرانية في عمان اسمها حنة بنت إلياس غابى الملقب صهر الله متزوجة ولها أولاد وأخ فقيرة مشهورة بالتقوى عرض لها منذ سنة ونصف نزيف دموي عقب الولادة وأريد عمل عملية جراحية لها فأرشدت إلى التوجه أولا إلى الطبيب السماوي فدعت يسوع ليلا ثم ذهبت إلى الكنيسة بعد منتصف الليل لتصلي وهي في حال غيبوبة أو عقب رؤيا فرأت الكنيسة خالية وشاهدت في الهيكل شخصا يحيط به نور عظيم فاشتد خوفها ورعبها فدعاها وقال لها لا تخافي أنا المسيح فركعت على قدميه وقالت له اشفني يا سيدي فقال لها حسب إيمانك يكون لك فبرئت وقرر الأطباء بعد فحصها أنه لم تبق حاجة إلى العملية الجراحية فازدادت عبادة وتقوى. ولما كان اليوم
(98/237)
الرابع من هذا الشهر ك 2 من يناير شعرت في منتصف الساعة الثالثة بعد نصف الليل بيد تهزها من الكتف ففتحت عينيها فإذا نور عظيم في الغرفة وفي وسط النور شخص ملاك يقول لها سيحدث ضيق عظيم في العالم ولكن لا تخافوا وستكون لكم هذه العلامة وكان بيده كأس فغمس اليد الأخرى في الكأس وبأصابعه الثلاثة وضع على جبينها علامة ثم تركها وقال اعطوا مجد الله فقامت وصارت تمجد الله بصوت عال فهب أهلها وقالوا لها ماذا جرى لك ؟ فقالت لم تروا النور وتسمعوا الصوت ؟ قالوا لا قالت جيئوني بالضوء فلما أحضروا القنديل رأوا في جبينها علامة طائر يشبه النسر صافا جناحيه ممتدا على طول جبينها وعرضه ( أي جبهتها ) وليس ماسا للحاجبين ولا شعر الرأس ولونه عنابي كالدم ورسمه متقن كأنه رسم فنان عظيم " تفسير المنار 11/437 ـ 438 اهـ
فهؤلاء النصارى هم سلفكم في هذه المسألة ما لكم سلف سواهم.
الوجه التاسع:
وأما احتفاله بأن السيوطي ألف في هذا الموضوع رسالة فتلك قاصمة ظهره لأن السيوطي على سعة اطلاعه وضخامة المكتبة المحمودية التي كان فيها لم يستطع أن يورد حديثا واحدا في المسألة لا صحيحا ولا ضعيفا ولا مرفوعا ولا موقوفا ولا مقطوعا مع حاجته الشديدة إليه، بل صرح الحفاظ أن هذه المسألة لم ير فيها أي حديث البتة.
منهم العلامة شمس الدين السخاوي خليفة الحافظ بن حجر قال: " لم يصل إلينا ذلك عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه - - صلى الله عليه وسلم - حتى ماتت كمدا بعد ستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم ينقل عنها رؤيتة في المدة التي تأخرت عنه " المواهب اللدنية 2/297 اهـ
الوجه العاشر:
ثم هؤلاء الذين يدعون الرؤية إنما يرون صور الشياطين فتخدعهم لأنها تتمثل لهم في أي صورة جميلة وتقول أنها محمد - - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء قال العلامة أدييج الكمليلي:
وما ادعوا من أخذ هذا الورد
عن الرسول يقظة لا يجدي
(98/238)
إذ لم تحقق في اللقاء الدعوى
ولم تنل كرامة بطغوى
ولم يرد عن النبي المصطفي
لقياه يقظة بنور ما انطفي
فصح أن يخاطب التجاني
شيطانه من جهة العدنانى مشتهي الخارف ص 108
وقال العلامة بدر الدين ابن الأهدل: " ومراتبهم في الرؤية متفاوتة وكثيرا ما يغلط فيها رواتها فقل ما تجد رواية متصلة صحيحة عمن يوثق به أما من لا يوثق به فقد يكذب وقد يرى مناما أو في غيبة حس فيظنه يقظة وقد يرى خيالا ونورا فيظنه الرسول وقد يلبس عليه الشيطان فيجب التحرز في هذا الباب " المواهب اللدنية 2/299 اهـ
قال العلامة محمد رشيد رضا: " والراجح عندنا أن أكثر المدعين لذلك أولو كذب وحيل وتلبيس وأن أقلهم يرون بعض الشياطين من جند إبليس ولا سيما شياطين الموتي وقرنائهم العارفين بأحوالهم " تفسير المنار 11/439 اهـ
قلت: من تمثل الشيطان للصوفية ما حدث لعبد القادر الجيلاني فقد رأى الشيطان في النوم فقال أنا ربك قد أبحت لك المحرمات فقال اخسأ يا لعين فقيل له بم عرفت أنه شيطان قال بقوله أبحت لك المحرمات وبقوله أنا ربك ولم يقل أنا الله شرح المواهب اللدنية 5/298 .
الوجه الحادي عشر:
(98/239)
لو كانت هذه الرؤية حقا لسبقنا إليها خير القرون وأفضل هذه الأمة صحابة رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - مع حاجتهم إليه - - صلى الله عليه وسلم - قال الآلوسي عند قوله تعالى: - { خاتم النبيين - } ما نصه: " إن ما نسب إلى بعض الكاملين من أرباب الأحوال من رؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته وسؤاله والأخذ عنه لم نعلم وقوعه في الصدر الأول وقد وقع اختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم من حين توفي عليه الصلاة والسلام إلى ما شاء الله تعالى في مسائل دينية وأمور دنيوية وفيهم أبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما وإليهما ينتهي أغلب سلاسل الصوفية الذين تنسب إليهم تلك الرؤية ولم يبلغنا أن أحد منهم ادعي أنه رأى رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة وأخذ عنه ما أخذ وكذلك لم يبلغنا أنه - - صلى الله عليه وسلم - ظهر لمتحير في أمر من أولئك الصحابة الكرام فأرشده وأزال حيرته وقد صح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال في بعض الأمور يا ليتني كنت سألت رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - عنه ولم يصح عندنا أنه توسل إلى السؤال عنه - - صلى الله عليه وسلم - نظير ما يحكي عن بعض أرباب الأحوال وقد وقفت على اختلافهم في حكم الجد مع الإخوة فهل وقفت على أن أحدا منهم ظهر له رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - فأرشده إلى ما هو الحق فيه ؟ وقد بلغك ما عرى فاطمة البتول رضي الله تعالى عنها من الحزن العظيم بعد وفاته - - صلى الله عليه وسلم - وما جرى في أمر فدك فهل بلغك أن النبي - - صلى الله عليه وسلم - ظهر لها كما ظهر للصوفية فبل لوعتها وهون حزنها وبين لها الحال وقد سمعت بذهاب عائشة رضي الله عنها إلى البصرة وما كان من وقعة الجمل فهل سمعت تعرضه - - صلى الله عليه وسلم - لها قبل الذهاب وصده إياها عن ذلك لئلا يقع أو تقوم الحجة عليها على أكمل وجه إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى كثرة والحاصل أنه لم يبلغنا ظهوره عليه
(98/240)
الصلاة والسلام لأحد من الصحابة وأهل بيته وهم هم مع احتياجهم الشديد لذلك وظهوره عند باب قباء كما يحكيه بعض الشيعة افتراء محض وبهت بحت وبالجملة عدم ظهوره لأولئك الكرام وظهوره لمن بعده مما يحتاج إلى توجيه يقنع به ذووا الأفهام " روح المعاني تفسير سورة الأحزاب الآية وخاتم النبيين 12/55-56
الوجه الثاني عشر:
قال ابن الجوزي: " وقد أشكل على الناس رؤية النبي - - صلى الله عليه وسلم - وقوله (( من رآني في المنام فقد رآني )) فقال ظاهر الحديث أنه يراه حقيقة وفي الناس من يراه شيخا وشابا ومريضا ومعافى فالجواب أنه من ظن أن جسد رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - المودع في المدينة خرج من القبر وحضر في المكان الذي رآه هو فيه فهذا جهل لا جهل يشبهه فقد يراه في وقت واحد ألف شخص في ألف مكان على صور مختلفة فكيف يتصور هذا في شخص واحد ؟ وإنما الذى يرى مثاله لا شخصه فيبقي (( من رآني فقد رآني )) معناه قد رأى مثالى الذي يعرفه الصواب وتحصل به الفائدة المطلوبة " صيد الخاطر 497 ـ498 اهـ
تفضيل صلاة الفاتح على القرآن الكريم ستة آلاف مرة
قال مفتاح التجاني:
" وأما اعتراضه على قول التجاني - - رضي الله عنه - في جواهر المعاني ج 1 ص 114: " فأخبرني - يعني النبي - - صلى الله عليه وسلم - - أولا بأن المرة الواحدة منها - يعني صلاة الفاتح - تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرة " فإن غاية ما يريده هذا الجاهل المغرض وأضرابه المعترضون على الشيخ التجاني في هذه المسألة قديما وحديثا هو أن يلزموه بالقول بتفضيل صلاة الفاتح على القرآن وذلك مندفع بأمور... إلخ " ص 58.
والرد عليه من أربعة وعشرين وجها:
الوجه الأول:
(98/241)
اعلم أن هذه الصلاة المخترعة مبنية على أساس عقيدة الحلول وذلك أن معني الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق أنه - - صلى الله عليه وسلم - هو الإله المتصرف في الكون فلا يفتح فيه شيء من رزق أو تدبير إلا وهو - - صلى الله عليه وسلم - الذي يفتح ذلك وأعلق الله به صور تجلياته فهو آخر صورة تجلى فيها الله تعالى كما قال أحمد التجاني إذ قال:" معناه الفاتح لما أغلق من صور الأكوان فإنها كانت مغلقة في حجاب البطون وصورة العدم وفتحت مغاليقها بسبب وجوده - - صلى الله عليه وسلم - وخرجت من صورة العدم إلى صورة الوجود ومن حجابية البطون إلى نفسها في عالم الظهور إذ لولاه ما خلق الله موجودا ولا أخرجه من العدم إلى الوجود " جواهر المعاني 1/106
الرماح: " وكذا الخاتم لما سبق من صور التجليات الإلهية التي تجلى الحق سبحانه بصورها في عالم الظهور لأنه - - صلى الله عليه وسلم - أول موجود أوجده الله في العالم من حجاب البطون وصورة العماء الرباني ثم ما زال يبسط صورة العالم بعدها في ظهور أجناسها بالترتيب القائم على المشيئة الربانية جنسا بعد جنس إلى أن كان آخر ما تجلى به في عالم الظهور الصورة الآدمية على صورته - - صلى الله عليه وسلم - وهو المراد بالصورة الآدمية " رماح حزب الرحيم 2/458 اهـ
الوجه الثاني:
تفضيلكم صلاة الفاتح على القرآن الكريم صريح صراحة لا تقبل التأويل من ذلك:
(98/242)
- نص التجاني الذي قطعته وبترت منه ما شئت قصد التشويش على القارئ وأنا أذكره بحروفه قال أحمد التجاني: " ثم أمرني بالرجوع - - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته - - صلى الله عليه وسلم - عن فضلها فأخبرني أولا بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات ثم أخبرني ثانيا أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبيرا أو صغيرا ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار " جواهر المعاني 1/100 والدرة الخريدة 4/218 اهـ
فأي شيء أصرح من هذا ؟ وليتهم اكتفوا بتفضيلها على القرآن وحده لقد فضلوها على كل الكتب الإلهية.
- قال صاحب الرماح: " أما المرتبة الظاهرة في الفاتح لما أغلق مهما قرأها أحد بشرطها كتب الله له فيها أن يأخذ جميع تلك الأذكار من تسبيح وتهليل وتكبير وتحميد واستغفار وصلاة عليه - - صلى الله عليه وسلم - وقراءة القرآن وغيره من الكتب الإلهية كلها مثل التوراة والإنجيل مثلا من أول منشأ العالم إلى بروز تلك الصلاة من الذاكر وتجمع تلك الجمعية المذكورة وتتضاعف ستة آلاف مرة ثم تحسب ألسنة جميع المخلوقات من كل ما سوى الله تعالى وتتضاعف فيها تلك الجمعية بعد مضاعفتها ستة آلاف مرة " رماح حزب الرحيم 2/441
الوجه الثالث:
تفضيل صلاة الفاتح على القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية هو غاية الإستهزاء والاستخفاف بها بل لو أنهم قالوا بأن القرآن أفضل من صلاة الفاتح لكان في ذلك تنقيصا له كما قال الشاعر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
ولا خلاف في أن سب القرآن والاستخفاف به كفر مخرج من الملة
(98/243)
ا - قال قاضي القضاة عياض: " أعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو خوفا منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفي ما اثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع " إلى أن قال " وكذلك إن جحد التوراة والإنجيل وكتب الله المنزلة أو كفر بها أو لعنها أو سبها أو استخف بها فهو كافر " الشفاء 2/1101 ـ 1105 باختصار.
ب - قال ابن نجيم: " ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره " البحر الرائق 5/131
ج - وجاء في الفتاوي البزارية: " وادخال القرآن في المزاح والدعابة كفر لأنه استخفاف به " الفتاوى البزازية 3/338
د - وفي يتيمة الفتاوى: " من استخف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع كفر " تهذيب رسالة البدر الرشيد في المكفرات 22 ـ 23
هـ - كما حكم ابن قدامة بالكفر على من استهزأ بآيات الله. المغني 10/113
و - وقال البهوتي: " من جحد كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو استهزأ بالله تعالى أو بكتبه أو رسله فهو كافر لقوله تعالى: - { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم - } . كشاف القناع 6/168 وانظر المبدع 9/171 اهـ
وقال تعالى - { وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين - } وقال تعالى - { وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزؤا وغرتكم الحياة الدنيا - } [ الجاثية 34 ـ 35 ]
الوجه الرابع:
اعلم أنهم يدعون أن صلاة الفاتح من كلام الله ؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
أ - قال الفوتي في الرماح أن من شروطها " أن يعتقد أنها من كلام الله " الرماح 2/139 اهـ
(98/244)
وقال صاحب الدرة الخريدة: " وفي [د] ومن لم يعتقد أنها من كلام الله ل يصح له الثواب المذكور فيها يعني صلاة الفاتح … وفي [جع] والفضل المذكور في الياقوتة الفريدة لا يحصل لذاكرها إلا بشرطين الأول: الإذن والثاني: يعتقد الذاكر أن هذه الصلاة من كلام الله تعالى كالأحاديث القدسية وليست من تأليف مؤلف " الدرة الخريدة 4/128- 219 اهـ
قال صاحب بغية المستفيد عند شرح قول الناظم:
وفضلها يحصل مع شرطين
من ذاك إذن الشيخ دون مين
ثم اعتقاد أنها قد برزت
من حضرة الغيب لمن له سرت
قال: " وأشار بهذا إلى ما ثبت عن سيدنا - - رضي الله عنه - بأن الفضل المذكور يعني الخاص لا العام الذي هو مذكور في وردة الجيوب عن القطب سيدى محمد البكري - - رضي الله عنه - لا يحصل لذاكرها إلا بشرطين: الأول الإذن الصحيح من الشيخ - - رضي الله عنه - إذ هو - - رضي الله عنه - المأذون له من الحضرة المحمدية - - صلى الله عليه وسلم - في إبرازه والشرط الثاني إعتقاد المصلى أنها ليست من تأليف البشر وذلك لأن القطب البكري المذكور - - رضي الله عنه - توجه إلى الله تعالى مدة يسأله أن يمنحه صلاة على النبي - - صلى الله عليه وسلم - فيها سر جميع الصلوات فنزلت عليه مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة من نور " بغية المستفيد 375.
وقال أيضا: " فهي يعني الصلاة الشريفة المذكورة وردت من حضرة الحق تبارك وتعالى على طريق التعليم وفق ما قالوه في فاتحة الكتاب. اهـ المرجع السابق 376.
وقد اتفق العلماء على أن زيادة حرف واحد في كلام الله تعالى كفر فكيف بمن زاد هذه الصلاة المخترعة الطويلة:
(98/245)
أ - قال ابن حزم في مراتب الإجماع: " واتفقوا أن الملائكة حق..... إلى أن قال: وأن كل ما في القرآن حق وأن من زاد فيه حرفا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة أو نقص منه حرفا أو بدل منه حرفا مكان حرف وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادي متعمدا لكل ذلك عالما بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر " مراتب الإجماع ص 270 اهـ
ب – قال القاضي عياض:" وقد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعته الدفتان من أول - { لحمد لله رب العالمين - } إلى أخر - { قل أعوذ برب الناس - } أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد - - صلى الله عليه وسلم - وأن جميع ما فيه حق وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا بكل هذا أنه كافر اهـ الشفاء 2/597
ج - قال ابن جزي: " لا خلاف في تكفير من نفي الربوبية أو الوحدانية " إلى أن قال: " أو قال بسقوط العبادة عن بعض الأولياء أو جحد حرفا فأكثر من القرآن أو زاده أو غيره " القوانين الفقهية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق