الأربعاء، 19 أغسطس 2015

الرد على الصوفية4======================

أقول أراد ابن عربي أن يجعل للصوفية ما خص الله به الأنبياء من الرؤيا الصادقة في النوم والاطلاع على ما في السماوات من الملأ الأعلى والملائكة فزعم أنه يكون للولي الصوفي كذلك ما كان للنبي من كشف قناع قلبه ورؤيته للملأ الأعلى.
ولم يكتف ابن عربي بهذا أيضاً بل زعم لنفسه وجماعته الصوفية ما لم يعلمه رسل الله أنفسهم وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد زعم أن الصوفية أحياناً ينزل عليهم الوحي مكتوباً من السماء.
وأنه أعني ابن عربي يعلم الفرق بين ما في اللوح المحفوظ من كتابه وما يكتبه المخلوقون وبذلك يستطيع أن يفرق بين المكتوب النازل من السماء والمكتوب في الأرض.. قلت لم يقل نبي قط ولا أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن هناك بشراً اطلع على ما في اللوح المحفوظ ولكن العجيب أن هؤلاء يزعمون العلم والإحاطة به. بل نقل الشعراني في كتابه الطبقات الكبرى عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما يكتب في اللوح المحفوظ ساعة بساعة.. وزعم أحمد بن المبارك أن شيخه الأمي عبد العزيز الدباغ يعلم اللوح المحفوظ ويعلم كتابته وأنه بالسريانية! والمهم هنا أن ابن عربي يقرر في فتوحاته أن وحي الأولياء كثيراً ما ينزل مكتوباً كما نزلت التوراة مكتوبة..
يقول الشعراني عن شيخه:
"وقد يكون ذلك كتابة ويقع هذا كثيراً للأولياء وبه كان يوحى لأبي عبدالله قضيب البان، وغيره، كبقي بن مخلد تلميذ الإمام أحمد رضي الله عنه لكنه أضعف الجماعة في ذلك فكان لا يجده إلا بعد القيام من النوم مكتوباً في ورقة انتهى (فإن قلت) فما علامة كون تلك الكتابة التي في الورقة من عند الله عز وجل حتى يجوز للولي العمل بها (فالجواب) أن علامتها كما قال الشيخ في الباب الخامس عشر وثلاثمائة أن تلك الكتابة تقرأ من كل ناحية على السواء لا تتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها. قال الشيخ: وقد رأيت ورقة نزلت على فقير في المطاف يعتقه من النار على هذه الصفة فلما رآها الناس علموا أنها ليست من كتابة المخلوقين فإن وجدت تلك العلامة فتلك الورقة من الله عز وجل لكن لا يعمل بها إلا إن وافقت الشريعة التي بين أظهرنا.
قال: وكذلك وقع لفقيرة من تلامذتنا أنها رأت في المنام أن الحق تعالى أعطاها ورقة فانطبقت كفها حين استيقظت فلم يقدر أحد على فتحها فألهمني الله تعالى أني قلت لها إنوِ بقلبك أنه إذا فتح الله كفك أن تبتلعيها فنوت وقربت يدها إلى فمها فدخلت الورقة في فيها قهراً عليها فقال الولي بم عرفت ذلك فقلت ألهمت أن الله تعالى لم يرد منها أن يطلع أحد عليها وقد أطلعني الله تعالى على الفرق بين كتابة الله تعالى في اللوح المحفوظ وغيره وبين كتابة المخلوقين وهو علم عجيب رأيناه وشاهدناه انتهى (اليواقيت والجواهر ص83،84 ج2)..
فانظر هذا الوحي الإلهي لهذه المريدة العزيزة الذي نزل في يدها وانطبقت عليه ثم ابتلعته.. وإن العالم النحرير والشيخ الكبير عرف بالكشف مراد الله فقال ابتلعيها.. الخ.. سبحانك يا رب لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك..
ولم يكتف ابن عربي بكل ما قرره في هذا الكشف الشيطاني للصوفية من أنه تنزل عليهم الملائكة، ويشاهدون الله ويسمعون الصوت ويأتيهم الوحي مكتوباً بل قرر أيضاً أن قلوب الأولياء تنكشف عنها الحجب فيشاهدون الجنة وما فيها، والنار وما فيها تماماً كما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الشعراني:
"(فإن قلت) فما صورة وصول الأولياء إلى العلم بأحوال السماوات (فالجواب) يصل الأولياء إلى ذلك بانجلاء مرآة قلوبهم كما يكشفون عن أحوال أهل الجنة وأهل النار بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف ورأى في النار عمرو بن لحي الذي سيب السوائب وصاحب المحجن، وصاحبة الهرة التي حبستها حتى ماتت. وفي بعض طرق الحديث رأيت الجنة والنار في عرض هذا الحائط انتهى والله أعلم.." أ.هـ (اليواقيت والجواهر ص88).
باختصار لم يترك ابن عربي صورة من صور الوحي الإلهي الذي يوحي به للرسل إلا أثبت مثيله ونظيره بل وأكمل منه للصوفية، وبالطبع كان لا بد للمتصوفة من أن يجيبوا عن تكفير علماء الأمة لهم ونسبتهم إلى الزندقة والمروق من الدين وذلك لادعائهم ما هو من خصوصيات الرسل رضوان الله عليهم، إذ لا فرق بين الرسول وغيره إلا الوحي، ولو كان واحد من الأمة يوحى إليه ويطلع على الغيب، ويكون وارثاً للرسول في هذا الإطلاع والتحقق لما كان للرسالة معنى، ولا للنبوة منزلة وفائدة، ما دام كل إنسان يستطيع بنفسه أن يصل إلى الله ويطلع على الغيب، وأن يعلم مراد الله على الحقيقة. ما مزية الرسول هنا وما منزلته، ما دام كل أحد إذا فعل بعض المجاهدات يكون مثله وينزل عليه الوحي ويرى الملائكة ويطلع على الملأ الأعلى، ويشاهد الله ويجلس في حضرته ويطبع الله مراده في ذهنه، ويكتب له ما شاء من الرسائل كما ادعى الحلاج أنه نزلت عليه رسائل كثيرة بخط الله، وادعى هذا ابن عربي كما مر سابقاً، لماذا يكون مسيلمة إذاً كذاباً والقرآن الذي افتراه أحسن حالاً في جوانب كثيرة من حكايات كثيرة من الصوفية التي زعموا أنهم تلقوها من الله وملائكته.. لقد كان مسيلمة أقوى حجة وأكثر تابعاً، وأعز جيشاً من كل مشايخ التصوف الكاذبين..
وإذا قال هؤلاء بأننا علمنا أن مسيلمة كاذب بتكذيب النبي له قلنا لهم وكذلك يجب أن تحكموا على كل مشايخ التصوف الذين يزعمون نزول الوحي عليهم بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لهم. إنه صلى الله عليه وسلم هو القائل لا تقوم الساعة حتى يقوم كذابون كثيرون يزعم كل منهم أنه نبي.. وأن لا نبي بعدي وأليس كل من زعم أنه يوحى إليه قد ادعى النبوة فكيف إذا زعم أيضاً أنه يرى الله؟ ويلتقي بالملائكة ويسمع أصواتهم، ويلتقي بالخضر، وينزل عليه الكتب مكتوبة من السماء، ويطلع بقلبه على الملأ الأعلى والملأ الأسفل، أليس مسيلمة كان أقل كذباً من هؤلاء بل وأحكم منطقاً وأعظم عقلاً؟
أقول لما علم ابن عربي ومن على شاكلته أن دعاواهم هذه لن تنطلي إلا على جاهل من أهل  القبلة، وأن علماء المسلمين لا بد أن يكفروهم ويزندقوهم فإنه احتاط لذلك وأجاب عما رماه به علماء الأمة الصالحون، ورموا به أيضاً من هم على شاكلته في ادعاء العلم الغيبي والكشف الصوفي. أجاب على ذلك بأنهم على شريعة خاصة، وأن علماء الشريعة يمكن أن يحملوا كلام الصوفية على خلاف في الرأي كما هو حادث بين الشافعي والحنفي أو ينزلوا كلام المتصوفة كأنه كلام أهل الكتاب فلا يصدقونهم ولا يكذبونهم..
قال الشعراني:
"(فإن قلت) قد رأينا في كلام بعضهم تكفير الأولياء المحدّثين بفتح الدال المهملة لكونهم يصححون الأحاديث التي قال الحفاظ بضعفها. (فالجواب) تكفير الناس للمحدثين المذكورين عدم إنصاف منهم لأن حكم المحدثين حكم المجتهدين فكما يحرم على كل واحد من المجتهدين أن يخالف ما ثبت عنده فكذلك المحدثون بفتح الدال وكلاهما أشرع بتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الجواب السابع والخمسين: وقد وقع لنا التكفير مع علماء عصرنا لما صححنا بعض أحاديث قالوا بضعفها قال ونحن نعذرهم في ذلك لأنه ما قام عندهم على صدق كل واحد من هذه الطائفة وهم مخاطبون بغلبة الظن ولو أنهم وفوا النظر معهم حقه لسلموا لهم حالهم كما يسلم الشافعي للحنفي حكمه ولا ينقض حكم من حكم به من الحكام. ومما اعتذروا به قولهم لو صدقت القوم في كل ما يدعونه من نحو ذلل لدخل الخلل في الشريعة لعدم العصمة فيهم فلذلك سددنا الباب وقلنا: إن الصادق من هؤلاء لا يضره سدنا هذا الباب، قال الشيخ محيي الدين ونعم ما فعلوه ونحن نسلم لهم ذلك ونصوبهم فيه ونحكم لهم بالأجر التام على ذلك ولكن إذا لم يقطعوا بأن ذلك الولي مخطئ في مخالفتهم فإن قطعوا بخطئه فلا عذر لهم فإن أقل الأحوال أن ينزلوا الأولياء المذكورين منزلة أهل الكتاب لا يصدقونهم ولا يكذبونهم انتهى (اليواقيت والجواهر ص90 ج2)..
وهذا الاعتذار والجواب عن تكفير أهل السنة لهؤلاء في غاية الجهالة أيضاً لأن ما أتى به المتصوفة مما يسمونه كشفاً ليس من الخلاف في الرأي، ولا الخلاف الفرعي، بل هو مصادم لأحكام الإسلام ومبادئ الإيمان.
فالتصديق أصلاً بأنهم يعلمون من طريق الوحي كفر لأنه يناقض ما جاء به القرآن والحديث، من أن الوحي قاصر على الأنبياء فقط وأن لا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من النبوة الرؤيا الصادقة فقط.. وأما سماع صوت الملك وانقشاع حجاب القلب ونزول الأوراق المكتوبة من السماء كل هذا من خصائص النبوة التي انتهت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم..
ثم ما جاء به الصوفية مما جعلوه ونسبوه إلى الكشف هو في عامته وحي إبليسي شيطاني لم يترك كفراً في الأرض إلا نسبه إلى الدين كتبرئة إبليس من الكفر والقول بنجاة فرعون ودخوله الجنة وأن فلاناً من أهل الجنة ومن الصديقين والحال أنّ شارب الخمر زنديق، وأن فلاناً يطلع على اللوح المحفوظ، وأن فلاناً الذي يأتي (الحمارة)في الشارع ولي لله تعالى، وفلاناً القذر الذي لا يمس الماء ولا يتطهر من حدث أو جنابة ولي صالح، وفلان الذي يقول أنا الله وما في الجبة إلا الله وسبحانه ولي صالح.. الخ.
هذا الكفر كيف يكون هذا من جنس الخلاف بين الشافعي والحنفي في قراءة الفاتحة وراء الإمام وفي نقض الوضوء من مس المرأة.. ومثل هذه الفرعيات التي كان فيها خلاف حول فهم النصوص القرآنية الحديثية..
وأما قياس ابن عربي ما جاء به المتصوفة أيضاً على كلام أهل الكتاب الذين قال الرسول فيهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم.. فإنه قياس بعيد أيضاً لأن هذا فيما قاله أهل الكتاب مما لا يناقض عقيدة الإسلام. وإلا كيف لا نكذب أهل الكتاب في قولهم إن الله استراح في اليوم السابع وإنه تصارع مع يعقوب (إسرائيل) وصرعه إسرائيل وإن لوطاً زنى بابنتيه وإبراهيم قدم زوجته لحاكم مصر ليحصل على إبل وغنم، وإن المسيح ابن الله وغير ذلك من الخرافات والخزعبلات وصنوف الكذب على الله والأنبياء.
لا شك أن المسلم يكذب اليهود في كل ما زعموه مما هو مناقض لعقيدة الإسلام وما قرر الله سبحانه وتعالى غيره تماماً وضده في القرآن، كيف نؤمن بكلام الصوفية وكشوفاتها وهو لا يقل في عمومه خبثاً ونجاسة عما افتراه اليهود والنصارى على الله.. كيف نصدق الصوفية في كشفهم أن الخنزير والكلب هو الله، وأن المخلوق والخالق شيء واحد، وأن القائلين بخالق فوق العرش مباين للعالم جاهلون بعقيدة التوحيد.. كيف يكون الكشف الصوفي هذا الذي يزعم أصحابه أنهم أخذوه عن الله ونقلوه بحرفيته هو الحق وأنه يجب على علماء الشريعة والإسلام أن يعاملوا الصوفية كما يعاملون اليهود والنصارى في أن لا يصدقوهم ولا يكذبوهم.. أقول بل يجب تكذيبهم في كل ما افتروه على الله وعلى رسوله مما يخالف كلام الله وكلام رسوله. ومما هو كفر صراح بواح لا يشك ولا يماري فيه من له أدنى علم بالكتاب والسنة عنده بصر وبصيرة يستطيع أن يميز فيه بين كلام الله وكلام الشياطين وبين وحي الله سبحانه الذي ينزل به جبريل الأمين محفوظاً أن يناله الشياطين أو أن يدخلوا معه ما ليس منه وبين وحي إبليس اللعين الذي يلقبه هو وأولاده وأفراخه على أوليائه من هؤلاء الكذابين والأفاكين..
فيدعون لأنفسهم ما ادعوه من كل كذب وزور وفجور..
والعجيب أيضاً أن ابن عربي الذي نحن بصدد بيان افتراءاته في الكشوف والعلوم التي له كان يعلم أن هناك وحياً شيطانياً يتنزل على بعض الصوفية، وأن هناك من يحفظ منهم من تلبيس الشيطان ومنهم من لا يحفظ.
يقول عبدالوهاب الشعراني أيضاً في كتابه اليواقيت فيما ينقله عن ابن عربي:
"(فإن قلت) فمتى يحفظ الولي من التلبيس عليه فيما يأتيه من وحي الإلهام (فالجواب) يعرف ذلك بالعلامات؛ فمن كان له في ذلك علامة بينه وبين الله عرف الوحي الحق الإلهامي الملكي من الوحي الباطل الشيطاني حفظ من التلبيس ولكن أهل هذا المقام قليل.
قال الشيخ في الباب الثالث والثمانين ومائتين: مما غلط فيه جماعة من أهل الله عز وجل كأبي حامد الغزالي وابن سيد لون (رجل بوادي اشت) قولهم إذا ارتقى الولي عن عالم العناصر وفتح لقلبه أبواب السماء حفظ من التلبيس قالوا وذلك لأنه حينئذ في عالم الحفظ من المردة والشياطين فكل ما يراه هناك حق. قال الشيخ محيي الدين وهذا الذي قالوه ليس بصحيح وإنما يصح ذلك أن لو كان المعراج بأجسامهم مع أرواحهم إن صح أن أحداً يرث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعراج وأما من عرج به بخاطريته وروحانيته بغير انفصال موت وجسده في بيته مثلاً فقد لا يحفظ من التلبيس إلا أن يكون له علامة في  ذلك كما مر وأطال في ذلك ثم قال واعلم أن الشيطان لا يزال مراقباً لقلوب أهل الكشف سواء كان أحدهم من أهل العلامات أو لم يكن لأن له حرصاً على الإغواء والتلبيس لعلمه بأن الله تعالى قد يخذل عبده فلا يحفظه فيعيش إبليس بالترجي ويقول لعل وعسى فإن رأى إبليس باطن العبد محفوظاً وأنوار الملائكة قد حفت به انتقل إلى جسد ذلك العبد فيظهر له في صورة الحس أموراً عسى أن يأخذ بها فإذا حفظ الله تعالى قلب ذلك العبد ولم ير له على باطنه سبيلاً جلس تجاه قلبه فينتظر غفلة تطرأ عليه فإذا عجز أن يوقعه في شيء يقبله منه بلا وساطة نظر في حال ذلك الولي فإن رأى أن من عادته الأخذ للمعارف من الأرض أقام له أرضاً متخيلة ليأخذ منها فإن أيد الله تعالى ذلك العبد رده خاسئاً لاطلاعه حينئذ على الفرق بين الأرضين المتخيلة والمحسوسة وقد يأخذ الكامل من إبليس ما ألقاه إليه من الله لا من إبليس فيرده أيضاً خاسئاً وكذلك إن رأى إبليس أن حال ذلك الولي الأخذ من السماء أقام له سماء متخيلة مثل السماء التي يأخذ منها ويدرج له فيها من السموم القاتلة ما يقدر عليه فيعامله العارف بما قلناه في شأن الأرض المتخيلة والأصلية وإن رأى أن حال ذلك الولي الأخذ من سدرة المنتهى أو من ملك من الملائكة خيل له سدرة مثلها أو صورة ملك مثل ذلك الملك وتسمى له باسمه وألقى إليه ما عرف أن ذلك الملك يلقيه إليه من ذلك المقام فإن كان ذلك الشخص من أهل التلبيس فقد ظفر به عدوه وإن كان محفوظاً حفظ منه فيطرد عنه إبليس ويرمي ما جاء به أو يأخذ ذلك عن الله تعالى لا عن إبليس كما مر ويشكر الله تعالى على ذلك وإن رأى الشيطان أن حال ذلك الولي الأخذ من العرش أو من العماء أو الأسماء الإلهية ألقى إليه الشيطان بحسب حاله ميزاناً بميزان وأطال الشيخ في ذلك في الباب الثالث والثمانين ومائتين" أ.هـ (اليواقيت والجواهر ص87 ج2).
والعجيب من الغزالي أيضاً كيف ظن أن ما يزعم الصوفي نقله من السماوات لا يكون فيه شيء شيطاني لأن الله حفظ السماء من الشياطين، وكأنه قد غاب عنه أن الصوفي الذي يزعم الوصول إلى السماوات هو جالس هنا في الأرض تستهويه الشياطين وتحف به من كل جانب.
ولم أر ابن عربي صدق في هذا الصدد إلا فيما نقلناه عنه آنفاً من بيان تلبيس الشياطين على الصوفية في تصويره لهم سماء متخيلة، أو سدرة المنتهى أو الملائكة.. الخ. حتى يظن الصوفي أنه قد رأى ذلك فعلاً وأنه ينقل علمه من هناك والحال أنه ينقل عن الشياطين الذين يزخرفون له ذلك ويحيلون له ما يشاهده مما ليس هنالك هو تماماً ما وقع لهؤلاء الصوفية ومنهم بل أولهم في ذلك هو ابن عربي هذا الذي لم يترك كفراً في الأرض إلا سطره في كتبه وبخاصة كتابه الفصوص (فصوص الحكم) وكتابه (الفتوحات المكية).
لقد عرف ابن عربي حقاً الطريق الذي استقى منه هو والصوفية وأنه الشياطين الذي يخيلون لهم هذه الخيالات ويوحون إليهم بهذه الكلمات.
وسيجد القارئ في ثنايا هذا الكتاب نقولاً مستفيضة عن ابن عربي تبين ما هي حقيقة كشوفاته ووحيه الذي أوحي به إليه ولكني أحب أن أختم هذا الفصل في بيان موقف ابن عربي من الكشف بحقيقة موقفه من إبليس لنبين للقارئ بما لا يدع مجالاً للشك أي دين يدين به هؤلاء وأي علم يزعمون الوصول إليه وأي كشف اكتشفوه..
فمن المعلوم يقيناً عند كل مسلم أن إبليس هو رأس الشر والبلاء وأنه عدو لآدم وذريته منذ امتنع عن السجود لآدم وطرده الله بسبب ذلك من رحمته وجعل الله عليه اللعنة إلى يوم يبعثون وأنه يكون في الآخرة في جهنم كما قال تعالى:
{وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم} (إبراهيم:22).
والشيطان في هذه الآية هو إبليس بإجماع المفسرين وكذلك قوله تعالى: {فكبكبوا فيها هم والغاوون* وجنود إبليس أجمعون* قالوا وهم فيها يختصمون* تالله إن كنا لفي ضلال مبين* إذ نسويكم برب العالمين* وما أضلنا إلا المجرمون* فما لنا من شافعين* ولا صديق حميم} (الشعراء:94-101).
ولا شك أن جنود إبليس يستحيل أن يدخلوا النار ولا يدخل هو معهم إذ كيف يدخل الجنود ويبقى رأس الجند من الناجين. ولعل قائلاً يقول ولماذا هذا التطويل في بيان أن إبليس من أهل الجحيم. إن هذا أمر بديهي معلوم عند جميع أبناء الإسلام وأقول: إن هذا الأمر البديهي المعلوم من الدين بالضرورة التي يعتبر جاحداً وناكراً وكافراً مرتداً من نفاه هو ما أثبت ابن عربي تبعاً في زعمه لسهل بن عبدالله التستري ضده، وهو أن إبليس من الناجين وأنه لن يدخل النار أبداً وأنه أعني إبليس التقى في زعم ابن عربي بسهل بن عبدالله التستري الصوفي كان من كبار مشايخهم في القرن الثالث فناقشه في هذه المسألة وبين له أنه من الناجين، وأنه لن يدخل النار وأن الله سبحانه وتعالى سيغير ما أثبته في القرآن لأن الله لا يجب عليه شيء وما دام أنه لا يجب عليه شيء ولا يقيده قيد، فإنه قد قضى بنجاة إبليس يوم القيامة، وتبرئته من جميع التهم المنسوبة إليه والعفو التام عنه..
..انظروا يا مسلمين هذا الكشف الصوفي ما أعظمه وأطرفه بل ما أفجره وأكفره.. إن ما أتعب النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فيه نفسه طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من بيان قصة إبليس وآدم، ومن لعن إبليس دائماً، واستفتاح صلاته بالاستعاذة منه، وقوله صلى الله عليه وسلم له عندما خنقه [ألعنك بلعنة الله.. ألعنك بلعنة الله.. ألعنك بلعنة الله..] وذلك عندما جاء إبليس اللعين هذا بشهاب من نار ووضعه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي..
هذا الذي أتعب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ومن بعده سائر الصحابة والمسلمين؛.. جاء ابن عربي اليوم ليبين لنا عن شيخه المزعوم التستري أنه كان خطأً في خطأ، وأنه يوم القيامة يكون في الجنة مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. وأن هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة.. 
 ويعني ابن عربي بذلك الأشاعرة لأنهم يقولون (لا يجب على الله شيء) وما دام لا يجب عليه شيء فيجوز أن يدخل إبليس الجنة..
وهذا الجائز العقلي عن الأشاعرة جعله ابن عربي ممكناً وواقعاً لأن شيخه القشيري التقى بإبليس وناقشه في هذه المسألة وتحقق منه أنه سيكون يوم القيامة من الفائزين الفالحين.. وهذا نص الحكاية المزعومة وتعقيب ابن عربي عليها بنصها من كتاب اليواقيت والجواهر..
"وذكر الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والتسعين ومائتين أيضاً ما يؤيد اعتقاد أهل السنة والجماعة من أن الحق تعالى لا يجب عليه شيء وهو أن سهل بن عبدالله التستري رضي الله عنه قال لقيت إبليس مرة فعرفته وعرف مني أنني عرفته فوقع بيني وبينه مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إنه وقف ووقفت حائراً وحرت فكان آخر ما قال لي يا سهل إن الله تعالى قال ورحمتي وسعت كل شيء نعم ولا يخفى عليك أنني شيء ولفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم إلا ما خص وشيء أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته أنا وجميع العصاة فبأي دليل تقولون إن رحمة الله لا تنالنا. قال سهل فوالله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهمه منها ما لم أكن أفهمه وعلمه من دلالتها ما لم أكن أعلمه فبقيت حائراً متفكراً وأخذت أردد الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى آخر النسق فسررت بها وظننت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره فقلت له: تعال يا ملعون، إن الله تعالى قد قيدها بنعوت مخصوصة تخرجك عن ذلك العموم فقال سأكتبها للذين يتقون إلى آخر النسق. فتبسم إبليس وقال: يا سهل، التقييد صفتك لا صفته تعالى. ثم قال: يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل بالله ما رأيت وما ظننت أنك ههنا ليتك سكت، قال سهل فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي وما وجدت له جواباً ولا سددت وجهه باباً وعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله تعالى ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه بذلك إلا بما حكم به على نفسه من حيث وجود الإيمان به. انتهى كلام سهل. قال الشيخ محيي الدين: وكنت قديماً أقول ما رأيت أقصر حجة من إبليس ولا أجهل منه فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكاها عنه سهل رضي الله عنه تعجبت وعلمت أن إبليس قد علم علماً لا جهل فيه فله رتبة الإفادة لسهل في هذه المسألة. انتهى فقد بان لك أن الله تعالى خلق العالم كله من غير حاجة إليه لا موجب أوجب ذلك عليه" أ.هـ (اليواقيت والجواهر ص60 ج1).
وأظن الآن أنه قد وضح للقارئ تماماً ما هو الكشف الصوفي، وأنه عملية هدم منتظمة للدين الحنيف الذي جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فما دام إبليس من الناجين فليس هناك شيء ثابت في هذا الدين.
ولا عجب فيما رووا عن إبليس، فإن أستاذهم الحلاج وأحد كبرائهم قال في إبليس ما لم يقله أحد منهم في جبريل؛ إذ جعله سيد الملائكة أجمعين ذلك لأنه أبى أن يسجد إلا لله.. لأن عبادته لله خاصة فقط وذلك كان أعظم الموحدين. وإليك هذه النماذج من الكشف الصوفي اللعين.
1- ملك ينزل إلى الأرض على شكل خواجة:
كتب أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي كتاباً سماه (الإبريز) زعم أنه ينقل ما فيه عن شيخه عبدالعزيز الدباغ المغربي أيضاً، وهذا الشيخ أمي جاهل لم يكن يحفظ حزباً واحداً من القرآن بشهادة تلميذه أحمد بن مبارك، ولكنه مع ذلك كان يستطيع التفريق بين القرآن والحديث بمجرد السماع، بل كان يستطيع أيضاً أن يفرق بين القرآن والحديث النبوي والحديث القدسي وكل ذلك بالكشف من غير علم ولا تعليم، وليس كذلك فقط بل كان يستطيع أيضاً أن يفرق ويعلم صحيح الحديث من موضوعه وضعيفه فإذا ألقي إليه الحديث علم هل قاله الرسول أو لا ويقول أحمد بن مبارك اختبرته في ذلك فكنت ألقي عليه الحديث من الجامع الصغير للسيوطي فما قال فيه السيوطي صحيح كان يقول الشيخ  عنه صحيح وما قال فيه موضوع يقول موضوع دون أن يتلقى هذا بالعلم وإنما بالكشف فقط بل كان يعرف إن كان الحديث في البخاري أو مسلم أو فيهما أو انفرد فيه أحدهما.. الخ.. ولم يكن هذا هو كل علم عبدالعزيز الدباغ بل كان يعرف معاني القرآن كلها وتفسيره الباطني وعلم الحروف المقطعة في القرآن. بل وكان يعلم جميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء ويعلم تفاسيرها ومعانيها. ولم يكن هذا فقط هو علم الدباغ أستاذ أحمد بن مبارك المزعوم بل كان يعلم ما في اللوح المحفوظ كله من المقادير. بل كان كل هذا الذي لا يحفظ حزباً من القرآن بشهادة تلميذه لا تغيب عنه ذرة في الأرض ولا في السماء، وأنه هو الغوث الأكبر المتحكم في العالم العلوي والسفلي والوارث للحقيقة المحمدية.
والحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي هو الله المستوي على العرش كما قال ابن عربي: "الحقيقة المحمدية هي الموصوفة بالاستواء على العرش" (أهل التصرف في الفكر الصوفي هم أهل الديوان الذين يتحكمون في المقادير وهو الغوث والأقطاب الأربعة)، المهم أن أحمد بن مبارك يزعم فيما يزعم أن شيخه الأكبر وهو رئيس الديوان الصوفي وأنه استفاد منه علوماً جمة من بعضها كتابه الإبريز.
وسيجد القارئ جانباً كبيراً من هذه العلوم في الفصل الخاص بالديوان الصوفي لأن الدباغ هذا وصف ما سماه بالديوان الصوفي وصفاً عجيباً.. والمهم هنا أن ننقل بعض كشوفات الدباغ..
قال أحمد بن مبارك: "وسمعته رضي الله عنه يقول:
إن في كل مدينة من المدن عدداً كبيراً من الملائكة مثل  السبعين ملكاً أو أقل أو أكثر يكونون عوناً لأهل التصوف من الأولياء فيما لا تطيقه ذات الولي؛ قال رضي الله عنه وهؤلاء الملائكة الذين يكونون موجودين في المدن يكونون على هيئة بني آدم فمنهم من يلقاك في صورة خواجة، ومنهم من يلقاك في صورة فقير(أي صوفي أو شحاذ)، ومنهم من يلقاك في صورة طفل صغير وهم منغمسون في الناس ولكنهم لا يشعرون" أ.هـ (الإبريز ص164،165).
فانظر هذا الكشف العجيب؛ الملائكة تنزل إلى الأرض تأتمر بأمر الصوفية وهو على أشكال الخواجات والشحاذين والأطفال..
فإذا رأيت خواجة فلا تزعجه في الطريق ولا تنظر إليه شذراً فربما كان ملكاً من ملائكة الله نزل لتنفيذ أوامر مشايخ الصوفية..
2- تاريخ بناء الأهرام عن طريق الكشف:
الكشف الصوفي لم يترك شيئاً إلا حاول الدخول فيه وإليه؛ من ذلك تاريخ بناء الأهرام التي بناها خوفو الفرعون قبل ميلاد المسيح عليه السلام بنحو أربعة آلاف سنة ولكن بالكشف الصوفي يقول ابن عربي: "بلغنا أنه وجد مكتوباً بالقلم الأول على الأهرام أنها بنيت والنسر الطائر في الأسد، وهو الآن في الجدي"..
قال عبدالوهاب الشعراني تعليقاً على كلام ابن عربي "ومعلوم أن النسر الطائر لا ينتقل من برج إلى غيره إلا بعد مضي ثلاثين ألف سنة قال الشيخ عبدالكريم الجيلي، وهو اليوم في الدلو فقد قطع نحو عشرة أبراج ولا يتأتى ذلك إلا بعد ثلاثمائة ألف سنة" أ.هـ (الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص9).
وعلى الكشف الصوفي هذا يصبح عمر الأهرام حسب تخريفاتهم أكثر من 295 مائتين وخمسة وتسعين ألف سنة فقط من عمرها الحقيقي.

3- الدباغ يكتشف نبياً جديداً اسمه هويد..
قال أحمد بن مبارك في كتابه الإبريز:
"ومما قاله رضي الله عنه في نسب هود محصلة كشف وعيان فإنه أمي لا يعرف تاريخاً، ولا غيره فلا ينبغي لأحد أن يعارضه بما قال أهل التاريخ في نسب هود لأنه مبني على خبر الواحد، ومع ذلك فقد اضطرب في خبر الواحد في نسب هو فقيل نسبه هود بن عبدالله بن رباح بن الجارود بن عماد بن عوض بن آدم بن سام بن نوح، وقيل هو هود بن شارخ بدار فخشذ بن سام بن نوح عليه السلام فهو على هذا ابن عم أبي عماد دائماً جعل من عاد وإن لم يكن منهم لأنهم أفهم لقوله وأعرف لحاله وأرغب في اقتفائه.. قال رضي الله عنه: وأما عاداً الأولى فكانوا قبل نوح عليه السلام وأرسل الله لهم نبياً يسمى (هويد) وهو رسول مستقل بشرعه بخلاف هود الذي أرسل إلى عاد الثانية فإنه مجدد لشرع من قبله من المرسلين. قال: وكل رسول مستقل فلا بد أن يكون له كتاب. قال: ولسيدنا (هويد) المذكور كتاب وأنا أحفظه كما أحفظ جميع كتب المرسلين. فقلت له وتعدها. قال أحفظها ولا أعدها اسمعوا مني. ثم جعل يعدها كتاباً كتاباً، قال: (أي الدباغ) ولا يكون الولي ولياً حتى يؤمن بجميع هذه الكتب تفصيلاً ولا يكفيه الإجمال فقلت هذا لسائر الأولياء المفتوح عليهم فقال: بل لواحد فقط وهو الغوث فاستفدت منه في ذلك الوقت أنه رضي الله عنه هو الغوث وعلومه دالة على ذلك فإني لو قيدت جميع ما سمعت منه لملأت أسفاراً، وكم من مرة يقول جميع كلامي معكم على قدر ما تطيقه العقول" أ.هـ (الإبريز ص103-104).
وليس هناك من تعليق على مثل هذا الهراء إلا أن يقول المسلم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك..
وانظر بعد ذلك تتمة هذه الفتوح الدباغية كيف أنه اكتشف أيضاً بطريقة الكشف أن بين نوح وآدم سبعين رسولاً لم يقص الله تعالى في القرآن شيئاً من قصصهم ولكن عبدالعزيز الدباغ عرفهم بطريق الكشف.. 
قال أحمد بن مبارك تلميذ الدباغ: (وسمعته) رضي الله عنه يقول كان قبل نوح سبعمائة رسول من الأنبياء وفي قصصهم من العجائب الكثيرة وإنما لم يقصص علينا في كتابه العزيز منها شيئاً لعدم اشتهار أهلها في أزمنة الوحي فقلت فما معنى قوله في حديث الشفاعة في صفة نوح وأنه أول الرسل فقال رضي الله عنه المراد أنه أول الرسل إلى قوم كافرين ومن قبله من المرسلين أرسلوا إلى قوم عقيدتهم صحيحة فقلت فلم عوقب قوم هويد بالحجارة والنار إذا كانوا مؤمنين فقال رضي الله عنه كانت عادته تعالى مع القوم الذين قبل نوح أن يهلكهم على ترك أكثر القواعد وإن كانوا على العقائد" أ.هـ (الإبريز ص104).
فانظر كيف اكتشف الدباغ سبعين رسولاً قبل نوح وكيف أن الله أهلكهم ليس على الشرك والكفر ومعاندة الرسل بل على المعاصي فقط..
4- الأولياء أكثرهم أميون.
الدباغ يفضل نفسه على إبراهيم الدسوقي:
ولا عجب بعد ذلك إذا علمنا أن أهل هذه الكشوف المزعومة في غالبهم أميون كعبدالعزيز الدباغ الذي روى عنه أو افترى عليه أحمد بن مبارك كان رجلاً أمياً، وشيخ عبدالوهاب الشعراني وهو الخواص كان أمياً كذلك واسمع ما يقول أحمد بن مبارك عن شيخه الأمي الدباغ.
"وسمعته رضي الله عنه يقول مرة أخرى السماوات والأرضون بالنسبة إلى كالموزونة (الموزونة: عملة مغربية) في فلاة من الأرض يصدر هذا الكلام منه رضي الله عنه وما أشبهه إذا شهدنا منه زيادة بل هو في زيادة دائماً رضي الله عنه وقد كنت معه ذات يوم خارج باب الفتوح فجعل يذكر لي أكابر الصالحين مع كونه أمياً فقلت فمن أين تعرفهم فقال رضي الله عنه أهل الفتح الكبير مسكن أرواحهم قبة البرزخ فمن رأيناه فيها علمنا أنه من الأكابر ثم جرى بيننا ذكر الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي فقلت هو من الأكابر فجعلت أذكر مناقبه والغرائب التي نقلت من كراماته فقال رضي الله عنه لو عاش سيدي إبراهيم الدسوقي من زمنه إلى زماننا ما أدرك من المقامات ولا ترقى مثل ما ترقى أخوك عبدالعزيز يعني نفسه من أمس إلى اليوم والله ما قاله أخوك افتخاراً وإنما قاله تعريفاً وتحدثاً معكم بالنعمة" أ.هـ (الإبريز ص168)..
ونسأل ما فيه البرزخ هذه التي تجتمع فيها أرواح الصوفية..
ولماذا لا يختار الله لولايته -في زعمهم- إلا أميين علماً بأنه سبحانه وتعالى فضل أهل العلم والعلماء وما كان اختياره للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمياً إلا ليقيم به الحجة على  عباده وحتى لا يتهم بأنه أتى بالقرآن من عند نفسه كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون} (العنكبوت:48).
وأما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد فضل الله علماء هذه الأمة على أهل الجهالة منها، وجعل تعلم العلم بالكتابة والقراءة والسماع والأسباب الأخرى البشرية المؤدية لذلك.. وليس بطريقة الغيب لأن هذا الطريق خاص بالأنبياء رضوان الله عليهم وما سوى النبي الصادق فمتنبئ كاذب وهذا هو حال هؤلاء المساكين الذين استحوذ عليهم الشيطان فراحوا يهيمون في أودية الضلال على هذا النحو المهين.
5- الدباغ يكتشف سر ليلة القدر:
ولم يكتف الدباغ بكشوفاته في الأرض فراح يكتشف السماء أيضاً وأتى لنا بهذه الحكاية العجيبة عن سرّ ليلة القدر.
قال تلميذه أحمد بن مبارك..
"ثم ذكر لنا رضي الله عنه سبب ليلة القدر فقال إن العالم قبل خلق النور في حرم الشمس كان مظلماً والملائكة عامرون له أرضاً وسماء وفي الكهوف والسهول والجبال والأودية فلما خلق الله تعالى النور في الشمس وأضاء العالم بها أصبحت ملائكة السماء وملائكة الأرض وخافوا من خراب العالم ومن أمر عظيم ينزل بهم فنزل ملائكة السماء إلى الأرض وجعل ملائكة الأرض يفرون من الضوء إلى الظل أي من ضوء النهار إلى ظل الليل فراراً من الضوء الذي لم يعرفوه إلى الظل الذي يعرفونه خائفين متضرعين مجتمعين على الابتهال إلى الله تعالى والتضرع له والخوف منه يطلبون منه الرضا ويلجأون إليه في أن لا يسخط عليهم ولم يكن في ظنهم ألا أنه تعالى أراد أن يطوي هذا العالم فاجتمعوا على التضرع والابتهال على الصفة السابقة مقدرين في كل لحظة وقوع ما خافوه.
فإذا زاد إليهم الضوء فروا عنه إلى الظل ولم يزالوا على تلك الحالة والضوء ينسخ الظل وهم يفرون إلى أن طافوا الأرض كلها ورجعوا إلى الموضع الذي بدأوا منه فلما لم يروا شيئاً وقع حصل لهم الأمن ورجعوا إلى مراكزهم يجتمعون من كل عام فهذا هو سبب ليلة القدر" أ.هـ (الإبريز ص165).
فهل علمتم ما سر ليلة القدر يا مسلمون..
6- طبال ومغفل من أهل الكشف.
وبعض الناس قد يظنون أن هذا الكشف لا يأتي إلا لأناس عقلاء من أهل التقوى والاتزان ولكن الصوفية يقررون غير ذلك فهذا أحمد بن مبارك يحكي عن شيخه الدباغ بأن الفتح جاء إلى رجل وهو طبال، يقول:
"وأعرف رجلاً بالرملة من أرض الشام فتح الله عليه وهو بحالة يتضاحك الناس عليه، كحالة الرجل المشهور بمدينة فاس (بمعيزو) (مدينة في المغرب)، فبقي على حاله بعد الفتح ولم ينتقل عنها. قلت: وكانت حالة المتقدم أن الصبيان وغيرهم من ضعفة العقول يتبعونه طول النهار يضحكون عليه، وقال (رضي الله عنه) وأعرف رجلاً آخر فتح الله عليه وكان قبل ذلك طبالاً فبقي على حالته قبل الفتح ولم ينتقل عنها" أ.هـ (الإبريز ص198). أي ظل طبالاً كما هو وظل الفتح الصوفي ينزل عليه ولا عجب عند الصوفية في ذلك فالولاية عندهم ليست مسألة كسبية ينالها المسلم بتقوى الله ومخافته ومحبته والسعي إلى مرضاته. بل هي مسألة يقولون –وهبية- تنال الشخص هبة له من الله وإن لم يكن هناك من الأسباب والدواعي ما يستند عليها ففضل الله عندهم وحسب زعمهم لا حرج عليه فقد يصيب الطبالين أو الزمارين، وقد يكون الولي سكيراً أو زنديقاً، أو طفلاً صغيراً، أو مجذوباً شاهد الأنوار العلوية فضاع عقله أو متخلفاً عقلياً يتضاحك الصبيان منه ولكنه يكون ولياً ربانياً ويحدث الناس بأمور الغيب، ويشاهد ويطالع الحضرة الإلهية والرسولية، والخضرية (نسبة إلى الخضر) وهكذا قلبوا كل موازين العلم، وكل قوانين الشريعة، فالولاية لا شك أنها منحة إلهية وتفضيل وفضل رباني ولكنها لا تنال إلا محلها ممن كان عنده الاستعداد لذلك ومن سعى لنيل درجات القرب من الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه:
[من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء إلي أحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه]، فجعل الله للولاية طريقاً وهو أداء الفرائض أولاً ثم الإكثار من النوافل حتى يصل المسلم إلى مرحلة القرب من الله سبحانه وتعالى، فيحمي الله سمعه وبصره ويده ورجله، ويجعل ذلك كله في طاعته ومحبته ومرضاته.
ولكن الولاية والفتح والكشف الصوفي بغير ذلك ينال كل هؤلاء..
7- الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضراً:
ومما يدلك يقيناً على أن هذا الكشف الصوفي ما هو إلا إلقاء شيطاني هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن مبارك أيضاً عن شيخه الدباغ وأنه كان إذا حضر رجل من أهل التوحيد والإيمان الصحيح ممن لا يؤمن بهذه الخرافات كان وحي الشيخ ينقطع ويعود جاهلاً كما كان لا يتكلم الكلمة.
"(قال رضي الله عنه) وما مثلت الولي مع القاصدين إلا كحجر بني إسرائيل. فإذا كان بين يدي أولياء الله تعالى انفجرت منه اثنتا عشر عيناً وإذا كان بين أعدائه تعالى لا تخرج منه ولا قطرة واحدة (قلت) وقد شاهدت هذا المعنى في الشيخ رضي الله عنه مراراً فإذا حضر بين يديه بعض من لا يعتقده لا تخرج منه ولا فائدة واحدة ولا يقدر على التكلم بشيء من العلوم اللدنية والمعارف الربانية حتى يقوم ذلك الشخص ويوصينا ويقول إذا حضر مثل هذا الرجل فلا تسألوني عن شيء حتى يقوم وكنا قبل الوصية جاهلين بهذا الأمر فنسأل الشيخ ونريد أن نستخرج منه النفائس والأسرار الربانية كي يسمعها الرجل الحاضر فيتوب فإذا سألناه رضي الله عنه حينئذ وجدناه كأنه رجل آخر لا نعرفه ولا يعرفنا فكأن العلوم التي تبدو منه لم تكن له على بال أبداً حتى ذكرنا له السبب ففهمنا السر والحمد لله رب العالمين" أ.هـ (الإبريز ص169).
وليس ذلك بالطبع إلا لأن الشيطان يهرب إذا رأى من يؤمن بالله حقاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: [والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك]. وهؤلاء الصوفية لا يأتيهم في مكانهم موحد إلا انتهت أحوالهم واضمحلت أنوارهم المزعومة وانفض سامرهم  الشيطاني.
8- تقديم مذهب أبي حنيفة على سائر مذاهب الفقهاء بطريق الكشف:
ولعل من أطرف ما تدخل فيه الكشف الصوفي أيضاً تفضيل مذهب فقهي على مذهب آخر كما فعل أحمد الفاروقي السرهندي النقشبندي الحنفي، كما في النص الآتي الذي يفسر فيه أيضاً قول محمد بارسا أن المسيح عليه السلام إذا نزل يحكم بالمذهب الحنفي يقول:
"ومثل أرواح الله (يعني المسيح عليه السلام) مثل الإمام الأعظم الكوفي (أبو حنيفة رحمه الله) فإنه ببركة الورع والتقوى وبدولة متابعة السنة نال في الاجتهاد والاستنباط درجة عليا بحيث يعجز الآخرون عن فهمه ويزعمون مجتهداته بوساطة دقة المعاني مخالفة للكتاب والسنة ويسمون أصحابه أصحاب الرأي كل ذلك لعدم الوصول إلى حقيقة علمه ودرايته وعدم الإطلاع على فهمه وفراسته إلا أن الإمام الشافعي وجد نبذة من دقة فقاهته عليهما الرضوان حيث قال الناس كلهم عيال في الفقه لأبي حنيفة فويل لقاصري النظر على جراءتهم حيث ينسبون قصورهم إلى الغير (المنتخبات من المكتوبات لأحمد الفاروقي طبع استانبول ص149،150):
لو عابهم قاصر طعناً بهم صفها             برأت ساحتهم عن أفحش الكلم
هل يقطع الثعلب المحتال سلسلة             قيدت بها أسد الدنيا بأسرها
ويمكن أن يكون ما قاله الخواجة محمد بارسا قدس عمره في الفصول الستة من أن عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعمل بعد النزول بمذهب الإمام أبي حنيفة بوساطة هذه المناسبة التي له رضي الله عنه بحضرة روح الله عليه السلام يعني أن اجتهاد روح الله يكون موافقاً لاجتهاد الإمام الأعظم لا أنه يقلد مذهبه فإن شأنه عليه السلام أعلى وأجل من أن يقلد علماء الأمة. ونقول من غير شائبة تكلف وتعصب: إن نورانية المذهب الحنفي ترى وتظهر في النظر الكشفي كالبحر العظيم وسائر المذاهب تظهر مثل الحياض والجداول" أ.هـ منه بلفظه (الإبريز ص150).

الفصل العاشر
المعراج الصوفي
كثيرون من رجال التصوف ادعوا أنهم قد عرج بهم إلى السماوات العلى. فمنهم عبدالكريم الجيلي وقد ذكرنا بعضاً مما زعم مشاهدته في السماوات وذلك في باب الكشف الصوفي وقد سبق الجيلي من زعم مثل هذا، ويبدو أن أول من افترى ذلك هو أبو يزيد البسطامي الذي جعل لنفسه معراجاً كمعراج الرسول صلى الله عليه وسلم وراح يحدثنا كيف أنه عرج بروحه إلى السماوات سماءً سماءً وأن بغيته كانت في الفناء في الله، أو على حد قوله البقاء مع الله إلى الأبد.
وهذه هي الفكرة البرهمية الوثنية نفسها في الفناء في الذات الإلهية حسب زعمهم.
ولكن البسطامي أول من افتري له أو عليه ذلك. يدعي أنه عرج به إلى السماء السابعة فالكرسي، فالعرش، وأن الله قال له: إلي إلي، وأجلسه على بساط قدسه وقال له: (يا صفي ادن مني واشرف على مشارف بهائي، وميادين ضيائي واجلس على بساط قدسي.. الخ)، وهذا هو نص المعراج الكاذب المنسوب إلى أبي يزيد البسطامي.
"في رؤيا أبي يزيد: في القصد إلى الله تعالى وبيان قصته:
قال أبو القاسم العارف، رضي الله عنه: اعلموا معاشر القاصدين إلى الله سبحانه وتعالى أن لأبي يزيد حالات ومقامات لا تحتملها قلوب أهل الغفلة وعامة الناس، وله مع الله أسرار لو اطلع عليها أهل الغرة لبهتوا فيها، وإني نظرت في كتاب فيه مناقب أبي يزيد، فإذا فيه أشياء من حالاته وأوقاته وكلامه، ما كلت الألسن عن نعته وصفته، فكل من أراد أن يعرف كماله ومنزلته فلينظر إلى نومه ورؤياه التي هي أصح في المعنى، وأقرب في التحقيق من يقظة غيره، فهذا ما حكى أن خادم أبي يزيد رضي الله عنه قال: سمعت أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه يقول: إني رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات قاصداً إلى الله، طالباً مواصلة الله سبحانه وتعالى، على أن أقيم معه إلى الأبد، فامتحنت بامتحان لا تقوم له السماوات والأرض ومن فيهما، لأنه بسط لي بساط العطايا نوعاً بعد نوع، وعرض علي ملك كل سماء، ففي ذلك كنت أغض بصري عنها، لما علمت أنه بها يجربني، فكنت لا ألتفت إليها إجلالاً لحرمة ربي، وكنت أقول في ذلك: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، قال فقلت له: رحمك الله صف لي مما عرض عليك من ملك كل سماء قال: رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات، فلما أتيت إلى السماء الدنيا فإذا أنا بطير أخضر، فنشر جناحاً من أجنحته، فحملني عليه وطار بي حتى انتهى بي انتهائي إلى صفوف الملائكة، وهم قيام متحرقة أقدامهم في النجوم يسبحون الله بكرة وعشياً، فسلمت عليهم، فردوا علي السلام، فوضعني الطير بينهم ثم مضى فلم أزل أسبح الله تعالى بينهم، وأحمد الله تعالى بلسانهم وهم يقولون: هذا آدمي لا نوري إذ لجأ إلينا وتكلم معنا، قال: فألهمت كلمات، وقلت: باسم القادر على أن يغنيني عنكم، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن من نعته وصفته، فعلمت أن ربها يجربني، ففي ذلك كنت أقول: مرادي غير ما تعرض علي، فلم ألتفت إليها إجلالاً لحرمته، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثانية فإذا جاءني فوج فوج من الملائكة ينظرون إلي كما ينظر أهل المدينة إلى أمير يدخلها، ثم جاءني رأس الملائكة اسمه لاويد (اسم فارسي جعله اسماً من أسماء الملائكة)، وقال: يا أبا يزيد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول: أحببتني فأحببتك. فانتهى بي إلى روضة خضرة فيها نهر، يجري حولها ملائكة طيارة، يطيرون كل يوم إلى الأرض مائة ألف مرة، ينظرون إلى أولياء الله، وجوههم كضياء الشمس، وقد عرفوني معرفة الأرض، أي في الأرض، فجاؤوني وحيوني، وأنزلوني على شط ذلك النهر، وإذا على حافيته أشجار من نور، ولها أغصان كثيرة متدلية في الهواء، وإذا على كل غصن منها وكر طير، أي من الملائكة، وإذا في كل وكر ملك ساجد، ففي كل ذلك أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، كن لي يا عزيزي جاراً من جميع المستجيرين وجليساً من المجالسين، ثم هاج من سري شيء من عطش نارياق، حتى إن الملائكة مع هذه الأشجار، صارت كالبعوضة في جنب همتي، وكلهم ينظرون إلي متعجبين مدهوشين من عظم ما يرون مني.
ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالاً لحرمة ربي، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى من صدق الإرادة في القصد إليه، وتجردي عما سواه، فإذا أنا بملك قد مد يده فجذبني، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثالثة، فإذا جميع ملائكة الله تعالى بصفاتهم ونعوتهم قد جاؤوني يسلمون علي، فإذا ملك منهم له أربعة أوجه: وجه يلي السماء، وهو يبكي لا تسكن دموعه أصلاً ، ووجه يلي الأرض ينادي: يا عباد الله اعلموا يوم الفراغ (لعلها الفزع)، يوم الأخذ والحساب، ووجه يلي يمينه إلى الملائكة يسبح بلسانه، ووجه يلي يساره يبعث جنوده في أقطار السماوات يسبحون الله تعالى فيها، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: من أنت؟ إذ فضلت علينا، فقلت: عبد قد منّ الله تعالى عليه من فضله، قال: تريد أن تنظر إلى عجائب الله؟ قلت: بلى، فنشر جناحاً من أجنحته، فإذا على كل ريشة من ريشه قنديل أظلم ضياء الشمس من ضيئها، ثم قال: تعال يا أبا يزيد، واستظل في جناحي، حتى نسبح الله تعالى ونهلله إلى الموت، فقلت له: الله قادر على أن يغنيني عنك، ثم هاج من سري نور من ضياء معرفتي أظلم ضوءها: أي ضوء القناديل من ضوئي، فصار الملك كالبعوضة في جنب كمالي، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إلى ذلك إجلالاً لحرمته، وكنت أقول في ذلك: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني ثم رأيت: كأني عرجت إلى السماء الرابعة، فإذا جميع الملائكة بصفاتهم وهيئاتهم ونعوتهم قد جاؤوني يسلمون علي، وينظرون إلي كما ينظر أهل البلد إلى أمير لهم في وقت الدخول، يرفعون أصواتهم بالتسبيح والتهليل من عظم ما يرون من انقطاعي إليه، وقلة التفاتي إليهم، ثم استقبلني ملك يقال له: نيائيل، فمد يده وأقعدني على كرسي له موضوع على شاطئ بحر عجاج، لا ترى أوائله ولا أواخره، فألهمت تسبيحه وانطلقت بلسانه، ولم ألتفت إليه، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالاً لحرمته، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي: فلما علم الله تعالى مني صدق الانفراد به في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بملائكة قيام في السماء رؤوسهم في عنان السماء السادسة يقطر منهم نور تبرق منه السماوات، فسلموا كلهم علي بأنواع اللغات، فرددت عليهم السلام بكل لغة سلموا علي، فتعجبوا من ذلك، ثم قالوا: يا أبا يزيد: تعال حتى تسبح الله تعالى وتهلله ونعينك على ما تريد، فلم ألتفت إليهم من إجلال ربي، فعند ذلك هاج من سري عيون من الشوق، فصار نور الملائكة فيما التمع مني كسراج يوضع في الشمس، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بالملائكة المشتاقين جاؤوني يسلمون علي ويتفخرون بشوقهم إلي، فافتخرت عليهم بشيء من طيران سري، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي. فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السابعة، فإذا بمائة ألف صف من الملائكة استقبلني. كل صف مثل الثقلين ألف ألف مرة، مع كل ملك لواء من نور، تحت كل لواء ألف ألف ملك، طول كل ملك مسيرة خمسمائة عام، وكل على مقدمتهم ملك اسمه بريائيل، فسلموا علي بلسانهم ولغتهم، فرددت عليهم السلام بلسانهم فتعجبوا من ذلك، فإذا مناد ينادي: يا أبا يزيد: قف قف؛ فإنك قد وصلت إلى المنتهى، فلم ألتفت إلى قوله ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في مقصدي إليه صيرني طيراً، كأن كل ريشة من جناحي أبعد من الشرق إلى الغرب ألف ألف مرة، فلم أزل أطير في الملكوت، وأجول في الجبروت، وأقطع مملكة بعد مملكة، وحجباً بعد حجب، وميداناً بعد ميدان، وبحاراً بعد بحار، وأستاراً بعد أستار، حتى إذا أنا بملك المرسى استقبلني، ومعه عمود من نور، فسلم علي ثم قال: خذ هذا العمود، فأخذته فإذا السماوات بكل ما فيها قد استظل بظل معرفتي، واستضاء بضياء شوقي، والملائكة كلهم صارت كالبعوضة عند كمال همتي في القصد إليه، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليها إجلالاً لحرمة ربي الله تعالى.
ثم لم أزل أطير وأجول مملكة بعد مملكة، وحجباً بعد حجب، وميداناً بعد ميدان، وبحاراً بعد بحار، وأستاراً بعد أستار، حتى انتهيت إلى الكرسي، فإذا قد استقبلني ملائكة لهم عيون بعدد نجوم السماوات، يبرق من كل عين نور تلمع منه، فتصير تلك الأنوار قناديل، أسمع من جوف كل قنديل تسبيحاً وتهليلاً، ثم لم أزل أطير كذلك حتى انتهيت إلى بحر من نور تلاطم أمواجه يظلم في جنبه ضياء الشمس، فإذا على البحر سفن من نور، يظلم في جنب نورها أنوار تلك الأبحر، فلم أزل أعبر بحاراً بعد بحار حتى انتهيت إلى البحر الأعظم الذي عليه عرش الرحمن، فلم أزل أسبح فيه حتى رأيت ما من العرش إلا الثرى من الملائكة الكروبيين وحملة العرش، وغيرهم ممن خلق الله سبحانه وتعالى في السماوات والأرض، أصغر من حيث طيران سري في القصد إليه، من خردلة بين السماء والأرض، ثم لم يزل يعرض علي من لطائف بره وكمال قدرته وعظم مملكته ما كلت الألسن عن نعته وصفته، ففي كل ذلك كنت أقول: يا عزيزي مرادي في غير ما تعرض لي، فلم ألتفت إليه إجلالاً لحرمته فلما علم الله سبحانه وتعالى من صدق الإرادة في القصد إليه فنادى: إلي إلي، وقال: يا صفي ادن مني، وأشرف على مشرفات بهائي، وميادين ضيائي، واجلس على بساط قدسي حتى ترى لطائف صنعي في آنائي، أنت صفيي وحبيبي، وخيرتي من خلقي، فكنت أذوب عند ذلك كما يذوب الرصاص، ثم سقاني شربة من عين اللطف بكأس الأنس، ثم صيرني إلى حال لم أقدر على وصفه، ثم قربني منه، وقربني حتى صرت أقرب منه من الروح إلى الجسد، ثم استقبلني روح كل نبي يسلمون علي ويعظمون أمري ويكلمونني وأكلمهم، ثم استقبلني روح محمد صلى الله عليه وسلم، ثم سلم علي، فقال: يا أبا يزيد: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فقد فضلك الله على كثير من خلقه تفضيلاً، إذا رجعت إلى الأرض اقرأ لأمتي مني السلام، وانصحهم ما استطعت، وادعهم إلى الله عز وجل، ثم لم أزل مثل ذلك حتى صرت كما كان من حيث لم يكن التكوين، وبقي الحق بلا كون ولا بين ولا أين ولا حيث ولا كيف، جل جلاله وتقدست أسماؤه.
قال أبو القاسم العارف رضي الله عنه: معاشر إخواني عرضت هذه الرؤيا على أجلاء أهل المعرفة فكلهم يصدقونها ولا ينكرونها، بل يستقبلونها عند مراتب أهل الانفراد في القصد إليه، ثم يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد لا يزال من الله والله منه ما لم يجزع فإذا جزع وجب عليه العتاب والحساب) وروي أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم (أن من العلم كهيئة المخزون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله ولا ينكره إلا أهل الغرة بالله) أ.هـ منه بلفظه (ملحق رقم (2) لكتاب المعراج منقول من مخطوطة حيدر آباد بعنوان القصد إلى الله).
معراج اسماعيل بن عبدالله السوداني:
ذكرنا في باب الكشف الصوفي ما افتراه عبدالكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل فيما زعمه أنه عرج به إلى السماوات ورأى هنالك الملائكة والأنبياء وكلمهم واستفاد منهم فوائد، وأفادهم كذلك فوائد فيما زعمه، وقد نقلنا في ذلك الباب نقولاً مستفيضة مما كذبه، وقد جاء من نسج على منوال الجيلي تماماً وكتب كتاباً يكاد يكون نسخة منه وهو إسماعيل بن عبدالله السوداني والذي ألفه سنة 1261هـ أي منذ مائة وسبع وثلاثين سنة تقريباً وسماه (مشارق شمس الأنوار ومقارب حسها في معنى العلوم والأسرار).
وقد سلك إسماعيل بن عبدالله السوداني هذا مسلك الجيلي نفسه حيث زعم أنه  عرج به إلى السماء سماء سماء. والعجيب أنه جعل هذه السماوات هي الكواكب السبعة التي كانت معروفة في ذلك الوقت (القمر، والزهرة، والمشتري، والمريخ، وعطارد، وزحل). والتي كان يظن قديماً أنها هي السماوات السبع فجعل لكل سماء من هذه (روحانية) كما يعتقده الصابئة عبدة النجوم، وشوه معراج الرسول صلى الله عليه وسلم فنقل منه أسماء الأنبياء والرسل الذين التقى بهم الرسول في معراجه، فزعم إسماعيل هذا أنه التقى بهم أيضاً وأفادوه وباركوه واحتفلوا بمجيئه إليهم، وأنه شاهد بعد ذلك العرش والكرسي وسدرة المنتهى، والملائكة الذين لم يسجدوا لآدم تماماً كما زعم الجيلي من قبله مكذباً بذلك القرآن حيث يقول سبحانه وتعالى: {ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين} ويبدو أنه لم يقرأ هذه الآية قط واكتفى بقراءة كتاب الجيلي ونقل عنه مشاهداته وزعمها لنفسه وجعلها كشفاً خاصاً به هو..
وهذا هو شأن مشايخ التصوف ينقل بعضهم عن بعض نفس الدعاوي التي يدعيها من قبله فإذا قال أحدهم أنا خاتم الأولياء قال من بعده بل أنا خاتم الأولياء، وإذا قال أحدهم رفعني الله وأجلسني عنده وأعطاني وقربني جاء من يدعي هذه الدعاوي ويزيد على ذلك وهكذا. وهأنذا أنقل فقرات من هذه الأكاذيب المفتراة التي افتراها إسماعيل بن عبدالله السوداني: قال:

"المغرب السابع
في عين العروج إلى السماء السادسة
اعلم أيها الابن البار المبرور والمهدي إلى طريق الملك الغفور أن العبد إذا طرح جميع الأكوان العارضة له في السماء الخامسة في حالة عروجه إلى حضرة الرحمن فإن الرب الكريم يصلح له السريرة ويحد له عين البصيرة فيعرج منها إلى السماء السادسة فيجد البواب فيسلم عليه فيرد عليه السلام ويرحب به، ويفتح له الباب.
فافهم يا بني فإنه يدخل فينظر ما فيها من الغرائب ويتعجب من تلك العجائب فإن هذه السماء فيها من الكواكب المشتري ولونها في غاية السواد قد يرى وهو جوهر شفاف من بديع الصنائع على الاستواء من غير اختلاف ودورها أوسع يزيد على دور سماء المريخ بألفين عام ومائتين سنة وثلاثة وثلاثين سنين (كذا والصواب: بألفي عام، ومئتي سنة وثلاث سنين!) وأربعة أشهر، وفيها نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام (هكذا).
نفائس حقية من علوم ذوقية:
فنقول بحسب كشفنا، فإن العبد الراقي إلى تلك المراقي إذا وصل إلى هذه السماء يرى نفسه مغيباً في أنوار القدس موشحة بأنوار الهيبة والأنس حوله جملاً من ملائكة الرحمن ناطقاً بغميض الأسرار والعلوم معهم في حالة عروجه إلى حضرة الملك الديان. فيرى ملائكة هذه السماء متنوعة من عدة أصناف، فيهم ملائكة الرحمة الألطاف، يدرون ملائكة هذه السماء في هذه الأرض لرفع الوضيع وزيادة الرفيع، منهم من وكله الله تعالى بإيصال الرزق إلى المرزوق، ووكل غيرهم بما اقتضته الحكمة بين الخالق والمخلوق..
وقد اجتمعت بالملك الحاكم عليهم وهو روحانية المشتري (كوكب معروف)، رأيته جالساً على منبر من نور الحكمة ملتحفاً بثوب أصفر من أنوار الهمة، وهم مطيعون له في سره وجهره وممثلون له في جميع نهيه وأمره لا يفعل منهم أحد شيئاً إلا بإذنه ولا يتقدم إلا بأمره لتنفيذ ما وكل به من شأنه، فسألته عن عدة علوم فأجابني برمز مكتوم ففهمته منه بوساطة مظهر اسم الله القيوم، بفهم لا من حيث مطلق المفهوم فوثبت قائماً وسرت منه بفضل الله تعالى عالماً، فاجتمعت من بعده بنبي الله موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فوجدته فانياً في الشهود والمكالمات غالباً في أنوار المشاهدات جالساً على كرسي من أنوار الوقار ولونه أصفر مخلوط عليه خطوط مرموزة جامعة لما حواه من الفخار من حضرة الأسرار متأدباً مع استهلاكه مع شهود مولاه، مناجياً له ومستغرقاً في فناه، تجلي الآنية فيحضره إظهار مظاهر الحق في حقيقة سره، إنني أنا الله، فقد عرفته بعدما عرفني فسلمت عليه ورد علي السلام وقربني وانتصب لي قائماً وأهل بي حيث جئته حافظاً ملازمة أدبي، فسألته سؤال من دخل حضرة الأدب وعرف سر البسط والغضب.
فقلت له: يا سيدي بحق من نبأك وزكاك وأورثك هذا المقام وتولاك بأن تجود علي بإجابة مقالي وإفادتي في سؤالي، فإن رسولنا الصادق الكريم بلغنا ما قصه له ربه في الكتاب الحكيم بأنك طلبت رؤية مولاك حيث قلت له: أرني أنظر إليك. فأتاك منه الخطاب حيث قال: لن تراني، فما معنى طلبك له ومجيء هذا الخطاب إليك فاستفدنا عدم حصول الرؤية لك في حالة مجيء الخطاب فشتان ما بين حالتك هذه وحالة أهل الحجاب، فكيف هذا السر، وباطن هذا الأمر؟
فقال لي: يا عبدالله إن السر غريب والأمر عجيب، فافهم أرشدك مولاك وأورثك أسرار علومه وتولاك، فإن ربي حين أمرني بعبادته بمطلق العبودية وعرفني سر ظهور أسراره مظاهره في عموم الآنية حين أبصرت نار سر دلالتي ورجوت إتياني لأهلي بشعلة منا كي يصدقوني بها في مقالتي أو أجد عليها هدى من ضلالتي، فنوديت بعد إتياني بها من جانب طور قلبي بما اقتضت الحكمة من ربي، يا موسى إني أنا ربك الصادر أمري لك، فاخلع نعليك الكائنتين في عضويك بأن لا تشرك بعبادتي أحداً ولا يدخلك ريب فيما آمرك به أبداً إنك بالواد الذي هو فضاء سر الظهور الظاهر من ربك إلى قلبك من جانب الطور المقدس عن حلول الأغيار فيه، المطهر لك حيث اقتضت الحكمة بأنك في هذا الوادي المسمى بطوى توافيه، وأنا اخترتك حيث أمرتك فاستمع لما يوحى من الإيحاء، فلما حققت هذا المقال من حضرة القرب على لسان الحال استعددت إلى تنزله في داخل قلبي وفنيت نفسي في الاستماع لما يوحى إلي من حضرة ربي، جاءني منه الأمر بالاستفراغ لعبادته حيث قال لي: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني}. فقبلت ذلك وعبدته كما أمرني، فلما صدق الإخلاص مني وحسن في الله ظني أردت بقاء نفسي في مقام لقاه وأيقنت بأن لا إله معبود بحق سواه. فقلت: ربي أرني أنظر إليك. فما طلبت سوى تجلي الذات للذات. وذلك من أسرار الكبريائية من التجليات، فلما علم الله استحالة بقاء القديم في الحادث وما ثم غيري في هذا المقام محادث. قال لي: لن تراني في الحال بحيث أبقى فيك، لأني قديم وأنت حادث ولكن أنظر إلى الجبل المستقر حولك إذ تنكشف لك حقيقة ذلك، فإن استقر مكانه بعد ظهور سلطاني له فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقا، أي فلما ظهر سلطان القديم للجبل ساخ في الأرض حيث نزل وقد حصل لموسى ما حصل من الصعق والوجل. وفي هذا المقام سر لطيف وتعلمت من موسى عليه السلام مائة ألف علم من العلوم التي تجول في الأفكار تعذر النطق بها.
ثم تعلمت منه في هذا المشهد علوماً لم يسعني الوقت أن أفشيها فيه، وما أظن أحداً من الأولياء المتقدمين تكلم على حقيقة هذا المشهد على ما هو عليه أبداً إلى وقتنا هذا، وإن تكلم البعض عليه فذلك في شيء منه فلا يستطيع أحد منهم أن يستوفيه لشدة ما رأيته من عظمة حقيقته ورقة دقيقته، وقد اجتمعت برجال من الأولياء الأكابر حين تقييدي لهذا المحل فوجدته له معرفة تامة في بعض المظاهر من هذا المشهد وقدمه موسوي متحقق بإحدى وخمسين اسماً من أسماء الله الحسنى له تعبير لطيف وبحث ظريف فسألته عن مقامه والذي حازه من علوم هذا المقام، فأخبرني بدقائق من علومه فحققت أن له حظاً وافراً وأخبرني أن لما وصل من هذا المقام إلى هذا المحل وجدنا سيدنا موسى عليه السلام.
وسأله فبحث فيه فاستفاد بوساطته خمسة آلاف علماً وفي كل علم أسرار لا تحصى فلما سألني عن علومي في هذا المشهد وبحثت له في ذروته من دقائق العلوم والأسرار والمظاهر والأنوار غاب عن نفسه غيبة عظيمة حتى خفت عليه من أن يذوب، فلما صحا تعجبت من ثباتي مع شدة التمكين فحمدت على ذلك الملك المعين، فلما حققت زيادتي عليه وتمكني في المشاهد بالذي ظهر مني إليه طلبني اسماً من المخفيات لأجل التبرك فأعطيته ذلك الاسم بأنواره وعلوم حضراته وأسراره فانتفع به" (كتاب مشارق شموس الأنوار ص128،131) انتهى منه بلفظه.
ويستطرد إسماعيل بن عبدالله السوداني مبيناً مشاهداته المزعومة في السماء السابعة فيقول:
"فنقول بحسب كشفنا، قد اجتمعت فيها (أي في السماء السابعة) بجملة من الملائكة فعرفتهم وعرفوني وسألتهم عن علوم لا تحصى، ورأيت فيها كوكباً له توقد من شدة عظمته ولكنه خفي عن أعين الناظرين، لأن معرفته لم تحصل لأحد سوى الكاملين من العارفين أهل الفتح ولم يظفر به إلا أرباب المعارف الراقين ذروة السطح ومن ثم فعلت كيفية حلول زحل في فلكه، وعلم كيفية سيره فيه، وعلم السر الذي وضعه الله فيه وغير ذلك.
واجتمعت في هذه السماء بنبي الله سيدنا إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فوجدته جالساً على منبر من نور أحمر متكئ على نمارق من نور أخضر لائحة على وجهه أنوار المعارف والكمال متوجهاً بتاج أسرار النبوة والأجلال بيده قضيب من سر علوم الكنوز معتقلاً سيف فتق طلاسم الرموز مسنداً ظهره إلى البيت المعمور مشاهداً ما هو له من حضرة الغفور، فلما وصلت إليه وسلمت عليه، رد علي السلام وأكرمني بالقيام إكراماً لنبينا أشرف الأنام فعرفني ورحب بي وبشرني ببلوغ مطلبي.." انتهى منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص135).
ويستطرد إسماعيل هذا في بيان مشاهداته في السماء السابعة والدعوة إلى طريقته الخاصة قائلاً:
"وفي باطن هذا سر لا أطيق ذكره في هذا الكتاب وفي هذا المشهد سر لطيف ومقام طريف ما تكلم عليه أحد الأولياء المتقدمين إلى وقتنا هذا، وإن أردت التكلم على بعض منه في حين تقييدي لهذا المحل اجتمعت بسيدنا إبراهيم عليه السلام فأشار إلي بتركه وبشرني بمقام كبير أبلغه وأنال به في الآخرة مما لا يعطي لغير المقربين من الكاملين المحبوبين فأنعم به أنا ومن معي من أولادي وإخواني وأصحابي المجدين في طريقتي" أ.هـ (كتاب مشارق شموس الأنوار ص135).
ويستطرد إسماعيل هذا في بيان مشاهداته المزعومة فيزعم رؤية سدرة المنتهى والعرش والكرسي فيقول:
"فنقول بحسب كشفنا إن العبد الراقي إلى مقام هذه السدرة يراها عظيمة جداً وبها (نويراً خارقاً) ممتداً فيعلم السر الذي وضعه الله سبحانه وتعالى فيها وعلم السبب الذي ينتهي إليها الصاعد والهابط. ويعلم مقام الملائكة الكروبيين منها ومنازلهم وكيفية حالتهم، فهم على أنواع مضعفة، وحالات مختلفة، فمنهم مدهوش في هويته، ومنهم مستغرق في آنيته، ومنهم واقع على جنبه، ومنهم واقع على وجهه، ومنهم حاث على ركبتيه قد غمروا في أنوار المشاهدات وانفنوا في انطباق تكرر التجليات فلا يستطيع أحد منهم حركة لعدم شعورهم وشدة استغراقهم فيما هم فيه، فهم عالون في الملائكة فما أمروا بالسجود لآدم عليه السلام ولا سجدوا له قط، وقد اجتمعت بالملك الحاكم عليهم وهو مقدمهمالذي يأتي منه الأمر، والنهي إليهم وينظره من المتقدمين على غيرهم أعمدة النور لأجل تأديب الدون منهم وغيرهم من الآدميين، فسألته عن السر الذي سرى في ذوات هؤلاء الملائكة حتى لازمتهم تلك الحالة، فأفادني بأحسن مقال، ثم سألته عن دقائق العلوم ومن خفي السر المكتوم فأفادني بحول الله وقوته فيها وفي بعض أمور مما هي من المستور، وقد حزت في هذا المشهد علوماً لم أطق إبداءها ولم أستطع إفشاءها.
ثم نرجع إلى ما كنا في سبيله فنقول: إن من هنا يرقى العبد إلى فلك الكرسي إلى كرسي جبريل عليه السلام، فمن ذلك يعلم حقيقة كل ستر كان وموجبه وسر حقيقته، فيرى عن ذلك أنهاراً جارية فيغترف من أكبرها وينال الشرب من أشهرها، فيحصل له بذلك التحقق بما يحويه من الأسرار التي لا تحصي والعلوم التي لا تستقصي ثم يرقى إلى الفلك المحيط الذي هو العرش.
وهو أول الأفلاك وأعظم السماك، فمن ثم يتضح له مظهر الاسم الرحمن، فهنالك يعلم ما شاء الله تعالى من مناسبة مصاحبة بعض الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم، فحينئذ ينظر حملة العرش، ويتعلم من علم السر الذي يحملونه به وكيفية صورهم الباقين بها، وقبل هذا يعرف مظاهر كثيرة، منها ما يتعلق بالأجسام المتغذية، ومنها ما يتعلق بالأرواح، وفي هذا المقام أشياء لا يصح إبداؤها ولا سبيل للتكلم إلى مجاوزة ما فوق ذلك مخافة أن يدعيها أهل الدعاوي المحجوبون الذين لم يصلوا إليها، فالسكوت عنها أولى والتلذذ بمطالعة مشاهدة تجليات صانعها أحلى، والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهى منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص140،141).
وبعد كل هذه السخافات والخرافات التي يسرقها إسماعيل بن عبدالله السوداني من عبدالكريم الجيلي وينقلها أحياناً بالنص ولا سيما في ألوان كل سماء، وأن كلا منها كوكب من الكواكب المشهورة يعود فيذكر مشاهداته المزعومة أيضاً في الأرضين السبع.. إلى أسفل سافلين تماماً كما فعل عبدالكريم  الجيلي، فيزعم إسماعيل هذا أيضاً أنه طاف بالطبقة الأولى من الأرض وهي أرض في زعمه ناصعة البياض لم يعص فيها الله قط، وأن الفجر يطلع بعد الغروب بمقدار يسير جداً وذلك على حد زعمه في زمن الشتاء.
قلت من يعلم جغرافية الأرض يعلم أن هذا وصف للقطب الشمالي وبياض الأرض هو الثلج الذي يغطيها، وكون الليل يكون نحو ساعة واحدة نعم ولكن هذا لا يحصل في الشتاء كما زعم إسماعيل هذا ولكنه يحدث في الصيف حيث يصبح الليل ساعة والعكس تماماً في الصيف حتى لا يكون بقاء الشمس إلا نحو ساعة أو أقل أحياناً في بعض مناطق القطب..، ولكن هذه المعارف الجغرافية العادية التقطها هؤلاء الشيوخ وجعلوها كشفاً صوفياً لا يتأتى إلا بالمجاهدة المزعومة وبانكشاف حجب القلب، وليتهم إذ نقلوها أيضاً نقلوها صحيحة بل لم يستطيعوا أن يميزوا بين ما عليه هذه المناطق في الصيف والشتاء.
ثم يذكر إسماعيل هذا أن الأرض الثانية مسكونة بالجن وأن ليلهم نهارنا ونهارنا ليل عندهم. وهذا خلط بين معارف الجغرافية وبين أغاليط الصوفية.
وأما الطبقة الثالثة من الأرض فيزعم أنها مسكونة بالجن كذلك (كتاب مشارق شموس الأنوار ص143)، وينتقل هذا الشيخ الصوفي هكذا بين الأرضين المزعومة أرضاً أرضاً يطلعنا على مشاهدته وتخريفاته فيقول مثلاً ففي الأرض السادسة:
"فنقول بحسب كشفنا: إن هذه الطبقة مسكونة بالمردة من الشياطين وهم أقوى حالاً من العفاريت وكل منهم مسلط على إنسان للعداوة السابقة، فكثير يدخلون في حوزهم فلا ترى منهم متحركاً ولا ساكناً إلا قد قيده حكمهم بما اقتضته الحكمة الإلهية بمثابة تقلباتهم ودخولهم على الخلق بالأنواع المختلفة بحسب أجناسهم، فمنهم من يظهر للآدميين في الخواطر، ومنهم من يظهر لهم في عالم المثال لسوقهم إلى غاية الخذلان والضلال إلى غير ذلك مما لا يدركه على الحقيقة إلا الأولياء أهل الكمال وقد يتكلمون بحسب ما يؤذن لهم فيه من هذه الأبواب والمقامات من العوالم العلويات والسفليات والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهى (كتاب مشارق شموس الأنوار ص148).
ويستطرد أيضاً فيذكر مشاهداته في الأرض السابعة فيقول:
"نقول بحسب كشفنا: إن هذه الطبقة مسكونة بالحيات والعقارب وهي التي وردت بها الأخبار من أنها كأمثال الجبال وأعناق البخت وغير ذلك، فإن العبد العارف حين يدخل هذه الطبقة يدخله هم شديد مخافة أن يرى مقاماً في النار لبعض أصحابه ومريديه، فحينئذ يتطلع على جميع المقامات فإذا وجد مقاماً في النار لبعض مريديه أو بعض أصحابه سعى في هتكه بالتضرع إلى الله تعالى إلى أن يبدله الله سبحانه وتعالى (له) مقاماً في الجنة.
كما أنه إذا وقف على الفلك الكوكب المسكون بطائفة من الذين هم معدودون في نعم الجنة يتطلع على مقامات الجنات، فإذا رأى مقاماً من مقامات بعض أصحابه سعى في رفعته وزيادته، وهذا كله يكون كرامة في الحق الولي العارف وشرفاً للوساطة الكبرى والوصلة الفخري عين حقائق السعود وجنة نعيم التجليات والشهود سيدنا ومولانا محمد الأسعد عليه أفضل الصلاة والسلام من البر الأوحد لأن بشرفه على أمثاله شرف أمته على سائر الأمم فإن الولي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يطوف على جميع العوالم العلويات والسفليات ويطلع على مكنون غيب السبع السماوات والسبع طبقات (هكذا والصواب: سبع السماوات، وسبع الطبقات)، ويعلم منازل أهل الجنة ومنازل أهل النار، وعلم ما كان وما يكون وما هو كائن وغير ذلك ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، فإنه يعلمهم قدر ما تقتضيه حكمته وتعمهم به رحمته بالوهب والتفضيل، والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهى منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص153).
ولا يكتفي أيضاً بكل هذا الإفك والتخريف بل يذهب ليطلعنا أيضاً على كشفه المزعوم في بحار العلوم، فيقول:
"وقد اجتمعت مرة في بقعة من ساحل البحر المحيط الذي هو من وراء جبل قاف برجل من النقباء أصفر اللون مربوع القامة كثيف اللحية صبيح الوجه، فوجدته فانياً في التجليات، غائباً في أنوار المشاهدات وقدمه على قدم سيدنا يعقوب عليه السلام، وورده القائم به آخر سورة الحشر، {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم}.. الخ السورة. وهو مسقي بثلاثة عشر اسماً من أسماء الله تعالى الحسنى، ولكنه متحير في مقامه، ويطلب التخلص منه فما وجد له سبيلاً، فسلمت عليه، فإذا هو في غاية الاستغراق شاخصاً ببصره إلى الطباق، فإنه يشير إلى البحر الذي هو بساحله ففهمت منه أنه يشتكي إلي بصعوبة تخليصه من هذا المقام، كأنه يقول إن خلاصه منه أصعب حالاً من شراب ماء هذا البحر، لأنه هو البحر الأخضر، ماؤه مر لا يستطيع أحد الشراب منه، لأن الذي يشرب منه يهلك حالاً من شدة مرارته، فوجدت بيد الرجل رمانة مغلوقة وأكلت معه منها، فلما عرفته بوسمه وخاطبته باسمه قلت له ما المقصود؟
قال: مشاهدة الملك المعبود.
فلما عرفني فهمت لغزه وأدركت رمزه، وتحقق أنني مفيده فيما يريده أخذ يطلبني من غير انفكاك عني وصحبني إلى محل بعيد، فأخذت له في المقال وأطلقت له لسان الحال إلى أن شاهدنا الكنوز المستورة تحت قباب الرموز من البحر الأسود الذي انتهى إليه المورد، فإن هذا البحر رسمه معدوم وظاهره مكتوم فلا أستطيع فيه التعبير ولم أتعرض إلى البيان فيه والتفسير فمن ثم أخذ مني بعض أذكار مصاحبة أنواره وانصرف بسبيله إلى مشاهدة دليله، وفي حين تقييدي لهذا المحل اجتمعت معه فوجدته في حال عظيم ومقام فخيم فأخبرني أنه حصلت له مني مفاتحات عظيمة وإمدادات كريمة حين أكلت معه في تلك الرمانة، فحكى لي شيئاً من حاله، ووجدته سقى بخمسة وثلاثين اسماً من أسمائه تعالى، وصار في زيادة بابتهاج طريقه الأعلى. وقد اجتمعت في ساحل البحر الأحمر برجال من أرباب الأحوال لم يزالوا في دلالة المخلوقين إلى طريق معرفة رب العالمين فإذا أمعن ناظرهم فكرة يحقق أنهم ليس لهم اشتغال أبداً بغير هذا، ثم أمور لا سبيل إلى ذكرها بقصور الوقت وضيقه عنها، فانتهج أيها العاقل وكابد في خوض المقامات والمنازل فإن الله تعالى حكيم كريم يورثك من علم سره العظيم أنه واهب جليل والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهى (كتاب مشارق شموس الأنوار ص159،160).
وقد يسأل السائل ما الداعي لكل هذا الكذب والانحراف، وما الذي يدفع هؤلاء إلى كل هذا التخريف والتكلف، هل هم عقلاء أو مجانين وإن كانوا عقلاء فماذا يريدون. وقطعاً لهذه التساؤلات يجيب المؤلف نفسه عن مراده وذلك في آخر كتابه فيقول:

"المغرب التاسع
في عين خاتمة الكتاب
كيفية صفة خلوة للمؤلف وغير ذلك من الأدعية المرجية.
اعلم أيها الابن المجتهد والمحتسب المقتصد، أن كل خير لا ترقى ذروته إلا بجهد النفس وأتعابها فيه، وقد تكلمنا لك فيما تقدم من المجاهدات والمكابدات، وأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى لا تحصى، وكل صاحب طريقة أدرى بما فيه الصلاح لمن يسلكها، ولما أنعم الله علي بنيل هذا المقام وجعلني من خواصه الكرام أذن لي في التكلم والظهور وإبداء طريقة أستقبل بها وأسلك بها المريدين لأجل أن يصلوا بها، إلى حضرة الغفور، فحصل الأمر كما أمر واشتهر ذلك واستمر، فلما أذنت من الحضرتين بإظهار كل ما نراه يصلح لأهل طريقتي بلامين وأفاض علي الوهاب بوارد تأليف هذا الكتاب أردت أن أختمه بصفة خلوتي التي تصلح لأهل طريقتي كما فعل قبلي أهل الطرق بنظرهم الذي يصلح لأهل طرائقهم، وجعلت كيفية هذه الخلوة رسالة مستقرة وأفردتها في هذا المغرب لأجل أن يسهل نقلها ونظرها لمن له رغبة فيها، فمن أراد نقل جميع الكتاب فهي من جملته، ومن أراد الاستقلال بها فليفردها منه من أول البسملة إلى حد الخاتمة الآتية، وهي هذه" انتهى منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص161).
الخلاصة أن الرجل يريد أن يبني له طريقة خاصة لتسليك المريدين، وجمع الأغبياء والمغفلين ومن ثم جمع النذور والقرابين، وبالتالي جعل نفسه في مكان الملوك والسلاطين!!! هذه هي النهاية التي يسعى إليها ملوك التصوف، وأئمة الضلالة ومن أجل هذا كذبوا على الله هذا الكذب المبين ولا يسع المسلم إلا أن يحمد الله على العافية مما ابتلي به هؤلاء المارقون الكاذبون والحمد لله رب العالمين.

الفصل الحادي عشر
الولاية الصوفية
الولاية الرحمانية:
أعلن القرآن أن كل مؤمن صادق في الإيمان ولي لله سبحانه وتعالى. قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:257).
نصت الآية هنا على أن الله ولي كل مؤمن، وأنه بفضل هذه الولاية يخرج الله المؤمنين من الظلمات إلى النور، وقال تعالى أيضاً: {إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} (الأعراف:196)
وقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون* إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين} (الجاثية:18-19).
يخبر سبحانه وتعالى أنه ولي لكل من اتقاه وخافه.. وجاء في دعاء موسى عليه السلام  لربه {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} (الأعراف:155).
وقال تعالى أيضاً: {وهذا صراط ربك مستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون* لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} (الأنعام:126-127).
وقال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون} (يونس:62-63).
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً التي تبين ولايته سبحانه وتعالى لكل مؤمن صالح متق لله سبحانه وتعالى..
والولاية هي المحبة والنصرة.. فالله سبحانه وتعالى إذا والى عبداً فإنه يحبه وينصره ويعزه ويكرمه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
وكذلك العبد إذا قيل إنه يوالي الله فمعنى ذلك أنه يحب الله وينصره كما قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حباً لله} وقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} فولي الله من ينصره ويحبه، ومن يحب الله ينصره..، فكل من أحب الله ونصره، وسار في مرضاته، وحفظ حدوده، وأقام شريعته ودينه، فهو ولي الله سبحانه وتعالى.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم طريق الولاية فقال صلى الله عليه وسلم: [قال الله تعالى من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه] (رواه البخاري).
هنا بين الرسول فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى أن طريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض أولاً التي هي أحب الطاعات إليه سبحانه وتعالى، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله، فإذا أحبه الله سبحانه وتعالى كان ولياً حقاً له جل وعلا، وقد جاء في الحديث الصحيح: [إن الله إذا أحب عبداً قال يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض] (رواه مسلم).
ولا شك أن ولاية الله سبحانه وتعالى هذه مبذولة لكل من سعى إليها وسار في طريقها ووفقه الله سبحانه وتعالى إلى بلوغها كما قال جل وعلا: {فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسره للعسرى}.
وقال أيضاً جل وعلا:
{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
ولا شك أنه على الرغم من أن كل مؤمن هو ولي الله جل وعلا فإن ولاية الله للعبد ومحبته له تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح فكلما ازداد إيمان العبد وترقى في درجات الكمال والصلاح وتحلى بالتقوى كان أعظم ولاية، وأقرب من ربه سبحانه وتعالى، هذا مفهوم الولاية في الإسلام على وجه الإجمال.
الولاية الصوفية الشيطانية:
ولكن في التصوف الشيطاني فإن الولاية لها معنى آخر تماماً في الشكل المضمون والموضوع، فولي الله عند الصوفية الزنادقة من اختاره الله وجذبه إليه، وليس من شرط ذلك أن يكون عند هذا المختار والمجذوب أية مواصفات للصلاح والتقوى إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة، ويجعلون الولاية الكسبية هي ولاية العوام والمتنسكين والولاية الحقيقية عندهم هي الولاية الوهبية، يستدلون لذلك بمثل قوله تعالى: {يختص برحمته من يشاء} فيقولون:
الولاية اختصاص وهذا تلبيس منهم لأن اختصاص الله من يشاء برحمته لا يكون إلا لحكمة وأسباب اقتضت ذلك كما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} فجعل سبحانه وتعالى تقواه واتخاذ الوسيلة منه هي الطريق الموصل لرحمته فيستحيل أن تكون رحمة الله التي يختص بها من يشاء كائنة دون حكمة لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن يجعل رسالته وأين يضع هدايته كما قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} (الأنعام:53).
فأخبر سبحانه رداً على الكفار الذين احتقروا المؤمنين لفقرهم وقالوا: كيف يرزقهم الله التقوى ونحن أكرم على الله منهم لأنه رزقنا الأموال والأولاد. قال تعالى: {أليس الله بأعلم بالشاكرين}  (الأنعام) سبحانه وتعالى إنه أعلم من يوفق لهدايته وهم الذين يحكمون بواجب شكره سبحانه وتعالى ولذلك عبد الرسول ربه حتى أتاه اليقين وهو الموت، وقام من الليل حتى تفطرت قدماه وقيل له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: [أفلا أكون عبداً شكوراً] (متفق عليه)..
فالعباد الذين يعلم الله منهم الطاعة والإخلاص والقيام بشكر نعمته هم الذين يوفقهم الله لطاعته ومحبته وولايته.
ولما اعتقد الصوفية الزنادقة أن الولاية قضية وهبية بلا حكمة ولا معقولية جعلوا المجاذيب والمجانين والفسقة والظلمة والملاحدة المشركين من أهل وحدة الوجود، أولياء لله بمجرد أن ظهر على أيديهم بعض خوارق العادات التي ظهر مثلها على الدجال وابن صياد، وأصناف من المشركين وأهل الإلحاد.. فجعلوا الكرامة الشيطانية الإبليسية كالإخبار ببعض المغيبات واحتراف بعض الحيل والشعوذات وإتقانها كزعم الدخول في النيران وضرب الجسم بالسكاكين والسهام واللعب بالعقارب والحيات، وأمثال ذلك من المخاريق والترهات جعلوا أولياء الله هم هؤلاء الذين يدجلون على الناس بمثل هذه الخرافات مع ما هم عليه من مخالفة الإسلام، في الظاهر والباطن فظاهرهم مخالف للشريعة حيث عبدوا الله بالبدع والمظاهر الكاذبة والرياء والسمعة كملبس الخرق الملونة والمرقعات وإظهار الفقر والزهد، وذكر الله بالصياح والهوس والجنون وإقامة مشاعر الشرك عند القبور والمزارات والاستعانة بالأموات، وعبادة المشايخ والذوات، جعلوا من هذه أحوالهم في ظاهرهم أولياء لله، ومن أحوالهم في بواطنهم أشر من ذلك وأمر. فهم من أهل وحدة الوجود الكافرين والزنادقة الملحدين الذين لا يفرقون بين خالق ومخلوق، ورب وعبد، ومن يجعلون النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو علة الأكوان، والمستوي على عرش الرحمن، ومبدع الأرض والسماوات إلى آخر هذا الكفر والهذيان مما يأباه من عنده أدنى إسلام وإيمان... هذه هي الولاية الصوفية في زعمهم جعلوها لهؤلاء كما جعلوها أيضاً للمجانين والصبيان ولأهل التخاريف والهذيان حتى عدوا في أوليائهم من يأتي الحمارة في وضح النهار، وأمام الأسماع والأبصار وسلكوا في سلك الولاية الشيطانية هذه من يشرب الخمر جهاراً نهاراً، ويزني ويلوط عياناً بياناً، ويزعمون في كل ذلك أن هذا مظاهر غير مراد، وأنه نوع من التخييل للعباد، وأن الولي الصادق لا تضره معصية أبداً، أو أن الأعيان ينقلب له فالخمر التي يشاهدها الناس خمراً ينقلب في بطن الولي لبناً خالصاً، والزانية الفاجرة التي يرى الناس الولي بصحبتها تكون زوجته، ولم يكتفوا بهذا أيضاً في تعريف الولاية عندهم بل قالوا في الفكر الصوفي إن الولي يتصرف في الأكوان ويقول للشيء كن فيكون، وكل ولي عندهم قد وكله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة، ويسمون الأقطاب، وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع ويسمون البدلاء. وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم في مصر ثلاثون أو أربعون وفي الشام كذلك، والعراق وهكذا، وكل واحد من هؤلاء قد أوكل إليه التصريف في شيء ما، حتى عدو منهم من صرفه الله في رعاية الكلاب، ومنهم من له التصريف في رعاية الحيات، وفوق هؤلاء الأولياء جميعاً ولي واحد مراد يسمى القطب الأكبر أو الغوث وهو الذي يدبر شأن الملك كله سمواته وأرضه والأولياء جميعاً في بقاع الأرض تحت أمره.
فالأرض والسماوات تدار حسب الولاية الصوفية وأما الملائكة جميعاً فإنهم في خدمة هؤلاء الأولياء ينفذون أوامرهم ويخضعون لمشيئتهم.. هذه هي الولاية الصوفية وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية قط.. فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه وسار في مرضاة ربه حسب شريعته، وهو يخشى على نفسه دائماً من الكفر والنفاق وسوء العاقبة ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا.. وأما الولي الصوفي فهو رب كبير أو صغير يتصرف في جانب من جوانب الكون ولا يلتزم بشريعة لأن له شريعته المستقلة، والملائكة تحت مشيئته والسماوات والأرض كالخلخال برجله!! ولا يغرب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض، ولا خوف عليه مطلقاً لأنه قد جاءه الأمان، ولا يحزن لشيء مطلقاً لأن بيده التصريف.. هذه هي الولاية الصوفية. والحق أن الذي قرأ شيئاً من الفلسفة الإغريقية القديمة يعلم يقيناً أن فكرة الولاية الصوفية هذه منقولة عن هذه الفلسفة فآلهة الإغريق قديماً -كما صورتها الإلياذة والأوديسيا- يتصرفون في الكون ولكل منهم جانب خاص من جوانب العالم، (فمارس) هو إله الحرب، (وكيوبيد) هو إله الحب و (افروديت) هي إلهة الجمال، و (أبوللو) هو رب الأرباب وهكذا..
إن فكرة تعدد الآلهة عند الإغريق وتصرفهم في الكون هي فكرة الولاية الصوفية تماماً حيث يعبث هؤلاء الولاية الصوفيون بمصائر البشر، ويتحكمون في أرزاقهم وأعمالهم، ويتصارعون أيضاً  ويتنافسون كما يصنع آلهة الإغريق تماماً..
والآن اصحبني أيها القارئ لأريك نصوص المتصوفة وعباراتهم، وخيالاتهم في وصف ولايتهم الصوفية:
أول من ألف كتاباً مستقلاً في الولاية الصوفية هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه الحكيم، وهو غير الترمذي صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي، وقد نشأ (الحكيم) هذا في أواخر القرن الثالث الهجري، وهو مجهول سنة الولادة والوفاة. وكتابه الذي أشرنا إليه يسمى (خاتم الأولياء) (راجع الفصل بختم الولاية الصوفية)..
والمهم هنا أن الترمذي هذا رسم الملامح الخيالية الزندقية للولاية الصوفية ومن أجل هذا الكتاب شهد علماء زمانه بالزندقة والكفر ونفوه من بلده (ترمذ) كما أخبر بذلك صاحب الطبقات الصوفية أبو عبدالرحمن السلمي، وادعى الترمذي هذا في الولاية ما تابعه بعد ذلك عامة الصوفية عليه من أن الولاية وهب ومنحة إلهية لا كسب وموجدات، وأن الولي يعلم علم البدء وعلم المقادير وعلم الحروف (ختم الولاية ص362).
ووضع الترمذي هذا مراتب للولاية، فجعل منهم المجاذيب وأهل العته والجنون لأن الله جذبهم إليه وأسقط عنهم التكاليف، وأن هناك أربعين من أوليائهم الذين يتصرفون في شئون العالم، وأن هناك القطب الأكبر والخاتم للولاية وأن الأولياء هؤلاء محروسون عند الله فلا يلقى في صدورهم إلا الوحي الرحماني الملائكي فقط!! وجعل هؤلاء الأولياء منهم من بلغ ثلث النبوة، ومنهم من بلغ نصفها ومنهم من زاد على ذلك وهو ختم الأولياء (ختم الولاية ص347). ومن هؤلاء الأولياء تظهر لهم الآيات مثل طي الأرض، والمشي على الماء ومحادثة الخضر (ص361). وزعم كذلك أن قلوب هؤلاء الأولياء هي كتاب الله يطبع فيه ما يشاء!! وأنهم كالأنبياء لهم من الله عقد الولاية ولذلك كشف عن قلوبهم الغطاء فيرون ملك الله في كل أجزائه في العالم العلوي والسفلي، وزعم أن هؤلاء الأولياء يعرفون منازلهم من الجنة، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويقطعون بذلك وأن الكرامات التي تظهر على أيديهم دليل على صدقهم وإيمانهم..، يقول الترمذي:
"ما قولك في مُحَدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال: رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني لينقطع الشك والاعتراض. فقال (أي الله): آتيك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيني الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت وأجعل لك التراب والجو في يديك ذهباً، ففعل هذا هل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى بعد ظهور هذه الآية أولاً" أ.هـ منه بلفظه (ختم الولاية ص401).
وهذا الكلام من الحكيم الترمذي تلبيس وتدليس كله.. من هذا الذي يخاطبه الله بكلمة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ؟! ولا نبي بعد رسول الله، ومن هذا الذي يعطيه من هذه الكرامات المزعومة ما لم يعط رسله وأنبياءه.. فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما سار على الماء، ولا طار في الهواء، ولا جعلت له الجبال ذهباً. بل جاع هو وأصحابه وربط الحجر على بطنه أياماً وسار على قدميه في جيوشه حتى تقطعت أقدامهم وما كان لهم إلا الخرق يلفونها به حتى لقد سمو غزوة من غزواتهم بغزوة ذات الرقاع لأنهم مزقوا فيها بعض ملابسهم ليلفوا أرجلهم ولقد كانوا أفضل الناس وأفضل الأمة، أيأتي بعد ذلك هؤلاء البطالون المتأكلون الآكلون أموال الناس بالباطل المعتقدون عقائد الوثنية والشرك ليعطيهم الله الولاية العظمى يمكنهم من الطيران في الهواء، والسير على الماء، وقلب الأحجار فضة وذهباً لا شك أن الذي يزعم شيئاً من ذلك قد لبس عليه الشيطان وأدى له بعض الخدمات كأن نقله مرة من مكان إلى مكان بسرعة الشيطان، وسرق له بعض الذهب من مكان وتسمى هذه الأمثلة كرامة رحمانية وما هي إلا حيل شيطانية يلبس بها الشيطان على أوليائه.
ولا غرو أن يدعي الترمذي هذا ما يدعي فأنه قد ذكر على نفسه فيما سماه (بدو شأن الترمذي) أن زوجته قد تنبأت له، وزعمت له أنها رأت في شأنه عشرات من الرؤى منها أنها رأت أن سطح بيتها وكانت نائمة عليه قد هبط إلى الأرض وأنها وجدت داخل بيتها رجلين قاعدين في هيبة وأنهما قالا لها: قولي لزوجك: أنت وتد من أوتاد الأرض تمسك طائفة من الناس!! (بدو شأن الترمذي مطبوع مع ختم الولاية ص25) وأن هذين الرجلين الذين بشراها هما محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وزوجته هذه أيضاً تنبأت له بأنها كانت نائمة مع زوجها في فراش واحد وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل فراشهما معهما!! (بدو شأن الترمذي مطبوع مع ختم الولاية ص38).
ولا يخفى أن أمثال هذه الرؤيا والتنبؤات رؤى شيطانية حتماً فليس هناك شيء يسمى أوتاداً تمسك الأرض لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا}.
وإذا كان الله هو الذي يمسك السماوات والأرض فمعنى ذلك أنه ليس في حاجة إلى الترمذي وغيره ليكون وتداً يمسك جانباً من الأرض!! نعم جعل الله الجبال أوتاداً للأرض ولم يجعل الترمذي الذي ينام ليله شاخراً وتداً من أوتاد الأرض وأما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول [من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي] يستحيل أن يأتي ليدخل في فراش رجل مع زوجته ولم يدخل مع زوجة الترمذي في فراشها وهي مع زوجها إلا الشيطان حتماً الذي يعلم من هم أولياؤه.
واسمع إلى الترمذي يحكي عن خرافات زوجته فيقول:
"ثم رأت رؤيا أخرى وهي بالفارسية وفي آخرها قالت: فانتبهت فوقع عليها حرص الاستماع إلى الموعظة وطلب الحقوق من نفسها. فأول ما ابتدى لها من تحقيق رؤياها أنها كانت في البستان قاعدة وذلك لثلاث بقين من ذي القعدة، بعد أن رأت هذه الرؤيا، بنحو من خمسة أيام (ستة) إذ وقع على قلبها: يا نور كل شيء وهداه أنت الذي فلق الظلمات نوره.
قالت فوجدت كأن شيئاً دخل صدري فدار حول قلبي فأحاط به وامتلأ الصدر إلى الحلق، حتى صرت شبه المخنوق من امتلائه، وله حرارة وحرقات على القلب فتزينت الأشياء كلها لي. فما وقع بصري على أرض ولا سماء وخلق من الخلق إلا رأيته بخلاف ما كنت أراه من الزينة والبهجة والحلاوة.
ثم وقع على قلبي كلمة بالفارسية: (نكيني من ترا داذم)، فامتلأت فرحاً وطيب نفس ونشاطاً فأخبرتني بذلك فلما كان اليوم الثاني قالت: وقع على قلبي أنا أعطيناك ثلاثة أشياء، ووقع الكلام بالفارسية: (سه جيزترا داذم جلال من (و) عظمة من وبهاء من (ومعنى هذه الكلمات بالعربية: أي أعطيناك ثلاثة أشياء هي جلالي وعظمتي وقدرتي!!)) وأضاء لي من فوقي فدام هكذا فوق رأسي في الهواء كما كنت رأيته في المنام فترى في ذلك الضوء علم الجلال وعلم العظمة وعلم البهاء..
فأما الجلال فإني رأيت كأن البيت يتحرك (ايذون جيزي همي بيود، وجمش خلق همه ازوي، وعظمة بري (و) همه جيزها ازوي، وبها (و) سرا (ي) همه جيزها همه جيزها (ازوي نخست فر (أي أعطيناك علم الأولين) سمانها وبذم او كنده.. تفروذ).
ثم وقع على قلبها، اليوم الثالث (تراداذم علم اولين وآخرين) فدام بها هذا حتى نطقت بعلم أسماء الله فكان يفتح لها في كل يوم اسم الأصل: ويبدو، ذلك الضوء على قلبها وينكشف لها باطن ذلك. حتى كان يوم الجمعة، في أيام العشرة، حضرت المجلس، فذكرت أنه وقع عليها اسم (اللطيف)".
فانظر كيف تنبأت زوجة الترمذي الفارسية وكانت الرؤى تنزل عليها بالفارسية أيضاً وأنها أخبرت أنها أخذت من الله الجلال والعظمة والقدر!! وأنها كذلك نالت علم الأولين والآخرين، وهكذا لم يكتف الترمذي بأن يكون هو الوتد بل رأس الأوتاد الذين زعم أنهم أربعون بل زعم أخيراً أنهم خاتم الأولياء جميعاً كما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ولم يكتف بكل ذلك إلا أن جعل زوجته متنبئة كذلك وأنها حصلت على علم الأولين والآخرين وأخذت ثلاث صفات من صفات لله تعالى وهي الجلالة والعظمة والقدر!؟
هذا هو الزعيم الأول والرائد الأول لفكرة الولاية الصوفية، وفكرة ختم الولاية. والعجيب أنه كتب كتابه هذا نحو سنة 269هـ حيث ذكر أن زوجته رأت بعض هذه الرؤى يوم السبت 20 من ذي القعدة سنة 269هـ.. وبذلك يكون الترمذي أول من وضع لبنات الفكر الصوفي في قضية الولاية المزعومة.. ومن أجل هذا الكتاب رماه علماء بلده بالكفر والزندقة واستطاعوا طرده من ترمذ ولكنه عاد إليها بعد ذلك تحت جناح بعض الظالمين.. وقد أفضنا في بيان هذه القضية من كتاب الترمذي لأنه أول من سن هذا الشر المستطير الذي جاء بعده، وكتابه هو أول كتاب فيما أظن قد وضع الأسس الخبيثة هذه لفكرة الولاية الصوفية. 
مراتب الولاية عند الصوفية:
وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الولاية عندهم فمنهم من قالوا إنهم يتقسمون إلى الغوث وهو أكبر الأولياء جميعاً وهو واحد في كل زمان وتحته الأوتاد الأربعة وكل واحد منهم في ركن من أركان العالم يقوم به ويحفظه والأقطاب السبعة وكل منهم في إقليم من أقاليم الأرض السبعة أي في قارة من القارات السبع، (والأبدال) وزعموا أنهم أربعون وهم يعيشون في العالم، وكلما هلك واحد منهم أبدله الله بغيره لحفظ الكون!! (والنجباء) وهم ثلاثمائة كل منهم يتولى شأناً من شئون الخلق..
ولا يشك مسلم يعلم شيئاً من الكتاب والسنة ولا عالم قد اطلع على علوم الكتاب والسنة أن ما قاله الصوفية في هذا الصدد هراء وكذب لا أساس له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن الصوفية أرادوا أن يؤسسوا لهم دولة في الباطن تحكم وتنفذ وتتحكم في شئون الناس فبنوا هذه الدولة العجيبة الباطنية التي يتحكم فيها هؤلاء الذين سموهم بالغوث والأقطاب والأبدال والنجباء والأوتاد.. ويتعجب الإنسان وهو يطالع الفكر الصوفي في هذا الصدد كيف أن المتصوفة أحكموا خطتهم للسيطرة على عقول الناس، ولإدخالهم إلى دينهم العجب العجيب حيث أوهموهم أن التصريف في الأرض والسماء والخلق أجمعين إنما هو لدولتهم الخفية التي يتحكم فيها أولياء الصوفية.. هؤلاء الأولياء الذين قد يكونون أحياناً أميين لا يعرفون قراءة ولا كتابة وأحياناً مجاذيب يصرخون ويبولون في الطرقات وأحياناً زناة وشاربي خمور قد رفعت عنهم التكاليف الظاهرة وأن منهم من يعيش طيلة عمره قذراً وسخاً لا يتطهر بماء قط أو صابون ليوفر الماء (انظر) للفقراء!! ومع ذلك فهؤلاء الأولياء يعلمون الغيب كله ولا يخفى عليهم شيء في الأرض ولا في السماء ولا يعجزهم شيء ولا يقف أمام إرادتهم أحد أبداً.. وتعال معي في جولة مع خرافات القوم وترهاتهم لتعلم أي عالم يعيش فيه رجال التصوف.
وقد كفانا عبد الوهاب الشعراني مئونة تجميع أقوالهم في مراتب الولاية حيث جمع أقوال ابن عربي في الفتوحات ولنبدأ أولاً بمفهوم القطب الغوث أو القطب الأكبر عند الصوفية:
يقول الشعراني:
"وأما القطب فقد ذكر الشيخ في الباب الخامس وخمسين ومائتين أنه لا يتمكن القطب من أن يقوم في القطابة إلا بعد أن يحصل معاني الحروف التي في أوائل السور المقطعة مثل ألم، والمص، ونحوهما فإذا أوقفه الله تعالى على حقائقها ومعانيها تعينت له الخلافة وكان أهلاً لها.
(فإن قلت) فما علامة القطب فإن جماعة في عصرنا ادعوا القطبية وليس معنا علم برد دعواهم.
(فالجواب) قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه أن للقطب خمس عشرة علامة: أن يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ويكرم بكرامة الحلم والفضل بين الموجودين وانفصال الأول عن الأول وما انفصل عنه إلى منتهاه وما ثبت فيه حكم ما قبل وما بعد وحكم من لا قبل له ولا بعد، وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه.." انتهى.
وقال في الفتوحات في الباب السبعين ومائتين: "إن اسم القطب في كل زمان عبد الله وعبد الجامع المنعوت بالتخلق والتحقق بمعاني جميع الأسماء الإلهية (أي أن يتصف بما يتصف به الله من السمع والبصر والقدرة.. الخ)، بحكم الخلافة وهو مرآة الحق تعالى ومجلى النعوت المقدسة ومحل المظاهر الإلهية (يعني ظهور صفات الله فيه)، وصاحب الوقت (أي المتصرف في الخلق)، وعين الزمان وصاحب علم سر القدر وله علم دهر الدهور (فهو يعلم ما مضى وما يأتي)، ومن شأنه أن يكون الغالب عليه الخفاء لأنه محفوظ في خزائن الغيرة ملتحف بأردية الصون لا يعتريه شبهة في دينه قط ولا يخطر له خاطر يناقض مقامه، كثير النكاح وراغب فيه، محب للنساء، يوفي الطبيعة حقها على الحد المشروع له، ويوفي الروحانية حقها على الحد الإلهي، يضع الموازين ويتصرف على المقدار المعين  الموقت له لا يحكم عليه وقت إنما هو لله وحده حاله دائماً العبودية والافتقار، يقبح القبيح ويحسن الحسن، يحب الجمال المقيد في الزينة والأشخاص، تأتيه الأرواح في أحسن الصور يذوب عشقاً يغار لله عز وجل، ويغضب له تعالى، له الإطلاق في المظاهر من غير تقييد، لا تظهر روحانيته إلا من خاف حجاب الشهادة والغيب، لا يرى من الأشياء إلا محل نظر الحق فيها، يضع الأسباب ويقيمها، ويدل عليها، ويجري بحكمها، ينزل إليها حتى يحكم عليه، ويؤثر فيه رياسة على أحد من الخلق بوجه من الوجوه مصاحب لهذا الحال دائماً إن كان صاحب دنيا وثروة تصرف فيها تصرف عبد في مال سيد كريم وإن لم يكن بيده دنيا وكان على ما يفتح الله تعالى له به لم تستشرف له نفس بل يقصد بنفسه عند الحاجة بيت صديق ممن يعرفه يعرض عليه ما تحتاج إليه طبيعته كالشافع لها عنده فيتناول لها منه قدر ما تحتاج إليه ثم ينصرف لا يجلس عن حاجته إلا لضرورة فإن لم يجد حاجته لجأ إلى الله تعالى في حاجة طبيعة لأنه مسؤول عنها ومتول عليها ثم ينتظر الإجابة من الله فيما سأل فإن شاء الله تعالى أعطاه ما سأل عاجلاً أو آجلاً فمرتبته الإلحاح في الدعاء والشفاعة في حق طبيعته بخلاف أصحاب الأحوال فإن الأشياء كلها تتكون عن هممهم لأن الله تعالى عجل لهم نصيباً من أحوالهم في الجنة فهم ربانيون والقطب منزه عن الحال ثابت في العلم فإن أطلعه الله على ما يكون أخبر بذلك على وجه الافتقار الله لا على وجه الافتخار لا تطوى له أرض ولا يمشي في هواء ولا على ماء ولا يأكل من غير سبب ولا يطرأ عليه شيء من خرق العوائد إلا في النادر لا ما يراه الحق تعالى فيفعله بإذن الله من غير أن يكون ذلك مطلوباً له وكذلك من شأنه أن يجوع اضطراراً لا اختياراً ويصبر على النكاح كذلك لعدم الطول يعلم من تجلي النكاح ما يحرضه على طلبه والتعشق به لا يتحقق قط بالعبودية في شيء أكثر مما يتحقق به في النكاح لا يرغب في النكاح للنسل وإنما يرغب ففيه لمجرد الشهوة وإحضار التناسل في نفسه لأمر مشروع فنكاحه لمجرد اللذة كنكاح أهل الجنة. وقد غاب عن هذه الحقيقة أكثر العارفين لما فيه من شهود الضعف وقهر اللذة المغيبة له عن إحساسه فهو قهر لذيذ وذلك من خصائص  الأنبياء ولعلو مراقي هذا المقام جهله أكثر الأولياء وجعلوا النكاح شهوة حيوانية ونزهوا أنفسهم عن الإكثار منها" (اليواقيت والجواهر ج2 ص79) أ.هـ.
فانظر كيف  لبس على الناس ووصف الولي المزعوم بصفات الربوبية الكاملة ثم راح يصفه بصفات العبودية أيضاً تلبيساً على الناس.
ويستطرد الشعراني ناقلاً عن ابن عربي وصفه للغوث فيقول:
"واعلم أن من مقام القطب أن يتلقى أنفاسه إذا دخلت وإذا خرجت بأحسن الأدب لأنها رسل الله إليه فترجع منه إلى ربها شاكرة له لا يتكلف لذلك (وهذا كذب محض فالتنفس عملية لا إرادية شأنها واحد في كل  إنسان وليس هناك نفس مسبح ونفس غير مسبح إلا أنه يعتقد المؤمن أن حياته لا تقوم إلا بالله فيؤجر على ذلك ويكون عائداً لله من هذا الوجه).
وأطال الشيخ في ذلك ثم قال فإذن القطب هو الرجل الكامل الذي حصل أربعة الدنانير منها خمسة وعشرون قيراطاً وبها توزن الرجال والأربعة هم الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون فهو وارثهم كلهم رضي الله عنه. وقال الشيخ في الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة: من شأن القطب الوقوف دائماً خلف الحجاب الذي بينه وبين الحق جل وعلا فلا يرتفع حجابه حتى يموت فإن مات لقي الله عز وجل فهو كالحجاب الذي ينفذ أوامر الملك وليس له من الله تعالى إلا صفة الخطاب لا الشهود" (عاد إلى التلبيس مرة ثانية فزعم أن الولي يتصرف في الخلق بأمر الله).
القطب الغوث واحد في الزمان فقط:
ويستطرد أيضاً مبيناً أن القطب الأكبر أو ما يسمونه بالغوث واحد في كل زمان. فيقول:
"قال الشيخ في الباب الخامس والخمسين ومائتين:
ومن خصائص القطب أن يختلي بالله تعالى وحده ولا تكون هذه المرتبة لغيره من الأولياء أبداً ثم إذا مات القطب الغوث انفرد تعالى بتلك الخلوة لقطب آخر لا ينفرد قط بالخلوة لشخصين في زمان واحد أبداً. وهذه الخلوة من علوم الأسرار. وأما ما ورد في الآخرة من أن الحق تعالى يخلو بعبده ويعاتبه فذلك من باب انفراد العبد بالحق تعالى لا من باب انفراد الحق بالعبد فافهم واكتم". انتهى (اليواقيت والجواهر).
وحتى لا يقع المتصوفة في الأشكال المعروفة وهو أن كان أقطاب التصوف في عهد الخلافة الراشدة لذلك بادر ابن عربي للقول أن أبا بكر وعمر كانوا أقطاباً بالمعنى الصوفي.. ونقول حاشا الصحابة أن يدخلوا في هذا الزور والبهتان.
يقول ابن عربي:
"ثم اعلم أنه لما كان نصب الإمام واجباً لإقامة الدين وجب أن يكون واحداً لئلا يقع التنازع والتضاد والفساد فحكم هذا الإمام في الوجود حكم القطب. قال: وقد يكون من ظهر الأئمة بالسيف أيضاً قطب الوقت كأبي بكر وعمر في وقته، وقد لا يكون قطب الوقت فتكون الخلافة لقطب الوقت الذي لا يكون إلا بصفة العدل، ويكون هذا الخليفة الظاهر من جملة نواب القطب في الباطن من حيث لا يشعر فإن الجور والعدل يقع من أئمة الظاهر ولا يكون القطب إلا عادلاً. واعلم أن القطبية كما أنها قد تكون لولاة الأمور كذلك قد تكون في الأئمة المجتهدين من الأربعة وغيرهم بل هي فيهم أظهر ويكون تظاهرهم بالاشتغال بالعلم الكسبي حجاباً عليهم لكون القطب من شأنه الخفاء رضي الله عنهم أجمعين" (اليواقيت والجواهر ج2 ص80).
وهكذا يجعل ابن عربي بعض الخلفاء أقطاباً وبعض الفقهاء كذلك. ولقد من ابن عربي على الإمام الشافعي فأعطاه رتبة (الوتد) في مملكته الصوفية، أي أنه كان يسيطر على ربع العالم. وأما الإمام أحمد فأن ابن عربي لم يمن عليه بشيء من هذه الرتب الصوفية واكتفى بأن جعله مجرد (صديق)!! وهي منزلة العامة عندهم ممن يؤمن بالخرافات الصوفية.
يقول الشعراني:
"قال الشيخ محيي الدين: وقد اجتمعت بالخضر عليه السلام وسألته عن مقام الإمام الشافعي فقال: كان من الأوتاد الأربعة فسألته عن مقام الإمام أحمد فقال: هو صديق وأطال في ذلك ثم قال في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} المراد بأولي الأمر الأقطاب والخلفاء والولاة ولكن فيما لا يخالف شرعاً مأموراً به وذلك هو المباح الذي لا أجر فيه ولا وزر فإن الواجب والمندوب والحرام والمكروه من طاعة الله ورسوله فما بقي لأولي الأمر إلا المباح فإذا أمرك الإمام الذي بايعته على السمع والطاعة بمباح من المباحات وجب عليك طاعته في ذلك وحرمت عليك مخالفته وصار حكم الإباحة منه بأمر هذا الإمام الذي بايعته" أ.هـ.
ولا شك أن الإمام أحمد لم يكن ممن يؤمن بهذه الخرافات بل قال لمن سأله عن كتب الحارث المحاسبي هذه كتب بدع وضلالات ولكن الصوفية لا يستطيعون أن يسبوا أحد الأئمة الأربعة المتبعين وذلك لمنزلة هؤلاء الأئمة من قلوب الناس.
والمهم أن الصوفية قد بنوا لهم دولة في الباطن على هذا النحو الذي أسلفناه.. أيضاً لأجل التلبيس على الناس وتمريغ عقولهم في الأوحال والإلقاء بهم بعيداً في مهاوي الضلال زعم ابن عربي أيضاً أن الأوتاد الأربعة يكونون على قلوب الرسل الذين زعم أنهم ما زالوا أحياء، وهم:
إدريس، وإلياس، وعيسى، والخضر، وأن هؤلاء جميعاً يرجعون في الأخذ من القطب الأكبر (الغوث) الذي هو واحد في الأرض فقط وأنه إذا مات أقام الله غيره. فهؤلاء الأولياء الأربعة (الأوتاد) الذين طبعوا على قلوب الأنبياء الأربعة الأحياء يرجعون في أحكامهم للقطب الغوث..
وكل هذه الخرافات والخزعبلات قد عرفها ابن عربي عن طريق الكشف الخاص له والعلم اللدني ولذلك سماه المتصوفة بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر!!.
يقول الشعراني عن شيخه ابن عربي في بيان هذه الخرافات:
"(فإن قلت) فالمراد بقولهم القطب لا يموت:
(فالجواب) كما قال الشيخ في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات:
أن المراد به من أن العالم لا يخلو زماناً واحداً من قطب يكون فيه كما هو في الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولذلك أبقى الله تعالى من الرسل الأحياء بأجسادهم في الدنيا أربعة: ثلاثة مشرعون، وهم إدريس وإلياس وعيسى، وواحد حامل العلم اللدني هو الخضر عليه السلام. وإيضاح ذلك أن الدين الحنيف له أربعة أركان كأركان البيت وهم الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون، والرسالة هي الركن الجامع للبيت وأركانه، فلا يخلوا زمان من رسول يكون فيه، وذلك هو القطب الذي هو محل النظر الحق سبحانه وتعالى من العالم كما يليق بجلاله. ومن هذا القطب يتفرع جميع الأمداد الإلهية على جميع العالم العلوي والسفلي.
قال الشيخ محيي الدين:
ومن شرطه أن يكون ذا جسم طبيعي وروح ويكون موجوداً في هذه الدار الدنيا بجسده وحقيقته فلا بد أن يكون موجوداً في هذه الدار بجسده وروحه من عهد آدم إلى يوم القيامة ولما كان الأمر على ما ذكرناه ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قرر الدين الذي لا ينسخ والشرع الذي لا يتبدل دخلت الرسل كلها في شريعته ليقوموا بها فلا تخلو الأرض من رسول حي  جسمه إذ هو قطب العالم الإنساني ولو كانوا في العدد ألف رسول فإن المقصود من هؤلاء هو الواحد؛ فإدريس في السماء الرابعة، وعيسى في السماء الثانية، وإلياس والخضر في الأرض. ومعلوم أن السماوات السبع من عالم الدنيا لكونها تبقى بقاء الدنيا بفنائها فهي جزء من دار الدنيا بخلاف الفلك الأطلس فإنه معدود من الآخرة في يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات يعني يبدلهم بغيرهن، كما تبدل هذه النشأة الترابية منا أيها السعداء بنشأة أخرى أرقى وأصفى وألطف فهي نشأة طبيعية جسمية لا يبول أهلها ولا يتغوطون كما وردت بذلك الأخبار. وقد أبقى الله في الأرض إلياس والخضر وكذلك عيسى إذا نزل وهم من المرسلين؛ فهم القائمون في الأرض بالدين الحنيف فما زال المرسلون لا يزولون في هذه الدار لكن من باطنية شرع محمد صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فالقطب هو الواحد من عيسى وإدريس وإلياس والخضر وهو أحد أركان بيت الدين وهو كركن الحجر الأسود واثنان منهم هما الإمامان وأربعتهم هم الأوتاد فبالواحد يحفظ الله الإيمان وبالثاني يحفظ الله الولاية وبالثالث يحفظ الله النبوة وبالرابع يحفظ الله الرسالة وبالمجموع يحفظ الله الدين الحنيف فالقطب من هؤلاء لا بعينه. قال الشيخ: ولكل واحد من هؤلاء الأربعة من هذه الأمة من كل زمان شخص على قلبه نائباً عنه مع وجودهم وأكثر الأولياء لا يعرفون القطب والإمامين والأوتاد ولا النواب ولا هؤلاء المرسلين الذين ذكرناهم، ولها يتطاول كل أحد لنيل هذه المقامات ثم إذا خصوا بها عرفوا عند ذلك أنهم نواب لذلك القطب فاعرف هذه النكتة فإنك لا تراها في كلام أحد غيرنا ولولا ما ألقي في سري من إظهارها ما أظهرتها" (اليواقيت والجواهر ج2 ص81) انتهى منه بلفظه.
ولعلك أيها القارئ بعد هذه الجولة الخرافية الصوفية تريد أن تعرف أين يسكن القطب ويجيبك ابن عربي قائلاً:
"فإن قيل هل يكون محل إقامة القطب بمكة دائماً كما هو مشهور. (فالجواب) هو بجسمه حيث شاء الله لا يتقيد بالمكث في مكان بخصوصه ومن شأنه الخفاء فتارة يكون حداداً وتارة تاجراً وتارة يبيع الفول، ونحو ذلك والله أعلم" (اليواقيت والجواهر ج2 ص81) أ.هـ.
ولعلك الآن أيها القارئ تريد أن تعرف كيفية تولي القطب منصبه الباطني هذا وهل تكون له مبايعة كما يبايع الأمراء والخلفاء..
وقد تفضل ابن عربي أيضاً فأجاب عن هذا التساؤل بقوله:
"فإن قلت: فهل يحتاج القطب في توليته إلى مبايعة في دولة الباطن كما هي الخلافة في الظاهر؟
(فالجواب) نعم كما قاله الشيخ في الباب السادس والثلاثين وثلاثمائة وعبارته:
(اعلم أن الحق تعالى لا يولي قط عبداً مرتبة القطابة إلا وينصب له سرير في حضرة المثال يقعده عليه ينبي صورة ذلك المكان عن صورة المكانة كما ينبي صورة الاستواء على العرش عن صورة إحاطته تعالى علماً بكل شيء ولله المثل الأعلى فإذا نصب له ذلك السرير فلا بد أن يخلع عليه جميع الأسماء التي يطلبها العالم وتطلبه فيظهر بها حللاً وزينة متوجاً مسوراً من ملجا لتعمه الزينة علواً وسفلاً ووسطاً وظاهراً وباطناً فإذا قعد عليه وقعد بصورة الخلافة وأمر الله العالم ببيعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره دخل في تلك البيعة كل مأمور من أدنى وأعلى إلا العالون المهيمنون في جلال الله عز وجل العابدون لله تعالى بالذات لا بأمر إلهي ظاهر على لسان رسول. واعلم أن أول من يدخل عليه الملأ الأعلى على مراتبهم الأول فيأخذون يده على السمع والطاعة ولا يتقيدون بمنشط ولا مكره لأنهم لا يعرفون هاتين الصفتين فيهم إذ لا يعرف شيء إلا بضده فهم في منشط لا يعرفون لها طعماً لعدم ذوقهم للمكره وما منهم روح يدخل عليه للمبايعة إلا يسأله عن مسألة من العلم الإلهي فيقول له يا هذا أنت القائل كذا وكذا فيقول له نعم فيقول له في هذه المسألة وجهان يتعلقان بالعلم بالله تعالى أحدهما أعلى من الذي كان عند ذلك الشخص فيستفيد منه كل من بايعه علماً ليس عنده ثم يخرج. قال الشيخ: وقد ذكرنا جميع سؤالات القطابة في جزء مستقل ما سبقنا أحد إليه وليست هذه المسائل معينة يتحرر السؤال بها لكل قطب وإنما يخطر الله تعالى ذلك لمن يسأل القطب حال السؤال بعد أن جرى ذلك على خاطره فيما مضى من الزمان.
قال الشيخ وأول من يبايعه العقل الأول ثم النفس ثم المقدمون من عمار السماوات والأرض من الملائكة المسخرة ثم الأرواح المدبرة للهياكل التي فارقت أجسامها بالموت ثم الجن ثم المولدات ثم سائر ما سبح الله تعالى من مكان ومتمكن ومحل حال فيه إلا العالون من الملائكة كما مر، وكذلك الأفراد من البشر لا يدخلون تحت دائرة القطب وماله فيهم تصرف إذ هم كمل مثله مؤهلون لما ناله هذا الشخص من القطبية لكن لما كان الأمر يقتضي أن لا يكون في الزمان إلا واحد تقوم بهذا الأمر تعين ذلك الواحد لكن لا بأولية وإنما هو يسبق العلم فيه بأن يكون هو الوالي وفي الأفراد من يكون أكبر منه في العلم بالله تعالى وحده" انتهى بلفظه (اليواقيت والجواهر ج2 ص79،80).
فانظر أيها المسلم هذا التهريج والتخريف والخبط الذي يريد هؤلاء الأفاكون جذب الناس إليه وإيقاع الناس فيه، وأحمد الله على نعمة العقل التي أعطاك إياها ونعمة الإيمان والإسلام إن كنت من أهله، وانظر كيف يتلاعب الشيطان بهؤلاء المتهوكين الفارغين إلا من الخرافات والخزعبلات والزندقة والكفر الذي ليس له مثل في الأرض. والعجيب أن ابن عربي لا يقف خياله الزندقي عند حد مطلقاً فقد ذهب ليزعم أيضاً أنه عرف أسماء الأقطاب منذ آدم وحتى بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث ينقل عنه الشعراني أنه قال في الفتوحات ما نصه:
"فإن قلت فهل كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم أقطاب وكم عددهم (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع عشر من الفتوحات:
(إن الأقطاب لا يخلو عصر منهم قال وجملة الأقطاب المكملين من الأمم السالفة من عهد آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام خمسة  وعشرون قطباً أشهدنيهم الحق تعالى في مشهد قدس في حضرة برزخية وأنا بمدينة قرطبة وهم: الفرق ومداوي الكلوم والبكاء والمرتفع والشفار والماضي والماحق والعاقب والمنحور وسجر الماء وعنصر الحياة والشريد والصائغ والمراجع والطيار والسالم والخليفة والمقسوم والحي والراقي والواسع والبحر والمنصف والهادي الأصلح والباقي فهؤلاء هم الأقطاب الذين سموا لنا من آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام وأما القطب الواحد الممد لجميع الأنبياء والرسل من حيث النشء الإنساني إلى يوم القيامة فهو روح محمد صلى الله عليه وسلم (اليواقيت والجواهر ج2 ص82) أ.هـ.
فانظر كيف اكتشف ابن عربي أسماء الأقطاب المزعومين منذ آدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف راح يزعم أن هؤلاء جميعاً الذين افترى أسماءهم يستمدون علومهم من روح الرسول التي زعم أنها هي المستوي على العرش الرحماني كما مر تفصيل ذلك في الحقيقة المحمدية.
وذلك أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول موجود في زعمهم وهو الحق الذي خلق العرش من نوره والكرسي والسماوات والأرض والجن صلى الله عليه وسلم هو المستوي على عرش الرحمن تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً..
وهكذا نجد الصوفية قلبوا كل موازين الشريعة وغيروا جميع عقائد الدين وابتدعوا ديناً جديداً بعيداً عن الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد المشرق عن المغرب.
قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب:
ويستطرد ابن عربي في تخريفاته وكذبه فيزعم أن لكل إقليم بلدة وقرية قطباً صغيراً آخر يحفظ هذه المدينة!! وأنه التقى بالقطب الأكبر في المغرب في مدينة فاس وأنه كان مشلول اليد:
يقول الشعراني:
"قال الشيخ محيي الدين في الباب الثاني والستين وأربعمائة:
واعلم أن لكل بلد أو قرية أو إقليم قطباً غير الغوث يحفظ الله تعالى تلك الجهة سواء أكان أهلها مؤمنين أو كفاراً وكذلك القول في الزهاد والعباد والمتوكلين وغيرهم لا بد لكل صنف منهم من قطب يكون مدارهم عليه. قال الشيخ: قد اجتمعت بقطب المتوكلين فرأيت مقام المتوكل يدور عليه دوران الرحى حين تدور على قطبها وهو عبدالله بن الأستاذ ببلاد الأندلس صحبته زماناً طويلاً وكذلك اجتمعت بقطب الزمان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بمدينة فاس وكان أشل اليد فتكلمت على مقام القطبية في مجلس كان فيه فأشار علي أن أستره عن الحاضرين ففعلت" (اليواقيت والجواهر ج2 ص83) أ.هـ.
وهكذا تتم السيطرة الباطنية المزعومة من هؤلاء الأولياء على كل مدينة وقرية من قرى العالم، وهكذا يحكم الصوفية شباكهم ويصطادون العقول المريضة والضعيفة والتي سيقتلها الخوف عندما تعلم أن الدولة الباطنية قد أحكمت سيطرتها على العالم وأنه ليس هناك من قرية ولا مدينة إلا فيها حاكم باطني يحكم أو قالوا يحفظ هذه المدينة والقرية، وقد أعطاه الله في زعمهم التصريف في شئون عبادها..
وظيفة القطب:
ولعلك تريد أن تعرف الوظيفة المناطة بكل هؤلاء الذين توزعوا الأرض وتصرفوا في حياة الخلائق وحفظ الله بهم -في زعم الصوفية- الوجود وكيف تورث هذه الولاية:
يقول الشعراني عن شيخه ابن عربي:
"وقال في الباب الثالث والثمانين وثلاثمائة: اعلم أن بالقطب تحفظ دائرة الوجود كله من عالم السكون والفساد وبالإمامين يحفظ الله تعالى عالم الغيب والشهادة وهو ما أدركه الحس، وبالأوتاد يحفظ الله تعالى الجنوب والشمال والمشرق والمغرب، وبالأبدال يحفظ الله الأقاليم السبعة، وبالقطب يحفظ الله تعالى جميع هؤلاء لأنه هو الذي يدور عليه أمر عالم الكون كله فمن علم هذا الأمر علم كيف يحفظ الله الوجود على عالم الدنيا ونظيره من الطب علم تقويم الصحة (فإن قلت) فهل للقطب تصريف في أن يعطي القطبية لمن شاء من أصحابه وأولاده.
(فالجواب) ليس له تصريف في ذلك وقد بلغنا أن بعض الأقطاب سأل الله أن تكون القطبية من بعده لولده فإذا بالهاتف يقول له: ذلك لا يكون إلا في الإرث الظاهر وأما الإرث الباطن فذلك إلى الله وحده الله أعلم حيث يجعل رسالته. انتهى.
فعلم أنه ما حفظ من حفظ من الأولياء وغيرهم من جهاته الأربعة إلا بالأوتاد الذين كان منهم الإمام الشافعي رضي الله عنه وما حفظ من حفظ في صفاته السبع إلا بالأبدال السبعة فكل صفة لها بدل يحفظها على صاحبها من حياة وعلم وقدرة وإرادة وسمع وبصر وكلام. انتهى (اليواقيت والجواهر).
وهكذا يريد المتصوف إيهامك أن ما حفظ من سمعك وبصرك وقدرتك وعلمك، وحياتك وإرادتك إنما مرجعه إلى بدل من الأبدال السبعة الذين كان منهم الشافعي في زمانه..
الشافعي هذا رضي الله عنه الذين يكذبون عليه والذي قال عن الصوفية بعد أن ارتحل عن العراق إلى مصر قال: "تركت بغداد وقد أحدث الزنادقة فيها شيئاً يسمونه السماع" أ.هـ.
وقال أيضاً رضي الله عنه: "لا أرى إنساناً يتصوف أول النهار إلا يكون أحمق في آخره"!!!!.. والصحيح أن الحمق يصيب الأتباع والدهماء الذين يصدقون مثل هذه الخرافات ولكن الذين افتروا ذلك ودونوه لا شك أنهم دهاة عرفوا كيف يصرفون الناس عن عقيدة الإسلام إلى عقائد الكفر والوثنية.. فهؤلاء لم يتركوا ديناً أو فلسفة كافرة ولا زندقة إلا أضافوها إلى عقيدتهم وخرافاتهم وانظر إلى كيفية عمل الأبدال عندهم.
الأبدال السبعة ووظائفهم:
قال الشعراني: وقال الشيخ أيضاً في الباب الخامس عشر:
"اعلم أن لكل بدل من الأبدال السبعة قدراً، يمده من روحانية الأنبياء الكائنين في السماوات فينزل مدد كل بدل من حقيقة صاحبه الذي في السماء. قال: وكذلك أمداد الأيام السبعة فتنزل من هؤلاء الأبدال لكل يوم مدد يختص به من ذلك البدل.
(فإن قلت) وهل يزيد الأبدال وينقصون بحسب الشئون التي يبدلها الحق تعالى أو هم على عدد واحد لا يزيدون ولا ينقصون؟؟
(فالجواب) هم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون وبهم يحفظ الله الأقاليم السبعة ومن شأنهم العلم بما أودع الله تعالى في الكواكب السيارة من الأمور والأسرار في حركاتها ونزوله في المنازل المقدرة.
(فإن قلت) فلم سموا أبدالاً؟ (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثالث والسبعين:
أنهم سموا أبدالاً لأن كل واحد منهم إذا فارق مكانه خلفه فيه شخص على صورته لا يشك الرائي أن ذلك البدل.
(فإن قلت) فهل ترتيب الأقاليم السبعة على صورة ترتيب السماوات بحيث يكون ارتباط الإقليم الأول بالسماء السابعة والثاني بالسماء السادسة وهكذا..
(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثمن والتسعين ومائة: نعم يكون روحانية كل إقليم مرتبطة بالسماء المشاكلة له فالإقليم الأول للسماء السابعة وهكذا..
(وإيضاح ذلك) أن تعلم يا أخي أن الله تعالى جعل هذه الأرض التي تجن عليها سبعة أقاليم (أي سبع قارات هي قارات العالم المعروفة)، واصطفى من عباده المؤمنين سبعة سماهم الأبدال وجعل لكل بدل إقليماً يمسك الله وجود ذلك الإقليم به فالإقليم الأول ينزل الأمر إليه من السماء الأولى التي هي السابعة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه هو على قلب الخليل إبراهيم عليه السلام والإقليم الثاني ينزل الأمر إليه من السماء الثانية وينزل إليه الروحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قلب موسى عليه السلام والإقليم الثالث ينزل إليه الأمر الإلهي من السماء الثالثة وينظر إليه روحانية كوكبها البدل الذي يحفظه على قلب هارون  ويحيى بتأييد الرابعة قلب الأفلاك كلها وينظر إليه روحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قلب إدريس عليه السلام وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن والأقطاب فينا نوابه كما مر والإقليم الخامس ينزل إليه الأمر من السماء الخامسة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظ الله به هذه الأقاليم على قلب يوسف عليه السلام بتأييد محمد صلى الله عليه وسلم والإقليم السادس ينزل الأمر عليه من السماء السادسة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب عيسى روح الله ويحيى عليهما السلام والإقليم السابع ينزل الأمر إليه من السماء الدنيا وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب آدم عليه السلام.
قال الشيخ: وقد اجتمعت بهؤلاء الأبدال السبعة بمكة خلف حطيم الحنابلة حيث وجدتهم يركعون هناك فسلمت عليهم وسلموا علي وتحدثت معهم فما رأيت أحسن منهم سمتاً ولا أكثر شغلاً منهم بالله عز وجل، وما رأيت مثلهم إلا سقيط الرفرف بن ساقط العرش بقونية وكان فارسياً رضي الله عنه وقد أطال الشيخ الكلام على أصحاب الدوائر من الأولياء في الثالث والسبعين من الفتوحات فراجعه والله أعلم" انتهى منه بلفظه (اليواقيت والجواهر ج2 ص83).
وهكذا استطاع المتصوفة نقل عقائد الصابئة الذي كانوا في عهد إبراهيم عليه السلام وهم عبدة النجوم والكواكب الذين يؤمنون بأن لكل كوكب روحاً يتصرف في الخلق، وصوروا تماثيل لروحانية القمر والشمس والمشتري والزهرة.. الخ.. وعبدوها.. نقل الصوفية هذه العقائد الوثنية الجاهلية إلى الفكر الإسلامي وجعلوها عقيدة من عقائد المتصوفة ومن أجل ذلك قال ابن عربي :
عقد البرية في الإله عقائدا              وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
وما ذلك إلا لأنه يؤمن أنه ليس إلا الله في الكون !!!!
مدة حكم القطب ووظيفته:
ويستمر ابن عربي في تخريفاته فيذكر لنا مدة حكم القطب والأعمال المنوطة به فيقول كما نقل الشعراني:
"(فإن قلت) فهل مدة معينة للقطبية إذا وليها صاحبها لا يعزل منها حتى تنقضي؟
(فالجواب) ليس للقطبية مدة معينة فقد يمكث القطب في قطبيته سنة أو أكثر أو أقل إلى يوم إلى ساعة فإنها مقام ثقيل لتحمل صاحبها أعباء الممالك الأرضية كلها ملوكها ورعاياها. وذكر الشيخ في الباب الثالث والستين وأربعمائة أن كل قطب يمكث في العالم الذي هو فيه على حسب ما قدر الله عز وجل، ثم تنسخ دعوته بدعوة أخرى كما تنسخ الشرائع بالشرائع وأعني بالدعوة ما لذلك القطب من الحكم والتأثير في العالم فمن الأقطاب من يمكث في قطبيته الثلاث والثلاثين سنة وأربعة أشهر ومنهم من يمكث فيها ثلاث سنين ومنهم كما يؤيد ذلك مدة خلافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فإنهم كانوا أقطاباً بلا شك" انتهى (اليواقيت والجواهرج2 ص83).
ابن عربي القطب الأعظم:
وبالطبع بعد أن يصف ابن عربي كل هذا الوصف الخرافي للأقطاب والأبدال والأوتاد فلا بد أن يخص نفسه بلقب من هذه الألقاب. وتأبى كرامة ابن عربي طبعاً أن يختار لقباً دوناً، أو مرتبة صغيرة فيعلن عن نفسه أنه القطب الأعظم الذي لا أعظم منه أبداً يقول بالنص:
"لا أعرف في عصري هذا أحداً تحقق بمقام العبودية مثلي وذلك لأنني بلغت في مقام العبودية الغاية بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا العبد المحض الخالص الذي لا يعرف للربوبية على أحد من العالم طمعاً، وقد منحني الله تعالى هذا المقام هبة منه، ولم أنله بعمل وإنما هو اختصاص إلهي" (اليواقيت والجواهر ص65،66)..
فانظروا أين يضع ابن عربي نفسه، إنه يضعها في القمة العليا التي لا تدانيها قمة، ويدعي كذباً مع ذلك أنه نال ذلك باختصاص إلهي حتى لا يطالبه أحد بمسوغات هذا الاختيار ومؤهلاته.
وهكذا يعلن ابن عربي نفسه ملكاً متوجاً على مملكة الباطن التي صورها الخيال الشيطاني المريض لهذه العقلية الصوفية، ويجعل من نفسه قطب الأقطاب ووارث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم الأعلام، ويتبعه على هذا كل شيوخ التصوف الذين جاؤوا بعده فيجعلون منه الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر..
وهكذا استطاع هذا الزنديق دارس الفلسفة والديانات القديمة، وتخريفات الجاهلية في كل العصور أن يجمع كل ما درسه وينسج منه عقيدة وثنية جاهلية حمقاء ويلبسها بإتقان وثعلبية نادرة الآيات والأحاديث القرآنية فتروج بذلك بين أيدي جهلة المسلمين، ويتاجر بها مجموعة الشياطين الذين قادوا هذا الفكر الصوفي المنحرف عبر القرون، والذين برروا له كل هذا الكفر والانحراف.
وهكذا أخي المسلم تدرك الفارق بين الولاية الإسلامية القرآنية، وبين ولاية هؤلاء الشياطين فأولياء الرحمن وصفهم الله تعالى في كتابه فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً* والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً* والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جنهم إن عذابها كان غراماً* إنها ساءت مستقراً ومقاماً} (الفرقان:63-66).
فانظر كيف يمضون ليلهم كلهم في الصلاة ويستغفرون الله بعد ذلك ويخافون من عذاب النار مع ذلك، واسمع قوله تعالى: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون* والذين هم بآيات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون:57-61).
فهؤلاء هم أولياء الله حقاً خائفون من ربهم مشفقون من عذابه، مؤمنون بربهم الواحد سبحانه وتعالى الذي ليس له ند ولا شريك ولا ظهير ولا معين، ومع كل ذلك يصلون ويصومون ويخافون أن لا يتقبل الله أعمالهم.. أين هؤلاء الأولياء الصادقون من أولياء الشيطان الذين يزعمون أن الله ملكهم الدنيا والآخرة، وأن الله أمنهم من كل خوف، وأنه صرفهم في العالم العلوي والسفلي وأن الله عقد لهم ألوية المجد والعز وجعلهم جلساءه وخاصته، وعقد لهم الولاية في السماء وبايعتهم الملائكة هناك.. الخ.
أين الولاية الإسلامية من ولاية الشياطين المتقولين على الله، الذين لم يتركوا صفة واحدة لله إلا نسبوها إلى أنفسهم، الذين لم يجعلوا لله تصريفاً إلا بهم، ولا رحمة إلا منهم، ولا إحساناً إلا من عندهم، ولا قدر ة إلا بوساطتهم، ومهما أفاض الإنسان في وصف وقاحة هؤلاء الشياطين فلن يبلغ عشر معشار ما يستحقون ولن يكتب أيضاً شيئاً قريباً مما سودته أيديهم في الافتراء على الله والكذب على رسله الكرام.. هؤلاء الرسل الذين قال الله لأشرفهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف:188).
والذي كان يقول هو صلى الله عليه وسلم [والله إني لرسول الله لا أدري ما يفعل بي غداً] (رواه البخاري).
وكان يقول أيضاً [واعلموا أنه لا يدخل أحدكم الجنة بعمله]، قالوا ولا أنت يا رسول الله، قال: [ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل] (متفق عليه).
فأين هذا مما يفترون ويقولون (لو بصقت على النار لأطفأتها)!!! ومن يقول (أعطاني الله التصريف في الخلق)!! ومن يقول (سبحاني ما أعظم شأني)!!! ومن ومن؟..
أين أولياء الرحمن من أولياء الشيطان.. شتان.. شتان..!!!

الفصل الثاني عشر
ختم الولاية
نشأ في الفكر الصوفي منذ القرن الثالث الهجري دعوى كاذبة وهي أن الأولياء يختمون كما أن الأنبياء لهم نبي خاتم. وأول من أظهر هذه الفكرة ودعا رجل يسمى محمد بن علي بن الحسن الترمذي -ويسمونه الحكيم- وجد في أواخر القرن الثالث الهجري وهو مجهول سنة الولادة والوفاة. ولقد ألف كتاباً في هذا أسماه (ختم الأولياء) يقول في هذا الكتاب المذكور؛
"وما صفة ذلك الولي، الذي له إمامة الولاية ورياستها وختم الولاية؟
قال: ذلك من الأنبياء قريب، يكاد يلحقهم.
قال: فأين مقامه؟
قال: في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحاً في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي.
قال:وما خزائن السعي؟
قال: إنما هي خزائن ثلاث: خزائن المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا خاتم الأولياء مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب: فهو في السعي أبداً فمرتبته ههنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشف له الغطاء عن مقام الأولياء ومراتبهم وعطاياهم وتحفهم" (ختم الولاية).
وقد تدرج الترمذي هذا في دعواه تلك تدرجاً إبليسياً خبيثاً حيث هو يجابه العالم الإسلامي بمثل هذه العقيدة الفاسدة، فيتذرع لنشر عقيدته الباطلة بتحريف النصوص القرآنية والحديثية فيزعم أن للأولياء البشرى في الحياة الدنيا مستدلاً بقوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون* لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} (يونس:62-64). وأن الرسول بشر بعض أصحابه بالجنة، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر البشرى باقية في الرؤيا، أقول.. يتذرع الترمذي بهذه النصوص من القرآن والسنة الصحيحة ليبث في عقائد المسلمين أن الولاية لا تنقطع وأن فضل الله على هذه الأمة لا يتوقف، وأن البشرى باقية بعد الرسالة، وأن الأولياء يصلون إلى معرفة الحق لأن الله في زعمه كشف عنهم الحجاب كلها ويقول في هذا الشأن بالنص:
"فهذه الطبقة التي يكبر في صدورهم (يعني علماء السنة الذين ينكرون هذه الترهات والأكاذيب) بلوغ الأولياء هذا المحل من ربهم فيدفعون هذا لجهلهم، لا يعلمون أن لله عباداً أغرقوا في بحر جوده، فجاد عليهم، بكشف الغطاء عن قلوبهم، عن عجائب، وأطلعهم من ملكه ما نسوا في جنبه كل مذكور، حتى تنعموا به في حجبه الربانية" (ختم الأولياء ص386).
ثم يستطرد الترمذي أيضاً عائباً على من يعيب على المتصوفة هذه الدعاوي الباطلة فيسميهم علماء حطامين أي أهل دنيا، وتارة بلعامين -نسبة إلى بلعام بن باعوراء- اليهودي الذي يذكر المفسرون أن الله أنزل في شأنه {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} (الأعراف:175).
ثم يدعي الترمذي بعد ذلك للأولياء أنهم يخبرون ويغترفون مما يغترف منه الأنبياء. وأن الأولياء يبشرون (بالبناء للمجهول) كما يبشر الأنبياء ويرد على من يحتج عليهم أيضاً بقوله تعالى {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} انظر إليه يقول:
"فإذا ذكر شأن الأولياء قدروا أحوالهم على ما يرون من أمور نفوسهم فكذبوا نعم الله تعالى، ودفعوا منه وجهلوا أمره. فهذا من أعظم الفرية على الله تعالى..
قال له قائل: فإن بعضهم احتج بقوله (تعالى): {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} (.. وقال: إن الأمن من مكر الله أو ضلال هذه الطبقة، وهذا يؤدي إلى الزندقة). - وقال تعالى {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون}..
والمحبة والسعادة والشقاوة غيب عند الله تعالى، لا يعلم إلا هو، .. وزعم أنك ناظرت  يحيى بن معاذ في ذلك حتى بقي متحيراً.. وأن هذه الطبقة تقدم نفسها على الأنبياء..
قال له: أما قوله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} فهذا قوله تعالى، لا ريب فيه ولا في قبوله. وهو أنه لا يعلم ما حاله عند الله تعالى فإن أمن فهو خاسر جاهل. كأنه حكم على الله من غير أن يحكمه. فأما من بشره الله فرد بشراه فقد اجترم، كما اجترم ذلك الآخر، فهذا من ذلك الوجه، فحق على من لا يعلم، أن لا يأمن، وحق على من أمن أن يأمن، فليس الأنبياء عليهم السلام كانوا يؤمنون (من أنفسهم) ولكن لما أُمِّنوا أَمِنُوا والأنبياء لهم عقدة النبوة والأولياء لهم عقدة الولاية.." أ.هـ (ختم الأولياء ص387-388).
ويستطرد الترمذي مجيباً في زعمه على من يقول للمتصوفة في دعاواهم هذه أن هذا ادعاء لعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله، فيجيب الترمذي على ذلك بجواب عجيب حيث يقول:
"وأما قوله {لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} فعلم الغيب عند الله، وكم من غيب أطلع الله عليه رسوله فأية حجة في هذا؟ وإنما يريد أن يروج بمثل هذا الأغبياء. وكم من غيب أطلع الله عليه أهل الإلهام حتى نطقوا به وأهل الفراسة..".
وبالطبع يمهد الترمذي لهذا كله الذي يهدم به الدين من أساسه بأن الله في زعمه قد أعطاه الدليل على أن هذا الوحي المزعوم صدق، فيقول رداً على من ينكر ذلك عليهم:
"ويقال (له أيضاً): ما قولك في محدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال: رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني، لينقطع (الشك والاعتراض) فقال: آتيك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيتي الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت، وأجعل لك التراب والجو في يديك ذهباً.. ففعل هذا فهل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى، بعد ظهور هذه الآية أم لا؟ فإن قال: لا، فقد عاند واجترأ على الله وحلت به دائرة السوء. وإن قال: نعم. فقد ذهب قوله واحتجاجه الظلماني" (ختم الأولياء ص401).
ثم يبالغ الترمذي بعد ذلك في وصف هذا الولي المزعوم الذي يدعي أنه خاتم الأولياء فيقول في ص406 من المصدر المذكور (ختم الأولياء): "فهذا سيد الأولياء وأمان أهل الأرض ومنظر أهل السماء، وخالصة الله وموضع نظره وسوطه في خلقه" أ.هـ
وأن هذا الذي حصل عليه ذلك الولي إنما كان باجتباء من الله ومنة منه فهو الذي جذبه إليه، وأراد به ذلك.. ثم يسأل الترمذي سؤالاً يجيب عنه وهو كيف تقدم الختم هذا الأولياء فيقول (ختم الأولياء ص421):
"قال: فيم تقدم الأولياء واحتاجوا إليه؟
قال: بأن أعطي ختم الأولياء. فبالختم تقدمهم، فصار حجة الله على أوليائه، وقد ذكرت في أول الكتاب سبب الختم.. (وهو) أن النبوة أعطيت الأنبياء عليهم السلام، ولم يعطوا الختم فلم تخل تلك الحظوظ من هنات النفس ومشاركتها، وأعطي نبينا وختمت له نبوته. كالعهد الذي يكتب ثم يختم، فلا يصل أحد إلى أن يزيد فيه ولا أن ينقص منه، وقد وصفت شأنه فيما تقدم.
وكذلك هذا الولي سير به (الله تعالى) على طريق محمد صلى الله عليه وسلم، بنبوته، مختوماً بختم الله، فكما كان محمد صلى الله عليه وسلم حجة على الأنبياء فكذلك يصير هذا الولي حجة على الأولياء، أعطيتكم ولايتي فلم تصونوها من مشاركة النفس. وهذا أضعفكم وأقلكم عمراً قد أتى بجميع الولاية صدقاً، فلم يجعل للنفس فيها نصيباً ولا تلبيساً.
وكان ذلك في الغيب من منة الله تعالى على هذا العبد، حيث أعطاه الختم لتقر به عين محمد صلى الله عليه وسلم، في الموقف حتى قعد الشيطان في معزل، وليست النفس فبقيت محجوبة، فيقر له الأولياء يومئذ بالفضل عليهم. فإذا جاءت تلك الأهوال لم يك مقصراً. وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالختم فيكون أماناً لهم من ذلك الهول. وجاء هذا الولي بختمه فيكون أماناً لهم بصدق الولاية، فاحتاج إليه الأولياء.." أ.هـ
وهكذا يجعل الترمذي لهذا الولي المزعوم ما جعله الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وصدق الله سبحانه وتعالى في شأن المشركين {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة} (المدثر:52).
وهؤلاء الزنادقة يريد كل منهم أن يوحى إليه كما يوحى إلى الرسول، بل لم يتركوا فضلاً مما فضل الله به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا انتحلوه لأنفسهم بل زادوا عليه، واحتقروا منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المنازل التي يزعمون أن الله قد بلغهم إياها.
لقد وضع الترمذي المسمى بالحكيم في الكتاب (ختم الولاية) بذور الشر الكبرى في الفكر الصوفي، وكل الذين جاؤوا بعده إنما هم عيال عليه وتبع له في كل هذا الباطل الذي بثه في كتابه، وخاصة في  مسألة الختم الولاية فلم يأت متصوف بعد الترمذي هذا من مشهوري المتصوفة إلا وادعى ختم الولاية لنفسه. وها أنذا أسوق بعضاً من ذلك.
ابن عربي وختم الولاية:
يقول ابن عربي المتوفي سنة 638هـ مدعياً لنفسه ختم الولاية:
"وأما ختم الولاية المحمدية فهي لرجل من العرب. من أكرمها أصلاً ويداً. وهو في زماننا اليوم موجود. عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه من عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه –وهو خاتم النبوة المطلقة- لا يعلمها كثير من الناس وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به. وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم نبوة الشرائع كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الورث المحمدي لا التي تحصل من سائر الأنبياء فإن من الأولياء من إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوحدون بعد الختم المحمدي، وبعده فلا يوجد ولي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، هذا معنى خاتم الولاية المحمدية" (الفتوحات ج2 ص49).
ويقول في موضع آخر من فتوحاته الضالة: "ومنهم (يعني الأولياء) الختم، وهو واحد لا في كل زمان، بل واحد في العالم يختم الله به الولاية المحمدية فلا يكون في الأولياء المحمدية أكبر منه" (الفتوحات ج2 ص9).
وهذه العقيدة المفتراة التي لم يأت بها كتاب ولا سنة، وإنما افتراها الترمذي وجاء هؤلاء الملاحدة لينسجوا على منواله، وكل منهم يريد فيها شيئاً، فبالرغم من أن الترمذي لم يفضل خاتم الأولياء المزعوم هذا على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فإن ابن عربي جاء من بعده ليزعم أن خاتم الأولياء -يعني نفسه- أفضل من خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بناء على تفضيله الولي على النبي كما قال في شعره:
مقام النبوة في برزخ                 فويق الرسول ودون الولي
ويأتي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين].
فيزعم أن اللبنة التي رآها الرسول هي لبنة فضة، وأما خاتم الأولياء فإنه يرى أن الجدار قد نقص لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب،وأنه يرى نفسه قد انطبع موضع هاتين اللبنتين. يقول ابن عربي: "ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن، وقد كمل سوى موضع لبنة، فمكان الرسول صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها إلا كما قال: لبنة واحدة. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرى في الحائط موضع اللبنتين واللبن، من ذهب وفضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط".
والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضية، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام. كما هو آخذ عن الله، في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه - فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فصوص الحكم أ.هـ الفص الشيسي.
والذين جاؤوا بعد ابن عربي من المتصوفة السائرين في هذا الدرب المظلم رددوا هذه العقيدة في كتبهم وزاد كثير من مشايخهم فزعم لنفسه هذه الولاية الكبرى التي يتم بها -في زعمهم- الولاية، وقد تصدى الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى ورضي الله عنه لهذه المزاعم في أماكن كثيرة من كتبه ومن ذلك قوله:
"وكذا خاتم الأولياء لفظ باطل لا أصل له. وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي. وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حموي، وابن عربي، وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعاً في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء، فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن نقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم، بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم عمر اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما" (الفتاوي: ج11 ص444).
وقال رحمه الله أيضاً:
".. إن دعوى المدعي وجود خاتم الأولياء، على ما ادعوه، باطل لا أصل له، ولم يذكر هذا أحد من المعروفين قبل هؤلاء إلا أبو عبدالله محمد بن علي  الترمذي الحكيم في كتاب (ختم الولاية) وقد ذكر في هذا الكتاب وهو خطأ وغلط مخالف للكتاب والسنة والإجماع. وهو رحمه الله تعالى وإن كان فيه فضل ومعرفة، ومن الكلام الحسن المقبول والحقائق النافعة أشياء محمودة (قلت: رحم الله ابن تيمية: أي شيء محمود في كتابه وقد بناه من أوله لآخره على أن الأولياء معصومون، وأن الله هو يختصهم ويختارهم، وأن التكليف ليس شرطاً في ولايتهم، وأنهم يعلمون الغيب كله.. بل أسس في كتابه ختم الولاية كل أصول الشر لمن جاء بعده)، ففي كلامه من الخطأ ما يجب رده.
ومن أشنعها ما ذكره في ختم الولاية: مثل دعواه فيه أنه يكون في المتأخرين من درجته عند الله أعظم من درجة أبو بكر وعمر وغيرهما: ثم إنه تناقض في موضع آخر، لما حكى عن بعض الناس، أن الولي يكون منفرداً عن الناس، فأبطل ذلك واحتج بأبي بكر وعمر وقال: يلزم هذا أن يكون أفضل من أبي بكر وعمر" (وأبطل ذلك).
ومنها أنه ذكر في كتابه ما يشعر أن ترك الأعمال الظاهرة، ولو أنها التطوعات المشروعة، أفضل في حق الكامل ذي الأعمال القلبية، وهذا أيضاً خطأ عند أئمة الطريق. فإن أكمل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وما زال محافظاً على ما يمكنه من الأوراد والتطوعات البدنية إلى مماته..
وقال أيضاً:
"ومنها ما ادعاه من خاتم الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم خاتم الأنبياء مع الأنبياء، وهذا ضلال واضح، فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأمثالهم، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما ثبت ذلك بالنصوص المشهورة، وخير القرون قرن صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح: [خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]..
ولفظ خاتم الأولياء لا يوجد في كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله، وموجب هذا اللفظ أنه آخر مؤمن تقي، (ومهما يكن الأمر) فإن الله يقول: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} الآية.، فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً. وهم على درجتين: السابقون المقربون وأصحاب اليمين المقتصدون، كما قسمهم الله تعالى في سورة فاطر وسورة الواقعة والإنسان والمطففين..
وإذا كان خاتم الأولياء آخر مؤمن تقي في الدنيا، فليس ذلك الرجل أفضل الأولياء ولا أكملهم، بل أفضلهم وأكملهم سابقوهم، الذين هم أخص بأفضل الرسل من غيرهم..".
وقد رد الإمام ابن تيمية رحمه الله أيضاً على ما ادعاه الترمذي (الحكيم) في ثبوت العصمة للأولياء بقوله:
".. وإن طائفة تدعي على أن الولي محفوظ وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة -والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا- فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع، ولهذا اتفق المسلمون على أن من الناس من يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.. وبهذا صار جميع الأولياء مفتقرين إلى الكتاب والسنة، لا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول فما وافق آثار الرسول فهو الحق وما خالف ذلك فهو باطل..".
وقال أيضاً: "ثم إن صاحب الفصوص (يعني ابن عربي) وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا وساطة والنبي يأخذ بوساطة الملك. ولهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بوساطة الرسول وإن كان محدثاً (يشير الإمام ابن تيمية بقوله (محدثاً) إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول [قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منم واحد، فإن عمر بن الخطاب منهم] قال ابن وهب: تفسير محدثون أي ملهمون (متفق عليه))، فقد ألقي إليه بشيء وجب عليه أن يزنه بما جاء الرسول من الكتاب والسنة" أ.هـ
ولا يظنن ظان أن قول الإمام ابن تيمية أن الولي يكون (محدثاً) أن الله يكلمه، وإنما ذلك مجرد الإلهام الذي لا يستطيع الولي بأن يجزم بأنه من الله أو من الشيطان إلا بعرضه على ميزان الكتاب والسنة. وباطمئنان قلب المؤمن المتبع لشرع الله إلى مثل هذا الإلهام، وأما هذه المخاريق والخزعبلات والكفر والزندقة التي جاء بها المتصوفة فليست إلا وساوس شياطين إذ كيف يكون إلهاماً من الله وهو يدعي أنه خاتم الأولياء وأنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يعلم الغيب كله وأنه يتصرف في الأكوان.. الخ هذه الكفريات. ولذلك قال الإمام ابن تيمية في هذا الصدد:
"والأولياء وإن كان فيهم محدث، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [إنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم فعمر] فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو صديق، والمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة فإنه ليس بمعصوم.." أ.هـ
ولا شك بعد هذا أن دعوى ختم الولاية هي من الكفر الصريح الذي لا يجوز أن يماري فيها مؤمن يعي عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما إذا انضاف إلى ذلك الزعم بتفضيل خاتم الأولياء هذا على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. وقد نص ابن تيمية رحمه الله في مواطن كثيرة على كفر من زعم ذلك كقوله:
"ومن الأنواع التي في دعواهم، أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من بعض الوجوه، فإن هذا لم يقله أبو عبدالله الحكيم الترمذي (قلت: حقاً لم يقل هذا نصاً ولكن ما وصف به خاتم الأولياء المزعوم يجعله في منزلة فوق النبي نفسه) ولا غيره من المشايخ المعروفين. بل الرجل أجل قدراً وأعظم إيماناً من أن يفتري هذا الكفر الصريح ولكن أخطأ شبراً ففرعوا على خطئه ما صار كفراً.
وأعظم من ذلك زعم (ابن عربي) أن الأولياء والرسل، من حيث ولايتهم، تابعون لخاتم الأولياء وأخذوا من مشكاته. فهذا باطل بالعقل والدين فإن المتقدم لا يؤخذ من المتأخر، والرسل لا يأخذون من غيرهم، وأعظم من ذلك أنه جعلهم تابعين له في العلم بالله، الذي هو أشرف علومهم، وأظهر من ذلك أنه جعل العلم بالله هو مذهب أهل وحدة الوجود، القائلين بأن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق!
فليتدبر المؤمن هذا الكفر القبيح درجة بعد درجة (!!..).
فقد زعم أنه أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن تقدمه عليه بالعلم بالله، وتقدم خاتم الأنبياء بالتشريع فقط. وهذا من أعظم الكفر الذي يقع فيه غالية المتفلسفة، وغالية المتصوفة، وغالية المتكلمة، الذين يزعمون أنهم في الأمور العلمية أكمل من الرسل.. وأن الرسل إنما تقدموا عليهم بالتشريع العام الذي جعل لصلاح الناس في دنياهم. وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية، وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العليا في الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء" (حيق مذهب الاتحاديين لابن تيمية ص115-123).
وأظن بعد هذا الكلام الصريح الواضح والدليل الناصع لا يرتاب مسلم مؤمن بالله في كفر هذه الطائفة المارقة التي فتحت الباب لكل زندقة وكفر ليدخل دين الإسلام، وللأسف إن ذلك كل يحدث باسم التقوى والصلاح والزهد والتصوف والتعبد وإصلاح القلوب، والوصول إلى غاية الدين. وهؤلاء المتصوفة في حقيقة أمرهم متبعون في دينهم للملاحدة الذين أرادوا هدم الدين.. واقرأ ما يقوله ابن تيمية أيضاً في ذلك:
"ولهذا كان الملاحدة من المتصوفة على طريقهم، كابن عربي وابن سبعين وغيرهما، قد سلكوا مسلك ملاحدة الشيعة، كأصحاب رسائل إخوان الصفا واتبعوا ما وجدوه من كلام صاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها وغير ذلك مما يناسب ذلك، فصار بعضهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقه. فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زَرَّبَ ابن آمنة (ضيق على الناس ويعني بابن آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، حيث قال [لا نبوة بعدي]"! أو يرى، لكونه أشد تعظيماً للشريعة، أن باب النبوة قد أغلق؛ فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء. ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا، وأنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول..
فمحمد عندهم يأخذ من الملك الذي هو عندهم خيال في نفسه، وذلك الخيال يؤخذ عن العقل. فمحمد عندهم يأخذ عن جبريل وجبريل يأخذ عن ما علمه من النفس الفلكية، فزعم ابن عربي أنه يأخذ من العقل، وهو المعدن الذي يأخذ منه جبريل فإن ابن عربي وهؤلاء يعظمون طريق الكشف والمشاهدة والرياضة والعبادة، ويذمون طرق النظر والقياس وما يدعونه من الكشف والمشاهدة، عامته خيالات أنفسهم، ويسمونه حقيقة.." (الرد على المنطقيين، لابن تيمية ص486-489).
محمد عثمان الميرغني وختم الولاية:
وممن ادعى ختم الولاية لنفسه محمد عثمان الميرغني السوداني المتوفي سنة 1268هـ.
والذي كان يقول عن نفسه "من رآني ومن رأى من رآني إلى خمسة لم تمسه النار! ولا حرج على ذلك فإن الله يختص برحمته من يشاء" (انظر تاج التفاسير لمحمد عثمان الميرغني ص4).
وسمى نفسه الختم، أو خاتم الأولياء، وجعل هذا الاسم أيضاً علماً على طريقته الصوفية حيث سماها (الختمية) أي خاتمة الطرق جميعاً!! ومما يدعيه في تفضيل نفسه على سائر الأمة جميعاً بمن فيهم أبو بكر عمر ما يقوله في كتابه الذي سماه تاج التفاسير ص137 عند قوله تعالى: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس} يقول:
"ولما وصلت في التفسير إلى هذا الموضع رأيت في تلك الليلة المصطفى صلى الله عليه وسلم في محفل من الرسل الكرام ويقول لي الأنبياء من نوري، وطارت نقطة نور منه فتخلق منها صورة سيدنا إسماعيل الذبيح فقال لي هكذا خلقوا من نوري والأولياء من نور الختم ثم رأيته تلك الليلة عن يمينه جبريل وعن يده اليسرى ميكائيل وأمامه الصديق وخلفه الإمام علي، فقال لي صلى الله عليه وسلم بعد أن دنوت منه وقبلت جبهته الكريمة: ما قام بأمر الله والمؤمنين أحد بعدي مثلك شكر الله سعيك فقلت له يا رسول الله، فقال تعبت في المؤمنين ونصحتهم ما تعب فيهم أحد بعدي مثلك فقلت له أأرضاك ذلك؟ قال أرضاني وأرضى الله من فوق سبع سماواته وعرشه وحجبه. ثم نادى رضوان فقال يا رضوان: عمر جناناً ومساكن لابني محمد عثمان وأبنائه وصحبه وأتباعه، وأتباع أتباعه إلى يوم القيامة: ثم قال يا مالك فحضر فقال عمر: في النار مواضع لأعداء محمد عثمان إلى يوم القيامة. وأطال الكلام في الواقعة ونسأل الله التوفيق لشكر النعم بحق المصطفى صاحب الأسرار الجامعة" أ.هـ منه بلفظه..
وفي هذه الرؤيا المزعومة كل الكفر والشرك. فالأنبياء لم يخلقوا من نور الرسول كما زعم في رؤياه بل النبي صلى الله عليه وسلم بشر كسائر الناس في البشرية لقوله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} (الكهف:110).
فليس مخلوقاً من نور كما زعموا بل من يقول هذا يجعل الرسول جزءاً من الله وهذا كفر كما قال الله للمشركين: {وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين}.
فمن قال إن الرسول خلق من نور الله فهو كافر، ومن قال أيضاً خلق من نور عرش الله فهو كافر متقول على الله ما لم يقل، متقول على رسول الله ما لم يقله. وأما الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله والذي فيه أن جابراً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أول خلق الله؟ فقال: نور نبيك يا جابر، فهو حديث موضوع باتفاق أئمة الحديث جميعاً على وضعه وأنه كذب محض مخالف لما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أن أول شيء خلقه الله سبحانه وتعالى هو القلم فقال له اكتب. قال وما أكتب؟ قال اكتب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. (متفق عليه)، وأما قوله الأولياء قد خلقوا من نور الختم!! يعني محمد عثمان الميرغني فهذا ليس كذباً فقط ولكنه كذب وصفاقة وسخافة تضحك العقلاء، فما النور الذي كان مع محمد عثمان حتى يخلق الله منه جميع الأولياء!! ومتى كان الأولياء قد خلقوا من نور، والملائكة هم الذين خلقهم الله من النور!! وأما الأولياء والأنبياء فبشر كالبشر فضلهم الله بعبادته وطاعته والإيمان به. وأما الإدعاء بأن الرسول قد أمر رضوان أن يبني لمحمد عثمان وأتباعه وذريته وأهل بيته.. الخ، هذه السخافات فشيء لم يدعيه الرسول لنفسه فضلاً عن أن يجعلها لرجل كان أهم ما امتاز به هو أن مهد الطريق للاستعمار الإنجليزي في السودان، واستطاع أن يأكل أموال الناس بالباطل بما لا مثيل له فقد استحوذ على أموال البسطاء والمساكين والفقراء.. وأن يتزوج مئات النساء وينجب عشرات الأطفال!! وأما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر مالكاً خازن النار أن يعمر مساكن لأعداء محمد عثمان إلى يوم القيامة.. هكذا.. فالنبي لا يأمر ملائكة الله من عند نفسه بل قال له سبحانه: {ليس لك من الأمر شيء}!! فلا يتصرف في الكون كما يزعمون، بل الرسول عبد كامل العبودية لربه سبحانه وتعالى يتصرف بأمر مولاه وهو أجل وأعظم صلى الله عليه وسلم أن يأتي لرجل في المنام ويعطيه الجنة كما يشاء له ولذريته وأتباعه، ويعطي النار لأعدائه.. هكذا.. وأين الله سبحانه وتعالى أن يتصرف مخلوق في ملكه كما يشاء المخلوق.. ودون الرجوع إلى الخالق سبحانه وتعالى. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وحاشا الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفتريه عليه المفترون.. وهؤلاء يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم [من أرى عينيه ما لم  تراءيا أمر يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل].
أي أن من قال: رأيت في النوم كذا وكذا وليس بذلك فهذا قد رأى في عينه ما لم ترءيا، وإن كان رأى حقاً فإنما ذلك من الشيطان حتماً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأت بعد مماته بما يخلف شريعته في حياته صلى الله عليه وسلم.
أحمد التجاني وختم الولاية:
وممن ادعى لنفسه ختم الولاية أيضاً بصفاقة ليس بعدها صفاقة أحمد التجاني الفاسي المتوفي سنة 1230هـ وهذا التجاني جاء ليكذب جميع الذين ادعوا الختمية قبله على ألف سنة تقريباً. فإذا كان أول من ادعاها هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي المسمى بالحكيم وكان ذلك في أواخر القرن الثالث الهجري فقد جاء التجاني في القرن الثالث عشر ليكذب جميع الذين ادعوا الختمية قبله وليزعم لنفسه أن الله قد ختم الأولياء به حقاً وصدقاً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشره بذلك.
قال صاحب كتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الشيطان الرجيم:
"قال صاحب الرماح ما نصه: وشيخنا التجاني ولد عام خمسين ومائة وألف ووقع له الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً بتربية الخلق على العموم والإطلاق سنة ألف ومائة وست وتسعين، قال أخبرني سيدي محمد الغالي أن الشيخ عاش وهو في مرتبة الختمية ثلاثين سنة وإذا تأملت هذا علمت أن الختمية لم تثبت لأحد قبل شيخنا وأن أحداً ما ادعاها وثبت على ادعائها لنفسه وأما شيخنا وسيدنا ووسيلتنا إلى ربنا سيد أحمد بن محمد الشريف الحسني التيجاني قال: أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني أنا القطب المكتوم منه إلي مشافهة يقظة لا مناماً فقيل له ما معنى المكتوم؟ فقال هو الذي كتمه الله تعالى عن جميع خلقه حتى الملائكة والنبيين إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم فإنه علم به وبحاله وهو الذي حاز كل ما عند الأولياء من الكمالات الإلهية واحتوى على جميعها وأكبر من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله ثلاثمائة خلق من تخلق بواحد منها أدخله الله الجنة وما اجتمعت في نبي ولا ولي إلا في سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وأما الأقطاب الذين بعده حتى الحجة العظمى ابن عربي الحاتمي فإنما يعلمون ظواهرها فقط ويسمون المحمديين وبه ختم الله الأقطاب المجتمعة فيهم الأخلاق والإلهية وهذه الأخلاق لا يعرفها إلا من ذاقها ولا تدرك بالوصف ولا يعرف ما فيها إلا بالذوق وقال إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذات الأنبياء تتلقاه ذاتي ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة قال أنا سيد الأولياء كما كان صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء" أ.هـ منه.
وهكذا تعلم أخي المسلم ما يتمتع به هؤلاء القوم من صفاقة وكذب سبقوا به الأولين والآخرين فهؤلاء هم يكذب بعضهم بعضاً، ويدعي كل منهم لنفسه ختم الولاية وهو شيء لم يأت في كتاب ولا سنة وإنما افتراه لهم مفتر فتتابعوا وراءه على مدى ألف ومائة سنة إلى اليوم لم أقرأ عن شيخ صوفي مشهور إلا ادعى هذا لنفسه ولكنني لم أجد أكثر كذباً وصفاقة من هذا أحمد التجاني الذي ادعى أنه قد تحقق بكل الأخلاق الإلهية وعددها ثلاثمائة خلق ولما يتحقق بها إلا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كذا، وجميع الأولياء عرفوا ظاهرها فقط وأما أحمد التيجاني (الكذاب) فقد تحقق بها تماماً، ثم تسأل أخي المسلم ما هي هذه الأخلاق فيقال لك إنها أخلاق ذوقية لا يعرفها إلا من ذاقها فقط كيف تكون  الأخلاق أذواقاً يا قوم، وكيف تكون هذه هي أخلاق الله التي تخلق بها أحمد التجاني حقاً وصدقاً!!..
إن هذا المفتري لم يترك فرية من الفرى والأكاذيب التي افتراها من قبله على هذا الطريق الهالك طريق التصوف إلا افتراها هو لنفسه فقد زعم هنا أيضاً أن الله ينزل الفيوض (العلوم الغيبية) على الرسول محمد وأن الرسول محمد هو الذي يفاض منه على سائر الأنبياء، ثم يفاض من الأنبياء جميعاً على شخص أحمد التجاني فقط الذي يقوم بإمداد جميع الأولياء. بعد ذلك بهذه العلوم منذ خلق آدم وحتى النفخ في الصور!! انظر إلى هذا الكذب الملفق ما أعظمه وأشنعه. لقد افترى الفرية رجال قبله فلم يهدأ له بال حتى نسب ذلك إلى نفسه. انظر هنا إلى النص الآتي كيف يناقش من يذكر أمامه فضيلة من الفضائل المزعومة أيضاً لشيخ من شيوخ التصوف. قال صاحب الرماح أيضاً ما نصه:
"ومدده الخاص به (يعني الشيخ التجاني) إنما يتلقاه منه صلى الله عليه وسلم ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشرباً معهم منه صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به مشيراً بإصبعه السبابة والوسطى روحي وروحه صلى الله عليه وسلم هكذا، روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد وسبب ذلك أن بعض أصحابه تحاور مع بعض الناس في قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به كل شيوخ أخذوا عني في الغيب فحكي له ذلك فأجاب رضي الله عنه وأرضاه وعنا به ما ذكر.
وقال: نسبة الأقطاب معي كنسبة العامة مع الأقطاب وقال الشيخ عبدالقادر الجيلاني قال قدمي هذا (كذا) على رقبة كل ولي لله تعالى يعني أهل عصره وأما أنا فقدماي هاتان جميعها (وكان متكئاً فجلس وقال) على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور" أ.هـ..
فانظر هذا الكذب والإفتراء. فإذا كان الجيلاني قد نسب إليه قوله مفصلاً لنفسه: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى!! فإن التجاني لم يهدأ باله حتى فسر كلام الجيلاني بأن هذا في وقته فقط وأما هو فقدماه على رقبة كل ولي لله تعالى من خلق آدم إلى النفخ في الصور!! فانظر إلى هؤلاء الذين يدوسون بأقدامهم على أولياء الله تعالى ويفضلون أنفسهم على هذا النحو. وهذه الكلمات منهم إن دلت على شيء فإنما تدل على مقدار الوقاحة والكذب الذي تحلى به هؤلاء، وعلى مقدار الجهل والفساد والتردي الذي وصلت إليه الأمة بأن تجعل أمثال هؤلاء المفترين الوقحين هم سادتها وقادتها ووسيلتها إلى الله وأن تملك رقابها وأموالها وعقولها لأمثال هؤلاء حيث يقودونهم إلى درب الغواية والضلال.
وقد قسم الجيلاني هذا مراتب الأولياء والأنبياء إلى سبع مراتب سماها حضرات قال فيها: الحضرة الأولى: الحقيقة المحمدية. قال: وهذه الحضرة غيب من غيوب الله تعالى لم يطلع عليها أحد ولا عرف شيئاً من علومها وأسرارها وتجلياتها وأخلاقها ولو كان من الرسل والأنبياء لأنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والثانية الحضرة المحمدية وتمثلها الدائرة الثانية ومن هذه الحقيقة المحمدية مدارك النبيين والمرسلين وجميع الملائكة والمقربين وجميع الأقطاب والصديقين وجميع الأولياء والعارفين. والثالثة حضرة الأنبياء وتمثلها الدائرة الثالثة وأهل هذه الحضرة يتلقون علومهم وأحوالهم وتجلياتهم من هذه الحقيقة المحمدية وخاتم الأولياء أعني الشيخ التجاني له مشرب من هذه الحضرة مع الأنبياء فهو يتلقى المدد رأساً من النبي صلى الله عليه وسلم من حقيقته المحمدية بلا وساطة. الرابعة حضرة خاتم الأولياء وتمثلها الدائرة الرابعة وصاحب هذه الحضرة هو الشيخ أحمد التجاني فهو يتلقى كل ما فاض من ذوات الأنبياء زيادة على ما يتلقاه بلا وساطة من الحقيقة المحمدية ولذلك سمى نفسه (برزخ البرازخ).
وقال الشيخ التجاني: وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا وساطة وقال: أنا سيد الأولياء كما كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء. ثم قال صاحب الرماح "ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص لأن له مشرباً معهم منه صلى الله عليه وسلم"!!.
الحضرة الخامسة حضرة المتبعين للطريقة التجانية المتمسكين بها. قال الشيخ التجاني في حق أهل هذه الحضرة ما نصه "لو اطلع أكابر الأقطاب على ما أعد الله لأهل هذه الطريقة لبكوا وقالوا يا ربنا ما أعطيتنا شيئاً". وقال الشيخ التجاني لا مطمع لأحد من الأولياء في مراتب أصحابنا حتى الأقطاب الكبار ما عدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ التجاني: كل الطرائق تدخل عليه (كذا) طريقتنا فتبطلها وطابعنا يركب على كل طابع ولا يحمل طابعنا غيره وقال من ترك ورداً من أوراد المشايخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله تعالى على جميع الطرق أمنه الله في الدنيا والآخرة فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله ولا من رسوله ولا من شيخه أيا كان من الأحياء أو من الأموات.
وأما من دخل زمرتنا وتأخر عنها ودخل غيرها تحل به مصائب الدنيا وأخرى ولا يفلح أبداً (هامش: قلت فانظر كيف يهدم كل صاحب طريق صوفي طريق غيره من الكاذبين الضالين من أمثاله. واعتبر!!). ثم قال ناقلاً عن شيخه التجاني كما هو في جواهر المعاني: وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بلا حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا إلا أنا وحدي. ووراء ذلك مما ذكر لي فيهم وضمنه أمر لا يحل لي ذكره ولا يرى ولا يعرف إلا في الدار الآخرة بشرى للمعتقد علي رغم أنف المنتقد. ثم استطرد صاحب الرماح ومن هنا صار جميع أهل طريقته أعلى مرتبة عند الله تعالى في الآخرة من أكابر الأقطاب وإن كان بعضهم في الظاهر من جملة العوام المحجوبين.
الحضرة السادسة حضرة الأولياء وتمثلها الدائرة السادسة وهي مستمدة من حضرة خاتمهم الأكبر جميع ما نالوا (الهدية الهادية ص36).
انظر ماذا في هذه النصوص من الكفر الصريح والمخالفة الواضحة لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمعلوم من الدين ضرورة أن من قال أنا في الجنة فهو في النار كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا غيب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء لم يدعو الجنة لأنفسهم فقط بل ادعوها لكل من صدق أكاذيبهم ولو كان فاجراً عاصياً لله زيادة على الكفر بتصديقهم كأن يكون تارك الصلاة زانياً.. وجعل التجانية هذا، أعني إدخاله العصاة إلى الجنة، فضلاً أعطاه الله إياه وبلغه الرسول بذلك. فانظر.. أقول: العجيب بعد كل هذا الكفر البواح المخرج من ملة الإسلام أن يدعي المدعي أن طريقته هذه مبنية على الكتاب والسنة وأنه لم يأت قط بما يخالفها فانظر هذا التلبيس على الناس، وانظر أي فتنة فتن بها  المسلمون بهذا الطريق الصوفي!؟

الفصل الثالث عشر
الديوان الصوفي الذي يحكم العالم
إكمالاً لإحكام السيطرة الخرافية على العالم، اخترع رجال التصوف بخيالاتهم الشيطانية المريضة.. اخترعوا ديواناً للأقطاب والأوتاد وسائر صنوف الأولياء عندهم ينعقد في غار حراء، وفي أماكن أخرى أحياناً ليدير هذا الديوان العالم من خلال قراراته..
وقد كفانا أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي في كتابه الإبريز المؤنة وقد بسط وشرح بخيال لا يجارى، وبعقلية عندها قدرة عجيبة على الكذب والبهتان، هذا الديوان العجيب على الرغم من أنه غاية في الكفر والزندقة ولا يخلو من طرافة الخرافة. وسأحاول أن تكون تعليقاتي وشرحي لبعض ما جاء في هذا الديوان قليلة وذلك أنني أتصور وأعتقد أيضاً أن الفكرة السيئة يكفي لدحضها وبيان تفاهتها أن يعرفها الناس فلو أن الناس عرفوا الأفكار الصوفية على حقيقتها لما راج التصوف وقامت سوقه ولكن لأنه دائماً كان يغلف الخرافة والكفر والشرك بالرموز والأسرار، واللف والدوران مع ما يعلنه من التمسك بالكتاب والسنة جعل الناس يتهافتون على ما عندهم ظناً أن عندهم فعلاً علوماً جديدة وفوائد عظيمة ولكن لو أن الناس فهموا ما عند المتصوفة على حقيقته لتغير الحال. وهذا نمط من الأسرار الصوفية التي يدعي المتصوفة أنهم وصلوا إليها. يقول السلجماسي في وصف الديوان الباطني الصوفي ما يلي:
هيئة الديوان:
"الباب الرابع في ذكر ديوان الصالحين رضي الله عنهم أجمعين.
سمعت الشيخ (يعني بالشيخ عبدالعزيز الدباغ الأمي الجاهل الذي يدعي أنه قد علِم علمَ الأولين والآخرين جميعاً)، رضي الله عنه يقول الديوان يكون بغار حراء الذي كان يتحنف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة قال رضي الله عنه فيجلس الغوث خارج الغار ومكة خلف كتفه الأيمن والمدينة أمام ركبته اليسرى وأربعة أقطاب عن يمينه وهم مالكية على مذهب مالك بن أنس رضي الله عنه وثلاثة أقطاب عن يساره واحد من كل مذهب ومن المذاهب الأخرى والوكيل أمامه ويسمى قاضي الديوان وهو في هذا الوقت مالكي أيضاً من بني خالد القاطنين بناحية البصرى واسمه سيدي محمد بن عبد الكريم البصراوي ومع الوكيل يتكلم الغوث ولذلك يسمى وكيلاً لأنه ينوب في الكلام عن جميع من في الديوان. قال والتصرف للأقطاب السبعة على أمر الغوث وكل واحد من الأقطاب السبعة تحته عدد مخصوص يتصرفون تحته والصفوف الستة من وراء الوكيل وتكون دائرتها من القطب الرابع الذي على اليسار من الأقطاب الثلاثة فالأقطاب السبعة هم أطراف الدائرة وهذا هو الصف الأول وخالطه الثاني على صفته وعلى دائرته وهكذا الثالث إلى أن يكون السادس آخرها. قال ويحضره النساء وعددهن قليل وصفوفهن ثلاثة وذلك في جهة الأقطاب الثلاثة التي على اليسار فوق دائرة الصف الأول فسحة هناك بين الغوث والأقطاب الثلاثة قال رضي الله عنه ويحضره بعض الكمل من الأموات ويكونون في الصفوف مع الأحياء ويتميزون بثلاثة أمور أحدها أن زيهم لا يتبدل بخلاف زي الحي وهيئته فمرة يحلق شعره ومرة يحدد ثوبه وهكذا. وأما الموتى فلا تتبدل حالتهم فإذا رأيت في الديوان رجلاً على زي لا يتبدل فاعلم أنه من الموتى كأن تراه محلوق الشعر ولا ينبت له شعر فاعلم أنه على تلك الحالة مات، وإن رأيت الشعر على رأسه على حاله لا يزيد ولا ينقص ولا يحلق فاعلم أنه ميت وأنه مات على تلك الحالة، ثانيها أنه لا تقع معهم المشاورة في أمور عالم الأموات قال رضي الله عنه ومن آداب زائر القبور إذا أراد أن يدعو لصاحب القبر ويتوسل إلى الله تعالى بولي من أوليائه في إجابة دعوته أن يتوسل إليه تعالى بولي ميت فإنه أنجع للمقصود وأقرب لإجابة دعوته. ثالثها أن ذات الميت لا ظل لها فإذا وقف الميت بينك وبين الشمس فإنك لا ترى له ظلاً وسره أنه يحضر بذات روحه لا بذاته الفانية الترابية وذات الروح خفيفة لا ثقيلة وشفافة لا كثيفة قال لي رضي الله عنه وكم مرة أذهب إلى الديوان أو إلى مجمع من ملجأ الأولياء وقد طلعت الشمس فإذا رأوني من بعيد استقبلوني فأراهم بعين رأسي متميزين هذا بظله وهذا لا ظل له. قال رضي الله عنه والأموات الحاضرون في الديوان ينزلون إليه من البرزخ يطيرون طيراً بطيران الروح فإذا قربوا من موضع الديوان بنحو مسافة نزلوا إلى الأرض ومشوا على أرجلهم إلى أن يصلوا إلى الديوان تأدباً مع الأحياء وخوفاً منهم. قال وكذا رجال الغيب إذا زار بعضهم بعضاً فإنه يجيء بسير روحه فإذا قرب من موضعه تأدب ومشى مشي ذاته الثقيلة تأدباً وخوفاً. قال وتحضره الملائكة وهم من وراء الصفوف ويحضر أيضاً الجن الكمل وهم الروحانيون وهم من وراء الجميع وهم لا يبلغون صفاً كاملاً قال رضي الله عنه وفائدة حضور الملائكة والجن أن الأولياء يتصرفون في أمور تطيق ذواتهم الوصول إليها وفي أمور أخرى لا تطيق ذواتهم الوصول إليها فيستعينون بالملائكة وبالجن في الأمور التي لا تطيق ذواتهم الوصول إليها" أ.هـ منه بلفظه (الإبريز ص163،164).
الغوث الصوفي هو بمنزلة رب الأرباب عندهم أو كبير المتصوفين في هذا العالم، وهناك عدد كبير جداً من المتصوفة زعم أنه وصل إلى هذه المرحلة (الغوثية أو القطبية والقطبانية الكبرى) منهم الدباغ هذا وكان أمياً جاهلاً لا يحفظ حزباً من القرآن الكريم (وانظر معنى الغوث في فصل الولاية الصوفية) وجعلوا هذا الغوث الذي يدبر العالم من غار حراء جعلوا في خدمته الأقطاب والأوتاد والنجباء وسائر الأولياء بل والملائكة والجن أيضاً.. ولم يقصروا الحضور على الأحياء فقط بل جعلوا الحضور للأموات أيضاً..
زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان:
ولم يكتف هؤلاء الشياطين بأنفسهم لحضور هذه الخيالات حتى زعموا أيضاً أن الرسول يحضر معهم: قال (أي الدباغ): "وفي بعض الأحيان يحضره النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أحضر عليه السلام جلس في موضع الغوث وجلس الغوث في موضع الوكيل للصف، وإذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم جاءت معه الأنوار التي لا تطاق دائماً وهي أنوار محرقة مفزعة قاتله لحينها، وهي أنوار المهابة والجلالة والعظمة حتى إننا لو فرضنا أربعين رجلاً بلغوا في الشجاعة مبلغاً لا مزيد عليه ثم فجؤوا بهذه الأنوار فإنهم يصعقون لحينهم إلا أن الله تعالى يرزق أولياءه القوة على تلقيها ومع ذلك فإنه قليل منهم هو الذي يضبط الأمور والتي صدرت في ساعة حضوره صلى الله عليه وسلم. قال وكلامه صلى الله عليه وسلم مع الغوث قال وكذلك الغوث إذا غاب صلى الله عليه وسلم تكون له أنوار الخارقة حتى لا يستطيع أهل الديوان أن يقربوا منه بل يجلسون منه على بعد فالأمر الذي ينزل من عند الله تعالى لا تطيقه ذات إلا ذات النبي صلى الله عليه وسلم وإذا خرج من عنده صلى الله عليه وسلم فلا تطيقه ذات إلا ذات الغوث ومن ذات الغوث يتفرق على الأقطاب السبعة ومن الأقطاب السبعة تفرق على أهل الديوان" أ.هـ منه بلفظه (الإبريز ص164).
ساعة انعقاد الديوان:
ويستطرد السلجماسي قائلاً: "وأما ساعة الديوان سبق الكلام عليها وإنها هي الساعة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم وإنها هي ساعة الاستجابة من ثلث الليل الأخير التي وردت بها الأحاديث كحديث: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له... الحديث. قلت ومن أراد أن يظفر بهذه الساعة فليقرأ عند إرادة النوم {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً..} إلى آخر السورة ويطلب من الله تعالى أن يوقظه في الساعة المذكورة فإنه يفيق فيها ذكره الشيخ عبدالرحمن الثعالبي رضي الله عنه وقد جربناه ما لا يحصي وجربه غيرنا حتى إنه وقع لجماعة غير مأمورة أن يقرأوا الآية المذكورة ويطلبوا من الله تعالى الإفاقة في الساعة المذكورة كل منهم يفعل ذلك في خاصة نفسه من غير أن يعلم به صاحبه وإذا أفاقوا أفاقوا جميعاً في وقت واحد" انتهى منه بلفظه (الإبريز ص164).
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان:
ويستمر السلجماسي في خيالاته الشيطانية فيقول: "وسألته رضي الله عنه هل يحضر الديوان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وغيرهما من الرسل على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام فقال رضي الله عنه يحضرونه في ليلة واحدة في العام قلت فما هي قال في ليلة القدر فيحضره في تلك الليلة الأنبياء والمرسلون ويحضره الملأ الأعلى من الملائكة المقربين وغيرهم ويحضره سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ويحضر معه أزواجه الطاهرات وأكابر صحابته الأكرمين رضي الله عنهم أجمعين" انتهى بلفظه (الإبريز).
قلت يتعجب المسلم كيف تأتي لهؤلاء هذه القدرة على الكذب والبهتان، وكيف قادتهم الشياطين لمثل هذه الافتراءات التي يتضاحك منها الصبيان فضلاً عن العقلاء. فالحمد لله الذي نجانا وهدانا وأخرجنا برحمته من ظلمات هذه الوثنية إلى نور الإسلام والاستظلال بظلال القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة وأبعدها عن تخريفات أهل البهتان.
زعمهم حضور الملائكة للديوان:
ثم يقول السلجماسي "وسمعته رضي الله عنه يقول إن الديوان أولاً كان معموراً بالملائكة ولما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم جعل الديوان يعمر بأولياء هذه الأمة فظهر أن أولئك الملائكة كانوا نائبين عن أولياء هذه الأمة المشرفة حيث رأينا الولي إذا خرج إلى الدنيا وفتح الله عليه وصار من أهل الديوان فإنه يجيء إلى موضع مخصوص في الصف الأول أو غيره فيجلس فيه و يصعد الملك الذي في ذلك الوضع وهكذا كانت بداية عمارة الديوان حتى كمل ولله الحمد كلما ظهر ولي صعد ملك وأما الملائكة الذين هم باقون  فيه يكونون في الصفوف الستة كما سبق فهم ملائكة ذات النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا حفاظاً لها في الدنيا ولما كان نور ذاته صلى الله عليه وسلم مفرقاً في أهل الديوان بقيت ملائكة الذات الشريفة مع ذلك النور الشريف. قال رضي الله عنه وإذا حضر النبي صلى الله عليه وسلم في الديوان وجاءت معه الأنوار التي لا تطاق بادرت الملائكة الذين مع أهل الديوان ودخلوا في نوره صلى الله عليه وسلم فما دام النبي صلى الله عليه وسلم في الديوان لا يظهر منهم ملك فإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم رجع الملائكة إلى مراكزهم والله أعلم" (الإبريز ص174).
ولست أدري لماذا يقول هؤلاء الكذابون بعد كل هذا الدجل والكذب (والله أعلم) ماذا تفيدهم هذه الكلمة العظيمة في هذا الموضع الذي يكذبون فيه على الله. إنهم بزعمهم يتكلمون على حقائق وعلوم وأسرار غيبية زعموا أنهم رأوها وشاهدوها وليست عندهم مجرد ظن أو اجتهاد فلماذا يقولون بعد ذلك والله أعلم وهم يعلمون يقيناً أنهم يكذبون ويفترون، ويضحكون على عقول الدهماء والتي تسير وراءهم وتصدقهم.
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان:
ويستمر السلجماسي في خيالاته الفاجرة فيقول:
"قال رضي الله عنه وإذا حضر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم مع غيبة الغوث فإنه يحضر معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وأمهما فاطمة الزهراء تارة كلهم وتارة بعضهم رضي الله عنهم أجمعين، قال وتجلس مولاتنا فاطمة مع جماعة النسوة اللاتي يحضرن الديوان في جهة اليسار كما سبق وتكون مولاتنا فاطمة أمامهن رضي الله عنها وعنهن قال رضي الله عنه وسمعتها رضي الله عنها تصلي على أبيها صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي وهي تقول اللهم صل على من روحه محراب الأرواح والملائكة والكون اللهم صل على من هو إمام الأنبياء والمرسلين اللهم صل على من هو إمام أهل الجنة عباد الله المؤمنين وكانت تصلي عليه صلى الله عليه وسلم لكن لا بهذا اللفظ وإنما أنا استخرجت معناه. والله أعلم" انتهى (الإبريز ص168).
لغة أهل الديوان:
ويقول أحمد بن مبارك:
"سمعته رضي الله عنه يقول إن لغة أهل الديوان رضي الله عنهم هي السريانية لاختصارها وجمعها المعاني الكثيرة ولأن الديوان يحضر الأرواح والملائكة والسريانية هي لغتهم ولا يتكلمون العربية إلا إذا حضر النبي صلى الله عليه وسلم أدباً معه" أ.هـ (الإبريز ص168).
ولست أدري لماذا يجمع المتصوفة تقريباً على اختيار اللغة السريانية لغة للديوان، ولمعاني الحروف، وللأذكار فإما للتلبيس على الناس لأنها لغة منقرضة لا توجد إلا في قرية واحدة الآن من قرى سوريا ولا يتكلمها إلا نحو خمسمائة شخص فقط، أو لأن هذه اللغة كانت لغة أقوام اشتهروا بعبادة الجن والأوثان وهذا الذي يبدو فإن هذه اللغة كانت لأقوام وثنيين من عبدة الجن والكواكب وما يزال كثير من هذه القرية التي يتكلم أصحابها بهذه اللغة مهجوراً مسكوناً بالجن.
أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط:
ثم يقول السلجماسي: "وسمعته رضي الله عنه يقول إن الصغير من الأولياء يحضر بذاته وأما الكبير فلا تحجير عليه يشير رضي الله عنه إلى أن الصغير إذا حضر غاب عن محله وداره فلا يوجد في بلدته أصلاً لأنه يذهب إليه بذاته. وأما الكبير فإنه يدبر وعلى رأسه فيحضر ولا يغيب عن داره لأن الكبير يقدر على التطور على ما شاء من الصور لكمال روحه تدبر له إن شاء ثلاثمائة وست وستون ذاتاً بل سمعت الشيخ رضي الله عنه مرة وأنا معه خارج باب الحبشة أحد أبواب فاس حرسها الله يقول: ايش هو: الديوان والأولياء الذين يقيمونه كلهم في صدري وسمعته مرة يقول إنما يقام الديوان في صدري" (الإبريز ص167).
ولعل الكلمة الأخيرة التي قالها الدباغ هي أصدق ما قال أعني أن الديوان يقام فقط في قلبه المريض وفي عقله المجنون وأما ذكره من غار حراء والأولياء والأنبياء والرسل وسائر هذه التخريفات فلا صحة لها.
الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً:
الصحراء السودانية مكان آخر لانعقاد الديوان يقول السلجماسي: "(وسألته) رضي الله عنه هل يكون الديوان في موضع آخر غير غار حراء فقال رضي الله عنه نعم يكون في موضع آخر مرة في العام لا غير وهذا الموضع يقال له زاوية أَسَا بفتح الهمزة والسين بعدها ألف خارج أرض سوس بينها وبين أرض غرب السودان فيحضر أولياء السودان ومنهم من لا يحضر الديوان إلا في تلك الليلة ويأذن الله تعالى ويسوق أهل آفاق تلك الأراضي ويجتمعون بالوضع المذكور قبل تلك الليلة بيوم أو يومين وبعدها كذلك يجتمع في ذلك السوق من التبر ما لا يحصى فقلت وهل ثم مع آخر في غير هذين الموضعين فقال نعم يجتمعون ولكن لا يجتمع نحو العشرة منهم في موضع قط إلا في الموضعين السابقين لأن الأرض لا تطيقهم لأنه تعالى أراد تفرقهم في الأرض وفي الخلق والله تعالى أعلم" أ.هـ منه بلفظه (الإبريز ص73).
ماذا لو غاب الغوث:
ويقول السلجماسي أيضاً: "وسمعته رضي الله عنه يقول قد يغيب الغوث عن الديوان فلا يحضر فيحصل بين أولياء الله تعالى من أهل الديوان ما يوجب اختلافهم فيقع منهم التصرف الموجب لأن يقتل بعضهم بعضاً فإن غالبهم اختار أمراً وخالف الأقل في ذلك فإن الأقل يحصل فيهم التصرف السابق فيموتون جميعاً وقد اختلفوا ذات يوم في أمر فقال طائفة منهم قليلة إن يكن لكم ذلك الأمر فلتمت فقالت الطائفة الكثيرة فموتوا إن شئتم فماتت الطائفة القليلة قال رضي الله عنه فإن تكافأ الفريقان إن حصل التصرف فيهم معاً فقلت فإنهم أهل بصيرة وكشف فلم يحصل بينهم النزاع وهم يشاهدون مراد الله تعالى ببصيرتهم فقال رضي الله عنه إذا كان الأقل هو المخالف فإن الله يحجبهم عن المراد حتى ينفذ ما فيهم وإذا تكافأ الفريقان فإن مراد الحق سبحانه يخفى على الجميع لأن قلوب الأولياء الأوفياء مظاهر الأقدار وقد اختلفت وتكافأت فقلت فما سبب غيبة الغوث رضي الله عنه عن الديوان فقال رضي الله عنه سببه أحد أمرين إما غيبته في مشاهدة الحق سبحانه فلهذا لا يحضر في الديوان وإما كونه في بداية توليته كما إذا كان بقرب موت الغوث الذي قبله فإنه قد لا يحضر في بداية الأمر حتى تتأنس ذاته شيئاً فشيئاً قال رضي الله عنه وقد يحضر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم في غيبة الغوث فيحصل لأهل الديوان من الخوف والجزع من حيث إنهم يجهلون العاقبة في حضوره صلى الله عليه وسلم ما يخرجهم عن جناسهم حتى إنه لو طال ذلك أياماً لانهدم العوالم" (الإبريز ص168).
الغوث الصوفي دكتاتور كبير:
وأما الغوث هذا فهو أخطر دكتاتور فإن أي أحد لا يستطيع أن يفتح فمه عنده يقول السلجماسي:
"وسألته مرة فقلت: إذا حضر الغوث فهل يقدر أحد على مخالفته فقال رضي الله عنه لا يقدر أن يحرك شفته السفلى بالمخالفة فضلاً عن النطق بها فإنه لو فعل ذلك لخاف على نفسه من سلب الإيمان فضلاً عن شيء آخر والله أعلم" (الإبريز ص169).
ولست أدري ما دام هذا هو حال غوثهم مع سائر أوليائهم المزعومين فلماذا الحضور إذن في هذا الديوان هل هو لمجرد تلقي الأوامر فقط..؟!
أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ:
ويستطرد السلجماسي مبيناً مراتب الأولياء الذين يحضرون ديوانهم المكذوب فيقول: "وسمعته رضي الله عنه يقول ليس كل من يحضر الديوان من الأولياء يقدر على النظر في اللوح المحفوظ بل منهم من يقدر على النظر فيه ومنهم من يتوجه إليه ببصيرته ويعرف ما فيه ومنهم من لا يتوجه إليه لعلمه بأنه ليس من أهل النظر إليه قال رضي الله عنه  كالهلال فإن رؤية الناس إليه مخالفة" أ.هـ.
وأقول ألا لعنة الله على من كذب مثل هذا الكذب الذي لم تعرف البشرية له مثيلاً من قبل قط.. ولكن العجيب أن ينشر مثل هذا الفكر المجنون عند أناس يقرأون كتاب الله الذي يقول {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون}.
لماذا يجتمع أهل الديوان:
والآن نأتي إلى بيت القصيد كما يقولون فلماذا يجتمع أهل الديوان؟ يقول السلجماسي: "وسمعته رضي الله عنه يقول أن أهل الديوان إذا اجتمعوا فيه اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد فهم رضي الله عنهم يتكلمون في قضاء الله عز وجل في اليوم المستقبل والليلة التي تليه قال رضي الله عنه ولهم التصوف في العوالم كلها السفلية والعلوية وحتى في الحجب السبعين وحتى في عالم الرقا (بالراء وتشديد القاف) وهو ما فوق الحجب السبعين فهم الذين يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهمس به ضمائرهم فلا يهمس في خاطر واحد منهم شيء إلا بإذن أهل التصرف رضي الله عنهم أجمعين وإذا كان هذا في عالم الرقا الذي هو فوق الحجب السبعين التي هي فوق العرش فما ظنك بغير من العوالم" (الإبريز ص169)..
فانظر كيف يتحكم هؤلاء بخيالاتهم وكذبهم ليس في الأرض فقط بل في الأرض والسماء وما فوق السماء من الحجب والعرش، فماذا أبقى هؤلاء الكاذبون المارقون لله سبحانه وتعالى ليتصرف فيه.. تَبَّتْ عقول استساغت مثل هذا الكذب واعتقدت مثل هذا الهراء!!

الباب الرابع
الشريعة الصوفية
في الأبواب والفصول السابقة اطلعنا على حقيقة المعتقد الصوفي، وسبرنا غور هذا الفكر الباطني الذي يتستر بالإسلام. والآن نأتي إلى الشريعة الصوفية ونعني بها العمل الظاهر، والمنهج العملي الذي سلكه رجال التصوف تضليلاً للعامة، ووصولاً إلى العقيدة الباطنية، وتظاهراً بالتمسك بالإسلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وسيعلم القارئ كيف أن الظاهر الصوفي والشريعة الخاصة الصوفية لا تكاد تخرج عن البدعة والفسق والكفر والشرك. ولنبدأ بأخص أمورهم وأشهرها، التي جعلوها دائماً المدخل إلى الطريق الصوفي ألا وهو الذكر.

الفصل الأول
الذكر الصوفي
كيفية تتلقى الأذكار عند الصوفية:
يخطئ من يظن أن الصوفية أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم في هديه في الذكر حيث شرع لنا صلى الله عليه وسلم أن نذكر الله سبحانه وتعالى بأذكار مخصوصة في أوقات معلومة، والنبي عندما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن من قال كذا وكذا فله كذا وكذا من الأجر إنما يتكلم بالوحي لأن الأجر أمر غيبي يقدره الله ويعلمه، ولكن مشايخ الصوفية أراد كل منهم أن ينصب من نفسه مشرعاً لمجموعة من المريدين، وإلهاً يعبده الأتباع الجاهلون، وكان باب الأذكار هو الباب الذي دخل منه هؤلاء للتشريع للأتباع والمريدين فوضع كل منهم لأتباع طريقته منهجاً خاصاً بالذكر، وأذكاراً مخصوصة وكان لكل واحد منهم أن يضفي على ذكره الخاص هالة من التقديس، وأن يحاول جذب المريدين إليه بشتى الطرق والوسائل فمنهم من زعم أن ذكره الخاص قد أخذه من الرسول مناماً، ومنهم من ادعى أنه أخذه من الرسول يقظة، ومنهم من زعم أن الخضر الذي أوحى له بالذكر، ومنهم من تنازل فنسب ذكره إلى شيخ طريقة ميت، ومنهم من تنازل عن ذلك فأخبر أتباعه أنه جمع لهم هذا الذكر من آيات القرآن، وأحاديث الرسول وتأليفاته، وأنه مجرب وأن من فعله حصل له كذا وكذا من الخير. فقد فعله فلان فحصل له كذا وكذا، وفعله فلان فحصل له كذا وكذا.. وإليك أنماطاً من هذه الافتراءات والأكاذيب والخزعبلات لا يصدقها إلا من طمست بصائرهم:
الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أذكار الطريقة الشاذلية:
علم جميع المسلمين بالضرورة من دين الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم الناس كيف يذكرون الله ويحمدونه ويمجدونه، وأن ذلك بوحي من الله له، ولكن الصوفية انفردوا عن جميع المسلمين فزعموا أن الرسول يأتيهم بعد موته صلى الله عليه وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى ليعلمهم الطريقة الشاذلية!! يقول صالح محمد الجعفري الذي كان إماماً لمسجد الأزهر لمدة طويلة (هذه الدعوى بالطبع هي الباب الذي يدخل منه هؤلاء على المسلمين بالخرافات والخزعبلات التي ينسبونها إلى الرسول، ويدعون بها الغيب فما دام أنه رزق عيوناً إلهية فلماذا لا يطلع على الغيب)، في كتابه الذي سماه (مفاتيح كنوز السماوات والأرض المخزونة التي أعطاها صلى الله عليه وسلم لشيخ الطريقة الإدريسية المصونة!!).
يقول:
"قال سيدي أحمد رضي الله عنه اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اجتماعاً صورياً ومعه الخضر عليه السلام فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخضر أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية فلقنني إياها بحضرته صلى الله عليه وسلم.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم للخضر عليه السلام: يا خضر لقنه ما كان جامعاً لسائر الأذكار والصلوات والاستغفار وأفضل ثواباً وأكثر عدداً فقال أي شيء هو يا رسول الله؟ فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله فقالها وقلتها بعدهما وكررها صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً.
ثم قال، قل: اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم إلى آخرة الصلاة العظيمية ثم قال له استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب ذو الجلال والإكرام إلى آخر الاستغفار الكبير فقلت بعدهما وقد كسبت أنواراً وقوة محمدية ورزقت عيوناً إلهية (توفي سنة 1979) !!.
ثم قال صلى الله عليه وسلم يا أحمد أعطيتك مفاتيح السماوات والأرض وهي الذكر المخصوص والصلاة العظيمة والاستغفار الكبير المرة الواحدة منها بقدر الدنيا والآخرة وما فيها أضعافاً مضاعفة"!! واستطرد قائلاً:
قال سيدي أحمد رضي الله عنه وقدس سره: ثم لقنها لي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة فصرت ألقن المريدين كما لقنني به صلى الله عليه وسلم.
ومرة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله خزنتها لك يا أحمد ما سبقك بها أحد علّمها أصحابك يسبقون بها. وكان رضي الله عنه يقول أملى علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحزاب من لفظه حتى استشكل بعض أصحابه من العلماء مرة كلمة في الحزب الخامس فقال يا أخانا هكذا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم" (مفتاح كنوز السماوات والأرض المخزونة ص8،9) أ.هـ
فهذه الحكايات التي كان يرويها صالح الجعفري بالسند المتصل حسب زعمه إلى قائلة أحمد الإدريسي فيها من الدعاوي والضلالات شيء كثير جداً. من ذلك اجتماع لأحمد الإدريسي بالرسول والخضر ولسنا ندري ما علاقة الخضر بالرسول صلى الله عليه وسلم وليس هو من أتباع الرسول محمد ولا من هذه الأمة الإسلامية أصلاً، إنما الخضر صاحب موسى على شريعة غير شريعة موسى أيضاً، وقد مات كما مات الرسل والأنبياء ممن كانوا قبله وممن أتوا بعده، ولو كان حياً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لاتبعه وحارب معه وشهد معه الجمع والجماعات وإلا كان مرتداً كافراً، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم [والله لو أن موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني] وبدليل نزول عيسى في آخر الزمان وحكمه بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فما علاقة الخضر أن يكون حاضراً مع الرسول وأن يأمره الرسول أن يعلم الأذكار والأوراد!؟ (اقرأ الفصل الخاص بالخضر في عقيدة المتصوفة)، ولماذا يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم –وحاشاه- أن يعلم شيئاً جديداً بعد إتمام رسالته  ولحوقه بربه. ألا تكفي الأذكار والأوراد التي علمها في حياته؟ ألم يقل سبحانه وتعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة:3).
فما الحاجة بعد إلى أذكار جديدة.. وأليس لو كان للرسول هذا الاتصال ببعض الناس أن يكون ذلك لبيان كيف يخرج المسلمون مما يواجهونه من محن ومصائب، ألا يأتي مثلاً الرسول ليحل بعض المعضلات التي تجابه العالم الإسلامي ويحتار فيها العلماء ويختلفون. ثم لننظر ما هي الأوراد والأدعية التي جاء الرسول في زعمهم ليعلمها لهؤلاء، إنها كلمات ركيكة التركيب العربي، فيها جهل عظيم بالله سبحانه وتعالى، وتقول عليه سبحانه وتعالى، وفيها اعتداء في الدعاء بكل معاني الاعتداء، وفيها من أسماء الشياطين ما فيها. وإليكم نماذج من هذه الأدعية التي يزعم أصحابها أنهم اجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وعلمها لهم. هذه هي الصلاة التي يسمونها (الصلاة العظيمية)!! هكذا (والعظيمية!!) وهي:
"اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم، الذي ملأ أركان عرش الله العظيم، وقامت به عوالم الله العظيم، أن تصلي على مولانا محمد ذي القدر العظيم، وعلى آل نبي الله العظيم، بقدر عظمة ذات الله العظيم، في كل لمحة ونفس وعدد ما في علم الله العظيم، صلاة دائمة بدوام الله العظيم، تعظيماً لحقك يا مولانا يا محمد يا ذا الحق العظيم، وسلم عليه وعلى آله مثل ذلك، واجمع بيني وبينه كما جمعت بين الروح والنفس ظاهراً وباطناً يقظة ومناماً واجعله يا رب روحاً لذاتي من جميع الوجوه في الدنيا قبل الآخرة يا عظيم". أ.هـ..
فانظر إلى ركاكة التعبير، وخطاب الله بالغيبة وهو سوء أدب مع الله فقوله اللهم إني أسألك وهذا خطاب. ثم يقول (بنور وجه الله العظيم) وهذه غيبة كأن الله غير المخاطب، والصواب والبلاغة أن تقول (بنور وجهك العظيم) لأنك تخاطب الله. ولكن الذين ألقوا هذه الأذكار المبتدعة لا يحسنون العربية والعجيب أن ينسبوها بعد ذلك إلى أفصح العرب لساناً والذي آتاه الله جوامع الكلم. وانظر بعد ذلك تكرار اسم العظيم في غير مناسبة، ثم وصف العرش أن له أركاناً ومن أين لهم ذلك؟ ولم يرد هذا في كتاب أو سنة وإنما جاء في الحديث أن للعرش ساقاً كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم [فأجد موسى باطشاً بساق العرش].
ثم ما معنى أن يدعو المسلم ربه ويسأله أن يجمع بينه وبين الرسول كما جمع بين الروح والنفس!! وأن يكون هذا ظاهراً وباطناً، يقظة ومناماً، وأن يكون الرسول روحاً لذات الداعي وهذا كله من أكبر العدوان في الدعاء، وهو فتح باب الإدعاء بعلم الغيب. فما دام أن الرسول قد امتزجت روحه بالمدعو ظاهراً وباطناً، يقظة ومناماً، فمعنى هذا أنه يتكلم بلسان الرسول ويعلم علم الرسول وهذا فتح لباب التقول على الله!!! فهل هذا الدعاء الركيك السقيم معنى ومبنى يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلمه للناس!!..
هذا من أذكار هذه الطريقة الشاذلية وإليك نماذج أخرى من أدعيتها وأذكارها..
"يا خالق السبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن، أشهد أنك على كل شيء قدير، وأنك قد أحطت بكل شيء علماً، أسألك بهذا الأمر الذي هو أصل الموجودات، وإليه المبدأ والمنتهى، وإليه غاية الغايات أن تسخر لنا هذا البحر، بحر الدنيا وما فيه، كما سخرت البحر لموسى، وسخرت النار لإبراهيم، وسخرت الجبال والحديد لداود، وسخرت الرياح والشياطين والجن لسليمان، وسخر لي كل بحر هو لك، وسخر لي كل جبل وسخر لي كل حديد، وسخر لي كل ريح، وسخر لي كل شيطان من الجن والإنس، وسخر لي نفسي، وسخر لي كل شيء، يا من بيده ملكوت كل شيء، وأيدني بالنصر المبين إنك على كل شيء قدير" أ.هـ (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص375).
وعلى الرغم من أن الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر والإمام الأكبر كما يسمونه أورد هذا الدعاء وغيره في ترجمة الشاذلي مستحسناً له، فإن في هذا الدعاء من التعدي شيئاً عظيماً جداً، فإنه لا يجوز لنا أن نسأل ما جعله الله لأنبيائه من هذه المعجزات فتسخير الجن والشياطين لسليمان كان شيئاً خاصاً بسليمان فقط، ولذلك روى البخاري بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [جاءني عدو الله إبليس بشهاب من نار ليضعه في وجهي ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقاً بسارية المسجد يلعب به صبيان المدينة]. وأما نار إبراهيم الذي يسأل الشاذلي ربه أن يسخرها له!! فإن الله عز وجل جعلها برداً وسلاماً على إبراهيم في مناسبة خاصة وذلك بعد أن تعرض لما تعرض له من البلاء، ولم يسأل إبراهيم ربه أصلاً بذلك، وكذلك إلانة الحديد لداود إنما كان لأنه يأكل من عمل يده فكافأه الله بأن ألان له الحديد وعلمه صنعة الدروع فكان هذا من الله فضلاً له للمناسبة التي فيه.. أما أن يأتي رجل ليس بنبي فيسأل الله جميع معجزات الأنبياء فلا شك أن يكون قد تعدى في الدعاء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعدي في الدعاء والحق أننا إذا قارنا هذا التعدي الموجود في أدعية أخرى لهان الأمر فها هو الشاذلي نفسه يقول في دعائه أيضاً:
"اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك صلى الله عليه وسلم، ما كان ويكون، ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه. غنياً بك عن تجديدات النظر لشيء من المعلومات، ولا يلحقه عجز عما أراد من المقدورات، ومحيطاً بذات السر بجميع أنواع الذوات، ومرتباً البدن مع النفس والقلب مع العقل، والروح مع السر والأمر مع البصيرة والعقل الأول الممد من الروح الأكبر المنفصل عن السر الأعلى" أ.هـ (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص168).
فأي تعد أكبر من هذا أن يدعو إنسان ربه ليعطيه نوراً من النور الذي رأى به النبي ما كان يكون -وهذا كذب أيضاً لأن الرسول لم يكن يعلم من الغيب ما كان وما يكون وما لم يكن منه إلا ما أعلمه الله سبحانه وتعالى إياه، ولكن هؤلاء زعموا هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ورتبوا على ذلك أن يجعلهم الله أيضاً كالنبي يعلمون الغيب، وقوله حتى يكون العبد بوصف مولاه- يعني أن يتصف بما اتصف به النبي ويكون الوصف راجعاً في النهاية للنبي لا يعفيه هذا أنه يطلب ما كان للنبي من منزلة وعلم، وصدق الله سبحانه حيث يقول في أمثالهم {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة} (المدثر:52).
والحق أن الشاذلي في هذا الدعاء قد طلب ما لله من علم وليس ما للرسول فقط فمولاه هنا راجعة إلى الله سبحانه فكل من هؤلاء يريد أن يكون كالله سبحانه وتعالى في علمه وتصريفه وقدرته. والحق أنه لا يتوقف التعدي في الدعاء عند الصوفية أن يطلبوا منازل الأنبياء وخصائصهم وعلومهم بل وصفات الله وخصوصياته، بل وتعدى ذلك أيضاً إلى أن يتطاولوا على الله فيعلموه كيف يصفح وكيف يرحم؛ انظر إلى هذا الدعاء للشاذلي أيضاً:
"ولقد شكا إليك يعقوب فخلصته من حزنه ورددت عليه ما ذهب من بصره وجمعت بينه وبين ولده، ولقد نادى نوح من قبل فنجيته من كربه، ولقد ناداك أيوب بعد فكشفت ما به من ضره، ولقد ناداك يونس فنجيته من غمه، ولقد ناداك زكريا فوهبت له ولداً من صلبه بعد يأس أهله وكبر سنه، ولقد علمت ما نزل بإبراهيم فأنقذته من نار عدوه، وأنجيت لوطاً وأهله من العذاب النازل بقومه. فها أنذا عبدك إن تعذبني بجميع ما علمت من عذابك فأنا حقيق به وإن ترحمن كما رحمتهم من عظيم إجرامي فأنت أولى بذلك وأحق من أكرم به فليس كرمك مخصوصاً بمن أطاعك وأقبل عليك بل هو مبذول بالسبق لمن شئت من خلقك وإن عصاك وأعرض عنك، وليس من الكرم أن لا تحسن إلا لمن أحسن إليك وأنت الرحيم العلي كيف وقد أمرتنا أن نحسن إلى من أساء إلينا فأنت أولى بذلك منا" (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص191)
فعلى الرغم من أنه دعا الله سبحانه أن ينجيه كما أنجى عباده الصالحين فإنه تطاول على الله في آخر الدعاء فراح يقول لله (وليس من الكرم أن لا تحسن إلا لمن أحسن إليك)؟! (بل من الكرم أن تحسن إلى من أساء إليك) وكأنه في هذا يعلم الله سبحانه كيف يتفضل وكيف يحسن وعلى هذا القول تكون عقوبة الله للمسيئين ليست جارية على سنة الله في كرمه وعفوه وصفحه وحلمه وهذا خطأ بالغ لأن الله سبحانه وتعالى لا يضع رحمته إلا فيمن يستحقها، ولا يعفو إلا عمن هو أهل للصفح والمغفرة. كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} (الأعراف:156).
وهذا التعدي في الدعاء هو سمة المتصوفة بوجه عام كما مر بك في دعاء البسطامي "ارفعني إلى أحديتك وأدخلني في صمديتك حتى أكون أنت أنا فإذا رآني عبادك عرفوك.." إلى آخر هذا الهذيان والكفر.. والعجيب أن يأتي من يسطر مثل هذا الهراء وينشره على الناس داعياً إياهم إلى هذا الطريق الصوفي طريق الظلمات..
هذه هي نماذج من الأدعية والأذكار التي زعم صالح الجعفري أنها رويت بأنها بإسناده إلى شيخه أحمد بن إدريس أن رسول الله علمها إياه وأن أحد المريدين استشكل لفظة من الحزب الخامس فقال له يا أخانا هكذا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم!!

التلقي من القبور:
وهذه قصة تبين طريقة أخرى لتلقي الأذكار، إنها مخاطبة الموتى والأخذ عنهم حتى لو كان الذكر كلاماً لا معنى له في أي لغة من اللغات المعروفة!!
ذكر أحمد بن المبارك السلجماسي المتوفي سنة 1155هـ قال:
"قص علينا بعض أصحابنا من أخيار أهل تلمسان، فأخبرني أنه سمع بعض من حج بيت الله الحرام يقول إنه زار قبر سيدي إبراهيم الدسوقي (نفعنا الله به)!! فوقف عليه الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي نفعنا الله به وعلمه دعاء وهذا هو: بسم الله الخالق، يلجمه بلجام قدرته. أحمى حميثاً أطمى طميثاً وكان الله قوياً عزيزاً. حم عسق حمايتنا  كهيعص كفايتنا، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" (الإبريز) .
"فقال له سيدي إبراهيم: ادع بهذا الدعاء ولا تخف من شيء فقال له صاحبنا التلمساني وهو الحاج الأبر التاجر الأطهر سيدي عبدالرحمن بن إبراهيم من أولاد إبراهيم القاطنين بتلمسان: إن أخي الحاج محمد بن إبراهيم استشكل معنى هاتين الكلمتين وهما (أحمى حميثاً وأطمى طميثاً) امتنع من هذا الدعاء وقال: لا أدري ما معناها ولعل أن يكون فيهما ما أكره، فسألني عن معنى الكلمتين. فسألت شيخنا رضي الله عنه عن معناهما، فقال رضي الله عنه بديهة لا يتكلم أحد اليوم على وجه الأرض بهاتين الكلمتين فمن أين لك بهما؟!..
فحكيت له الحكاية، فقال رضي الله عنه: نعم سيدي إبراهيم الدسوقي من أكابر الصالحين ومن أهل الفتح الكبير وهو وأمثاله الذين يتكلمون بهاتين الكلمتين. ثم قال رضي الله تعالى عنه: هما كلمتان باللغة السريانية: أما أحمى فمعناه يا مالك الأسرار يا مالك الأنوار يا مالك الليل والنهار يا مالك الحساب المدرار، يا مالك الشموس والأقمار، يا مالك العطا والنفع، يا مالك الخفض والرفع، يا مالك كل حي، يا مالك كل شيء، وفي هذا الاسم سر عجيب لا يطيق القلم ولا العبارة تبلغه أبداً..
وأما قوله (أطمى) فهو بمنزلة من يصفه تعالى بالعظمة والكبرياء والقهر والغلبة والعز والانفراد في ذلك كله وكأنه يقول: يا عالم كل شيء يا قادراً على كل شيء يا مكون كل شيء ويا مدبر كل شيء ويا قاهر كل شيء ويا من لا يتطرق إليه عجز ولا يتوهم في تصرفه نقص..
(وطميثاً) إشارة إلى الأشياء التي يتصرف فيها، وإلى الممكنات التي يفعل فيها ما يشاء ويحكم ما يريد سبحانه لا إله إلا هو. وفي هذا الاسم سر عجيب لا يطيق القلم تبليغه أبداً والله أعلم"  (الإبريز).
فانظر كيف أن إسناد هذه القصة مجهول عن مجهول عن ميت وكلمات الذكر لا معنى لها في أي لغة قديمة أو حديثة، وكلمة السريانية هي لا تعني اللغة السريانية البائدة المعروفة وإنما يفسرها الصوفية بأنها لغة الأرواح!! ومع كل هذه الجهالة في الإسناد والحديث عن موتى يعلمون الناس الأذكار من قبورهم إلا أن كل ذلك طرق معتمدة عند الصوفية لتلقي العلم..
ونقول (العلم) هنا تجوزاً والحق أنه تلقى هذه الضلالات من أفواه الشياطين الذين يخاطبونهم من هذه القبور ويلبسون عليهم دينهم ويصرفونهم عن الذكر الطيب الذي نطق به فم الرسول صلى الله عليه وسلم فبدلاً من أن يذكر المسلم الله قائلاً: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وأمثال هذه الكلمات الطيبات النافعات يقول: (سقفاطيس، سقاطيم، آمون، فاق آدم حم، هأ آمين، كد كد، كردد، ده، بها بهيا بهيا، لمقفتجل يا أرض خُذيهم)!!
والعجيب بعد كل هذا أنهم إذا سئلوا من أين لكم بهذه الخزعبلات التي تسمونها أذكاراً يقولون كما قال أبو الحسن الشاذلي عن نفسه وقد سئل عن شيخه الذي أخذ عنه العلم فقال: "أما فيما مضى فكان سيدي عبدالسلام بن مشيش. وأما الآن فأستقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية، أما السماوية فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح وأما الأرضية فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والنبي صلى الله عليه وسلم" أ.هـ (أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص210).
وأما سيده عبدالسلام بن مشيش هذا فهو الذي يقول في صلاته المشهورة عن الرسول: "اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك اللهم ألحقني بنسبه وحققني بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من موارد الفضل واحملني على سبيله إلى حضرتك حملاً محفوفاً بنصرتك واقذف بي على الباطل فأدمغه وزج في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول يا أول يا آخر يا ظاهر، يا باطن اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا وانصرني بك لك وأيدني بك لك واجمع بيني وبينك" (الحزب الكبير للدسوقي).
وفي هذا الدعاء من الكفر والهذيان شيء عظيم لا يخفى على من عنده أي إلمام بشيء من علوم الدين قوله (وزج بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة) تصريح واضح لعقيدة ابن مشيش ومن على شاكلته من أهل وحدة الوجود الذين يسمون عقيدة التوحيد أوحالاً!!وأما قوله (واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي) فيعني بالحجاب الرسول صلى الله عليه وسلم أي أن صورة الرسول صورة الله كما مضى بيان ذلك في كلام عبدالكريم الجيلي، والعجيب من قول الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر والإمام الأكبر "كان ابن مشيش متمسكاً بالكتاب والسنة عاملاً بها ملتزماً لهما" (أبو الحسن الشاذلي ص21).
وقوله أيضاً عن ابن مشيش "ولتأمل القارئ في مدى انغماس (سيده) سيدنا ابن مشيش في النور وما وصل إليه من الفضل الإلهي".
بل إن الشيخ عبدالحليم محمود يدون في كتابه عن الشاذلي ما هو أدهى وأمر من ذلك وأضل فيقول:
"ولقد بهر ابن مشيش أبا الحسن الشاذلي، بهره بعلمه المشيد على الكتاب والسنة وبهره بولايته وكرامته، يقول أبو الحسن، كما يروي صاحب كتاب درة الأسرار:
ورأيت له خرق عادات كثيرة، فمنها أنني كنت يوماً جالساً بين يديه، وفي حجره ابن له صغير يلاعبه، فخطر ببالي أن أسأله عن اسم الله الأعظم، قال فقام إلى الولد، ورمى بيده في طوقي وهزني وقال:
(يا أبا الحسن، أنت أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم، إنما الشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم)!!
يعني أن سر الله مودع في قلبك.
قال فتبسم الشيخ وقال لي:
جاوبك فلان عني" أ.هـ.
ألا تعجب بعد ذلك من شيخ أكبر جامعة إسلامية معاصرة يروي هذه الترهات ويصدقها ويكتب كتاباً في سلسلة أعلام العرب تحت رقم 72 ليحدثنا أن من أعلام العرب من كان له ابن صغير يلعب في حجره وأن هذا الغلام الصغير علم الذي في نفس ابن مشيش قبل أن يسأل أباه، وأن هذا الطفل أعلم الشيخ أن اسم الله الأعظم هو ابن مشيش!!! مثل هذا الكذب السمج يروي ويدون في كتب وينشر على الناس باسم الدين، وتوضع هذه النماذج الكاذبة المفتراة على الله ورسالاته لأن يكونوا هم أعلام العرب حتى تحذو الناشئة حذوهم وتسير على طريقهم؟!.. اللهم رحمتك بنا ومغفرتك لنا.
والمهم أن نعود الآن فنذكر بما أوردناه في صدر هذا الباب وهو الزعم بأن أوراد الطريقة الشاذلية التي تلقاها ابن إدريس وأخذها عن شيخه قد تعلمها ابن إدريس هذا مشافهة من النبي حال اليقظة لا حال المنام. وقد رأينا نماذج من هذه الأوراد ونماذج الرجال الذين يزعمون أن رسول الله تنزل عليهم، وحضر إليهم ليخصهم بهذه الكرامات وبهذه الأوراد والأذكار، وحرم من ذلك أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة وجاء بعد ستة قرون من الزمان ليعلم هؤلاء أن يقول أحدهم "اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في بحار الوحدة".
ويقول أيضاً:
"بكهيعص كفيت بحمعسق حميت  فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم اللهم أمنا من كل خوف وهم وغم وكرب كد كد كردد كرده ده ده ده ده الله رب العزة كتب اسمه على كل شيء أعزه خضع كل شيء لعظمة سلطانه اللهم أخضع لي جميع من يراني من الجن والإنس والطير والوحوش والهوام"!!
"طهور بدعق محببة صورة سقفاطيس سقاطيم آحون ق أدُّمَّ حم هأ يا هو يا غوثاه يا من ليس للراجي سواه بما في اللوح من اسم خفي وبالذكر الحكيم وما تلاه وبالقبر الشريف وزائريه وبالقدس العلي وما حواه تقبل ربنا منا دعانا"!!
"ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهم تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً} بها بها بها بهيا بهيا بهيا بهيهات بهيهات بهيهات القديم الأزلي يخضع لي جميع من يراني لمقننجل يا أرض خذيهم قل كونوا حجارة أو حديداً"!!
هذه نماذج من الأدعية التي يزعمون أنهم يتلقونها من الغيب وأن الرسول جاء ليعلمها لهم والحال أن جميعها من وضع الشياطين وتلبيس الأباليس ومن التمويه على العامة والسذج بأن هؤلاء المشايخ عندهم أسرار ويتكلمون بكلام من الغيب العجيب كل العجب أن يجعل أمثال هؤلاء الذين يصرفون الناس عن القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة التي ظاهرها كباطنها أن يجعلوا أئمة للناس يقتدي بهم في هذا الدجل والشعوذة والكذب على الله ورسوله.
فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية:
لو كان هؤلاء الصوفية عندما يؤلفون أذكارهم الركيكة التي شاهدنا نماذج منها آنفاً لا يتقولون بذلك على الله وعلى رسوله، ولا يزعمون أنهم كتبوها من الرسول حرفاً حرفاً وكلمة كلمة لهان الخطب وقلنا إن الأمر لا يتعدى البدعة فقد اخترعوا من عند أنفسهم أدعية وأذكاراً يتعبدون الله بها وتركوا ما هو أفضل من ذلك مما علمناه إياه رسول الله وثبت عنه بنقل الصحابة الصادقين والتابعين لهم بإحسان وما دونه أئمة الهدى من المسلمين في كتبهم كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن والمسانيد. ولكن هؤلاء المتصوفة المتقولين على الله لم ينسبوا هذه الأذكار والأدعية إلى أنفسهم وإنما نسبوها إلى الله وإلى الرسول وزعموا أنه جاء بها إليهم الوحي والإلهام أو أملاها الرسول عليهم حال يقظتهم لا حال نومهم. وليتهم إذا فعلوا ذلك أيضاً جعلوا لأذكارهم هذه من الفضل ما كان يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته للأذكار من الفضل فقالوا مثلاً من قال هذا الذكر كان كمن أعتق عشرة رقاب أو كان كمن أهدى بدنه أو لم يأت يوم القيامة رجل بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل مثله أو زاد، أو بنى الله له بيتاً في الجنة على نحو ما كان يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً فضائل الأذكار التي يعلمها لأصحابه، ولكن هؤلاء جعلوا لأذكارهم المفتراة المكذوبة من الفضل والأجر شيئاً لا يبلغه الحد والوصف، وبالغ كل منهم في بيان فضل الذكر الذي يزعم أن رسول الله اختصه وجماعته به مبالغة عظيمة فهذا مثلاً أحمد التجاني رأس الطريقة التجانية يزعم أن (ذكره) الذي يسميه صلاة الفاتح: القراءة الواحدة له تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة!!
قال مؤلف جواهر المعاني على حرازم في الجزء الأول صفحة (94) "وأما فضل صلاة الفاتح لما أغلق الخ، فقد سمعت شيخنا يقول: كنت مشتغلاً بذكر صلاة الفاتح لما أغلق حين رجعت من الحج إلى تلمسان لما رأيت من فضلها وهو أن المرة الواحدة بستمائة ألف صلاة كما هو في وردة الجيوب وقد ذكر صاحب الوردة أن صاحبها سيدي محمد البكري الصديقي نزيل مصر وكان قطباً، قال إن من ذكرها ولم يدخل الجنة فليقبض صاحبها عند الله، وبقيت أذكرها إلى أن رحلت من تلمسان إلى أبي سمعون فلما رأيت الصلاة التي فيها المرة بسبعين ألف ختمة من دلائل الخيرات تركت الفاتح لما أغلق واشتغلت بها وهي (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تعدل جميع صلوات أهل محبتك وسلم على سيدنا محمد وعلى آله سلاماً يعدل سلامهم) لما رأيت فيها من كثر الفضل ثم أمرني بالرجوع صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانياً أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيحة وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار" انتهى بلفظه (جواهر المعاني ص94)..
فانظر إلى هؤلاء الكاذبين كيف يدعي أحدهم أن كلاماً ركيكاً كصلاة الفاتح التي هي مجرد سطر ونصف سطر أو نحو خمس عشرة كلمة فقط يعدل أجر قراءتها أجر قراءة القرآن ستة آلاف مرة!! وهذا كذب سخيف لا يحتاج إلى تعليق وبيان وهذه الصلاة ذات الفضل المزعوم هي: "اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لم سبق ناصر الحق بالحق والداعي إلى صراطك المستقيم"!!
والعجيب أن هذا الكلام الركيك كله جهالة، فما هو الذي أغلق وفتحه الرسول شيء غير مذكور في هذا الذكر، وما الحق الذي نصره الرسول وبأي حق نصره أيضاً مجهول وما هو الذي سبق وختمه النبي.. فهو كلام ليس فيه لذاته معنى مفيد، وإنما قد يفسر بنحو صحيح بكلام آخر، وقد يفسر أيضاً على نحو فاسد كما يفسره التجانيون أنفسهم بمعان فاسدة فمثلاً قد يقول قائل إن معنى قولهم (الخاتم لما سبق) أي خاتم النبوة وهذا معنى صحيح وهو غير موجود في هذه الصلاة التي يسمونها صلاة الفاتح. لكن التجانيين أنفسهم يخالفون ذلك ويرون أن النبوة لم تنته بدليل قولهم إن صلاة الفاتح هذه نزلت عليهم من السماء في ورقة مكتوبة بقلم القدرة!! ولذلك قالوا هي من كلام الله تعالى وليست من تأليف مخلوق (انظر الهدية العادية إلى الطريقة التجانية ص105)!!
فمعنى هذا أن قولهم (والخاتم لما سبق) ليس مقصوداً به النبوة والوحي لأن صلاة الفاتح المزعومة نفسها وحي أكمل القرآن بل على قولهم هذا أكمل نزولاً من القرآن لأنها نزلت مكتوبة من السماء والقرآن نزل مشافهة وسماعاً، ومعلوم أن المكتوب أعظم من المسموع في الإثبات بدليل امتنان الله على موسى بإنزال التوراة مكتوبة كما قال تعالى {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة..} الآية.
وهم يزعمون هنا أن صلاة الفاتح نزلت من السماء مكتوبة ولذا جاز عندهم تفضيل قراءتها على القرآن وإن أجر قراءة القرآن كله ستة آلاف مرة فأي كذب على الله أكبر من هذا. ونحن نقول لهؤلاء الكاذبين أكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يزعمون أنه هو الذي خص أحمد التجاني وجماعته بهذه الفضيلة وقال له (خبأتها لك يا أحمد)!! أكان يجوز له أن يخفي شيئاً مثل هذا عن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أصحابه القائمون بأمره الحارسون لدينه الباذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل نصرته.. ليعطي مثل هذه الفضيلة إلى أحمد التجاني وأعوانه الذين كانوا وما زالوا أعظم أعوان الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا بل في كل القارة الأفريقية وهم الذين مهدوا السبيل أمام الجيوش الفرنسية في معظم أنحاء القارة. أكان يجوز للرسول إخفاء صلاة الفاتح التي يزعمون أنها أعظم من القرآن بستة آلاف مرة لإعطائها مجموعة من خدم الاستعمار والكفار!! والحال أن الله قد قال لرسوله {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (المائدة:67).
أم أنكم كذبتم على الله ورسوله وجاريتم في كذبكم هذا من قال إن قراءة دلائل الخيرات أفضل من قراءة القرآن سبعة آلاف مرة!! فانظر المجاراة والتنافس في الكذب على الله ورسوله.
ولم يكتف صاحب الفاتح بذكر ما ذكره من الفضل لصلاته المزعومة بل انظروا ما يقوله أيضاً في فضله:
قال صاحب الجواهر في صفحة 96 من الجزء الأول في سياق فضل صلاة الفاتح "إنها لم تكن من تأليف البكري ولكنه توجه إلى الله مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب الله دعوته فأتاه الملك بهذه الصلاة مكتوبة في صحيفة من النور ثم قال الشيخ: فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها لا تزنها عبادة جميع الجن والإنس والملائكة. قال الشيخ وقد أخبرني صلى الله عليه وسلم عن ثواب الاسم الأعظم فقلت: إنها أكثر منه فقال صلى الله عليه وسلم بل هو أعظم منها ولا تقوم له عبادة" أ.هـ.
فانظر كيف جعل هذه الصلاة المزعومة أفضل من عبادة جميع الإنس والجن والملائكة!!
وليست هذه الفرية هي وحدها ما عند أصحاب الطريقة التجانية بل عندهم من الدواهي والأكاذيب ما يندى له الجبين فعندهم صلاة أخرى يسمونها جوهرة الكمال ونصها:
"اللهم صل وسلم على عين الرحمة الرانية والياقوتية المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المالئة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم اللهم صل وسلم على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم إفاضتك منه إليك إحاطة النور المطلسم صلى الله عليه وسلم وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه" (الرماح ص224 ج1).
وقد قال الدكتور الشيخ تقي الدين الهلال حفظه الله تعقيباً على هذه الصلاة:
"إن هذه الصلاة التي زعم التجانيون أن شيخهم أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا لها ما تقدم من الفضل يستحيل أن تكون من كلام العرب الفصحاء وهي بعيدة منه بعد السماء من الأرض، وكل من يعرف لسان العرب معرفة حقيقية لا يكاد يصدق أن ذلك الكلام الركيك يقوله أحد من العرب وفيهما كلمتان إحداهما سب لا يجوز أن يطلق على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتناسب مع ما قبله وهي كلمة (الأسقم) فإن الصراط لا يوصف بالسقم إذ لا يقال صراط مريض وهذا الصراط أمرض من ذلك وإنما يقال صراطك المستقيم أو قويم وهذا الصراط أقوم من ذلك".
وقد رد العلماء على التجانيين وعابوا عليهم هذه الكلمة القبيحة فقال الشيخ الكميل الشنقيطي في أرجوزته التي انتقد بها الطريقة التجانية:
"ولم يجز إطلاق لفظ موهم             نقصاً على النبي مثل الأسقم
كذا مطلسم وما يدريكا                    لعله كفر عني الشريكا
ولم يتفطن أولئك العلماء إلى سبب هذا الخطأ ولو تفطنوا له لانحل الإشكال كله فسببه أن مؤلف هذه الصلاة مغربي وأهل المغرب في لغتهم العامية يقولون (سر مسقم) يريدون امش مستقيماً ويقولون كذلك (سر اسقم) بعضه ينطق به قافا وبعضهم ينطق به كافا، ولما كان منشئ هذه الصلاة غير عالم بالعربية وقد ذكر الأقوم من قبله في قوله عين المعارف الأقوم وقال بعدها صراط التام، أراد أن يصف الصراط بالاستقامة مع المحافظة على السجع لمقابلة الأقوم واستثقل أن يكرر الأقوم عبر بالأسقم ظناً منه أنهما في المعنى سواء كما يفهمه عامة المغاربة، وقد علمت من مصاحبتي للشيخ أحمد سكيرج وهو من كبار المقدمين في الطريقة التجانية وكنت في ذلك الوقت تجانياً لا يخفى عني سراً، أن هذه الصلاة وجدت في أول أمرها عند شخص يسمى محمد بن العربي النازي ويسميه التجانيون الواسطة المعظم لأنه بزعمهم وساطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الشيخ أحمد التجاني يحمل الرسائل من الشيخ إلى النبي ومن النبي إلى الشيخ وفي ذلك الوقت أي في وقت الوساطة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يظهر للشيخ التجاني وإنما كان يظهر لمحمد بن العربي وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للواسطة محمد بن العربي لولا محبتك لحبيبي التجاني ما رأيتني وكان الواسطة يخبر الشيخ التجاني بأنه إذا جاء الوقت الموعود يظهر النبي صلى الله عليه وسلم له بلا واسطة يحدثه ويكلمه وسنذكر شيئاً من الرسائل التي أملاها النبي صلى الله عليه وسلم على محمد بن العربي وأمره بكتابتها ليحملها إلى الشيخ التجاني يقرأها عليه وحينئذ لا يبقى عندك شك في جهل هذا الرجل بالعربية وأنه سبب ركاكة هذه الصلاة التي هي من إنشائه" أ.هـ (الهدية الهادية إلى الطريقة التجانية ص110،111).
والعجيب أنه من ركاكة هذا الدعاء وهذه الصلاة المزعومة ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم زعموا لها أيضاً من الفضل ما فاق الكذب إلى الوقاحة فقد زعموا كما جاء في كتاب الرماح ص89 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لأحمد التجاني أن قراءة المرة الواحدة من (جوهرة الكمال) تعدل تسبيح العالم ثلاث مرات ومن قرأها سبع مرات فأكثر بحضرة رسول الله والخلفاء الأربعة ما دام يذكرها، ومن لازمها أكثر من سبع مرات كل يوم أحبه النبي محبة خاصة ولا يموت حتى يكون ولياً!!
فانظر أي تقول على الله هذا. بل قال التجاني أيضاً: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة تسمى جوهرة الكمال كل من ذكرها اثنتي عشرة مرة فكأنما زاره في قبره يعني في روضته الشريفة!! وكأنما زار أولياء الله الصالحين من أول الوجود إلى وقته ذلك. وقال لي رسول الله هذه هدية مني إليك"!!! أ.هـ (الهدية الهادية إلى الطريقة التجانية ص110).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق