الأحد، 23 أغسطس 2015

الرد على عقائد الصوفية =عقيدتهم فيى القراءن
لقد عمد المتصوفة قديماً وحديثاُ إلى صرف الناس عن القرآن والحديث بأسباب شتى وطرق ملتوية جداً ومن =هذه الطرق ما يلي:الزعم أن التدبر في القرآن يصرف النظر عن الله: فقد جعلوا الفناء في الله في زعمهم هو غاية الصوفي، وزعموا أيضاً أن تدبر القرآن يصرف عن هذه الغاية وفاتهم أن تدبر القرآن هو ذكر الله عز وجل لأن القرآن إما مدح الله بأسمائه وصفاته، أو ذكر لما فعله سبحانه بأوليائه وبأعدائه، وكل ذلك مدح له وعلم بصفاته أو تدبر لحكمه وشرعه، وفي هذا التدبر تظهر حكمته ورحمته بخلقه عز وجل ولكن لأن الصوفية يريد كل منهم أن يكون إلهاً ويتصف-في زعمه بصفات الله- فإنهم كرهوا تدبر القرآن لذلك. وهاهو الشعراني يقول في كتابه الكبريت الأحمر: يقول الله عز وجل في بعض الهواتف الإلهية:"يا عبادي الليل لي لا للقرآن يتلى إن لك في النهار سبحاً طويلا فاجعل الليل كله لي وما طلبتك إذا تلوت القرآن بالليل لتقف على معانيه فإن معانيه تفرقك عن المشاهدة...وهكذا وما أمرتك بالتدبر إلا لتجتمع بقلبك علي وأما استنباط الأحكام فلها وقت آخر وثم مقام رفيع وأرفع".([1]) وهذه زندقة عظيمة، إذ أين قال الله هذا الذي يفتريه الشعراني، ثم كيف يقول الله ما يخالف القرآن الحق المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى:)كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته). وقال تعالى:(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد:24، وقال تعالى:(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) قّ:45.
ب- الزعم بأن أجر أذكارهم المبتدعة أفضل من القرآن: قال أحمد التيجاني وغيره إن صلاة الفاتح تعدل كل ذكر تلي في الأرض ستة آلاف مرة..وهذا في المحصلة يؤدي بالناس إلى هجر القرآن إلى الأذكار المبتدعة.
ج- زعمهم أن من قرأ القرآن وفسره عاقبه الله: لأن للقرآن أسرار ورموزاً، وظهراً وبطناً ولا يفهمها إلا الشيوخ الكبار ولو تعرض شيء من تفسيره أو فهمه عاقبه الله عز وجل.
د- جعل القرآن والحديث هو الشريعة والعلم الظاهر وأما العلوم اللدنية الأخرى في زعمهم فهي أكمل وأعلى من القرآن كما قال أبو يزيد البسطامي خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله..وقال ابن سبعين: "لقد حجر ابن آمنة واسعاً إذ قال لا نبي بعدي".وهذا القول من هذا الزنديق في غاية الشناعة والباطل واتهام الرسول!! فلعنة الله على من قال ذلك أو صدقه.. وتابعه في هذا القول.
د- فتح باب التأويل الباطني لنصوص القرآن والحديث: ومن أعظم مخاطر الفكر الصوفي كذلك فتحهم باب للتفسير الباطني لنصوص القرآن والسنة، والحق أنه لا يكاد يوجد آية أو حديث إلا وللمتصوفة الزنادقة تأويلات باطنية خبيثة لها. ويقول ابن الجوزي في وصف ذلك: وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي في تفسير القرآن من كلامهم الذي أكثره هذيان لا يحل نحو مجلدين سماها حقائق التفسير قال في فاتحة الكتاب عنهم أنهم قالوا إنما سميت فاتحة الكتاب لأنها أوائل ما فاتحناك به من خطابنا فإن تأدبت بذلك وإلا حرمت لطائف ما بعدها.
ه- قول الصوفية للقرآن ظاهر وباطن: يقول الشيخ عباس بن منصور السكسكي رحمه الله، المتوفى سنة 683 هـ، في كتابه: البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان:"قد ذكرتُ هذه الفرقة الهادية المهديَّة-أي:أهل السنة-وأنَّها على طريقةٍ متَّبعةٍ لهذه الشريعة النبويَّة...وغير ذلك مما هو داخل تحت الشريعة المطهرة، ولم يشذ أحدٌ منهم عن ذلك سوى فرقة واحدةٍ تسمَّت بـالصوفية، ينتسبون إلى أهل السنة، وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال.
     أمَّا الاعتقاد: فسلكوا مسلكاً للباطنية الذين قالوا:إن للقرآن ظاهراً، وباطناً، فالظاهر:ما عليه حملة الشريعة النبويَّة، والباطن: ما يعتقدونه، وهو ما قدَّمتُ بعض ذكره.
     فكذلك أيضاً فرقة الصوفية، قالت:إنَّ للقرآن والسنَّة حقائق خفيَّة باطنة غير ما عليه علماء الشريعة مِن الأحكام الظاهرة التي نقلوها خَلَفاً عن سلف متصلة بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيد الصحيحة، والنقلة الأثبات، وتلقته الأمَّة بالقبول، وأجمع عليه السواد الأعظم، ويعتقدون أنَّ الله عز وجل حالٌّ فيهم!! ومازج لهم!! وهو مذهب الحسين بن منصور الحلاج المصلوب في بغداد في أيام المقتدر ولهذا قال:أنا الله-تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- وأنَّ ما هجس في نفوسهم، وتكلموا به في تفسير القرآنٍ، أو الحديثٍ النبويٍّ، أو غير ذلك مما شَرَعوه لأنفسهم، واصطلحوا عليه: منسوب إلى الله تعالى، وأنَّه الحق، وإِنْ خالف ما عليه جمهور العلماء، وأئمَّة الشريعة، وفسَّرتْه علماء أصحابه، وثقاتهم، بناءً على الأصل الذي أصَّلوه مِن الحلول، والممازجة، ويدَّعون أنَّهم قد ارتفعت درجتُهم عن التعبدات اللازمة للعامَّة، وانكشفت لهم حجب الملكوت، واطَّلعوا على أسراره، وصارت عبادتهم بالقلب لا بالجوارح.
     وقالوا:لأنَّ عمل العامة بالجوارح سُلَّمٌ يؤدِّي إلى علم الحقائق، إذ هو المقصود على الحقيقة، وهي البواطن الخفيَّة عندهم، لا عملٌ بالجوارح، قد وصلنا، واتصلنا، واطَّلعنا على علم الحقائق الذي جهلته العامَّة، وحملة الشرع، وطعنوا حينئذٍ في الفقهاء والأئمَّة والعلماء، وأبطلوا ما هم عليه، وحقَّروهم وصغَّروهم عند العوام والجهَّال، وفي أحكام الشريعة المطهرة، وقالوا:نحن العلماء بعلم الحقيقة، الخواص الذين على الحق، والفقهاء هم العامة؛ لأنَّهم لم يطلعوا على علم الحقيقة، وأعوذ بالله من معرفة الضلالة، فلمَّا أبطلوا علم الشريعة، وأنكروا أحكامها: أباحوا المحظورات، وخرجوا عن إلزام الواجبات، فأباحوا النظر إلى المردان، والخلوة بأجانب النسوان، والتلذذ بأسماع أصوات النساء والصبيان، وسماع المزامير والدفوف والرقص والتصفيق في الشوارع والأسواق بقوة العزيمة، وترك الحشمة، وجعلوا ذلك عبادة يتدينون بها، ويجتمعون لها، ويؤثرونها على الصلوات، ويعتقدونها أفضل العبادات، ويحضرون لذلك المغاني من النساء، والصبيان، وغيرهم مِن أهل الأصوات الحسنة للغناء بالشبابات، والطار، والنقر، والأدفاف المجلجلة، وسائر الآلات المطربة، وأبيات الشعر الغزلية التي توصف فيها محاسن النِّسوان، ويذكر فيها ما تقدم من النساء التي كانت الشعراء تهواها، وتشبب بها في أشعارها، وتصف محاسنها كليلى، ولبنى، وهند، وسعاد، وزينب، وغيرهنَّ، ويقولون: نحن نكنِّي بذلك عن الله عز وجل!! ونَصرف المعنى إليه.([2])
وقال الإمام المفسر أبو الحسن الواحدي:"صنف أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير- وهو تفسير على الطريقة الصوفية بما يعرف بالتفسير الإشاري- فإن كان يعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر".([3])
ويقول عبد الغني النابلسي الدمشقي الصوفي:"فكل من اشتغل بالعلوم الظاهرة، ولم يعتقد أن وراء ما هو ساع في تعلمه من الفقه والحديث والتفسير حقائق وعلوماً باطنة، رمزها الشارع تحت ما أظهر من هذه الرسوم هي مقصودة له، لأنها المنجية عند الله تعالى، فهو غافل عن الله تعالى، جاهل بدين محمد صلى الله عليه وسلم، داخل تحت قوله تعالى:(يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)الروم:7.([4])
المبحث الثاني: عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم:
       يعتقد الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا عقائد شتى فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف الأنبياء بساحله‏، ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد هو قبة الكون، وهو الله المستوي على العرش، وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي، وكل الكائنات خلقت من نوره، وأنه هو أول موجود، وهو المستوي على عرش الله، وهذه عقيدة ابن عربي ومن جاء بعده‏.‏ ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته، ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة.
الحقيقة المحمدية:
 تعريفها:هي أول المخلوقات، ومبدأ خلق العالم، وهي النور الذي خلقه الله قبل كل شيء وخلق منه كل شيء، أو هي العقل الإلهي الذي تجلى الحق فيه لنفسه فكان هذا التجلي بمنـزلة أول مرحلة من مراحل التنزل الإلهي في صور الوجود، وهي الصورة الكاملة للإنسان الكامل الذي يجمع في نفسه جميع حقائق الوجود.فالحقيقة المحمدية مزيج من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأثر بالفلسفة اليونانية في تقريرها لأول مخلوق, والتأثر بالنصرانية، التي أضفت صفات الربوبية على المسيح عليه السلام.
     "ويستحيل علينا أن نفهم ما يريده المتصوفة بقولهم: "‏الحقيقة المحمدية‏" ‏إلا بمعرفة عقيدتهم في الله‏.‏ فالنظرية الصوفية الفلسفية قد وصلت في نهاية القرن الثالث إلى القول بأن الله هو هذا الوجود القائم المتجدد المتغير، فهو السماوات والأرض والعرش والكرسي والملائكة والإنسان والحيوان والنبات وهو الأزل والأبد- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-وإن كانت عباراتهم تختلف أحيانا فمرة يقولون‏:‏هو الروح الساري في الموجودات ويشبهون هذا السريان بأنه كرائحة الورد في الورد‏.‏ ووجود الروح في الجسم الحي‏.‏ وتارة يقولون نفس وجود الموجودات: هو وجود الله فليس هناك اثنان في الوجود خالق ومخلوق بل المخلوق هو عين الخالق، والخالق هو نفس المخلوق، اعتقد بذلك ونشره في الناس كبار الصوفية من أهل الزندقة والإلحاد كابن عربي، والحلاج، والجيلي، وابن سبعين، ومن على شاكلتهم، وهؤلاء الصوفية أنكروا في كتبهم على من يشهد بأن الله سبحانه وتعالى هو الإله القائم بنفسه المستوي على عرشه البائن من خلقه، والذي هو معتقد المسلمين في ربهم سبحانه وتعالى‏.‏ وقد كان هذا المعتقد أيضًا هو معتقد بعض من نسب إلى التَّصوف ولذلك شدد ابن عربي عليهم النكير أيضًا وخطّأهم ونسبهم إلى القصور وعدم الفهم".([5])
     وعلى أساس هذه النظرية ندرك مغزى ما يقول البوصيري:
وكل آي أتى الرسل الكرامُ بها        فإنما اتصلت من نوره بهم
وقوله:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من        لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
وقول ابن نباته المصري:
لولاه ما كان أرض ولا أفق       ولا زمان ولا خلق ولا جبل
      "وابن عربي له كتاب(التجليات) الذي يزعم فيه أنه التقى برجال التَّصوف السابقين في البرزخ وناقشهم في عقائدهم هذه في التوحيد وبين لهم خطأهم وعرفهم في النهاية أن لا موجود إلا الله، وأنَّ الله والعبد شيء واحد، وأنَّهم أقرُّوا جميعًا بذلك. 
      والمهم أنَّ هؤلاء المتصوفة الذين نقلوا عقيدة وحدة الوجود عن الفلسفة الأفلاطونية واعتقدوها وجعلوها هي الحقيقة الصوفية وسرُّ الأسرار، وهي معتقد أهل الإسلام في زعمهم، نقلوا ما قاله هؤلاء الفلاسفة في نظرياتهم في بدء الخلق، فقد قال الفلاسفة الأقدمون:إنَّ أوَّل شيء بدأ في الخلق هو الهباء ‏(‏أي الذرات‏)‏ وإنَّ أوَّل موجود وجد هو العقل الأول وسموه ‏)‏العقل الفعال‏)‏، وأنه عن هذا العقل الأول نشأ العالم العلوي السماوات والكواكب ثم العالم السفلي‏.‏‏.‏الخ‏".([6])‏
     "هذه النظرية الفلسفية القديمة جاء ابن عربي ونقلها هي نفسها إلى الفكر الصوفي ولكنه استبدل بدلًا من العقل الفعال عند الفلاسفة ما أسماه هو الحقيقة المحمدية فزعم أن أول الخلق كان هباء، وأن أول موجود هو ‏"‏الحقيقة المحمدية‏"‏ التي زعم ابن عربي أنها أول الموجودات وعلى حد تعبيره أول التعينات، أي أول عين تشكلت وتصورت من الذرات. يتطاول ابن عربي ويقول إن هذه ‏(‏الحقيقة المحمدية‏)‏ هي التي استوت على العرش الإلهي‏.‏ فيجعل ما حدثنا الله سبحانه وتعالى به عن نفسه من أنه خالق الخلق، وأنه المستوي على العرش‏.‏‏.‏يلوي ابن عربي كل ذلك ويلبس على المسلمين وينقل لهم كلام الفلاسفة الملحدين في أسلوب جديد بغطاء إسلامي وآيات قرآنية فيقول إن ذات محمد هي أول ذات تكونت من الهباء وهي التي استوت على العرش الإلهي‏.‏ ومن نور هذه الذات خلق الله الخلق جميعًا بعد ذلك فالملائكة والسماوات والأرض كل ذلك قد خلق من نور الذات الأولى".
       "وهي الذات المحمدية عند ابن عربي، والعقل الفعال في الفكر الفلسفي، وهكذا استطاع ابن عربي أن ينقل ترهات الفلاسفة وتخيلاتهم المريضة إلى دنيا المسلمين وعقائدهم بل جعل هذه العقيدة الإلحادية هي العقيدة الأساسية التي قام الفكر الصوفي كله بعد ذلك عليها، فإذا علمنا ماذا يعنيه المتصوفة المتفلسفون بوحدة الوجود وأن الله عندهم ليس ذاتًا يراها المؤمنون في الآخرة وتستوي على العرش، وإنما هو نفس الوجود بكل درجاته وتناقضاته، فالله عندهم هو عين وجود المَلَك والشيطان والإنس والجان، والحيوان والنبات".([7])
        وقـد فصَّل هذه العقيدة عبد الكريم الجيلي الصوفي الزنديق في كتابه(الإنسان الكامل)..فالرسول صلى الله عليه وسلم عندهم ليس هو الرسول عندنا، بل هو عند أساطينهم ومحققيهم هو الله المستوي على العرش، وعند جهلائهم وأغبيائهم هو المخلوق من نور العرش، أو من نور الله، وهؤلاء ربما يعتقدون أن الله موجود قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن العرش مخلوق قبل الرسول صلى الله عليه وسلم.
   ولكن أولئك -المحققين في زعمهم- يعتقدون أن وجود الرسول صلى الله عليه وسلم سابق على وجود العرش بل وجود كل مخلوق لأنه أول (التعينات) أي أول من أصبح عيناً أي شيئاً معيناً ومن نوره تخلقت كل الخلائق بعد ذلك. وأمّا المغفلون منهم فيقـول:يا أول خلق الله..ظانين أنه مخلوق قبل كل البشر، فهو عندهم مخلوق قبل آدم نفسه، وأولئك يقولون:يا أول خلق الله على الأرض قبل العرش والكرسي والسموات والأرض والجنة والنار، بل كل هذه في زعمهم خلقت من نور الرسول صلى الله عليه وسلم.
     ولا شك أن هذا كفر وهذا كفر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد خُلِق بشَراً كما يُخلق سائر البشر وكان خلقه في وقت تكونه نطفة فعلقة فمضغة..ووليداً. قال تعالى:(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ) الكهف:110.
     ولا يخفى أيضاً أن هؤلاء المبتدعين لم يخطئوا فقط في حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كذلك أخطئوا في إعطاء كل ما يجب لله عز وجل من كمالات أعطوها للرسول صلى الله عليه وسلم، من دعاء له، واستغاثة به، وعبادة بكل معاني العبادة.
     والبوصيري بدأ الحديث عن الحقيقة المحمدية التي يستعلي المؤمنون بها وبمعجزاتها في صراعهم مع أصحاب الديانات الأخرى. فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل الذي ينتسب إليه الأنبياء، وكل معجزاتهم ليست إلا قطرة مستمدة من نظرية النور المحمدي. يقول البوصيري:
وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسْلُ الْكِرَامُ بِها            فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بِهِمِ
فَإِنَّهُ شَمْسُ فَضْلِ هُمْ كَوَاكِبُهَا              يُظْهِرْنَ أَنْوَارَهَا لِلنَّاسِ فِي الظُّلَمِ
       وفي ضوء نظرية النور المحمدي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث الحقيقة الروحية قديم أزلي، وجزء من ذات القدس، وهو حي لا يفنى ولا يموت، لكنه من حيث التشخيص الجسماني حادث يمكن أن يضم الترب أعظمه:
لاَ طِيبَ يَعْدِلُ تُرْباً ضَمَّ أَعْظُمَهُ           طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ مِنْهُ وَمُلْتَثِمِ
نقض مزاعمهم:
   هذا الكلام تلفيق بين اليونانية وفق نظرية الفيض النوراني، وبين الخرافات الهندوكية التي تقول بتناسخ الأرواح، والواقع أنّ ثمة رابطاً قوياً بين نظرية الحقيقة المحمدية، وبين احتفالهم بالمولد هي أن الحقيقة تجسدت في شخص النبي صلى الله عليه وسلم في مولده، وهذا ما يهم القوم. أما الشريعة التي جاءت بعد البعث فليست لهم؛ لأنّ علمهم لدنيٌّ مستمد من هذه الحقيقة، ولهذا، فهم يقدسون أولياءهم الذين استمدوا من الرسول صلى الله عليه وسلم العلم والتصريف، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعتقدون حي في قبره، وأن الحقيقة قد انتقلت إلى مَنْ بَعدَه من الأولياء، فلماذا يُحرق عليه وهو لم يمت؟ ولهذا لا نعجب إذا حدثوا أن الرفاعي(صاحب الطريقة الرفاعية) قد مد له النبي صلى الله عليه وسلم يده من القبر فصافحه وأعطاه العهد، أو قالوا قريباً من ذلك عن البدوي أو الدسوقي أو الشاذلي. لكل هذا فهم يقدسون يوم المولد دون غيره.
      والمشكلة أن هذه التي يسمونها(الحقيقة المحمدية)هي غموض كامل وعماء في عماء, ولأنها نشأت في الأصل من خيال مريض وأوهام ليس لها أي رصيد في الواقع, ولذلك نلاحظ أن أقوالهم في تعريفها أو الكلام عنها غامضة أيضاً, فالرسول صلى الله عليه وسلم أول موجود وأول مخلوق وهو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره.([8]) وهو الذي منه انشقت الأسرار ولا شيء إلا وهو به منوط ([9]), وهو عين الإيمان والسبب في وجود كل إنسان.([10]) وكأن الصوفية لم يستسيغوا أن يقال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كما وصفه القرآن الكريم بشراً رسولاً وقد جعلوا أقطابهم تتصف بما وصف الله سبحانه وتعالى نفسه, فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدعوا ما أسموه الحقيقة المحمدية.
   وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته من الغلو فقال صلى الله عليه وسلم محذراً:"لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم, إنما أنا عبد الله ورسوله".([11]) ولكنَّ الذي فعله هؤلاء هو أكبر من الغلو, إنُّه الشرك والضلال, وإلا كيف تفسر قول الشيخ الدباغ:"إنَّ مجمع نوره لو وضع على العرش لذاب"([12])، وقول أبي العباس المرسي:"جميع الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة"، قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء:107([13]). فانظر إلى هذا الاستنتاج العجيب.
بطلان عقيدة الحقيقة المحمدية:
     واضح البطلان لعقيدة الحقيقة المحمدية عند من عرف الله تعالى وآمن به، وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم وأمن به، وقرأ القرآن وآمن به.
1- فنحن نؤمن بالله تعالى وبرسوله عليه السلام، وبأن الله عز وجل قد خص سيدنا محمداً عليه السلام بخصائص كثيرة، فهو خاتم النبيين، وأول المبعوثين، وسيد الخلق أجمعين...ولكن لا يجوز أن نخصه بخصائص الربوبية والألوهية، لأنَّها خصائص الرب عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم فإنما عبده ، فقولوا عبد الله ورسوله.([14])
2- معظم كلام غلاة الصوفية من قبيل الرؤى الشيطانية والمكاشفات، التي يشاهدونها في حالة الغيبوبة والسكر...ويعتبرون ذلك هو الحق وما دونه الباطل، وينسخون به القرآن، أو يؤُّولونه على حسب تلك الرؤى والأحوال..وكلامهم في الحقيقة المحمدية هو من هذا القبيل والعياذ بالله.
3- زعم الصوفية أن الرسول عليه السلام يملك الدنيا والآخرة وهو يعلم علم الأولين والآخرين، ومن علومه علم اللوح والقلم، والله عز وجل يقول مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ)آل عمران: 128، وقال تعالى:(قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا) الجن:21.  وقال تعالى مبيناً عدم معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بالغيب:(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف:188.
4- زعمت الصوفية أن محمداً عليه السلام أول الخلق، وخلق قبل القلم، وهذا زعم باطل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"أول ما خلق الله القلم، قال:له اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد".([15]) وقال:"خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر الخلق وآخر ساعة من النهار، فيما بين العصر إلى الليل".([16]) ونحن نجزم أن سيدنا محمداً من ذرية آدم، وهو ليس أول الخلق بل معلوم عندنا نسبه ومولده الذي كان عام الفيل، وكانت وفاته بعد ثلاث وستين سنة من مولده.
5- وإذا كانت الدنيا والآخرة هي من جود الرسول صلى الله عليه وسلم فماذا أبقى غلاة الصوفية لله عز وجل، وهو مالك يوم الدين، ورب الدنيا والآخرة.
6- الرسول صلى الله عليه وسلم من البشر، قال تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف:110. وقال تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) فصلت:6. فالله أمره أن يبين للناس أنه بشر مثلهم ولا يمتاز عنهم إلا بالوحي الذي خصه الله وسائر الأنبياء والمرسلين به، وكل خاصية من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لهذا الوحي، كما أمره أن يبين لهم أن إلههم هو الله وحده المختص بخصائص الربوبية والألوهية، المتصف بكل كمال، المنزه عن كل نقص.
7- زعموا أنه جاء بالوحي من تلقاء نفسـه، وأنـه أبصر فحدث عن بصيرته، وهذا هو زعـم المشركين الأوائل الذين قالوا إن هذا إلا قول البشر، ورد الله تعالى عليهم بقوله تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الطور:32. وبيَّن الله عز وجل أنه لو تقول على الله تعالى بغير وحي الله أو من تلقاء نفسه ونسب إلى الله ما لم يقله، لقصمه الله، قال تعالى:(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيل لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَِ) الحاقة: 45-47.
كما نفى الله عنه أن يكون ساحراً أو شاعراً أو يأتي بشيء من تلقاء نفسه، وقد انقطع عنه الوحي فترة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم في حزن شديد ظـاناً أن ربه قـد تركه وقلاه وخذله حتى تنزَّلت سورة الضحى تنفي ذلك عنه:(وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) الضحى:1-2.
8- زعموا أنه عليه السلام يعلم علوم اللوح والقلم، وقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ علوم كل شيء منذ بدءِ الخلق إلى الأبد، وعلم الأولين والآخرين وعلم الدنيا والآخرة، وهذا العلم خاص بالله عز وجل، إلا من علمه الله تعالى شيئاً من علمه قال تعالى:(وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) البقرة:256. وكان صلى الله عليه وسلم يُسأل عن أشياء فلا يخبر بها حتى يوحي الله تعالى إليه، ولو كان يعلم علم اللوح والقلم كما يزعمون، لما قبل الفداء في أسرى بدر وقصتهم مشهورة.
      وفي سبب نزول سورة الكهف حين سألته قريش بإيعاز من اليهود عن الفتية الذين طاردهم الملك، وعن الرجل الذي طاف مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح فقال أخبركم غداً ولم يستثن - أي لم يقل إن شاء الله- فانقطع عنه الوحي خمس عشرة ليلة ولا يأتيه جبريل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء جبريل عليه السلام بسورة الكهف يحدثه فيها عن ذلك.([17]) ويعاتبه ربه بقوله:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) الكهف:24 – 25.
9 - وزعموا أن الدنيا وما فيها خلقت من أجل محمد صلى الله عليه وسلم متناسين قوله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات:56، فالدنيا وما فيها من إنس وجن خلقت لغاية واحدة وهي عبادة الله عز وجل وحده ومن أجل هذه العبادة خلق محمد صلى الله عليه وسلم وجميع المرسلين ومن اجل ذلك أنزلت الكتب.


المبحث الثالث
عقائد الصوفية في الله تعالى
أولاً: عقيدة وحدة الوجود:
التعريف: وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني، يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه- تعالى عما يقولون علواً كبيراً- صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله، دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
      جاء في المعجم الفلسفي في بيان وحدة الوجود:"أنّ الله لا يوجد مستقلاً عن الأشياء، أو أنه نفس العالم، والأشياء مظاهر لذاته تصدر عنه بالتجلي، أو تفيض عنه مثل فيوض النور عن الشمس".([18])
     يقول الصوفي الوجودي عبد الغني النابلسي:"اعلم أن هذه المسألة، وهي مسألة وحدة الوجود،قد أكثر العلماء فيها الكلام قديماً وحديثاً، وردها قوم قاصرون غافلون محجوبون، وقبلها قوم آخرون عارفون محققون..وأما القائلون بها فلأنهم العلماء العارفون والفضلاء المحققون، أهل الكشف والبصيرة،الموصفون بحسن السيرة وصفاء السريرة؛ كالشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي، والشيخ شرف الدين ابن الفارض، والعفيف التلمساني، والشيخ عبد الحق بن سبعين، والشيخ عبد الكريم الجيلي، وأمثالهم قدس الله تعالى أسرارهم، وضاعف أنوارهم فإنهم قائلون بوحدة الوجود، وأتباعهم إلى يوم القيامة،إن شاء الله تعالى".([19])
      ونوضِّح هذا المذهب لأنّ آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر كثير من الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وهو ظاهر في أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم. والمذهب موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر بالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من المذاهب الإغريقية والنصرانية والفارسية الأصل، ومنها:المذهب المانوي، والمذهب الزرادشتي، وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين.
     فالصوفية قد دخلت عليهم الفلسفة من باب (التشبه بالإله على قدر الطاقة) فحاولوا إثبات تشبه العبد بالرب في الذات والصفات والأفعال, كما فعل الغزالي ومن تبعه في كتابه"المضنون به على غير أهله"([20]), ثمَّ جاء ابن عربي وتلامذته فقالوا بالوحدة المطلقة, لأنَّ الفلاسفة يقولون:الوجود الحقيقي هو للعلة الأولي(الله) لاستغنائه بذاته, فكل ما هو مفتقر إليه فوجوده كالخيال. ومن هنا نشأت نظرية "وحدة الوجود" عند ابن عربي وقد انطلقت ابتداءً مما يردده الصوفية بشكل عام من أن الموجود الحق هو الله سبحانه, ويعنون بذلك أن الموجودات والكائنات إنما هي صور زائفة ومجرد أوهام، وليست ذاتاً منفصلة قائمة بنفسها, فمثلها لا يستحق أن يطلق عليه الوجود الحقيقي, ولكنها حرِّفت عند ابن عربي عن مفهومها لدى الصوفية بحيث انتهى إلى القول بوحدة الوجود، فقال أن الوجود الحقيقي هو الله سبحانه, ولكننا نرى هذه الكثرة والتعدد قائمة أمام أعيننا فلا يمكن إنكارها، ومن ثم فهذه الموجودات كلها ليست سوى الله ذاته– تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً– وكلها مظهر من مظاهره وتجل من تجلياته, وليست آية من آياته كما مفهوم أهل السنة فحقيقة الرب إذن أنه وجود مطلق لا اسم له ولا صفة ولا يرى في الآخرة, وليس له كلام ولا علم ولا غير ذلك ولكن يُرى في الكائنات([21])، فكل كائن هو الله والله هو كل كائن, فاتحد بذلك الوجود مع الخالق المعبود, وتم له ما أراد من هدم صرح التوحيد وكان هذا القول أشد شركاً من قول النصارى, إذ أن الكل في هذا التصور المريض إله يعبد.
     ولقد وردت إشارات إلى عقيدة وحدة الوجود عند الغزالي في كتابه(مشكاة الأنوار) تشجع الاتحاديون الملحدون الذين قالوا بوحدة الوجود، وقالوا:إن الخلق مجال ومظاهر، لأن وجود الحق ظهر فيها وتجلى، فجعلوا نفس وجوده نفس ظهوره وتجليه في المخلوقات.([22])
   وقسَّم الغزالي التوحيد إلى أربع مراتب، والمرتبة الرابعة هي توحيد وحدة الوجود، يقول عن المراتب الأربعة:-
 1- من قال لا إله إلا الله بلسانه وقلبه غافل وهو توحيد المنافقين.
 2- أن يصدق بمعنى اللفظ وهو اعتقاد العوام وذلك كتصديق عامة المسلمين.
 3- أن يشاهد ذلك بطريقة الكشف بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين ويرى الأشياء الكثيرة على أنها صادرة عن الله الواحد.
 4- أن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي مشاهدة الصديقين فلا يرى الكل من حيث أنه كثير، بل من حيث أنه واحد، وهي الغاية القصوى في التوحيد. وقال عن المرتبة الرابعة أنه من وصل إليها يجب كتم السر، وأنَّه لا يجوز أن يسطر في كتاب لأنَّ إفشاء سر الربوبية كفر.)[23]) ويقول أيضاً:"ليس في الوجود سوى الله وصفاته وأفعاله".([24]) ويقول الغزالي:"جميع الموجودات مرآة للوجود الحق، فالظاهر بذاته هو الله سبحانه، وما سواه فآيات ظهوره ودلائل نوره.([25])
      ويحاول ابن خلدون شرح فكرة وحدة الوجود, إذ أن هذه التصورات الباطلة عادة ما تكون غامضة ومتناقضة حتى على أصحابها, فيقول ابن خلدون:يعنون بهذه الوحدة أن الوجود له قوى ذاتية فالقوة الحيوانية فيها قوة المعدن وزيادة, والقوة الإنسانية فيها قوة الحيوان وزيادة, والفلك يتضمن الإنسانية وزيادة, وكذلك الذوات الروحانية(الملائكة) ثم القوة الجامعة التي انبثت في جميع الموجودات, فالكل واحد هو نفس الذات الإلهية".([26])
     وحين يرد السؤال:كيف يقال بوحدة الوجود؟ وهناك خالق ومخلوق ومؤمنون وكفار والكفار يعذبون في النار فمن الذي يعذبهم؟ وحتى لا يرد هذا السؤال راح ابن عربي يحرِّف كل آيات القرآن الكريم، ويطبق باطنيته وكفره في كتاب(فصوص الحكم) فمثلا بقول:فموسى عليه السلام لم يعاقب هارون عليه السلام إلا لأن هارون أنكر على بني إسرائيل عبادة العجل, وهم ما عبدوا إلا الله لأن الله قضى ألا نعبد إلا إياه, ولذلك كان موسى أعلم من هارون.([27]) والريح التي دمَّرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة.([28]) ويحكم ابن عربي بإيمان فرعون بقوله تعالى:"قرة عين لي ولك"، فكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.([29]) وهكذا راح يعيث فساداً في بقية قصص الأنبياء، ومن شاء فليرجع إلى كتبه ففي كل سطر سيجد رائحة وحدة الوجود. وكلامه هذا في الحقيقة هو إبطال للدين من أصله، لأنّ وعيد الله للكفار لا يقع منه شيء!! فهو وتلامذته يتسترون بإظهار شعائر الإسلام، وإقامة الصلاة، والتزي بزي النساك والتقشف، وتزويق الزندقة باسم التَّصوف.([30])
       ويتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر، ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق، فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق. فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق، ومن أقواله التي تدل على ذلك:"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها". وكان يقول ابن عربي‏:‏من أسمائه الحسنى ‏‏العلي‏ على من يكون علياً، وما ثم إلا هو‏؟‏‏!‏ وعمّاذا يكون عَلياً وما هو إلا هو‏؟‏‏! ‏فعلوّه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات؛ فالمسمى محدثات هي العلية هي لذاتها، وليست إلا هو‏.([31])
     ويقول:"فإنّ للحق في كل معبود وجهاً يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) أي حكم فالعالم يعلم من عَبَد وفي أي صورة ظهر حتى عُبِد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة والقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود".([32])
        وقال: ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وأن نفيها عين إثباتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلـوق، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحدة وهو العيون الكثيرة. فانظر ماذا ترى (قال يا أبت افعـل ما تؤمر) والولد عين أبيه. فما رأى يذبح سوى نفسه. وفداه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان. وظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد.(وخلق منها زوجها): فما نكح سوى نفْسِهِ.([33])
      ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:-
يا خالق الأشياء في نفسه            أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه        فيك فأنت الضيق الواسع
ومما يؤكد على قوله بالجبر الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:-
الحكم حكم الجبر والاضطرار                  ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي                               ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى                      بأنه المختار عن اضطرار
       وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله: بالجبر، ونفي الحساب والثواب والعقاب. وقوله بوحدة الأديان. فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق. يقول في ذلك:
          لقد صار قلبي قابلاً كل صورة         فمرعى الغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف              وألواح توراة ومصحف قرآن
     وجعل هذا الخبيث قوم نوح الذين عبدوا الأصنام لم يعبدوا إلا الله، وإنهم بذلك موحدون حقاً فلذلك كافأهم الله الذي هم نفسه وذاته بأن أغرقهم في بحار العلم في الله. قال ابن عربي:"(مما خطيئاتهم) فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، )فأدخلوا ناراً) في عين الماء(وإذا البحـار سجرت)..(فلم يجدوا من دون الله أنصاراً) فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد"([34])، وقال الخبيث أيضاً:"ومن أسمائه العلي:عليُّ من، وما ثمَّ إلا هو، فهو العليُّ لذاته أو عن ماذا؟ وما هو إلا هو، فعلوُّه لنفسه، ومن حيث الوجود فهو عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إلا هو".)[35])
      وقال أيضاً:"فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، وسواء كانت محمودة عرفاً وعقلاً وشرعاً أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً. وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة".([36])
تلاميذ ابن عربي:     
    وقد بالغ تلاميذ ابن عربي في القول بوحدة الوجود، وعرضوا لذلك المذهب في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء:ابن الفارض، وابن سبعين، والتلمساني. وعبد الكريم الجيلي.
1- ابن الفارض:هو عمر بن أبي الحسين علي بن المرشد بن شرف الدين الحموي الأصل المصري، وهو شيخ الاتحادية وصاحب القصيدة التائية المليئة بالكفر والزندقة والإلحاد، الطافحة بوحدة الوجود, وابن الفارض يعد من مجدِّدي القول بوحدة الوجود بل طوَّرها وأخرجها في ثوب جديد.
      هذه العقيدة تقتضي أنَّ كلَّ ما في الكون من خلائق هي عين الخالق -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- ففيها يصير العبد رباً والمخلوق خلاقاً, ولكن ابن الفارض هذا طورها ولخص هذه العقيدة كلها في ذاته هو ولم يفرق بين الصحو والمحو.([37])
     فجاء ابن الفارض ومحا الفرق بين الصحو والمحو ليحدث نوعاً جديداً من وحدة الوجود في منتهى الجرأة والشرود يكون في أجلى صوره، عندما قال في قصيدته الشهيرة التائية:
      ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها         وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت
     فهذا الزنديق يأبى أن يثبت لربه ذاتاً ويتعالى أن يجعل له وجود ليحكم بالعدم الصوفي على رب العالمين فما ثم عند ابن الفارض من رب ولا مربوب إلا وهو ابن الفارض ويزعم أن كل ما وصف به الله عز وجل نفسه الموصوف به على الحقيقة هو ابن الفارض نفسه فيقول:
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن          منادى أجابت من دعاني ولبت
       وكل الجهات الست نحوي توجهت         بما تم من نسك وحج وعمرة
       لهــا صلواتي بالمقام أقيمها           وأشهــد فيها أنها لي صلت
       فصلوات الناس كلهم وتضرعاتهم ودعواتهم لا ترفع إلى الله بزعمه إنما تتوجه بها القلوب إلى ابن الفارض رجاء رحمته وابتغاء رضاه!! وكان ابن الفارض لا يمل أبداً من تكرار إفكه الوثني يزعم فيه أنه هو الله، فيضيف إليه أنه عين رسل الله أيضاً وعين أدم وعين الملائكة الذين سجدوا لأدم فيقول في تائيته:
 وفي شهدت الساجدين لمظهري             فحققت أني كنت أدم سجدتي
        يقول الصوفي الكاشاني في شرحه لهذا البيت:"أي عاينت في نفسي الملائكة الساجدين لمظهري فعلمت حقيقة أني كنت في سجدتي أدم تلك السجدة وأن الملائكة يسجدون والملائكة صفة من صفاتي فالساجد صفة مني تسجد لذاتي".
         ويعتبر ابن الفارض هو مؤسس عبادة الأنثى عند الصوفية فلقد قام هذا الزنديق المجرم بتصوير ربه الذي يعبده وفيه كل صفات الأنثى فزعم هذا الشيطان أن ربه يتجلى في صورة أنثى عاشقة لما كان في قلوبهم من نار الشهوات والإلحاح الجسدي لنزوات الصوفية واسمع لما يقول:
 ففي النشأة الأولـى تراءت لأدم     بمظهر حوا قبل حكــم النبوة
 وتظهر للعشاق في كل مظهر        من اللبس في أشكال حسن بديعة
          ففـي مـرة لبنى وأخرى بثينة          وأوبـة تدعـى بعزة عزت
       فهذا اللعين يزعم أن ربه ظهر لأدم في صورة حواء، وظهر لقيس في صورة لبنى، ولجميل في صورة بثينة، ولكثير في صورة عزة فما الأنثى عنده إلا الحقيقة الإلهية, وهذه أعرض دعوى للزندقة والفجور فماذا يحدث للشباب المسلم لو آمن بهذه الصوفية ؟!!عندها ينغمسون في الخطيئة والزنا والفجور وهم يظنون أنهم في حالة اتحاد إلهي مع ربهم.
       وأما عن قول أهل العلم في ابن الفارض، فيقول الذهبي:"كان سيد الشعراء في عصره، وشيخ الاتحادية، صَّور الاتحاد في ألذ عبارة وأرق استعارة كالفالوذج المسموم", وقال ابن حجر عنه:"ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة وتحت زي الصوفية فلسفة وأفاع, وقد سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عن ابن عربي فبادر بالجواب بأنه كافر, فسألته عن ابن الفارض فقال:لا أحب أن أتكلم فيه, قلت فما الفرق بينهما والموضوع واحد؟ وأنشدته التائية فقطع علي بعد إنشاد عدة أبيات بقوله:"هذا كفر هذا كفر". وقال ابن حجر:"ورأيت في كتاب التوحيد للشيخ عبد القادر القوصي قال:حكى لي الشيخ عبد العزيز بن عبد الغني المنوفي قال:كنت بجامع مصر وابن الفارض في الجامع وعليه حلقة فقام شاب من عنده وجاء إلى عندي.
        وكان ابن الفارض من الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:"إنه رآه مناماً وإنه سأل ابن الفارض عن قصيدته التائية ما سمَّاها ؟ فأجابه بأنه سمَّاها 'لوائح الجنان وروائح الحنان". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"لا بل سمِّها نظم السلوك". ولما كانت تلك حياته فحتما ولابد أن تكون نهايته مثلما كانت حياته فلقد عانى معاناة رهيبة عند موته وتأوه وصرخ صرخة عظيمة وبكى بكاءً شديداً وتغير لونه وأنشد قائلاً:
  إن كان منزلتي في الحب عندكم         ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي
  أمنـية ظفرت روحي بها زمناً        واليوم أحسبها أضغاث أحـلام
ومن أشعاره:  
لها صلاتي بالمقام أقيمها             وأشهد أنها لي صلت
كلانا مصل عابد ساجد إلى          حقيقة الجمع في كل سجدة
     وما كان لي صلى سواي فلم تكن          صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
  وما زلت إياها وإياي لم تزل               ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
       فهو هنا يصرح بأنّه يصلي لنفسه، لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سكر الصوفية بل هو في حالة الصحو، يقول:
      ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها         وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت
2- ابن سبعين: من أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله:رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس لها وجود حقيقي فوجودها وهم، وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!
      وقول ابن سبعين رب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك، الله فقط والكثرة وهم موافق لأصله الفاسد في أن وجود المخلوق وجود الخالق، ولهذا قال وأنتم ذلك، فإنّه جعل العبد هالكا، أي لا وجود له، فلم يبق إلا وجود الرب، فقال:وأنتم ذلك وكذلك قال:الله فقط، والكثرة وهم، فإنه على قوله لا موجود إلا الله، ولهذا كان يقول هو وأصحابه في ذكرهم (ليس إلا الله)، بدل قول المسلمين(لا إله إلا الله).([38])
3-العفيف التلمساني: وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر والزندقة. فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
        البحر لا شك عندي في توحده          وإن تعدد بالأمواج والزبد
       فلا يغرنك ما شاهدت من صور       فالواحد الرب ساري العين في العدد
         فما البحر إلا الموج لا شيء غيره        وإن فرقته كثرة المتعدد
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى          سواي أخو وجد يحن لقلبه ؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري         وما بعده إلا لإفراط قربه
      الوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي لله ذاته. وقيل للتلمسانى وقد أشاروا له إلى كلب أجرب ميت، هو ذات الله أيضاً؟ فقال:"وهل ثمَّ شيء خارج عنها".
     وقد وجد لهذا المذهب الإلحادي صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي، وروج له المستشرق اسبينوز اليهودي.
4-أبو يزيد البسطامي:طيفور بن عيسى.
       يقول عن الله تعالى:"رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي:يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك فقلت:زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعنى إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا:رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هنا"...ومعناه أنه يطلب أن يصوره الله على صورته عز وجل تماماً، فإذا شاهده الناس قالوا:شاهدنا الله، والرواية عنه هي كما تقدم إلا أني أرى أن هذه العبارة:"إن خلقي يحبون أن يروك" ليست هكذا – ولم أر أحد بين هذا- ولكن لعل الصواب فيها "إن خلقي يحبون أن يروني"، ولهذا بين أبو يزيد كيفية الطريقة التي يمكن أن يرى الخلق فيها ربهم، وذلك بأن يرقى البسطامي إلى حد النيابة التامة عن الله تعالى صفة وشكلاً- تعالى الله عما يقولون علو كبيراً. ويقول أبو يزيد البسطامي:"طلبت الله سبعين سنة فإذا هو أنا"! وله مزاعم غيرها – يعتمدونها. وقوله عن نفسه:"سبحاني سبحاني ما أعظم شأني".([39])
     وقال مرة:"سبحاني..سبحاني..ضربت خيمتي بإزاء العرش أو عند العرش..واجتاز بمقبرة لليهود فقال:"معذورون"، ومرّ بمقبرة للمسلمين،فقال: "مغرورون..وقال:يخاطب الله: كنت لي مرآة فصرت أنا المرآة..وقال:لأن تراني مرة خير لك من أن ترى ربك ألف مرة..وقال:إلهي أن كان في سابق علمك أنك تعذب أحداً من خلقك بالنار فعظم خلقي فيها –أي النار-حتى لا يسع معي غيري.وقال:ما النار؟ لاستندن إليها غداً، وأقول:اجعلني لأهلها فداء أو لأبلغنها، ما الجنة؟ لعبة صبيان.
     ونقل أن أبا يزيد البسطامي دخل مدينة فتبعه منها خلق كثير، فالتفت إليهم، وقال:(أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني) فقال الناس:لقد جن أبو يزيد وتركوه.
 6- أبو بكر الشبلي: الشبلي له من الشَّطحات ما نذكر بعضه فيما يلي:أخذ من يد إنسان كسرة خبز فأكلها فقال:"إن نفسي هذه تطلب مني كسرة خبز، ولو التفت سري إلى العرش والكرسي لاحترق..وقال:"لو خطر ببالي أن الجحيم نيرانها وسعيرها تحرق مني شعرة لكنت مشركاً"..وقال:"أيش أعمل بلظى وسقر؟ عندي أن لظى وسقر فيها تسكن يعني في القطيعة والإعراض– لأنه من عذبه الله بالقطيعة فهو أشد عذاباً ممن عذبه بلظى وسقر". وقيل له:لم تقول:الله، ولا تقول:لا إله إلا الله؟ فقال:استحي أن أواجه إثباتاً بعد نفي، أخشى أن أؤخذ في كلمة الجحود ولا أصل إلى كلمة الإقرار.
7-ومنهم أبو الحسن النوري:الذي قال وقد سمع المؤذن طعنه وشم الموت وسمع نباح كلب فقال: لبيك وسعديك. وأبو حمزة الصوفي الذي سمع شاة مرغياً، فقال:"لبيك يا سيدي".
8- ومن الاتحادية عبد الكريم الجيلي القائل:"إن الحق تعالى من حيث ذاته يقتضي ألا يظهر في شيء، إلا ويعبد ذلك الشيء، وقد ظهر في ذرات الوجود".([40]) وفي كتابه الإنسان الكامل.([41]) يقول شعراً:
           فما ثمَّ شيء سوى الله في الورى    وما ثم مسموع وما ثم سامع
            هو العرش والكرسي والمنظر العلى      هو السدرة اللاتي إليه المراجع
           هو الأصل حقاً والرسوم مع الهوى      هو الفلك الدّوار وهو الطبائع
          هو النور والظلمات والماء والهوى     هو العنصر الناري وهو الطبائع
       يقول الإمام ابن تيمية -بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب وحدة الوجود-:"يقولون:إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي- صاحب الفتوحات- وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم-عليهم من الله ما يستحقونه-فإنّهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخس المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التَّصوف المخلوط بالفلسفة".([42])
لوازم مذهب أهل وحدة الوجود:
      وقد ترتَّب على هذا المذهب نتائج باطلة: قال بها ابن عربي وأكدها وهي:
1- قولهم بالجبرية ونفيهم الثواب والعقاب: يقول ابن عربي:-
             فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا     وليس خلقاً بذالك الوجه فاذكروا
            جمع وفرق فإن العين واحدة           وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر
     وبناء على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم، بل مجرد فيض وتجلي وما دام الأمر كذلك فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية وجبرية صارمة. وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء وقدر ولا عن حرية أو إرادة ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النون. وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي الراحة، لأنّها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب، وهو من العذوبة.
2- قولهم بإيمان فرعون: قد حكم ابن عربي بإيمان فرعون بقوله تعالى:"قرة عين لي ولك"، فكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.([43]) وكلامه هذا في الحقيقة هو إبطال للدين من أصله، لأنّ وعيد الله للكفار لا يقع منه شيء.
 3- قولهم الجنة والنار كليهما للنعيم:فأهل النار عندهم منعمون تماماً كأهل الجنة، قال ابن عربي:
وإن دخلـوا دار الشقــاء      فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد، فالأمر واحد     وبينهما عند التجـلي تبـاين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمه      وذاك له كالقشر والقشر صاينُ
4- إنّ الجماع نَفسَه دليل هذه الوحدة: فالله عند ابن عربي وتلامذته هو الطيب والخبيث– تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- فيقول ابن عربي:"والعالم على صورة الحق، والإنسان على الصورتين".([44]) وقال:"ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أُمِرَ بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة. فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك. فإذا شاهد الرجل الحق في المـرأة كان شهوداً في منفعل، وإذا شاهده في نفسه-من حيث ظهور المرأة عنه- شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه-من غير استحضار صورة ما تكوَّن عنه- كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة. فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة. فلهذا أحب صلى الله عليه وسلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجرداً عن المواد أبداً، فإن الله بالذات غني عن العالمين، وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعاً، ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله".([45])
5-وحدة الأديان:
     يترتب على عقيدة وحدة الوجود خرافة كبيرة من خرافات الصوفية, وشطحة من شطحاتهم الكثيرة, لا فرق بين اليهودية الإسلام، ولا النصرانية وعبادة الشجر ولا عبادة البقر أو عبادة الحجر. وهذه العقيدة لا تخرج إلا من خيال مريض يظن أنه يتسامح إنسانياً, ولكنها في نفس الوقت فكرة خطيرة لأنها تصادم سنن الله في الكون والحياة ومنها سنة الصراع بين الحق والباطل, بين الخير والشر, والجمع بين الكل على قد المساواة هو خبث مركز لهدم الإسلام أو هذيان مقلد لا يدري ما يقول, وإلاّ فكيف نسوي بين من يعبد الله سبحانه وتعالى وحده وبين من يعبد البقر, أو حرف كتب الله وعبد أنبيائه, كيف نجمع بين الإيمان والكفر هذا لا يكون إلا ممن يؤمن بوحدة الوجود كابن عربي وتلامذته الذين يعتقدون أن كل موجود على الأرض صحيح ولا داعي للتفرقة, والله أوسع من أن يحصره عقيدة معينة فالكل مصيب"، وأمَّا عذاب أهل النار فهو مشتق من العذوبة"!!([46])
     ويترجم ابن عربي هذه العقيدة شعراً فيقول:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة       فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف       وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجهت       ركائبه فالحب ديني وإيماني
    وينسج على منواله صديقه ابن الفارض فيقول:
وما عقد الزنار حكماً سوى يدي      وإن حل بالإقرار فهي حلت
وإن خرّ للأحجار في البد عاكف     فلا وجه للإنكار بالعصبية
    وقال جلال الدين الرومي في إحدى قصائده التي يتشبه فيها بأستاذه ابن عربي:
انظر إلى العمامة أحكمها فوق رأسي
بل انظر إلى زنار زاردشت حول خصري
فلا تنأ عني لا تنأ عني
مسلم أنا ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي
توكلت عليك أيها الحق الأعلى
ليس لي سوى معبد واحد
مسجداً أو كنيسة أو بيت أصنام
ووجهك الكريم فيه غاية نعمني
فلا تنأ عنـي لا تنأ عنـي([47])
       فصلوات اليهود, وعقد زنار النصارى, وبد الوثنية في الهند ومساجد الله كلها عند هؤلاء ساح فساح يعبد فيها الله.([48])
       ويقول عبد الكريم الجيلي:"وأما النصارى فهم أقرب من جميع الأمم الماضية إلى الحق فهم دون المحمديين وسببه أنهم طلبوا الله تعالى فعبدوه في عيسى ومريم وروح القدس، ثم قالوا بعدم التجزئة، ثمَّ قالوا بقدمه على وجوده في محدث عيسى، وكل هذا تنزيه في تشبيه لائق بالجناب الإلهي لكنهم لما حصروا ذلك في هؤلاء الثلاثة نزلوا عن درجة الموحدين".([49])
    ومن هذا القبيل ما روى الأمير شكيب أرسلان عن أحمد الشريف السنوسي([50]) أن عمه الأستاذ المهدي كان يقول له:"لا تحتقرن أحداًً لا مسلماً ولا نصرانياً ولا يهودياً ولا كافراً، لعله يكون في نفسه عند الله أفضل منك، إذ أنت لا تدري كيف تكون خاتمتك".([51]) وهذا الكلام غير صحيح من الشيخ السنوسي لأننا عندما نحتقر الكافر نحتقره لكفره، وعندما يسلم نحترمه لإسلامه، ونحن لنا الظاهر, ولكن أثر التصوف واضح فيه.
      إنَّ هذه العقيدة شبيهة بأفكار الماسونية التي تدعو إلى وحدة الإنسانية، وترك الاختلاف بسبب الأديان، فليترك كل واحد دينه وعقيدته، وإنما تجمعنا الإنسانية, دعوة خبيثة ملمسها ناعم، ولكنها تحمل السم الزعاف في أحشائها.
أدلة بطلان عقيدة وحدة الوجود:
أولا:بيان بطلانه من القرآن الكريم:
1- يقول سبحانه:(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ). الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض. فوحدة الوجود تجعل من كل مخلوق جزءًا من الله جل وعلا. وتقرر الآية الكريمة الحكم على الذين يؤمنون بهذه العقيدة الذين يجعلون من عباد الله (سبحانه عما يصفون) جزءًا منه، تقرر الحكم عليهم بالعبارة: (إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ)، التي نفهم منها ما يلي:-
أ‌- قوله:(إِنَّ الإِنسَانَ) يدل على أن المؤمنين بوحدة الوجود هم من بني الإنسان فقط، فلا يوجد بين الجن مثلاً، بله الملائكة، من يؤمن بهذه العقيدة الكافرة.
ب‌- قوله:(لكفور) على وزن "فعول" وهي صيغة تدل على المبالغة والاستمرار، تعني:إن المؤمن بوحدة الوجود هو شديد الكفر مستمر عليه، يمتنع رجوعه عنه أو يصعب. وتعني:إن شدة الكفر واستمراريته الموجودة في نوع الإنسان تجعله يؤمن بمثل هذه العقيدة.
ج- قوله:(مُبينٌ)أي:مُظهر للكفر، مُفصح عنه، مُوضح له، وهذا يعني أن الفكرة واضحة الكفر، والذي يؤمن بها مبين للكفر، الكفر ظاهر له وعليه، وذلك؛ لأن الفطرة السليمة (وبعض غير السليمة)، تقشعر رعبًا من سماع هذا التطاول على القدسية الإلهية، وترتجف هلعًا من هذا الغرور الغبي الجريء الظالم، لمجرد سماعها ذلك.
2- يقول سبحانه:(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ). إنّ وحدة الوجود تجعل الجن جزءًا من الله تعالى، وليس بعد هذا النسب ما هو أقوى منه؛ لأنه نسب بعض الذات إلى الذات.لكن الآية الكريمة تستهجن هذه الفكرة، نفيًا لها ودحضًا، وتنزه الله سبحانه وتعالى عما يصفه هؤلاء الواصفون. وقوله:(وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) واضحة الدلالة على أن الجن–لو كانوا يتصلون بنسب إلى الله سبحانه– لما جعلهم من المحضرين. وعدم وجود النسب بينه سبحانه وبين الجنة ينفي وحدة الوجود نفيًا كاملاً.
3- يقول سبحانه:(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شيئا)، ويقول:(أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شيئا). الآيتان واضحتان كل الوضوح: إن الله سبحانه خلق الإنسان من لا شيء، من العدم، ولو كانت وحدة الوجود واقعة لكان الإنسان شيئًا قبل أن يوجد، كما هو الآن شيء بعد وجوده. فكون الإنسان خلق من لا شيء أي من العدم، ينفي وحدة الوجود جملةً وتفصيلاً؛ لأن الله تعالى ليس عدمًا، إنه الحي القيوم الخالق البارئ المصور.
4-عشرات الآيات في الكتاب الحكيم تقرر أن المخلوق غير الخالق، منها:-
 -(وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، إذن فالأصنام والأوثان (وهي خلق) هي من دون الله تعالى، وليست جزءًا منه، ولا هي هو.
-(وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ)، (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ)، (إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ)، (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
- ومنها:(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)، طبعًا، كانوا يأمرونه أن يعبد أصنامهم وأوثانهم، والآية الكريمة تقرر أنها غير الله، وبما أنها جزء من الخلق، إذن فالخلق غير الله، والمخلوق غير الخالق.
-(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ)، والذي أُهِلَّ به لغير الله إنما أهِلَّ به للأوثان والأصنام ولمن يسمونهم «الأولياء»، وهؤلاء كلهم خلق، والآية الكريمة تقرر أنهم غير الله.
-(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرً)، (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، )أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّل)..فهذه الآيات تقرر أن المخلوق هو من دون الله، وغيره، وهي كافية للرد على كل جحود مؤمن بوحدة الوجود، ولو سماها وحدة الشهود.
ثانيا:بيان بطلانه لفساده ودلالته على معتقدات شركية:
1- قول أصحاب وحدة الوجود:أنّ الخلق هو الحق، وأنّ المخلوقات تعينت بالله سبحانه بهذه الأشكال المختلفة، يعني ألاّ يبقي أي معنى للأسماء الحسنى:(الخالقُ، البارئُ، الفاطرُ، بديعُ السماوات والأرض)، التي تعني كلها الإيجاد من العدم. وهذا القول أشدّ بطلاناً كفراً وبُهتاناً، لأنّه يستلزم أن يكون كل جماد وكل ميت هو الله تعالى عما يفترون.
2- لو كانت وحدة الوجود صحيحة، لكان الإنسان جزءًا من الله، ولكانت الآية:(إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) باطلة! ولكان الإنسان في ربح سواء آمن أم لم يؤمن، وعمل صالحًا أم لم يعمل، وتواصى بالحق والصبر أم لم يتواص؛ لأنه جزء من الله.  وبما أن الآية الكريمة لا يمكن أن تكون باطلة؛ لأنها وحي من عند الله، إذن فعقيدة الصوفية هي الباطلة، إذ لو صحت عقيدتهم لأصبح معنى الآية:(إن جزءًا من الله لفي خسر)! وهذا واضح البطلان.
3- في القرآن الكريم آيات كثيرة تصبح شتمًا لله تعالى، لو صحت عقيدة الصوفية بوحدة الوجود، مثل قوله سبحانه:(وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) هود:60.لأن عادًا، حسب عقيدتهم الباطلة، هم جزء من الله سبحانه، حيث يصبح معنى الآية الكريمة:إن جزءًا من الله-تعالى عما يصفون-أُتبع في هذه الدنيا؟؟ ويوم القيامة؟!
4- قول الاتحادية أن (لا فاعل إلا الله) يقتضي أن تكون السرقة والزنا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، والظلم هو من فعل الله، تعالى الله عما يقول البرعي علواً كبيراً وهذا ما نفاه الله عن نفسه قال تعالى في الحديث القدسي:"يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا". فتبيَّن أنّ قول الاتحادية "لا فاعل في الوجود إلا الله" من أخبث الأقوال وأبطلها خاصة إذا علمت أن أتباعه يجب عليهم أن يقولوا هذا القول كل يوم.
5- قول ابن عربي لقد حق لي عشق الوجود وأهله يقتضى أنه يعشق إبليس وفرعون وهامان وكل كافر ويعشق الكلاب والخنازير والبول والعذرة، وكل خبيث مع أنه باطل عقلا وشرعا فهو كاذب في ذلك متناقض فيه فانه لو آذاه مؤذ وآلمه ألما شديدا لأبغضه وعاداه، بل اعتدى في أذاه فعشق الرجل لكل موجود محال عقلا محرم شرعا.
6- قولهم بوحدة الأديان: وهو أن كل من عبد صنماً أو حجراً أو شجراً أو شيطاناً هو مصيب لأنها من الموجودات، وهذا من أعظم الكفر الذي يناقض القران قال سبحانه وتعالى:(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يّـس:60.
فنهى سبحانه عن عبادة الشيطان فدَّل هذا على أنه ليس هو الله وكذلك قال تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فصلت:37. فدَّل هذا على أنّ قولهم هو من أبطل الباطل وأعظم الكفر. ومن أعظم المحادّاة لله ولدينه؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه لا يرتضي من الأديان إلا الإسلام، وأنه لا يقبل غيره، قال تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) آل عمران:19. وقال تعالى:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران:85.
     وقولهم بأن "فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار، وأنه ليس في القرآن ما يدل على عذابه بل فيه ما ينفيه، هذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام، لم يسبق ابن عربي إليه فيما أعلم أحد من أهل القبلة بل ولا من اليهود ولا من النصارى بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون، وهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل، فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعى لنفسه الربوبية والإلهية مثل فرعون".([52])
6- مما يدل على بطلان قول الملاحدة القائلين بوحدة الوجود ما ألزم به الدكتور محمود عبد الرءوف القاسم القائلين بهذا القول في ردِّه عليهم وبيانه لباطلهم، قال:"يقول الله سبحانه وتعالى:(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) الصافات:158، طبعاً وحدة الوجود تجعل الجنّ جزءً من الله تعالى وليس بعد هذا النسب ما هو أقوى منه لأنه نسب بعض الذات إلى الذات لكن الآية الكريمة تستهجن هذه الفكرة نفياً لها ودحضاً وتُنـزِّه الله سبحانه وتعالى عمّا يصفه هؤلاء الواصفون، والعبارة "وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ" واضحة الدلالة على أن الجن لو كانوا يتّصلون بنسب إلى الله سبحانه وتعالى لما جعلهم من المحضرين وعدم وجود النسب بينه سبحانه وبين الجنة ينفي وحدة الوجود نفياً كاملاً".([53])
7- يقول سبحانه وتعالى:(وقد خلقتك من قبل ولم تَكُ شيئاً) ويقول:(أَوَلا يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) مريم:67. فالآيتان واضحتان كل الوضوح أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من لا شيء من العدم، ولو كانت وحدة الوجود واقعة لكان الإنسان شيئاً قبل أن يوجد كما هو الآن شيء بعد وجوده، فكون الإنسان خُلق من لا شيء من العدم ينفي وحدة الوجود جملة وتفصيلاً.لأن الله تعالى ليس عدماً إنَّه الحي القيوم الخالق البارئ المُصَوِّر.
8- لو كانت وحدة الوجود صحيحة لكان الإنسان جزءاً من الله، ولكان قوله تعالى:(إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ) باطلاً، وكان الإنسان في ربح، سواءً آمن أو لم يؤمن، وعمل صالحاً أو لم يعمل، وتواصى بالحق والصبر أم لم يتواصَّ، لأنه جزء من الله. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تصبح شتماً لله لو صحَّت عقيدة الصوفية بوحدة الوجود مثل قوله سبحانه وتعالى:(وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)هود:60، لأنَّ عادًا حسب زعمهم وعقيدتهم الباطلة هم جزء من الله سبحانه وتعالى حيث يُصبح معنى الآية الكريمة:إن جزءاً من الله تعالى عمّا يصفون أُتبع في هذه الدنيا ويوم القيامة.  إذن فوحدة الوجود ضلال وباطل؛ لأن الطريق إليها ضلال وباطل. ثم إن الطريق الذي يتبعه المتصوفة للوصول إلى الجذبة هو طريق الشيطان،(وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينً)، (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينً).
ثالثاً:يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -أثناء تقسيمه للقائلين بالاتحاد-:"هؤلاء الملاحدة الذين يزعمون أنه عين وجود الكائنات، وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى من وجهين:-
الأول:من جهة أنّ أولئك قالوا إنّ الربّ يتّحد بعبده الذي قرّبه واصطفاه بعد أن لم يكونا متّحدين وهؤلاء يقولون مازال الرب هو العبد وغيره من المخلوقات ليس هو غيره. والثاني:من جهة أن أولئك خصُّوا ذلك بمن عظَّموه كالمسيح، وهؤلاء جعلوا ذلك سارياً في الكلاب والخنازير والقذر والأوساخ وإذا كان الله تعالى قال:(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة:17. فكيف بمن قال:إن الله هو الكفار والمنافقون والصبيان والمجانيين والأنجاس والأنتان وكل شيء، وإذا كان الله قد ردَّ قول اليهود والنّصارى لمّا قالوا:(نحن أبناء الله وأحباّؤه)، وقال لهم:(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ)المائدة: من الآية18، فكيف بمن يزعم أن اليهود والنصارى هم أعيان وجود الرب الخالق ليسوا غيره ولا سواه ولا يتصور أن يعذب إلا نفسه، وإن كل ناطق في الكون فهو عين السامع كما في قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها). وأن الناكح عين المنكوح".([54])
رابعاً:الهندوس والبوذيون والطاويون والمجوس، كانوا وما زالوا يؤمنون بوحدة الوجود عقيدة وحيدة.وأهل الكتاب كانوا وما زالوا يؤمنون بخالق في السماء، خلق الخلق من العدم مع شرك وتشبيه، وبعض رشفات من الوحدة (ما عدا متصوفيهم طبعًا). فجاء الإسلام ليُعلن كفر أولئك المطلق، ويحرم على المسلمين ذبائحهم والزواج منهم، بينما وقف من اليهودية والنصرانية موقفًا أخف بكثير، وسماهم "أهل الكتاب"، ووسع حدود التعامل معهم (وخاصة مع النصارى)، وأجاز ذبائحهم وطعامهم ومصاهرتهم...فلو كان في دين الإسلام من وحدة الوجود ما يفتريه الصوفية، لانعكست الآية، ولصار النصارى هم الأبعدين، ولصار الهندوس والباقون هم الأقربين.
خامساً:-الأحاديث التي يرويها المتصوفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه في موضوع الوحدة فهي:-
 أ- إما مكذوبة! وهم أنفسهم يعرفون أنها مكذوبة! ومع ذلك يوردونها دون خوف من الله، وكأنهم لم يسمعوا قول رسول:"من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، وأسلوبهم أنهم يروونها، ثم يعلقون عليها بعبارة ما، مثل: "تكلموا فيه"، أو:"فيه نظر"، أو ما شابه ذلك، ثم يبنون عليها ما يشاءون من أحكام ظالمة‍ وكأنهم إذا قالوا عن الحديث المكذوب: "فيه نظر"، أصبح من الأحكام الشرعية، وأصبح العمل به شرعيًّا‍؟
ب- وإما أن يكون حديثهم صحيحًا، لكنهم يلوون عنقه، يؤولونه، ويعطونه معنى ما أنزل الله به من سلطان! وكذلك يفعلون مع الآيات القرآنية. فمثلا:تفسيرهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:"من عادى لي وليًّا آذنته بالحرب"، أن الولي هو الصوفي، وقوله في بقية الحديث:"فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه الذي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها" بأنه يعني وحدة الوجود. وقد أشبع العلماء هذا الحديث بحثًا، ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن نص الحديث ينفي وحدة الوجود! إذ لو كانت وحدة الوجود موجودة، لكان الله سبحانه عما يصفون سمع الإنسان وبصره ويده وكله! سواء أحبه أم لم يحبه، وقبل أن يحبه وبعد أن يحبه، وفي جميع الأحوال، ولا تكون هناك حاجة لأداء الفروض والنوافل، ولا لأي شيء أبدًا لتحقق ذلك.وكون هذا الوصف:"كنت سمعه...وبصره..." لا يتحقق إلا بعد أداء الفروض والتقرب بالنوافل...ثم بعد أن يحبه الله، يعني بكل وضوح أن هذا لم يكن قبل أن يحبه الله، أي: إن هذه المزية:"كون الله تعالى سمع المرء...وبصره" هي غير متحققة في الإنسان العادي، وبذلك تنتفي وحدة الوجود، وينتفي معها فهمهم الخاطئ. ويكون معنى الحديث:إن الله سبحانه إذا أحب العبد أعانه إعانة تامة في كل شيء، ولا يكله إلى نفسه أبدًا في أي شيء، وطبعًا تكون إعانة الله للعبد كما يريد الله سبحانه لا كما يريد العبد.
موقف الإسلام من مذهب وحدة الوجود:
       الإسلام يؤمن بأنّ الله جل شأنه خالق الوجود منـزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء والمسؤولية والبعث والحساب. ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد في وجود الله، وتعبير ملتو للقول بوجود المادة فقط، وأن هذا المذهب تكأة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد، أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات، أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فيهم:"حتى يبلغ الأمر بأحدهم إلى أن يهوى المردان، ويزعم أن الرب تعالى تجلى في أحدهم، ويقولون:هو الراهب في الصومعة؛ وهذه مظاهر الجمال؛ ويقبل أحدهم الأمرد، ويقول: أنت الله. ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه، ويدعي أنه الله رب العالمين، أو أنه خلق السماوات والأرض، ويقول أحدهم لجليسه: أنت خلقت هذا، وأنت هو، وأمثال ذلك. فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه؛ وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً. ومن قال:إن لقول هؤلاء سراً خفياً وباطن حق، وأنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق: فهو أحد رجلين– إما أن يكون من كبار الزنادقة أهـل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال. فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرف حقيقة الأمر، فإن أصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله. ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق. وهذا السر هو أشد كفراً وإلحاداً من ظاهره؛ فإنّ مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس".([55])
     ويقول أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية:"وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى، فيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فهو مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه. فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى".([56]) وقال أيضاً:"ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد، أو جاهل ضال".([57])
     إنّ وحدة الوجود كفر مبين، ومعتقدها كافر مبين حسب الشريعة الإسلامية، له في الدنيا عقوبة المرتد عن الإسلام، وله في الآخرة عذاب أليم، إلا أن يتداركه الله سبحانه بلطفه وعفوه. وأمّا الصوفي الذي يبطن وحدة الوجود، ويظهر التمسك بالشريعة فهو منافق حقًّا، بل هو شر أنواع المنافقين، ومقامه الحقيقي هو في الدرك الأسفل من النار إن لم يتداركه الله برحمته.
    بل فاقوا هؤلاء إبليس اللعين بكفرهم وعنادهم وعتوهم، وقولهم علـى الله ما لم يقله إبليس، فإن إبليس كان يفرق بين الخالق والمخلوق، وبين الرب الإله القوي القاهر، وبين المخلوق الضعيف الفقير المحتاج إلى إلهه، وأمّا الاتحادي ابن عربي ومن على شاكلته فقد جعلوا إبليس وجبريل والأنبياء والكفار والأشقياء، وكل هذه المخلوقات هي عين الخالق وأنه ليس في الوجود غيره، يخلق بنفسه لنفسه، وأنه ليس معه غيره، وأن الكفر والإيمان، والحلال والحرام، والأخت والأجنبية، وإتيان النساء، وإتيان الذكور شيء واحد، وكل هذا عين الرب وحقيقته وأفعاله.
       والعقيدة الإسلامية تقرِّر:أن الله جل وعلا خلق الخلق من العدم، وقد مرت الآيات الدالة على ذلك، والمخلوقات هي مِن دونِ الله وغيرهُ، أي إنها ليست تعينات من ذاته العلية، جل جلاله، وهو سبحانه فوق خلقه:(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ)، والسماء هنا بمعنى:العلو.وهو سبحانه فوق السماوات، بدليل قول رسول الله  صلى الله عليه وسلم  معقبًا على حكم سعد بن معاذ في بني قريظة:"لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرْقِعَة"، والأرقعة هي السماوات، واحدتها رقيع.([58])
      قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام في ابن عربي:"هو شيخ سوء مقبوح كذاب, يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجاً".([59]) ويروي ابن تيمية عن الشيخ إبراهيم الجعيري أنه كان يقول:"رأيت ابن عربي هو شيخ نجس يكذب بكل كتاب أنزله الله, وبكل نبي أرسله الله"([60])، وقال ابن تيمية([61]):ورأيت بخطه في كتابه(الفتوحات المكية) هذين البيتين:
الرب حق والعبد حق              يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب             أو قـلـت رب أنـي يكلـف
      ويقول البقاعي قاطعاً الطريق على من يؤول لابن عربي:"قال الأصوليون:لو نطق بكلمة الردة وزعم أنه أضمر تورية, كفر ظاهراً وباطناً".([62])
      وقد كفَّر العلماء القائلين بوحدة الوجود لما يلي:
1- إنَّ مذهب وحدة الوجود باطل عقلاً، فمن عـرف حقيقته عرف بطلانه بداهة، لأنـَّه لا يعقل أن يكون الإنسان هو الله، والحجر هو الله، والشجر هو الله، كما لا يعقل أن يكون الإنسان هو الحجر وهو الشجر، فشتان بين مخلوق ومخلوق، وشتان بين خالق ومخلوق.
2- إن ما جاءت به الرسل يقتضي المغايرة بين الخالق والمخلوق.([63]) وقد جاء على ألسنتهم الاستنكار على من عبد غير الله أو أمر بعبادة غير الله قال تعالى:(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)الزمر64. وقال:(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) الأنعام 14. وقال:(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) فاطر3. وقال:(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) الأنعام 114.
3- أجمع المسلمون على مر العصور باختلاف تخصصاتهم سواءً كانوا من العلماء أم من عوام الناس، وسـواءً كانـوا صالحين أو فاسقين، أو طائعين أو عاصين–عدا هؤلاء غلاة الصوفية الكفرة– على أن الله هو الخالق وما سواه مخلوق، وأنه سبحانه لا يحل في المخلوقات ولا تحل فيه وأن الله مباين لخلقه في ذاته وصفاته وأفعاله.([64])
4- الاتحاد والوحدة بين الخالق والمخلوق محال لأن في إتحادهما إما أن يتحولا إلى شيءٍ ثالث مغاير لهما، أو يبقيا كما هما فليست بوحدة، أو يبقى أحدهما وينعدم الآخر فيه فليس اتحاد ولا وحدة. وإذا انعدم أن يتحد العبدان المربوبان فهل يصح ذلك في حق الخالق.
5-مذهب الصوفية مركب من سلب الجهمية وتعطيلهم بل هو أشنع من ذلك، لأن الجهمية سلبوا كمال الله المقدس فنفوا الصفات والأسماء وأثبتوا العدم، لكن أهل وحدة الوجود عبدوا كل شيء، وقولهم مركب من كلمات الصوفية المجملة والشَّطحات وأقوالهم في حال الغيبة والسكر…ومن أقوال الفلاسفة والزنادقة التي تعتبر أقوالاً باطلة تدل على الإلحاد، كقولهم بالوجود المطلق والوجود الواحد وأزلية الكون.([65])
6- القائلون بوحدة الوجود أكفر من اليهود والنصارى: فإذا قال النصارى:إن الله هو المسيح بن مريم قال غلاة الصوفية:إن الله هو كل شيء، وإن الله هو الكفار والمنافقون والأرجاس والمجانين والصبيان، وإذا كفَّر الله النصارى بقولهم إن الله ثالث ثلاثة وإن الله هو المسيح بن مريم، فكيف بمن زعم أن الله هو كل شيء، ويتجلى في صور العاشقات والمعشوقات ؟ فهو أشدٌّ كفراً من النصارى.
     وإذا عاب الله على اليهود قولهم "نحن أبناء الله وأحباؤه" فكيف بمن يزعمون أن اليهود والنصارى والمجوس وكافة الكفار هم أعيان الله ووجودهم هو وجود الخالق وليسوا غيره ولا سواه ؟([66]) فإنهم أشد كفراً من اليهود.
7- أقوال الصوفية الدالة على وحدة الوجود مضطربة متناقضة:فقولهم:(إن الكون وما فيه من مخلوقات هي مظاهر الحق) يتناقض، لأنَّه إن كان الظاهر هو المظاهر فنفي للموجودات المتعددة، وإن كان الظاهر غير المظاهر كانت المغايرة وانتفت الوحدة المزعومة. ويقصدون بالظاهر الله وبالمظاهر الموجودات.
وقول ابن عربي:"لقد حق لي عشق الوجود وأهله" أن يعشق كل شيء إبليس وفرعون والنجاسات والخبائث والكلاب والخنازير، فهذا مناقض للشرع والعقل، ولو آذاه مؤذ وآلمه ألماً شديداً لامتنع من عشقه".([67])
فإذا كـان الوجود واحداً:فالزوجـة عيـن الأم والأخت، فكيف حرمِّت هذه وحلَّت الأخرى، وفي الوجود الظالم والمظلوم، وهذا عين هذا، فكيف يحاسب الظالم ولا يحاسب المظلوم؟؟.
لقد كان أحد القائلين بالوحدة يتكلم عن وحدة الوجود ويقول:من قال إنَّ في الكون سوى الله فقد كذب. فقال له آخر فمن الذي كذب؟ فأفحمه.([68]) يعني إذا كان ما في الوجود هو الله فالذي كذب هو الله. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. حيث يؤمن القائلون بالوحدة بأن لا فرق بين الخالق والمخلوق وبين المؤمن والكافر والمصدق والمكذب، فالكل سواء.
[1]- الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص21.
[2]- الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد 59/60.
[3]- فتاوى ابن الصلاح: ص29.
[4]- الفتح الرباني والفيض الرحماني ص 133.
[5]- الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة:عبد الرحمن عبد الخالق ص 175-176.
[6]- الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة:عبد الرحمن عبد الخالق ص 176.
[7]- الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة:عبد الرحمن عبد الخالق ص 175-176.
[8]- ظهر الإسلام 4/220. ومعنى القطب الذي تدور عليه الأفلاك أنه المتحكم في حركتها وسكناتها, وهو الذي يدير ما دق وجل من أمورها، وهذه هي حقيقة الألوهية، وهي عن نظرية العقل الفعال المستمدة من الفلسفة اليونانية.
[9]- هذه هي الصوفية ص 87، والكلام لابن مشيش.
[10]- التصوف: زكي مبارك 1/233.
[11]-أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية. انظر: مختصر الشمائل للشيخ الألباني ص 174, وقال عنه:حديث صحيح.
[12]- هذه هي الصوفية للوكيل ص 87.
[13]- لطائف المنن ص 12.
[14]- أخرجه البخاري، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقمه محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى واذكر في الكتاب مريم، حديث رقم 3445، 6/478.
[15]- أخرجه أحمد في المسند 5/317، والترمذي في القدر برقم 2156، وأبو داوود برقم 4700.
[16]- أخرجه مسلم برقم 2789، وأحمد في مسنده 2/327 برقم 8323، وقد تكلم بعض العلماء في هذا الحديث لأن الله خلق الخلق في ستة أيام والحديث استوعب الأيام السبعة، ولعل الله تعالى خلق الخلق في ستة أيام كما ورد في القرآن ثم خلق آدم يوم الجمعة في آخر الخلق ويزيد الله في الخلق ما يشاء فلا تعارض.
[17]- انظـر:أسباب النـزول للسيوطي فـي حاشية تفسيـر الجلالين مكتبة العلوم الدينية، بيروت، ص491-493.
[18]-المعجم الفلسفي د. عبد المنعم الحفني، ط1 الدار الشرقية مصر، 1410– 1990، ص380.
[19]- إيضاح المقصود:عبد الغني النابلسي ص 56.
[20]- ابن تيمية:درء تعارض العقل والنقل 5/82.
[21]- انظر البقاعي في كتابه:تنبيه الغبي 19/40، وابن تيمية في الإيمان الأوسط ص 132، الشوكاني في قطر الولي ص 190.
[22]-انظر:درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام بالرياض، ط 1، 1401هـ/1981م، 10/283.
[23]- انظر إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، دار الفكر، بيروت، 4/212.
[24]- السابق 1/330.
[25]- معارج القدس للغزالي ص5.
-[26] المقدمة ص 471.
-[27] البقاعي ص 120 نقلاً عن فصوص الحكم، فص 192.
-[28] المصدر السابق ص 95، فص رقم 109.
[29]- المصدر السابق ص 128، وفي هذا المقام لا بد من القول بأن اعتذار البعض عن ابن عربي بأنه يقصد كذا أو كذا ويؤولون كلامه, هذا غير مقبول. قال العراقي:"لا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ولا يؤول كلامه ولا كرامة".
[30]- انظر تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للشيخ برهان الدين البقاعي.
[31]- فصوص الحكم ص76.
[32]- فصوص الحكم ص72.
[33]- الفصوص ص78.
[34]- فصوص الحكم ص73.
[35]- المصدر السابق ص 76.
[36]- المصدر السابق 79.
[37]- هما مصطلحان في دين الصوفية: فالصحو: هو رجوع الصوفي إلى الإحساس بعد سكرته بوارد قوي وفيه يشهد الصوفي الفرق بين الإله والكون وأن الكون ليس هو الذات الإلهية. وأما المحو: فهو فناء السوية بين الرب والعبد وتجلي الوحدة المطلقة فيرى الصوفي الخلق عين الحق والمربوب عين الرب وهذه حالة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.
[38]- مجموع الفتاوي:ابن تيمية 2/306.
[39]- تهذيب كتاب النقشبندية-عرض وتحليل-:عبد الرحمن دمشقية ص66-68.
[40]-الإنسان الكامل:عبد الكريم الجيلي 2/83.
[41]- الإنسان الكامل1/61.
[42]- جامع الرسائل والمسائل1/167.
[43]- المصدر السابق 128، وفي هذا المقام لا بد من القول بأن اعتذار البعض عن ابن عربي بأنه يقصد كذا أو كذا ويؤولون كلامه, هذا غير مقبول. قال العراقي:"لا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ولا يؤول كلامه ولا كرامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق