الأحد، 23 أغسطس 2015

الرد على الصوفيى الخرافية===فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية================:      لو كان هؤلاء الصوفية عندما يؤلفون أذكارهم الركيكة التي شاهدنا نماذج منها آنفًا لا يتقولون بذلك على الله وعلى رسوله، ولا يزعمون أنهم كتبوها من الرسول حرفًا حرفًا وكلمة كلمة لهان الخطب وقلنا إن الأمر لا يتعدى البدعة فقد اخترعوا من عند أنفسهم أدعية وأذكارًا يتعبدون الله بها وتركوا ما هو أفضل من ذلك مما علَّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه بنقل الصحابة الصادقين والتابعين لهم بإحسان وما دونه أئمة الهدى من المسلمين في كتبهم كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن، والمسانيد‏.‏ ولكن هؤلاء المتصوفة المتقولين على الله تعالى لم ينسبوا هذه الأذكار والأدعية إلى أنفسهم وإنما نسبوها إلى الله تعالى وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم وزعموا أنَّه جاء بها إليهم الوحي والإلهام، أو أملاها الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم حال يقظتهم لا حال نومهم‏.‏ وليتهم إذا فعلوا ذلك أيضاً جعلوا لأذكارهم هذه من الفضل ما كان يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته للأذكار من الفضل فقالوا مثلًا من قال هذا الذكر كان كمن أعتق عشرة رقاب أو كان كمن أهدى بدنه أو لم يأت يوم القيامة رجل بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل مثله أو زاد، أو بنى الله له بيتًا في الجنة على نحو ما كان يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم مبينًا فضائل الأذكار التي يعلمها لأصحابه، ولكن هؤلاء جعلوا لأذكارهم المفتراة المكذوبة من الفضل والأجر شيئًا لا يبلغه الحد والوصف، وبالغ كل منهم في بيان فضل الذكر الذي يزعم أن رسول الله اختصه وجماعته به مبالغة عظيمة. فهذا مثلًا أحمد التجاني رأس الطريقة التجانية يزعم أن ‏‏ذكره‏‏ الذي يسميه صلاة الفاتح‏:‏ القراءة الواحدة له تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة‏!‏‏!‏       قال مؤلف جواهر المعاني على حرازم في الجزء الأول صفحة ‏‏94‏‏:‏"‏وأما فضل صلاة الفاتح لما أغلق الخ، فقد سمعت شيخنا يقول‏:‏ كنت مشتغلًا بذكر صلاة الفاتح لما أغلق حين رجعت من الحج إلى تلمسان لما رأيت من فضلها وهو أن المرة الواحدة بستمائة ألف صلاة كما هو في وردة الجيوب وقد ذكر صاحب الوردة أن صاحبها سيدي محمد البكري الصديقي نزيل مصر وكان قطبًا، قال إن من ذكرها ولم يدخل الجنة فليقبض صاحبها عند الله، وبقيت أذكرها إلى أن رحلت من تلمسان إلى أبي سمعون فلما رأيت الصلاة التي فيها المرة بسبعين ألف ختمة من دلائل الخيرات تركت الفاتح لما أغلق واشتغلت بها وهي:(‏اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تعدل جميع صلوات أهل محبتك وسلم على سيدنا محمد وعلى آله سلاماً، يعدل سلامهم‏)‏ لما رأيت فيها من كثرة الفضل، ثمَّ أمرني بالرجوع صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها فأخبرني أولًا بأنَّ المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثمَّ أخبرني ثانياً أنَّ المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير، ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنَّه من الأذكار‏"‏.([1])      فمعنى هذا أنَّ قولهم ‏(‏والخاتم لما سبق‏)‏ ليس مقصودًا به النبوة والوحي لأنَّ صلاة الفاتح المزعومة نفسها وحي أكمل من القرآن الكريم، بل على قولهم هذا أكمل نزولاً من القرآن الكريم، لأنَّها نزلت مكتوبة من السماء والقرآن الكريم نزل مشافهة وسماعًا، ومعلوم أنَّ المكتوب أعظم من المسموع في الإثبات بدليل امتنان الله تعالى على موسى بإنزال التوراة مكتوبة كما قال تعالى:(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)الأعراف:145.      وهم يزعمون هنا أن صلاة الفاتح نزلت من السماء مكتوبة ولذا جاز عندهم تفضيل قراءتها على القرآن وإن أجر قراءة القرآن كله ستة آلاف مرة فأي كذب على الله أكبر من هذا‏.‏ ونحن نقول لهؤلاء الكاذبين أكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يزعمون أنَّه هو الذي خص أحمد التجاني وجماعته بهذه الفضيلة، وقال له ‏(‏خبأتها لك يا أحمد‏)‏‏!‏‏!‏ أكان يجوز له أن يخفي شيئًا مثل هذا عن الصحابة رضوان الله عليهم، وهم أصحابه القائمون بأمره الحارسون لدينه الباذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل نصرته‏.‏‏.‏ليعطي مثل هذه الفضيلة إلى أحمد التجاني وأعوانه الذين كانوا وما زالوا أعظم أعوان الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا بل في كل القارة الأفريقية وهم الذين مهدوا السبيل أمام الجيوش الفرنسية في معظم أنحاء القارة‏.‏ أكان يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام إخفاء صلاة الفاتح التي يزعمون أنَّها أعظم من القرآن بستة آلاف مرة لإعطائها مجموعة من خدم الاستعمار والكفار‏.الشَّطح الصوفي:     فسّر أبو نصر السراج الطوسي الشَّطح الصوفي بأنّه:"‏عبارة مستغرقة في وصف وجد فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته".(‏‏[2]) وقد لجأ المتصوفة إلى هذا التعريف لتبرير الكفر والزندقة الذي فاضت به كتب القوم وتواتر عنهم معتذرين أن ما قالوه قد قالوه في حالة سكر بما تجلى لهم من حقائق وبما عاينوا من علوم وزعموا أنها أسكرتهم، وأطارت صوابهم، وجعلتهم يتكلمون بمثل هذه العبارات وهذا التبرير السمج الذي لجأ إليه الصوفية لا يغير من الحقائق شيئًا وهو أن ما قالوه كفر واضح ظاهر وافتراء على الشريعة‏.‏     ويذكر السيد الشريف الجرجاني في كتابه تعريفاته:"أن الشَّطح هو عبارة عن كلمة عليها رائحة رعونة ودعوى، تصدر من أهل المعرفة (الصوفية) باضطرار، وهو زلات المحققين فانه دعوى حق يفصح بها العارف لكن من غير إذن الهي". أو هو:"عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته وهاج بشدة غليانه وغلبته". من خلال هذه التعريفات وغيرها للشطح إذن، يمكن القول بأنه تعبير عما تشعر به النفس حينما تصبح لأول مرة في حضرة الألوهية، فتدرك أن الله هي وهي هو.    والشَّطح الصوفي يأتي نتيجة وجد عنيف لا يستطيع صاحبه كتمانه، فينطلق بالإفصاح عنه لسانه:سقوني وقالوا: لا تغن ولو سقوا جبال حنين ماسقوني لغنّت! ويحاول السراج الطوسي أن يحلل الشَّطح تحليلا لغويا حيث يرد كلمة الشَّطح لغويا إلى معنى الحركة فيقول:"إنَّ الشَّطح في لغة العرب هو الحركة، يقال شطح يشطح:إذا تحرك...فالشَّطح لفظة مأخوذة من الحركة، لأنَّها حركة أسرار الواجدين إذا قوى وجدهم فعبروا عن وجدهم ذلك بعبارة يستغرب سامعها". وهكذا فإنّ ظاهرة الشَّطح تنجم عن اتحاد بين العبد ومعبوده يترتب عليه وجد عنيف، ولذا كانت حال الشَّطح تتميز بالاضطراب والانفعال الجامح والحركة.فكأن الشَّطح إذن ينطوي من خلال شدة الوجد على حال من الاضطراب والحركة والانفعال الجامح. ولقد ميز الصوفية بين نوعين من الواجدين:الواجد الساكن والواجد المتحرك، وأخذوا يفاضلون بينهما، ويكاد يتفق معظمهم على أن الحركة قرينة الوجد العنيف، ومع ذلك فقد قال:"قوم إن السكون والتمكن أفضل وأعلى من الحركة والانزعاج".     ولعلَّ تلك الآفات المتعددة التي لحقت بالتَّصوف كان مردها فيما أرى إلى غياب دور العقل الذي يعصم المرء من الشطط مع التسليم بقصوره في بعض المجالات الإدراكية، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن يترك الصوفية العقل ويخلفوه وراءهم ظهريا. ولعله من بين تلك الآفات التي لحقت بالتَّصوف نجد ظاهرة الشَّطح التي تأتي غريبة ومقحمة على سياق التجربة الصوفية وان كانت لازمة عنها ومترتبة عليها.       ويذهب الصوفية إلى أنَّه لما كانت درجة الشوق تتناسب مع مكانة الموضوع المشتاق إليه، فأي شوق يمكن أن يعادل أو يكون أقوى من الشوق إلى الاتحاد بالله لدى الصوفي، ولعل ذلك مما يزيد في فوران الوجد عندهم. إنه إذن وجد غايته الاتحاد بالله والصوفية الذين يذهبون إلى مثل ذلك الاتحاد بالله يعنون اللفظ والمفهوم تماما (الاتحاد) أي أن يصير المحب والمحبوب شيئا واحدا فعلا: سواء في الجوهر والفعل، أي في الطبيعة والمشيئة والفعل الصادر منها، فتكون الإشارة إلى الواحد عين الإشارة إلى الأخر، ثم تختفي الإشارة لانعدام المشير، فلا يصير ثمت غير واحد أحد هو الكل في الكل.        ويذهب الدكتور عبد الرحمن بدوي إلى أن درجات الشَّطح تتناسب طرديا مع درجات الاتحاد أو الحلول، ونقول الاتحاد أو الحلول لان كليهما صالح لإيجاد ظاهرة الشَّطح.ونلاحظ أن لفكرة الاتحاد أهمية كبيرة في تكوين أو تكييف عملية الشَّطح، خاصة في مجال تفسير الشَّطحات التي تعبر عن تساوي الأديان كلها سماوية وغير سماوية بالنسبة للصوفي. فيرجع تساوي الأديان لدى الصوفي إلى كون الوجود واحدا، والوجود هو الله، فكلُّها إذن من الله تعالى، وبالنسبة إلى الله تعالى تنتفي كل تفرقة حيث أنَّ الكلَّ في واحد.ونذكر طائفة يسيرة من عباراتهم التي اعتذروا عنها بأنها من الشَّطح وأنَّ قائليها معذورون فيما قالوه لأنهم بزعمهم كانوا سكارى غائبين عن وعيهم عند ذكرهم لهذه العبارات‏:-- فقد تواتر ونقل الناس عن أبي يزيد البسطامي أنَّه قال:‏"‏رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي يا أبا يزيد إنَّ خلقي يحبون أن يروك‏!‏‏!‏ فقلت‏:‏زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا‏:‏رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا‏"‏.([3])- وذكر عنه كذلك أنه قال ‏"‏أول ما صرت إلى وحدانيته فصرت طيرًا جسمه من الأحدية، وجناحاه من الديمومة فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية، فرأيت فيها شجرة الأحدية‏"‏، ونقل عنه أيضًا أنه قال‏:‏ ‏"‏سبحاني سبحاني‏"‏ وقال أيضًا ‏"‏ضربت خيمتي بإزاء العرش‏"‏‏، ومر يومًا بمقبرة للمسلمين فقال ‏"‏مغرورون‏"‏ و‏لليهود فقال:‏ "‏معذورون‏"‏‏!‏‏!‏([4])- وأما الشبلي فهو أحد مقدميهم وقادتهم واسمه دلف بن جحدر فقد قيل له يومًا‏:‏يا أبا بكر أخبرنا عن التوحيد فقال‏:‏ للسائل‏:‏ ‏"‏ويحك‏!‏ من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن هم أنه واصل فليس له حاصل، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل ومن ظن أنه قريب فهو بعيد ومن تواجد فهو فاقد، وكلما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف مردود إليكم محدث مصنوع مثلكم‏"‏.‏       وعندما سئل الشبلي عن أبي يزيد البسطامي وعرض عليه بعض ما قاله البسطامي مما نقلناه آنفًا قال الشبلي‏:"‏لو كان أبو يزيد ها هنا لأسلم على يد بعض صبياننا وقال‏:‏ لو أن أحدًا يفهم ما أقول لشددت الزنانير‏".([5]) ومعنى شددت الزنانير جمع زنار وهو ما كان يضعه أهل الذمة على وسطهم تميزًا لهم عن المسلمين‏‏‏.‏     وكان هذا الشبلي أيضًا يقول‏:‏‏"‏لو خطر ببالي أن الجحيم نيرانها، وسعيرها تحرق مني شعرة كنت مشركًا‏"‏.([6]) وذكر عنه أيضًا أنَّه سمع قارئًا يقرأ هذه الآية:(قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) المؤمنون:108.  فقال الشبلي ليتني كنت واحدًا منهم. وذكر عنه كذلك أنه قال‏:‏‏"‏إن لله عبادًا لو بزقوا على جهنم لأطفأوها‏".‏- وثبت عن أبي الحسين النوري أنَّه قال:أنا أعشق الله..وهو يعشقني، وشهدوا عليه أيضًا أنه سمع المؤذن فقال‏:‏طعنه وشم الموت‏!‏‏!‏وسمع نباح كلب فقال‏:‏"‏لبيك وسعديك‏"‏‏!‏‏!‏- وكان أبو حمزة الصوفي إذا سمع صوت هبوب الريح وخرير الماء، وصياح الطيور يصيح ويقول‏:‏لبيك‏!‏‏!‏‏.‏ودخل دار الحارث المحاسبي فسمع شاه مرغيًا‏:‏فقال‏:‏ ‏"‏لبيك يا سيدي‏"‏‏!‏‏!‏‏.([7])‏ ‏       وأما قولهم إنَّ هذا شطح، وغلبة حال وغلبة سكر، ونحو هذا من الأقوال فالرد عليها ما يأتي‏:-‏1- لا نسلم أن قائلي هذه العبارات قد قالوها كما زعموا وهم في حالة هذيان وغيبة عقل، لأنَّ هذه العبارات لها معان محدودة، وهي نسيج مؤلف مركب قصد بها صاحبها أن يدل على عقيدة عنده، ولم يقلها كلامًا غير منضبط ككلام السكران والغائب عن الوعي‏.‏2- إن هذه العبارات قد تلقاها تلاميذ التَّصوف بالقبول واعتقدوا ما فيها بل وشرحوا العقيدة التي تشير هذه العبارات إليها في كتب كاملة‏.‏‏.‏والعقيدة هذه هي أن الأديان جميعًا دين واحد، وأن الخلق جميعًا هم عين الخالق وأنه لا موجود إلا الله‏!‏‏!‏ وأنَّ هذا الخنزير الذي كان يمر به أحدهم فيقول له عم صباحًا‏!‏‏!‏ هم مظهر من مظاهر الخالق-تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- ونستغفر الله من كتابة أقوالهم وإعادتها وكذلك هذه الشاة التي ترغي فيقول لها أحدهم لبيك يا سيدي،ما قال ذلك في غلبة السكر، وفي رؤيته للنار أو النعيم، ولا لتذكره لآية من كتاب الله وإنما قال ذلك لأنه سمع ثغاء شاة، أو نباح كلب، ومثل هذه الأصوات لا تخلق في المسلم ‏‏حالة‏ ولا تجعل عنده وجدًا يحمله على الغياب عن الوعي حتى يقول مجيبًا له ‏"‏لبيك يا سيدي‏"‏‏!‏‏!‏      وأيضًا ما الذي يبعثه نداء المؤذن في قلب الصوفي حتى يرد عليه قائلًا‏.‏‏.‏ضربه وشم الموت‏!‏‏!‏، هل سماع المؤذن يؤدي إلى حالة وجد وغياب عن الوعي حتى يقول سامع المؤذن‏:‏ ضربك أيها المؤذن وشم الموت‏!‏‏!‏ نعم هي حالة حقيقية للزنديق عند سماع المؤذن لأنه لا يريد لصوت الداعي إلى الله أن يعلو‏.‏‏.‏لأنه يكفر بالإسلام والصلاة ويريد لأصوات الكلاب والخنازير أن يقبلها المسلم بقولهم:‏لبيك يا سيدي‏"‏‏!‏‏!‏‏.‏‏.‏- وفي كتاب اللمع للطوسي قوله:‏"‏وأخذوا عليه - يعني أبا الحسن النوري‏- أنه سمع أذان المؤذن فقال‏:‏ طعنه وشم الموت، وسمع نباح الكلب فقال‏:‏لبيك وسعديك‏"‏‏.‏ ومثله تمامًا ما نقلناه آنفًا عن أبي يزيد أنه اجتاز بمقبرة لليهود‏:‏ فقال‏:‏معذورون‏.‏ وبمقبرة للمسلمين فقال‏:‏مغرورون‏!‏‏!‏ فأي غلبة حال وسكر، وهذيان غلبت على هؤلاء حتى قالوا ما قالوا‏.‏‏.‏وأليست هذه عقيدة زنديقية واحدة‏.‏‏.‏ثم ما هذا ‏‏المربي‏‏-زعموا- الذي رأى مريده يقتل قملة فقال له‏:‏ قاتلك الله شفيت غيظك بقتل قملة‏!‏‏!‏ وهذا الشيخ نفسه يمر على الخنزير فيقول له‏:‏عم صباحًا‏!‏‏!‏3- ثم إننا نسأل إذا كان مثل هذه العبارات يسميها الصوفية شطحًا وهذيانًا، فلماذا يعمدون إلى تأويلها وتفسيرها، وإخراج درر معانيها، بل وجعلها من مناقب قائليها ووصولهم إلى الحقيقة‏؟‏‏!‏ فقد فسروا كلام من أجاب الشاة بقوله‏:‏لبيك يا سيدي بأنه علم أن كل شيء يسبح بحمد الله، وأن ثغاء الشاة تسبيح ولذلك أجابها‏.‏‏.‏فإذا كان كلامهم هذا شطحًا فلماذا فسروه وأخرجوا معانيه الغالية‏!‏‏!‏ ودرره الثمينة‏.‏‏.‏وتقول لهم جعل الشاة في موضوع السيادة ليس تعظيمًا للخالق‏!‏‏!‏ والسلام ليس موضوعًا ليلقي على الخنازير والكلاب بل ولا على غير المسلم أيضًا لأن السلام تحية خاصة بالمسلمين فقط فإلقاؤها على الكلاب والخنازير مروق من الدين، وخروج عن حقيقة الشريعة المطهرة وظاهرها‏.‏ وأما تفسيرهم لقول النوري الذي دعا على المؤذن بالموت عندما سمع نداءه، بأنه خشي أن يكون هذا المؤذن مرائيًا أو يأخذ أجرًا على أذانه كما زعموا فليس هذا طريق الإنكار على المؤذن وإنِّما النوري أنكر على الأذان وليس على المؤذن‏.‏ وكان يجب لو كان يؤمن بالإسلام حقًا، وبالأذان صدقًا أن يقول كما يقول وأن يصلي بعد ذلك على الرسول ويطلب له الوسيلة والفضيلة، ثم يسارع إلى المسجد ويشهد الصلاة مع المسلمين ثم ينكر على المؤذن أخذه للأجرة لو شاء‏.‏‏.‏ولكن هؤلاء كما أسلفنا ينشرون عقيدة معلومة لديهم تلقوها عن الزنادقة والملاحدة، وهذا الذي يسمونه شطحًا ما هو إلا تأسيس لهذه العقيدة‏.‏4- والأمر الرابع نسألهم‏:‏ هذا السكران بحب الله كما زعمتم‏.‏‏.‏وبرؤية الجلال الإلهي أو الجمال كما تزعمون هل يجلس ليؤلف كتبًا كاملة في هذا الهذيان والسكر وغلبة الحال كما تقولون‏.‏‏.‏أو يكفيه عبارة أو عبارتان، جملة أو جملتان‏.‏‏.‏أعني لو كانوا صادقين أن هذا الكلام الخارج عن موازين الشريعة هذيان وشطح حقًا لكان شيئًا قليلًا ولكن الحاصل والموجود أن هناك عشرات بل مئات بل آلاف الكتب قد شحنت بهذا الكفر والزندقة فكتاب يزعم صاحبه أنه تلقاه من الغيب بالوحي الإلهي ولا يترك كفرًا إلا ويضعه فيه كالحكم ببراءة قوم نوح من الشرك، وجهل نوح لأنه دعاهم إلى التوحيد، والحكم بإيمان فرعون، وجهل هارون لأنه نهى قومه عن عبادة العجل، والعجل هذا في زعم ابن عربي مؤلف كتاب ‏(‏الفصوص‏)‏ هو مظهر من مظاهر الله- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- وكذلك تبرئة إبليس والحكم بنجاته، بل والحكم بأن أهل النار منعمون فهم في عذوبة لا عذاب وأنه وأنه‏.* وآخر وهو عبد الكريم الجيلي يكتب كتابًا يقع في أكثر من مائتي صفحة من القطع المتوسط يسميه ‏(‏الإنسان الكامل‏)‏ لا يترك كفرًا في الأرض إلا ويجعله فيه؛ من ذلك أنه يصف رحلة مزعومة له من الأرض إلى السماء الدنيا، حيث يصف ما فيها وأنه قابل فيها فلانًا وفلانًا من الأنبياء وناقشهم واستفاد منهم، ثم السماء الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة والسادسة والسابعة وإلى الكرسي والعرش والحجب السبعين‏!‏‏!‏ ويصف ما رآه هناك ثم يعود ليهبط إلى الأرض الأولى فالثانية فالثالثة، فالرابعة وحتى السابعة ويقابل فيها أولياء وروحانيين وفلاسفة وحكماء، ويدعي أن من لم يصدق هذا فهو كافر‏!‏‏!‏- إسماعيل بن عبد الله السوداني كتب كتابًا يسميه(‏مشارق شموس الأنوار ومقارب حسها في معنى عيون العلوم والأسرار سنة 1262هـ):يصف فيه مشاهداته الحسية للسماوات السبع العلى، وللأرضين السبع، والقارئ يجد فيه فصولًا من هذيانه وتخليطه كما في باب‏(‏المعراج الصوفي‏)‏ من هذا الكتاب‏.‏‏.‏وغير هذا‏.‏‏.‏وهذا شيء يصعب إحصاؤه واستقصاؤه وإن جئت تناقش بعض المدافعين عن هذا الهذيان يقولون لك تارة هذا شطح، وتارة هذه كرامة، وتارة هذا فتح، وهذا تناقض منهم وسنناقش دعوى الفتح والكرامة في موطن آخر من الكتاب والمهم هنا أن نرد على دعواهم أن مثل هذا من الشَّطح، فيقول كيف يكتب كاتب كتابًا يقسم أبوابه ويضع فصوله ويقول للناس هذا من عند الله وتدعون أنتم أنه شطح وهذيان وأن قائله معذور لأنه قاله في غلبة حال وضياع عقل‏!‏‏!‏ أليس قولكم هذا تلبيسًا على الناس، واستهزاء بعقولهم‏!‏‏!‏   والشَّطح لا يكون كتبًا كاملة مؤلفة منسقة منفصلة‏!‏‏!‏وإنما هذه عقيدة ودين باطني يريد أربابه به صرف المسلمين عن عقيدة الكتاب والسنة إلى الكفر والإلحاد والزندقة‏.‏5- ثم نقول لهؤلاء إثباتكم أن الصوفية يشطحون ويقولون ما لا يريدونه، ولا يقصدونه في أقل أحواله إثبات لأحوال غريبة وبدعة منكرة ما كان عليها أحد من سلف الأمة الصادقين كالصحابة والأئمة فهل سمعتم أنَّ أبا بكر وعمر والخلفاء والصحابة شطحوا‏!‏‏!‏ وهل وٌجد في التابعين لهم بإحسان من عرف عنه شيء من ذلك، وهل كان الأئمة الأربعة من أهل الشَّطح أليس الشَّطح الصوفي دليلًا على الابتداع والخروج عن الدين القويم‏.‏‏.‏‏؟‏أليس الإمام الشافعي قد قال‏:‏‏"‏لا أرى شخصًا يتصوف في أول النهار، إلا وأصبح أحمق في آخره‏!‏‏!‏‏".‏ أليست هذه كلمات من نور الإمام الشافعي الذي رأى بعينه بدايات التَّصوف وأخبر أنَّ يوماً واحداً في التَّصوف يكفي لجعل الشخص أحمقا‏.‏ فأنتم باعترافكم أنَّ هذا شطح إنَّما تسجلون على أنفسكم الحماقة والبدعة والخروج عن نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ورضي الله عن الشافعي الذي يقول أيضًا:‏"‏ما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد عقله إليه أبدا‏ًً"‏.([8]) ‏      إنَّ هذا الشَّطح الذي يأتي مما يسمُّونه بالحال ما هو إلا وخز شيطاني وتحريك إبليسي،هذا عند الصادقين منهم، وأمَّا الكاذبون فإنَّهم يفتعلون ما يفعلون لإيهام العامة والسذج بأنهم من أهل الأحوال ومن المشاهدين لما يسمونه بحضرة الجلال أو الجمال‏!‏‏!‏وذلك كله من الرياء والنفاق، وسوء الأخلاق‏.‏ ومخالفته هدي سلفنا الصالح، والخروج على مناهج الأنبياء عليهم السلام.قواعد التربية في المنهج الصوفي:        لقد وضع المتصوفة لهم قواعد خاصة للتربية حسب منهجهم الصوفي فحددوا أهدافًا خاصة للتربية ووضعوا شروطًا في المريد ‏(‏وهو اسم أطلقوه على الطالب أو المبتدئ‏)‏ وشروطًا خاصة بشيخ الطريق، ومنازل يسير فيها السالك في دربهم‏.‏ وقد بدأ وضع ملامح هذا المنهج منذ بدأ الفكر الصوفي في الظهور في أواخر القرن الثاني الهجري، وبلغ هذا المنهج الغاية تقريبًا مع نهاية القرن الرابع الهجري حيث أسست الخانات والأماكن الخاصة التي يتجمع فيها الصوفية وكانوا يسمون بالفقراء أولاً‏.‏       وكانت لهم في هذا الوقت مشاعر خاصة، كالسماع والذكر الخاص، ورسوم وإشارات وملابس خاصة، ولم يكن لهؤلاء الفقراء أو المتصوفة في القرن الثالث وأوائل القرن الرابع شيخ خاص بكل فريق وإنما كانوا يتربون على ما يسمعونه ويتناقلونه من كلام مشايخهم بوجه عام‏.‏ ولكن منذ أواسط القرن الرابع بدأ التربي على الشيخ الخاص وأن يكون لكل جماعة شيخ معلوم لا يتجاوزونه إلى غيره ثم يرثه بعد ذلك شيخ على منهجه وطريقته‏.‏ وهكذا ومنذ ذلك الوقت عرف ما يسمى بالطريقة الخاصة‏.‏ ثم تدرج الأمر وتحولت وراثة الطريق إلى وراثة النسب فكان الأبناء يرثون آباءهم في الطريق وأحيانًا ما كانت الزوجات هن اللائي يرثن الأزواج وهن اللائي يسلكن المريدين ويعطين العهود‏.‏‏.‏باختصار تحولت الطريقة الصوفية في أواخر عهودها وخاصة بعد القرن العاشر الهجري إلى طرق وراثية، وإمارات خاصة وإقطاعيات دينية يرث فيها الأبناء جمهور الطريق والرعية التي كانت لآبائهم من قبل‏.‏    وعلى مر هذه العصور وضع المتصوفة لهم آدابًا خاصة في التربية وشروطا خاصة في المريد وها نحن نذكر لك بالتفصيل هذه الآداب والقواعد التي دونها علماء التَّصوف في كتبهم لينشأ لهم في النهاية الجيل الصوفي الذي يريدون‏.‏ أولا: اتخاذ الشيخ:     أول ما يجب على مريد الطريق الصوفي أن يتخذ شيخًا له ليدله على الطريق‏.‏ يقول عبد الكريم القشيري:‏"‏ثمَّ يجب على المريد أن يتأدَّب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان‏"‏([9])‏‏‏، وهذا النص قد كتبه سنة 387هـ، وهو يدلُّك على أنَّ قضية وجوب اتخاذ الشيخ قضية قديمة، واتخاذ الشيخ قد تفسر بأنَّ لها سنداً من الكتاب والسنة في أنَّ الرسول صبى الله عليه وسلم علَّم أصحابه، والأصحاب علَّموا التابعين وهكذا، ولكنَّ هذا استدلال من لا يعلم ماذا يعني الشيخ في الطريق الصوفي‏!‏    إنَّ الشيخ يعني شيئًا آخر تماماً كما ستأتي مواصفات الشيخ والشروط والآداب التي يجب مراعاتها معه‏.‏     والمهم أنّ نعلم أنَّ كون من لم يتخذ شيخًا لا يفلح أبداً ليس بصحيح فمن الممكن أن يهتدي المسلم بسماعه للقرآن وقراءته للحديث من شيخ أو طالب علم، أو كتاب ولا يشترط في الهداية الالتزام بشيخ معين بل لو سمع المسلم من عشرات الشيوخ لكان هذا أحكم له وأعلم وهكذا كان سلفنا الصالح يسمعون الحديث النبوي من أهله، والفقه من أهله، والقواعد العربية من أهلها، والتفسير من أهله وهكذا‏.‏‏.‏وأما في الطريق الصوفي فيجب عليك أن تتخذ شيخًا واحدًا لا تحيد عنه ولا تلتفت إلى غيره، بل لا يجوز أيضًا طلب العلم من غير أهل التَّصوف مطلقًا‏.‏        يقول القشيري بعد أن قرر في زعمه أن طائفة التَّصوف هم أهل الحق وأن علومهم أشرف العلوم‏:‏"‏‏‏ فإذا كان أصول هذه الطائفة أصح الأصول ومشايخهم أكبر الناس وعلماؤهم أعلم الناس فالمريد الذي له إيمان بهم إن كان من أهل السلوك والتدرج إلى مقصدهم فهو يساهمهم فيما خصوا به من مكاشفات الغيب فلا يحتاج إلى التطفل على من هو خارج عن هذه الطائفة‏"‏‏.‏وقد قرَّر شيوخ التَّصوف من أهل الطرق الحديثة أنَّ من ترك طريقتهم إلى طريقة غيرهم ابتلي بسوء الخاتمة‏.‏ وهكذا فقد كان رجال التَّصوف قديمًا يأمرون فقط بمجرد الانتساب والسلوك في الطريق الصوفي أياً كان الشيخ أو الطريقة، المهم أنَّ يكون السالك ‏(‏الموفق‏)‏ حسب زعمهم سائراً في هذا الطريق غير ملتفت إلى غيره من مذاهب العلماء والفقهاء الذين يصفهم المتصوفة دائمًا بأنهم علماء رسوم وطلاب دنيا، وتجار‏.‏‏.‏الخ الأوصاف التي يطلقونها على علماء الشريعة لتنفير الناس منهم‏.‏        وانظر مثلاً إلى ما يقول القشيري في التنفير من سماع المريد إلى كلام غير كلام المتصوفة‏:"‏ويقبح بالمريد أن ينتسب إلى مذهب من مذاهب من ليس من هذه الطريقة وليس انتساب الصوفي إلى مذهب من مذاهب المختلفين سوى طريقة الصوفية إلا نتيجة جهلهم بمذاهب أهل هذه الطريقة فإن هؤلاء حججهم في مسائلهم أظهر من حجج كل أحد وقواعد مذاهبهم أقوى من قواعد كل مذهب والناس إما أصحاب النقل والأثر وإما أرباب العقل والفكر وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة فالذي للناس غيب فهو لهم ظهور، والذي للخلق من المعارف ومقصود فلهم من الحق سبحانه موجود فهم من أهل الوصال ‏(‏أي مع الله في زعمه‏)‏ والناس أهل الاستدلال وهم كما قال القائل‏:-‏ليلي بوجهك مشـــرق      وظلامه في الناس ساريفالناس في صدف الظلام       ونحن في ضوء النـهار        وها أنت ترى هنا أنه يقسم علماء الإسلام إلى ثلاثة أقسام‏:‏علماء النقل والأثر، وهم حملة القرآن والحديث والسير وعمل الصحابة والقسم الثاني من سماهم بأرباب العقل والفكر ويعني بهم الفلاسفة والمتكلمين كالمعتزلة والأشاعرة ونحوهم والفريق الثالث المتصوفة ومدح هؤلاء ويقول إن حججهم أظهر وقواعدهم أقوى وأن ما هو غيب عند الآخرين هو شهادة عند المتصوفة يعني أن المتصوفة يشاهدون الله والجنة والنار عيانًا ولا يحتاجون إلى الاستدلال بالقرآن والسنة كما هو شأن علماء الأثر، ولا بالأدلة العقلية كما هو حال علماء الكلام والمنطق والجدل‏.‏ أقول‏:‏ كان الشأن في أول التَّصوف هو إلحاق المريد بركب المتصوفة أيًا كانوا وكيفما كانوا، ولكن في العصور الحديثة أصبح التَّصوف دولًا، وإمارات خاصة، وإقطاعات دينية مستقلة، فالطريقة تدر على أصحابها وأربابها أرباحًا وفيرة ولذلك فلا بد من الاستحواذ على المريدين، وإدخالهم في سلك الطريقة الخاصة وعدم السماح لواحد منهم بتاتًا أن ينفلت من القيد الذي يوضع في رجليه والمقود الذي يوضع في رأسه وإلا ارتد عن دينه وعوقب بسوء الخاتمة‏.‏ فالشيخ في الطريقة الصوفية ليس هو بتاتًا ما يعنيه الكتاب والسنة من اتخاذ المرشد والهادي والداعي إلى الله، وإنما هو التزام أبدي بطريقة خاصة ورجل خاص يقدسه حيًا وميتًا‏.‏ فشتان بين اتخاذ شيخ وإمام في دين الإسلام الصحيح واتخاذ شيخ صوفي ليكون رائدًا للطريقة‏.‏  ثانيًا:مواصفات الشيخ الصوفي        ليس كل شيخ يصلح أن يكون شيخًا في الطريق الصوفي بل لا بد أن يمر بمراحل الطريق من أولها إلى نهايتها، أو على الأقل أن يكون قد أخذ العهد من شيخ سابق أو والد له وقد أذن له الشيخ أو الأب بتسليك المريدين، وإدخالهم في الطريق وتلقينهم الأذكار الخاصة‏.‏‏.‏الخ‏.‏ وحتى تكون المشيخة الصوفية مشيخة معتبرة فقد اخترع المتصوفة قديمًا شيئًا سموه السلسلة الصوفية وهذه السلسلة المزعومة هي عبارة عن سند مزعوم يتناقله الخلف عن أسلافهم، زاعمين أن هذه السلسلة تنتهي ‏‏بالجنيد‏‏ الذي يسمونه سيد الطائفة، وأن هذا الجنيد قد أخذها عن سري السقطي، والسقطي عن معروف، ومعروف عن داود الطائي، وداود الطائي عن حبيب العجمي، والعجمي هذا عن الحسن البصري، والحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏       يقول ابن عربي في فتوحاته‏:‏اعلم أنَّه قد صحَّ وثبت بحكم النقل عند المشايخ‏- ‏هذه الطريقة المتصوفة في الإسناد فلا ذكر لشيوخ النقل ولا كيف نقلوا‏-‏، أنَّ علياً أمير المؤمنين دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، دلني على أقرب الطرق وأفضلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏عليك يا علي، بما نلت بركة النبوة‏.‏ فقال علي‏:‏ما هذا يا رسول الله‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ذكر الله تعالى‏.‏‏.‏قال علي‏:‏يا رسول الله، هكذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون‏.‏ قال:رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏مه يا علي، لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول‏: الله‏.‏ الله، ثمَّ قال‏:‏ أحصيت يا علي، حتى أنا أقوله ثلاث مرات وأنت تسمع مني فإذا أمسكت فقل أنت حتى أنا أسمع منك‏.‏ هكذا لقنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا، ثمَّ لقنَّ علي عليه السلام الحسن البصري، ثمَّ لقنَّ الحسن حبيبًا العجمي، ثمَّ لقنَّ داود معروفًا الكرخي، ولقنَّ معروف سري السقطي، وهو لقنَّ أبا القاسم‏:‏الجنيد محمد بن البغدادي، وعلى هذه السلسلة باقي المشايخ رحمهم الله‏"‏.([10])       والمهم أنَّ الشيخ في الطريق الصوفي يزعم أنَّ له إسنادًا متصلًا، وأنَّه قد أخذ عهداً عن شيوخ سابقين، وأنَّ شيوخه عن شيوخ، وهكذا إلى الجنيد إلى الرسول‏.‏‏.‏ومن هؤلاء الشيوخ أهل التسليك من يقنع بأن يكون مجرد شيخ في الطريقة، ومنهم من ينفصل عن طريقته السابقة ويؤسس له طريقة خاصة باسمه ويؤلف ويبتدع لها من ثم أذكارًا خاصة ومشاعر خاصة‏.‏‏.‏ولكنه لا يقر طبعًا بالتأليف، والابتداع وإنما يزعم لأتباعه ومريديه أنه قد أخذ هذه الأذكار من الحضرة الإلهية هكذا أو من حضرة الرسول، أو من الخضر‏.‏‏.‏المهم أنه لا بد أن يكون للذكر الخاص صلة بالوحي الخاص والإلهام‏.‏‏ وأن يكون للذكر الخاص هذا فضل عظيم لم ينله الأولون ويستحيل أن يناله الآخرون. ثالثًا: آداب المريد:      قد وضع المتصوفة آداباً أوجبوها على المريد والسالك في الطريق الصوفي وهذه أهم هذه الآداب نقول تجاوزا آداب، وإنما هي في الحقيقة جهل وانحلال وعبودية وإذلال‏:-‏1- لا تخالف الشيخ مطلقًا فيما يأمرك به: هذا هو المبدأ الأول والشرط الأول والأدب الأول للمريد، وأن تكون موافقة الشيخ بالقلب والجوارح فلا إنكار ولا مخالفة لشيء مما يقوله مطلقًا ولا اعتراض عليه بلسان أو بقلب وشعارهم دائمًا‏:‏"‏كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي الغاسل‏"‏‏!‏‏!‏ يقول القشيري في بيان ما يجب على المريد‏:‏‏"‏وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه لأن الخلاف للمريد في ابتداء حاله دليل على جميع عمره‏"‏  ويقول أيضًا‏:‏ "‏ومن شروطه أن لا يكون بقلبه اعتراض على شيخه‏"‏‏‏.‏     ومن الأقوال يقصد بها بالطبع إماتة القلب واستسلامه للدواهي والمصائب التي سيتلقاها المريد في طريقه الصوفي‏.‏ وإليك طائفة من الأقوال والحكايات الصوفية التي يراد من ورائها في النهاية استسلام المريد لشيخه ليعبث بعقله وقلبه كيف شاء‏.‏2‏-‏ لا يجوز الإنكار على شيوخ التَّصوف أبدًا ولو مع المنكر دليل‏.‏ يقول أحمد بن مبارك السلجماسي فيما يرويه عن شيخه الجاهل الأمَّي عبد العزيز الدباغ‏:"‏واعلم وفقك الله أنَّ الولي المفتوح عليه أن يعرف الحق والصواب، ولا يتقيد بمذهب من المذاهب‏.‏ ولو تعطَّلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة، وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين‏!‏‏!‏ ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلاله في أحكامه التكليفية وغيرها، وإذا كان كذلك فهو حجة على غيره، وليس غيره حجة عليه، لأنَّه أقرب إلى الحق من غير المفتوح عليه، وحينئذ فكيف يسوغ الإنكار على من هذه صفته، ويقال إنَّه خالف مذهب فلان في كذا، إذا سمعت هذا فمن أراد أن ينكر على الولي المفتوح عليه لا يخلو إمَّا أن يكون جاهلاً بالشريعة كما هو الواقع غالبا من أهل الإنكار وهذا لا يليق به الإنكار، والأعمى لا ينكر على البصير أبدًا‏"‏‏‏. وهذا داهية الدواهي لأنه زعم أنَّ الشيخ له مذهبه الخاص الذي يتلقاه من النبي رأسًا ولا حاجة عنده إلى التلقي من أي مذهب فقهي لأي إمام مجتهد فلا تعترض أيها المريد على شيخك لأنه يتلقى الوحي غضًا طريًا، وهؤلاء العلماء عميان وهو مبصر‏!‏‏!‏        ويقول أيضًا شارحاً القصيدة الرائية في آداب المريد‏:-فذو العقل لا يرضى سواه وإن نأى        عن الحق نأي الليل عن واضح الفجر.والمعنى أن من له عقل سليم وطبع مستقيم لا يرضي سوى شيخه ويدور معه حيثما دار وإن بعد الشيخ في ظاهر الأمر عن الحق بعدًا بينًا كبعد الليل من الفجر ويقول إن للشيخ في ذلك وجهًا مستقيمًا عسى أن يطلعني عليه‏"‏.(‏[11]) ‏وهذا ظاهر في أنه لا يجوز الإنكار على الشيخ والخروج عنه، ولو خرج الشيخ عن الحق وظهر ذلك للمريد ظهور الفجر من الليل‏.‏ وليس هذا فقط هو المدى السيء الذي يريد المتصوفة جر المريد إليه بل هناك ما هو أشد من ذلك وأضل.        ويقول أحمد بن المبارك‏:‏"‏‏‏ومنها‏ أني سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول جاء بعض المريدين لشيخ عارف فقال له يا سيدي القبول لله عز وجل‏.‏ نعم، ثم أمره بالمقام عنده والعكوف على خدمته وأعطاه مسّاحة في رأسها كورة حديد زائدة لا نفع فيها إلا تثقيل المساحة وكان المريد هو وارث الشيخ بشرط أن لا ينتبه لكورة الحديد المذكورة فإن انتبه وقال ما فائدتها، ولأي شيء تصلح، ولا معنى لها إلا التثقيل فإنه لا يرث شيئًا‏.‏ قال رضي الله عنه فبقي في خدمته سبع سنين وهو يخدم بالفأس ولا يتحرك له عرق وسواس، ولا هزته عواصف رياح الشيطان، وصارت الكورة المذكورة بمنزلة العدم الذي لا يرى ولا يسمع فهذه مسألة الصادقين الموفقين رضي الله عنهم والله تعالى الموفق‏"‏.([12])فانظر كيف يكون المريد ‏الصادق‏‏ في زعمهم مع شيخه‏.‏ إنه الذي ينفذ ما يأمره به الشيخ ولا يسأله عنه بتاتًا ولو كان شيئًا غير معقول المعنى ولا فائدة أصلًا منه‏.‏ككرة الحديد هذه التي كانت في رأسها المساحة ‏‏الفأس‏‏‏.‏ وقد جعلوا صدق المريد عدم سؤال شيخه عن هذه ‏‏الكورة‏ التي لا تقع منها‏.‏3- الاعتقاد أن للشيخ شريعته الخاصة، ودينه المستقل: فللشيخ الصوفي أن يشرب الخمر، أو يزني وليس لمريده أن يسأل عن شيء من ذلك‏.‏ يقول السلجماسي أيضًا‏:‏"‏قال محيي الدين العربي رضي الله عنه:ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه منه ولا يزن أحواله بمسيرته أنه فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن والحقيقة يجب التسليم وكم من رجل كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فيه عسلًا والناظر يراه شرب خمرا وهو ما شرب إلا عسلًا ومثل هذا كثير وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة ويقيمها في فعل من الأفعال ويراها الحاضرون على ذلك الفعل فيه ولو رأيناه فلا يفعل كذا وهو عن ذلك الفعل بمعزل وهذه كانت أحوال أبي عبد الله المصلي المعروف بقضيب البان وقد رأينا هذا مرارًا في أشخاص‏"‏.([13])‏‏انظر كيف يفعل مثل هذا الكلام في المريدين فيجعلهم يعتقدون في شيوخهم العصمة حتى لو رأوهم على المعصية جهارًا نهارًا، وهذا غاية في إلغاء العقول والأفهام وذلك حتى تتلقى هذه العقول ما هو شر من ذلك وأقبح من الكلام في العقائد وأصول الدين كلامًا وكفرًا وزندقة لم يقلها اليهود ولا النصارى ولا المجوس‏.‏وحتى يتم تذليل المريد تذليلًا كاملًا ويلغي عقله إلغاءً تاما فإنَّ شيخه يأمره بأوامر في غاية الغرابة بل فيها المعصية الواضحة والكفر الصريح امتحانًا لطاعته، ومعرفة من الشيخ هل بقي من المريد مسكة عقل، أو أثارة علم، أو بقية غيرة أو دين غير الدين الصوفي الباطني فبعضهم يأمرون مريدهم بإحضار زوجاتهم لشيوخهم ليختلي بهن فإن تلكأ أو شك في عفة الشيخ علم أنه غير صادق وشيخ آخر يأمر تلاميذه ومريديه بما هو أقبح من ذلك وهذه بعض حكاياتهم في هذا الصدد‏.‏      ولكن الأمر يختلف تمامًا عند مشايخ التَّصوف إذ العلوم والأسرار التي يجب على المريد أن يتلقاها من شيخه بالغة مبلغها في القبح والنكارة وما لم يكن المريد متهيئًا لقبول هذه الدواهي فإنَّه حتمًا سينفر ويخرج من الطريق ولذلك فلا بد من تهيئته تهيئة كاملة‏.‏ وتوطئته لتحمل العقيدة الصوفية‏.‏‏.‏إذ كيف سيفاجئ الشيخ مريده عندما يطلب منه المريد السر الصوفي كيف سيقول له:يا بني اعلم أنه ليس هناك إله غيري وغيرك فما هذا العالم الذي نعيش فيه إلا الله بكل مظاهره ومصنوعاته فهو عالم قد خلق نفسه بنفسه لنفسه فليس ثَمَّ غير‏.‏‏.‏كيف سيستطيع المريد تقبل ذلك كله إلا أن يكون الشيخ الصوفي قد تمكن من عقل مريده عن آخره من دينه إلى نهايته ومن أخلاقه وشرفه حتى لا يبقى من ذلك شيئًا إلا عبادة شيخه والتصديق أنه وساطته إلى الله وأنه لا نجاة له ولا فلاح له، إلا أن يكون هذا الشيخ هو كل شيء في حياته‏.‏‏.‏هذه هي الغاية التي يسعى إليها الفكر الصوفي من التربية وهي نقل هذه الأفكار الفلسفية الخبيثة إلى أذهان أبناء الإسلام ولذلك فلا بد من سلخهم أولاً من الدين حتى يكونوا بعد ذلك مطية سهلة لهؤلاء الشيوخ يغرسون في أذهانهم ما شاءوا من الخرافات والخزعبلات والهذيان الذي لم تعرف البشرية في كل عصورها مثالًا له‏.‏‏4- لا حركة ولا سكون للمريد إلا بإذن الشيخ:      من آداب المريد الصوفي مع شيخه: أنَّه لا يجوز له أن يتحرك أو يسكن، أو يتصرف في نفسه أو ماله أو زوجته، أو سفره أو إقامته إلا بإذن شيخه، وأنَّه لا يجوز أن يجلس في مجلسه إلا بإذنه، وأن يظهر قدمه أمام شيخه، أو يرفع صوته، أو يسأله من عند نفسه، لأنَّ الشيخ أعلم بما في نفس مريده فلا يجوز أن يبدأ بالسؤال، أو يستفسر عن إشكال، وإنَّما ينتظر في كل ذلك ما يجود به شيخه‏.‏‏.‏لأنَّه في زعمهم هو أعلم بحاله‏.‏‏.‏وليس وراء ذلك عبودية في الأرض‏.‏‏.‏والعجيب أنّ المتصوفة قد أخذوا كل الحقوق والخصوصيات التي جعلها الله تعالى لرسوله عليه السلام فجعلوها حقاً أيضاً للشيوخ. فانظر مثلاً ما يقوله صاحب الرائية وما يشرح به أحمد بن مبارك‏ شعرا:‏‏ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوته        ولا تجهروا كجهر الذي هو في قفريقول السلجماسي‏:‏والله أعلم لا ترفعوا أيها المريدون أصواتكم فوق صوت الشيخ فإن ذلك يخل بالأدب ولا تجهروا له بالقول كجهر سكان القفار والبوادي الذين معهم جفاء وجلافة ولكن عظموه وفخموه وقولوه يا سيدي ويا أستاذي ويا ولي الله ونحو ذلك وأصل هذا الكلام الآية الشريفة:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات:2. قال السهروردي في العوارف:ومن تأديب الله تعالى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات:2.([14])‏       وقال أيضاً:من الأدب مع الشيخ أنَّ المريد إذا كان له كلام مع الشيخ في شيء من أمر دينه أو دنياه لا يعجل بالإقدام على مكالمة الشيخ بالهجوم عليه حتى يتبين له من حال الشيخ أنَّه مستعد له ولسماع كلامه، فكما أنَّ للدعاء أوقاتاً وآداباً وشروطاً لأنَّه مخاطبة لله تعالى، فللقول مع الشيخ أيضا آداب وشروط لأنَّه من معاملة الله تعالى‏!‏‏!‏‏‏ ويسأل الله قبل الكلام مع الشيخ التوفيق لما يجب من الآداب‏".([15])‏        فجعلت الصوفية الشيخ هنا بمنزلة الله سبحانه وتعالى، فكما أنَّ لدعاء الله تعالى شروطًا وآداباً وأوقاتاً‏.‏‏.‏فكذلك يجب أن يكون الكلام مع الشيخ‏.‏‏.‏وانظر قوله:"‏أي لأنَّ معاملة الشيخ من معاملة الله تعالى‏‏‏"،‏ فأي عبودية في الأرض أعظم من هذه‏؟‏‏5- كتمان شيء من الأسرار عن الشيخ:-       إنَّ شيوخ التَّصوف قد فرضوا على المريد أن لا يحجب شيئًا من أسراره عن شيخه، سواء كانت هذه الأسرار معاصي ارتكبها فإنَّ الشيخ يتحملها عنه إذا أفضى بها إليه، وهذا نظير صكوك الغفران عند النصارى، أو كانت في زعمهم مكاشفات وأنوارًا وعلومًا إلهية ‏‏لدنية‏‏ فإنَّ شيخه سيفرح بذلك ويطلب له المزيد‏.‏فهذا أحمد بن المبارك يصف حال المريد مع شيخه، وينقل كلام شيخه عبد العزيز الدباغ لهم فيقول‏:‏"‏وكان ‏‏رضي الله عنه‏‏ يقول‏:‏لا تكتموا عنَّي شيئًا من الأمور التي تنزل بكم في الدين والدنيا، وأخبرونا حتى عن المعاصي التي تقع لكم، وإن لن تخبروني أخبركم فإنَّه لا خير في صحبة يستر معها شيء من أحوال المتصاحبين وكان رضي الله عنه يقول أما أنا فلا أكتم عنكم شيئًا من أموري ثم يشرح لنا رضي الله عنه حاله حتى بلغ ذلك ويذكر لنا جميع ما وقع له من العاديات وغيرها، ويقول لنا ‏‏رضي الله عنه‏ إن لم أخبركم ولم أطلعكم على أحوالي فإن الله يعاقبني ويحاسبني لأنكم تظنون بي الخير فاصبروا حتى أذكر لكم الأمور الباطنية التي لم تطلعوا عليها فمن شاء منكم بعد ذلك أن يبقى معي فليبق وحينئذ يحل لي أكل طعامه وقبول هديته ومن شاء أن يذهب فليذهب فإن سكوتي عن ذكر تلك الأمور غش لكم وما كان رضي الله عنه لأصحابه إلا رحمة محضة يشفع لهم في زلاتهم ويتكفل لهم بنوائبهم ويتحلل لهم ما يخشون عاقبته ويهتم لأمرهم أكثر مما يهتم لأموره‏.‏ وقال لي رضي الله عنه ذات يوم الرجل الذي لا يشاطر صاحبه في سيئاته ما هو بصاحب له، وقال إن لم تكن الصحبة إلا على الحسنات فما هي بصحبة‏.‏ وبالجملة فما كان رضي الله عنه لأصحابه إلا رحمة مرسلة من الله عز وجل، فعلى مثله يبكي الباكون، ولو رمنا تفصيل أعيان الجزئيات الواقعة لنا معه ولغيرنا في هذا الباب لطال الكلام‏"‏.([16])‏‏ 6- ترك العهد الصوفي كفر وردة:-      وبعد فقد يظن أنَّ المريد الذي يلقى مثل هذه الأهوال في طريق التَّصوف يمكنه أن ينفلت في النهاية فيما لو استيقظ فكره، أو صحا ضميره وهذا ظن بعيد ولكن من أجل هذه اليقظة المحتملة أيضا قد قفَّل مشايخ التَّصوف الطريق نهائياً أمام المريد حتى لا يحاول النكال من ربقته؛ فقد جعلوا الخروج من عهد الشيخ خروجاً من الإسلام‏.‏ والعهد الصوفي يؤخذ على المبتدئ والمريد في أوَّل الطريق بأن يلتزم بالدين ويتوب ممَّا كان عليه، ويقول‏:‏ تبت إلى الله على يد الشيخ فلان، وعاهدت الله أن ألتزم طريقته وأن لا أبوح بسره إلا بإذن من الشيخ.      وفي هذا الأمر يقول عبد الكريم القشيري-مبينًا الوقت الذي يعطي في المريد العهد، وأنه يجب عليه التزام الطريق مهما حدث له من المشقات- يقول‏:‏"‏وما لم يتجرد المريد عن كل علاقة لا يجوز لشيخه أن يلقنه شيئًا من الأذكار بل يجب أن يقدم التجربة له فإذا شهد قلبه للمريد بصحة العزم فحينئذ يشترط عليه أن يرضى بما يستقبله في هذه الطريقة من فنون تصريف القضاء فيأخذ عليه العهد بأن لا ينصرف عن هذه الطريقة بما يستقبله من الضر والذل والفقر والأسقام والآلام وأن لا يجنح بقلبه إلى السهولة ويترخص عن هجوم الفاقات وحصول الضرورات ولا يؤثر الدعة ولا يستشعر الكسل فإن وقفة المريد شرّ من فترته والفرق بني الفترة والوقفة أن الفترة رجوع عن الإرادة وخروج منها والوقفة سكون عن السير باستجلاء حالات الكسل وكل مريد وقف في ابتداء إرادته لا يجيء منه شيء فإذا جربه شيخه فيأمر أن يذكر ذلك الاسم بلسانه ثم يأمره أن يسوي بقلبه مع لسانه ثم يقول له‏:‏ اثبت على استدامة هذا الذكر كأنك مع ربك أبدًا بقلبك ولا يجري على لسانك غير هذا الاسم ما أمكنك‏"‏.([17])             الفناء الصوفي       الفناء كلمة مبهمة مجملة قد تعني وجهاً باطلاً بل كفراً وهو ما يسمونه:(الفناء عن وجود السوّي) أي ليس موجوداً إلا الله سبحانه، وكلُّ ما عداه ليس له وجود حقيقي, وهذه هي وحدة الوجود.الفناء لغة: فني فناءً إذا اضمحل وتلاشى وعدم، الفناء نقيض البقاء، والعقل فني يفنى. يقال فني الشيء فناء وتفانوا أي:أفنى بعضهم بعضا في الحرب، وتفانى القوم مثلا أفنى بعضهم بعضا، وفني يفنى فناءً هرم وأشرف على الموت هرما، وقد يطلق على من تلاشت قواه وأوصافه مع بقاء عينه.([18])    وقال تعالى:(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) الرحمن: 26، أي:هالك ذاهب.([19]) وهذا ليس هو المعنى الذي أراده الصوفية، لذلك قال الشعبي: إذا قرأت (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) فلا تسكت حتى تقرأ (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) الرحمن:27، إذ المراد الإخبار بفناء من عليها مع بقاء وجهه سبحانه وتعالى.([20])    ويقابل الفناء البقاء، والفناء والبقاء متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ وكذلك وحدة الشهود ووحدة الوجود: فإذا كنت فانياً عن شيء، فأنت لابد باقٍ بغيره؛ أو إذا كنت باقياً في شيء فأنت، لا محالة، فانٍ عن سواه.    والبقاء على لسان العلم ومقتضى اللغة ثلاثة أنواع:-الأول: بقاء طرفه الأول في الفناء وطرفه الآخر في الفناء مثاله هذه الدنيا التي لم تكن موجودة في الابتداء، ولا تكون موجودة في الانتهاء، وموجودة الآن.الثاني: بقاء لم يكن موجوداً قط ووجد، ولا يفنى أبداً، وذلك هو الجنة والنار والآخرة وأهلها.الثالث: بقاء لا يمكن أبداً أنه لم يكن، ولا يمكن أنه لا يكون، وذلك بقاء الحق وصفاته جل جلاله، لم يزل ولا يزال، وهو قديم مع صفاته، والمراد من بقائه دوام وجوده، ولا مشاركة لأحد معه في أوصافه.([21])الفناء اصطلاحا: هو اسم لاضمحلال ما دون الحق علماً، أو هو ذهاب القلب من هذا العالم، وتعلقه بالعلي الكبير الذي له البقاء.([22]) أو هو أن يغيب المرء عن الناس والخلق، ولا يشهد سوى الله، ويقع في الغيبوبة، ويغيب حتى عن العبادة, وقد يتوهم أنه صار هو والإله شيئاً واحداً، ويظن أنه تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته".([23])    والفناء ينقسم إلى ثلاث درجات:-الأولى:فناء أهل العلم المتحققين به.الثانية: فناء أهل السلوك والإرادة.الثالثة: فناء أهل المعرفة المستغرقين في شهود الحق سبحانه. وقد يسمونه:الجمع أو السُكر، وهذا إذا عاد إليه عقله يعلم أنه كان غالطاً في ذلك، وأنَّ الرب رب والعبد عبد.   وقد تعني هذه الكلمة ما هو جائز شرعاً: وهو ما يسمونه (الفناء عن إرادة السوى) أي لا يحب إلا الله، ولا يوالي إلا فيه ولا يبغض إلا فيه, فهذا صحيح وإن كان لا يسلم لهم بالتعبير بـالفناء لأنّ فيه كما قلنا غموض واشتباه, وأما الفناء الذي يسمونه فناء النفس عن التشاغل بما سوى الله فلا يسلم لهم أيضاً "بل أمرنا الله بالتشاغل بالمخلوقات ورؤيتها والإقبال عليها".([24])      وقسم شيخ الإسلام ابن تيمية الفناء كما يلي:-النوع الأول من الفناء: ويسميه الفناء الديني الشرعي الذي دعت إليه الرسل وأنزلت به الكتب.([25]) وهو الفناء عن عبادة السوي وهذا حال النبيين عليهم السلام وأتباعهم.([26]) وهو الفناء عن إرادة ما سوى الله تعالى، بحيث لا يحب إلا الله، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يطلب غيره؛ وهو المعنى الذي يجب أن يقصد بقول الشيخ أبي يزيد حيث قال:"أريد أن لا أريد إلاّ ما يريد "أي المراد المحبوب المرضي؛ وهو المراد بالإرادة الدينية وكمال العبد أن لا يريد ولا يحب ولا يرضى إلا ما أراده الله تعالى ورضيه وأحبه، وهـو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ولا يحب إلا ما يحبه الله كالملائكة والأنبياء والصالحين. وهذا معنى قوله تعالى:(إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قالوا:هو السليم مما سوى الله، أو مما سـوى عبـادة الله…([27]) وهو أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبحبه عن حب ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وطاعته عن طاعة ما سواه.([28])      ولعلَّ هـذا المعنى الذي أشـار إليـه أبو القاسم عبد الكـريم القشيري (376-465هـ) بقوله:"الفناء سقوط الأوصاف الذميمة وبروز الأوصاف المحمودة، وذلك أيضاً ما ذهب إليه الجرجاني.([29])    وقد أشار أبو حامد الغزالي في تهذيب الأخلاق إلى هذا النوع من الفناء بقوله: كما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض لا تعالج إلا بضدها، فإن كانت بالحرارة فبالبرودة وإن كانت برودة فبالحرارة، فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها، فيعالج مرض الجاهل بالتعلم، ومرض البخل بالتسخي، ومرض الكبر بالتواضع".([30])     ويوضح ذلك علي بن عثمان الهجويري رحمه الله بقوله:"حين يفنى الجهل فلا محالة أن يبقى العلم، وحين تفنى المعصية تبقى الطاعة، وعندما يحصل للعبد العلم والطاعة فإن الغفلة تفنى أيضاً ببقاء الذكر.([31])والنوع الثاني من الفناء: وهو الفناء عن شهود السوي، وهو الذي يحكى عن كثير من السالكين، فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله تعالى وعبادته ومحبته وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد وترى غير ما تقصد، ولا يخطر بقلوبهم غير الله، بل ولا يشعرون كما قيل في قوله تعالى:(وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) القصص:10، قالوا فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى وهذا كثير يعرض لمن عرض له أمر من الأمور إما حب، وإما خوف، وإما رجاء يبقى قلبه منصرفاً عن كل شيء إلا عما قد أحبه أو خافه أو طلبه؛ بحيث يكون عند استغراقه لا يشعر بغيره. فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب بموجود عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته حتى يفنى من لم يكن، وهي المخلوقات المبعدة ممن سواه، ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى، والمراد فناؤها في شهود الرب وذكره، وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها، وإذا قوي هذا ضعف المحب حتى اضطرب في تمييزه. فقد يظن أنه هو محبوبه كما يذكر أن رجلاً ألقى نفسه في اليم فألقى محبه نفسه خلفه فقال: أنا وقعت فما أوقعك خلفي قال:غبت بك عني فظننت أنك أني.([32])أما النوع الثالث من الفناء:وهو الفناء عن وجود السوي، بحيث أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، وأن الوجود واحد بالعين، وهو قول أهل الإلحاد والاتحاد الذين هم من أضل العباد.([33]) وأهل هذا المقام يشهدون الحق قبل شهود الخلق، بمعنى أنهم لا يرون الخلق أصلاً، إذ لا ثبوت له عندهم لأنهم لسكرتهم غائبون عن الواسطة…وفي هذا المقام قال بعضهم:ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه.([34])     يقول أحد مشايخ الطرق في هذا المعنى:ففـي فنائـي فنـاء فنائي           وفي فنائي وجدتُ أنتَمحوت اسمي ورسم جسدي                 سئلتَ عني فقلت أنت([35])وهذا الفناء هو غاية الصوفية، وهو نهاية ما تصبو إليه، وتطمئن له قلوبهم ومسامعهم.([36])      ونستطيع أن نجمل ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما يلي:-1- فناء الصفات والإرادة:بحيث يجعل الصوفي فناء صفاته الذميمة ليبقى بصفاته الحميدة، فيفنى عن الجهل ليحصل له العلم، ويفنى عن الشرك ليحصل له التوحيد، ويفنى عن الكبر ليحصل له التواضع، ويفنى عن المعصية لتحصل له الطاعة.وهذا النوع من الفناء موافق لما جاءت به الرسل عليهم السلام، لأن كلمة التوحيد فيها التخلي قبل التحلي، والبراء قبل الولاء، لا إله إلا الله، فلا إله براءة من جميع الآلهة وتخلي عنها، إلا الله الولاء لله وحده والعبادة له وحده سبحانه.2- فناء الشهود:وهو أن يفنى العبد عن شهود الخلق، ويبقى شاهداً للحق سبحانه، فهو لانسيابه واستمراره في ذكر الله على لسانه وعلى فكره فيشهد الله عز وجل ويغيب عن الخلق.      وفي هذه الحالة يفقد الصوفي التمييز بين المخلوقات لغيابه في فنائه عن شهودها، وليس هذا هو الكمال، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل البشر على الإطلاق، كان يميز بين المخلوقات وكان صلى الله عليه وسلم أعظم ذكراً وفكراً من غيره وأكثر استغراقاً أيضاً.3- فناء الوجود:وهو أن يفنى الصوفي عن وجود ذاته ليبقى بذات ربه عز وجل وهذا هو عين القول بالحلول وبوحدة الوجود، وهذا هو قول الملاحدة والفلاسفة القدماء، وهذا النوع هو غاية ما يصبو إليه غلاة الصوفية.وإذا قال الصوفي:"لا أرى شيئاً غير الله"، فهو في حال وحدة شهود. وإذا قال:"لا أرى شيئاً إلا وأرى الله فيه"، فهو في حال وحدة وجود. ولعل هذا أوجز تبسيط ممكن لهذين الاصطلاحين اللذين يختزلان التجربة الصوفية في كل أبعادها. فحال وحدة الشهود هي حال الفناء، وحال وحدة الوجود هي حال البقاء.     يقول ابن عجيبة:"إن الفناء هو أن تبدو لك العظمة فتنسيك كل شيء، وتغيبك عن كل شيء، سوى الواحد الذي "ليس كمثله شيء"، وليس معه شيء، أو تقول:هو شهود حق بلا خلق، كما أن البقاء هو شهود خلق بحق...فمن عرف الحق شهده في كل شيء، ولم يرَ معه شيئاً، لنفوذ بصيرته من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح، ومن شهود عالم المُلك إلى شهود فضاء الملكوت. ومن فني به، وانجذب إلى حضرته غاب في شهود نوره عن كل شيء ولم يثبت مع الله شيئاً".[37]))الرد على القائلين بالفناء:1- القول بالفناء يرجع إلى أصول غريبة، فهو يشبه مذهب النسطورية من الروم النصارى، وهو أنهم يقولون بأن مريم فنيت عن كل أوصاف الناسوت بالمجاهدة، واتصل بها بقاء اللاهوت، وأدركت البقاء بذلك، حتى بقيت ببقاء الله، وكان عيسى نتيجة ذلك، ولم يكن تركيب عيسى من أصل إنساني، لأن بقاءه تحقيق لبقاء الإلهية، فهو وأمه والله باقون ببقاء واحد هو القديم، وصفة الحق".([38])2- القول بالفناء يجعل المحدث محل للقديم والقديم محل للمحدث ولا يمكن أن يكون المحدث محل للقديم، والقديم محل للمحدث، وكيف يكون للقديم وصف محدث، وللحديث وصف قديم؟ وجواز هذا هو مذهب الدهرية…ولو جاز أن تحل صفة القديم في المحدث، أو صفة المحدث في القديم، لجاز أن يقال للمحدث صانع، وللصانع محدث، وهذا ضلال، ولأنه لو جاز ذلك لكان حكم الشيئين سواء وهذا محال".([39])3- لم يرد في الكتاب، ولا في السنة، ولا في كلام الصحابة والتابعين مدح لفظ الفناء ولا ذمه، ولا استعملوا لفظه في هذا المعنى البتة، ولا ذكره مشايخ الطرق المتقدمون ولا جعلوه غاية أو مقاماً. بل هو مذكور في كلام القدماء قبل الإسلام بمئات السنين، في فلسفة الهند والصين واليونان. وابن القيم رحمه الله قال:إن القول بالفناء فيه تفصيل، وقد تقدم تفصيل ذلك، وإذا كنا نعيب على الصوفية قولهم بالفناء، فنحن لا نقصد فناء الصفات والإرادة بمعنى ترك الصفات الذميمة والاتصاف بالصفات الحميدة وجعل إرادة الإنسان متعلقة بما يريده الله إرادة شرعية وبما يأمر به ويحبه، بل نعيب عليهم عدم التمييز أو القول بما يشبه قول الملاحدة والاتحادية والحلولية.4- إن العبد حين يفنى عن حسه وشعوره وتحصل له غيبة عن نفسه وحضور مع الله، لا يكون على الكمال، بل الذي يعبد الله مع إحساسه بذاته، وشعوره بذاته وما حوله أكمل قال ابن القيم:"فتأمل حال عبدين في خدمة سيدهما، أحدهما يؤدي حقوق خدمته، في حال غيبته عن نفسه وعن خدمته لاستغراقه بمشاهدة سيده، والآخر يؤديها في حال كمال حضوره وتمييزه وإشعار نفسه بخدمة السيد وابتهاجها بذلك فرحاً بخدمته وسروراً والتذاذاً منه، واستحضاراً لتفاصيل الخدمة ومنازلها وهو مع ذلك عامل على مراد سيده منه لا على مراده من سيده فأي العبدين أكمل؟" بلا شك أن من عبد الله مستحضراً فكره وشعوره وإحساسه أكمل. فإن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين عرج به إلى السماوات العلا ورأي من آيات ربه الكبرى، لم تعرض له هذه الحال أي حال الفناء بل كان كما وصفه الله تعالى:(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:17-18، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.([40])5- يزعم بعضهم أن الفناء هو اصطلاح اصطلحه القوم ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذا الكلام لا يصح ولا يقبل لأن هذا الاصطلاح ترتب عليه فساد ففيه مشاحة لأنه هو الأساس الذي بنى عليه القوم مذهبهم في القول بوحدة الوجود، وما لزم منه الباطل فهو باطل.([41])     وذكر ابن حجر العسقلاني رحمه الله:إن أكابر غلاة الصوفية لما تكلموا في مسألة المحو والفناء كان مرادهم بذلك المبالغة في الرضا والتسليم وتفويض الأمر حتى ضاهى بعضهم المرجئة في نفي نسبة الفعل إلى العبد، وجر ذلك بعضهم إلى معذرة العصاة، ثمَّ غلا بعضهم فعذر الكفار ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود.(4) والحقيقة أن كل هذا أوهام, والإسلام يحث على حفظ العقل, فكيف يسعى مسلم لزوال عقله, والصوفي عندما يتحدث عن أسرار الربوبية يحاول شيئاً لا يطيقه الإنسان, لذلك سيصل إلى كارثة وحدة الوجود التي هي كفر, ويفقد فيها الاتزان النفسي, وهي نزعة خفية عند الإنسان الذي لا يخضع للوحي وهي نزعة التكبر والتأله, ويحاول أن يأت بها عن طريق وحدة الوجود وهي نزعة فرعونية عندما قال:"أنا ربكم الأعلى".     إنَّ فكرة الفناء موجودة في الديانة البوذية وتسمى عندهم(نرفانا) وربما أخذها الصوفية عنهم.         الطرق الصوفية  نشأتها:        يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني، المتوفى سنة 561ه‍، وقد رزق بتسعة وأربعين ولداً، حمل أحد عشر منهم تعاليمه ونشروها في العالم الإسلامي، ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتَّصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما رغم عدم لقائه بالحسن البصري، كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب، وإحياء الموتى، وتصرفه في الكون حياً أو ميتاً، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة. ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه:"قدمي هذه على رقبة كل ولي لله"، وكان يقول:"من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي في حاجة قضيت له"، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية      يقول السيد محمد رشيد رضا:"يُنقل عن الشيخ الجيلاني من الكرامات وخوارق العادات ما لم ينقل عن غيره، والنقاد من أهل الرواية لا يحفلون بهذه النقول إذ لا أسانيد لها يحتج بها".([42])       كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي ت 540ه‍ ويطلق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق، وينسج حوله كتَّاب الصوفية – كدأبهم مع من ينتسبون إليهم–الأساطير والخرافات، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية. ومن هذه الأقوال:"كان قطب الأقطاب في الأرض، ثمَّ انتقل إلى قطبية السماوات، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال".([43]) وقد تزوج الرفاعي العديد من النساء ولكنه لم يعقب، ولذلك خلفه على المشيخة من بعده علي بن عثمان ت584ه‍ ثمَّ خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604ه‍، ولأتباعه أحوال وأمور غريبة ذكرها الحافظ الذهبي ثمَّ قال:"لكن أصحابه فيهم الجيد والرديء".وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587ه‍ ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604ه‍، صاحب مدرسة الإشراق الفلسفية التي أساسها الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر، ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة والتعطيل والقول بالفلسفة الإشراقية، ممّا حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره وزندقته فأمر بقتله ردة، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض أو الظهور المستمر. ومن كتبه: حكمة الإشراق، هياكل النور، التلويحات العرشية، والمقامات. وتحت تأثير تراكمات مدارس الصوفية في القرون السالفة أعاد ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، عقيدة الحلاج، وذي النون المصري، والسهروردي. وفي القرن السابع الهجري دخل التَّصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقب بالشيخ الأكبر.ثم أبو الحسن الشاذلي 593-656ه‍: صاحب ابن عربي مراحل الطلب -طلب العلم- ولكنهما افترقا حيث فضّل أبو الحسن مدرسة الغزالي في الكشف بينما فضل ابن عربي مدرسة الحلاج وذي النون المصري، وقد أصبح لكلتا المدرستين أنصارهما إلى الآن داخل طرق الصوفية، مع ما قد تختلط عند بعضهم المفاهيم فيهما، ومن أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي ت656ه‍ أبو العباس ت686ه‍، وإبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي تـ675ه‍. ويلاحظ على أصحاب هذه المدرسة إلى اليوم كثرة اعتذارها وتأويلها لكلام ابن عربي ومدرسته.       وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت672ه‍. وأصبح القرن الثامن والتاسع الهجري ما هو إلا تفريع وشرح لكتب ابن عربي وابن الفارض وغيرهما، ولم تظهر فيه نظريات جديدة في التَّصوف. ومن أبرز سمات القرن التاسع هو اختلاط أفكار كلتا المدرستين. وفي هذا القرن ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية ت791هـ. وكذلك القرن العاشر ما كان إلا شرحاً أو دفاعاً عن كتب ابن عربي، فزاد الاهتمام فيه بتراجم أعلام التَّصوف، والتي اتسمت بالمبالغة الشديدة. ومن كتب تراجم الصوفية في هذا القرن: عبد الوهاب الشعراني ت 973ه‍ صاحب الطبقات الصغرى والكبرى.      وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية، وانتشرت الفوضى بينهم، واختلطت فيهم أفكار كلتا المدرستين وبدأت مرحلة الدراوي.ومن أهم ما تتميز‍ به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة، كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها. وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعزف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر.      ومن أشهر رموز القرون المتأخرة:عبد الغني النابلسي 1050-1287ه‍. وأبو السعود البكري المتوفى 1812م، وهو أول من عرف بشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر بشكل غير رسمي. وأبو الهدى الصيادي الرفاعي 1220-1287هـ.‍       والتيجاني ت1281ه‍، ومما يحسن ذكره له أنه اهتم بنشر الإسلام بين الوثنيين، وكون لذلك جيشاً، وخاض به حروباً مع الوثنيين. ومن مؤلفاته: سيوف السعيد، سفينة السعادة، رماح حزب الرحيم على نحو حزب الرجيم. معنى الطريقة الصوفية:       الطريقة الصوفية تعني أولًا النسبة إلى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التَّصوف والوصول إلى رتبة الشيخ المربي‏.‏ ويدعي لنفسه بالطبع رتبة صوفية من مراتب الأولياء عند الصوفية كالقطب والغوث والوتد والبدل‏.‏‏.‏الخ‏.‏ ولا بد أن يكون من أهل الكرامات والمكاشفات، ويكون له بالطبع ذكر خاص به، يزعم كل واحد منهم أنه تلقاه من الغيب إما من الله رأسًا، أو نزل منه سبحانه مكتوبًا، أو من الرسول صلى الله عليه وسلم في اليقظة أو في المنام، أو من الخضر عليه السلام‏.‏‏.‏المهم لا بد أن يكون له ذكر خاص ينفرد به عن سائر الطرق، ولا بد أن يكون لهذا الذكر الخاص ميزة خاصة وفضل خاص أكبر من الموجود في القرآن والسنة، وأفضل مما عند الطرق الأخرى وهذا بالطبع لجلب ‏‏الزبائن لهذا الطريق الخاص‏.‏ ثم لا بد أن يكون لكل طريق مشاعر خاصة فلون العلم والخرقة لون مميز، وطريقة الذكر الصوفي مميزة، ونظام الخلوة مميز، وهكذا؛ والطرق الحديثة غالبًا ما يتوارثها الأبناء عن الآباء وذلك أن الطريقة التي تستطيع جلب عدد كبير من المريدين والتابعين والأنصار تصبح بعد مدة يسيرة إقطاعية دينية عظيمة تفد الوفود إلى رئيسها‏(‏شيخها‏)‏ من كل ناحية، وتأتيه الإتاوات والصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان وأقيمت الموائد الحسان، ولذلك فإنَّ أصحاب هذه الطرق يقاتلون اليوم عنها بالسيف والسنان‏، ‏وعامَّة الذين يؤسسون الطرق بل جميعهم يصلون نسبهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ويجعلون أنفسهم من آل بيته‏.‏ موقف أئمة الإسلام من التَّصوف:      عرفنا أنَّه لم تعرف كلمة التَّصوف قط في عصر الصحابة ولا التابعين، ولم يكن هناك بتاتاً من يسمَّى بالمتصوف، ولذلك فالتَّصوف بدعة منكرة لم تظهر إلا في أواخر القرن الثاني الهجري، ولذلك لم يدركها الإمامان أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما. وممَّن تكلم فيهم من الأئمة:-1-الإمام الشافعي‏:‏ أدرك الإمام الشافعي بدايات التَّصوف وكان من أكثر العلماء والأئمة إنكارًا عليهم‏.‏ وقد كان ممَّا قاله في هذا الصدد‏:‏‏"‏لو أن رجلًا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق‏"‏‏.‏ وقال أيضًا‏:‏‏"‏ما لزم أحد الصوفيين أربعين يومًا فعاد عقله أبدًا، وأنشد‏:‏ ودعوا الذين إذا أتوك تنسكو وإذا خلوا كانوا ذئاب خفاف وقال أيضًا عندما سافر إلى مصر‏:‏ ‏"‏تركت ببغداد وقد أحدث الزنادقة شيئًا يسمونه السماع‏".‏ ‏‏يعني الغناء والرقص الذي ابتدعه الصوفية في القرن الثاني وما زال مسلكهم إلى اليوم‏‏‏.([44])‏2- الإمام أحمد بن حنبل‏:‏كان لهم الإمام أحمد بن حنبل بالمرصاد فقد قال- فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه وهو الوساوس والخطرات‏-‏:‏ ‏"‏ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون‏"‏‏.‏ وحذّر من مجالسة الحارث المحاسبي وقال لصاحب له‏:‏‏"‏لا أرى لك أن تجالسهم‏"‏‏.‏ وذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال‏:‏"‏حذروا من الحارث أشد التحذير‏!‏‏!‏ الحارث أصل البلبلة -يعني في حوادث كلام جهم- ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام‏.‏ حارث بمنزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس‏!‏‏!‏‏".‏([45])‏     وهذا الكلام من الإمام أحمد يكشف فيه القناع أيضًا عن أنَّ الحارث المحاسبي الذي تسربل ظاهرًا بالزهد والورع والكلام في محاسبة النفس على الخطرات والوساوس كان هو المأوى والملاذ لأتباع جهم بن صفوان المنحرفين في مسائل الأسماء والصفات والنافين لها، وهكذا كان التَّصوف دائماً هو الظاهر الخادع للحركات والأفكار الباطنية‏.‏ ولذلك وقف الإمام أحمد لهؤلاء الأشرار الظاهرين منهم والمتخفين بالزهد والورع وأمر بهجر الحارث المحاسبي وشدد النكير عليه فاختفى الحارث إلى أن مات‏.‏[46]) ‏)‏‏3 - الإمام أبو زرعة الدمشقي: وجاء بعد الإمام أحمد بن حنبل الإمام أبو زرعة رحمه الله فقال أيضًا عن كتب الحارث المحاسبي وقد سأله سائل عنها‏:‏ ‏"‏إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات‏.‏عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب‏.‏ قيل له‏:‏ في هذه الكتب عبرة‏.‏ بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء ‏(‏يعني الصوفية‏)‏ قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق البلخي ثمَّ قال‏:‏ما أسرع الناس إلى البدع‏"‏.‏([47])4- الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد الكريم البزودي ت 478هـ ببخارى‏:‏ قال في كتابه ‏أصول الدين‏ عند التعريف بالتَّصوف‏:‏‏"‏وأما ‏الصوفية‏ فأكثرهم من ‏‏أهل السنة والجماعة‏.‏ وفيهم من يكون صاحب الكرامة، إلا أنه قد ظهر فيهم مذاهب ردية أكثرها ضلال وبدعة‏.‏5 - الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البغدادي ت597هـ: كتب كتاباً فريداً سماه ‏)‏تلبيس إبليس‏)‏ خص الصوفية بمعظم فصوله وبين تلبيس الشيطان عليهم، وكان مما ذكره:"‏وكان أصل تلبيسه عليهم أنَّه صدهم عن العلم، وأراهم أنَّ المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات‏.‏ فمنهم من أراه أنَّ المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم‏.‏ وشبهوا المال بالعقارب، ونسوا أنَّه خلق للمصالح، وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنَّه كان فيهم من لا يضطجع‏.‏ وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة‏.‏ وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري‏.‏ ثم جاء أقوام يتكلمون لهم في الجوع والفقر والوساوس والحظوات، وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي‏.‏ وجاء آخرون فهذبوا مذهب التَّصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة‏.‏ ثمَّ مازال الأمر ينمو، والأشياخ يضعون لهم أوضاعاً ويتكلمون بواقعاتهم‏.‏ ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر‏ .ومنهم هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد‏.‏ وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننًا...‏".([48])- 6الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية:          لقد كان ابن تيمية من أعظم الناس بيانًا لحقيقة التَّصوف، وتتبعًا لأقوال الزنادقة والملحدين منهم وخاصة ابن عربي، والتلمساني، وابن سبعين‏.‏ فتعقب أقوالهم وفضح باطنهم وحذر الأمة من شرورهم وذلك في كتبه ومؤلفاته الكثيرة وفي فتاويه، وكذلك تتبع أقوال المخلطين منهم الذين خلطوا بين القول الطيب والقول الخبيث كالترمذي صاحب كتاب ‏(‏ختم الولاية‏)‏ والغزالي صاحب إحياء علوم الدين‏.‏ ولا شك أنّ من أعظم ما ألف الإمام ابن تيمية في هذا الصدد هو كتابة ‏(الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان‏)‏ فقد فصل فيه القول في الولاية الرحمانية وبيان صفاتها من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وفرق بين ذلك والولاية الشيطانية الصوفية التي تعتمد على الشعبذات والدجل، والكذب، وأكل أموال الناس بالباطل، والسماع والغناء والرقص والبدع المنكرة في الدين، والتظاهر بالصلاح والتقوى.      ولقد أجاد الإمام ابن تيمية رحمه الله أيما إجادة في بيان الكرامة الرحمانية التي هي حق لولي الله، والكرامة الشيطانية التي تجري أحيانًا على أيدي هؤلاء كتظاهرهم بالدخول في النيران وزعمهم أنها لا تضرهم، وحملهم الحيات والثعابين، وضربهم أنفسهم بالسيوف والسهام وغير ذلك من أنواع المخاريق التي يزعمون أنَّها من كراماتهم، وقد قام ابن تيمية نفسه بتحدي هؤلاء الصوفية الذين يزعمون هذه الكرامات، بأن يدخل معهم النار التي يزعمون دخولها، وأنها تحرقهم إن شاء الله ولا تحرقه، شريطة أن يغسلوا أنفسهم أولًا بالخل لإزالة دهن الضفادع الذي يدهنون به أنفسهم حتى لا تؤثر فيهم النار‏.‏ فلما كشف حيلهم وتحداهم وكان ذلك بمحضر السلطان تراجعوا عن ذلك وظهر كذبهم ومخاريقهم، وكان هؤلاء الصوفية من أتباع الرفاعي البطائحي.([49]‏‏)‏‏7-الإمام برهان الدين البقاعي المتوفي سنة 885هـ:    ألف هذا الإمام الجليل كتابًا فذًا فريدًا سماه ‏(‏تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي‏)‏، قال في خطبة هذا الكتاب‏:"‏وبعد‏:‏ فإني لما رأيت الناس مضطربين في ابن عربي المنسوب إلى التَّصوف، الموسوم عند أهل الحق بالوحدة، ولم أر من شفى القلب في ترجمته وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره، أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهرًا، حتى يعلم حاله، فيهجر مقاله، ويعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآله ومآبه، امتثالاً لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏"..وفي رواية عن عبد الله بن مسعود‏:‏"وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل‏"، وما أحضر من النسخة التي نقلت ما تراه منها إلا شخص من كبار معتقديه، وأتباعه ومحبيه‏.‏أقوال أهل العلم في كتاب إحياء علوم الدِّين لأبي حَامد الغزالي:      قال ابن تيمية في نقد كتاب إحياء علوم الدِّين لأبي حَامد الغزالي:"الإحياء فيه فوائد كثيرة, لكن فيه مواد مذمومة فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد, وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه وقالوا:أمرضه الشفاء, يعنون (كتاب الشفاء) لابن سينا في الفلسفة, وفي الإحياء أحاديث وآثار ضعيفة بل موضوعة: كثيرة, وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم, وفيه مع ذلك من كلام مشايخة الصوفية المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة, وأما ما فيه من الكلام في (المهلكات) مثل الكلام على الكبـر والعجب والحسد فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبـي في(الرعاية), ومنه ما هو مقبول وما هو مردود".([50])    وقال ابن الجوزي:"وإني لأتعجب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة, كيف يحل القيام على الرأس طول الليل, وكيف يحل إضاعة المال, وكيف يحل السؤال لمن يقدر على الكسب فما أرخص ما باع أبو حامد الفقه بالتَّصوف وسبحان من أخرجه من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء".([51])      وقال أبو بكر الطرطوشي:"شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما على بسيط الأرض أكثر كذباً منه شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا".([52])    وقال الذهبي:"فيه من الأحاديث الباطلة جملة, وفيه خير كثير لولا ما فيـه من آداب ورسوم وزهـد من طريق الحكماء ومخرف الصوفية".([53])                 [1]- ‏‏‏جواهر المعاني ص94‏‏‏.‏‏ [2]- اللمع ص453‏.[3]- ‏اللمع ص461.‏[4]- ‏‏المصدر السابق ص463-464.[5]- ‏‏ المصدر السابق ص 50‏‏‏.‏[6]- ‏‏ المصدر السابق ص479.[7] -‏اللمع ص492-490‏‏.‏ [8]- تلبيس إبليس‏.‏ [9]- القشيرية ص181.[10]- ا‏لفتوحات المكية‏‏‏.‏ [11]- الإبريز ص203‏‏‏.[12]- ‏الإبريز ص178‏‏‏.‏ [13]-‏ ‏الإبريز ص202‏.‏[14]- الإبريز ص213.[15]- الإبريز ص256‏‏‏.‏  [16]- الإبريز ص212 ‏.[17]- الرسالة القشيرية:عبد الكريم القشيري ص182‏‏‏. [18]- لسان العرب 10/338.[19]- التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية، فالح بن مهدي آل فالح ط1 دار الوطن الرياض 1414هـ ص423.[20]- مدارج السالكين 3/318.[21]- كشف المحجوب للهجويري دراسة د. إسعاد عبد الهادي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر 1395هـ-1975م، 2/481.[22]- مدارج السالكين 3/369-370.[23]- البقاعي: تنبيه الغبي ص 81.-[24] سير أعلام النبلاء: الذهبي 15/393.[25]- الرسالة التدمرية لابن تيمية:المكتب الإسلامي، ط2،1391هـ، ص137.[26]- مجموع الفتاوى 2/314.[27]- السابق 10/218.[28]- السابق 2/314، التدمرية ص137.[29]- الرسالة القشيرية ص67، التعريفات للجرجاني ص169.[30]- الإحياء للغزالي 3/61.[31]- كشف المحجوب للهجويري 2/481.[32]- الفتاوى 10/219، 2 /313،ا نظر التدمرية، ص137.[33]- الرسالة التذمرية ص138، وانظر مجموع الفتاوى 2/10، 313/323.[34]- التصوف حياة وسلوك:الشيخ محمد الفقي، تقديم عبد الحميد محمود-القاهرة، 1399هـ- 1979م، ص58-59.[35]- ديوان الحلاج ص 31.[36]- التصوف حياة وسلوك، ص391.[37]- إيقاظ الهمم في شرح الحكم: أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني، ط 2، مصر 1972، ص 296.[38]- كشف المحجوب / للهجويري 2/484.[39]- السابق 2/484-485.[40]- انظـر:التحفـة المهديـة شرح التدمرية:فالح بن مهدي آل فالح، ط1، 1414هـ، دار الوطن، ص 424-425.[41]- انظـر:مجلـة البحوث الإسلاميـة، عدد 41، إدارة البحوث في الرياض، سنة 1414 – 1415، ص215.4- فتح الباري، دار الفكر ببيروت، أشرف على طبعه محب الدين الخطيب13/348[42]- دائرة المعارف الإسلامية11/171.[43]- طبقات الشعراني ص141، قلادة الجواهرص42.[44]- تلبيس إبليس ص371‏‏.[45]- تلبيس إبليس ص‏‏ 166ـ167.[46]- ‏تلبيس إبليس:ابن الجوزي ص167.[47]-‏ المصدر السابق ص166-167‏‏‏.‏[48]- ‏تلبيس إبليس ص 167-163‏‏‏‏.‏[49]- انظر مناظرة ابن تيمية لدجاجلة البطائحية الفتاوي الكبرى من ص445ـ476[50]- الفتاوى:10/551.[51]- تلبيس إبليس ص 353.[52]- عبد اللطيف آل الشيخ: الرسائل 3/137.[53]- المصدر السابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق