الأحد، 23 أغسطس 2015

التعريف بالتصوف لغة واءصطلاحا==========

       التَّصوف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنـزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثمَّ تطوَّرت تلك النزعات بعد ذلك، حتى صارت طرقا مُميَّزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها، بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة، لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية:الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أنَّ هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتَّصوف أهمها:إنَّ الزهد مأمور به، والتَّصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطه أهل السنة والجماعة.([1])

المبحث الأول: الصوفية لغة واصطلاحاً

       اختلفت كلمة العلماء حول التعريف الحقيقي للصوفية وللتصوف اختلافاً كثيراً قلَّما يوجد له مثيل، وقد ذكر بعض العلماء أنَّ تلك التعريفات قد تصل إلي الألفين، يقول محمد طاهر الحامدي:"الأقوال المأثورة في التَّصوف قيل:إنها زهاء ألفين"، وقد نقل إحسان إلهي في كتابه "التَّصوف:المنشأ والمصدر" أقوالاً كثيرة عن أقطاب التَّصوف في تعريفهم ومفهومهم للتصوف، ولكن مهما قيل عن كثرتها واختلاف الناس فيها فإنّها كلَّها لا طائل من ورائها عند التمعن في دراستها، مما يستدعي غض النظر عن تلك التعريفات كلِّها، وإلقاء الضوء على الأقرب منها، وفيما يلي بيان ذلك.

 

التَّصوف لغة:

      يطلق علماء اللغة كلمة صوف في معاجم اللغة تحت مادة صوف على عدة معان، منها إطلاق كلمة صوف على الصوف المعروف من شعر الحيوانات، ومنها صوفان وصوفانة، وتطلق على بقلة زغباء قصيرة. وقد أطلقت كلمة صوف في بعض دلالتها بمعنى الميل، فيقال صاف السهم عن الهدف بمعنى مال عنه، وصاف عن الشر أي عدل عنه.

التَّصوف اصطلاحا:

          يجب إدراك أنَّ الصوفية مرَّت بمراحل وتطورات، ومفاهيم مختلفة، ومن هنا وقع كثير من الجدل بين العلماء في التعريف بالصوفية، ومهما قيل عن كثرة التعريفات للتصوف، فإنَّه يصدق عليه عموماً أنه بدعة محدثة في الدين، وطرائق ما أنزل الله بها من سلطان، ونذكر فيما يلي بعض التعريفات التي أطلقت على مفهوم التَّصوف سواء، كانت من الصوفية أو من مخالفيهم، ومن ذلك ما يلي: -

1- التَّصوف هو تجريد العمل لله تعالى، والزهد في الدنيا وترك دواعي الشهرة، والميل إلى التواضع والخمول، وإماتة الشهوات في النفس..وهذا التعريف قد لا يصدق في الواقع إلا على التَّصوف في عهده الأول، الذي كان التَّصوف فيه عبارة عن الانقطاع لعبادة الله وحده، والزهد في الدنيا والتخفف من متاعها والإقبال على الآخرة، دون أن يلبسوا ذلك بشيء من الأفكار والسلوك المشين الذي وصلت إليه الصوفية بعد ذلك.

2- وذهب قسم كثير من العلماء إلى أن سبب التسمية للمتصوفة بهذا الاسم–الصوفية– إنِّما كان نسبة إلى لبسهم الصوف، الذي عبر عن الزهد والتقشف، وترك التنعم والملذات المباحة، وقد علَّق القشيري على هذا بقوله:"فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف".

 3- يرى بعض العلماء أن التَّصوف مأخوذ عن الصفاء؛ أي صفاء أسرارهم أو صفاء قلوبهم أو صفاء معاملتهم لله تعالى، وهو ما يحب الصوفيون التسمي به، بل إن كل انتساب- فيما لاحظ المستشرق نيكلسون- إلى الصوف يقابله اثنا عشر تعريفاً تعتمد على الصفاء، الذي حاول الصوفية أن ينتسبوا إليه. إلا أن القشيري قد استبعد هذا المفهوم في اللغة بقوله:"ومن قال إنَّه مشتق من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة".

 4- وبعضهم يرى أنّه نسبة إلى الصُّفة -مكان في مؤخرة المسجد النبوي- التي كان يجلس فيها فقراء الصحابة رضوان الله عليهم في المسجد.

      والحق أنّ المتصوفة ليس لهم مستند في تعلقهم بأساس تصوفهم سواء كان ذلك التعلق بالصحابة من أهل الصفة، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلوته في غار حراء، ومن زعم أن بدايات التَّصوف كان الرسول صلى الله عليه وسلم أو أهل الصفة فلا شك في خطئه، وإذا كان المتصوفة فيما يدَّعون يحبون الفقر والخرقة، والانزواء في الزوايا والأربطة، فإن الثابت المتواتر أنّ أهل الصفة في مجملهم كانوا كثيراً ما يشكون حالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمل أن يساعدهم على حياة طيبة في الدنيا تكون عوناً لهم إلى الآخرة، وقد أخبر الله عنهم أنّهم:(تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)التوبة:92.

     إنَّ تلك الصلة بين الصوفية وأهل الصفة التي يزعمها السهروردي والمنوفي محض خيال؛ ذلك أن أهل الصفة ما كانوا يحبون الفقر ولا يحبون الانفراد والعزلة عن الناس، وكيف يحبون العزلة والانفراد وهم في أكثر أماكن تجمع الناس؟! وأيضاً أكان مكثهم في الصفة بمحض رغبتهم أم كانت حالة طارئة أملتها عليهم الظروف المعيشية؟. ذلك أنه لا يخفى على طلاب العلم أن أهل الصفة كانوا من الفقراء الذين لا يجدون مأوى غير المسجد، في الوقت الذي كانوا يبحثون فيه بكل جد من أجل الوصول إلى حال اليسار والغنى، خصوصاً وهم يتلون قول الله تعالى:(وَلاَ تَنسَ نَصِيِبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) كما يسمعون قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:"المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير".وقوله أيضاً:"اليد العليا خير من اليد السفلى"، فما كان أحدهم يحمل الزنبيل على ظهره ويطوف بالبيوت في طلب رزقه متكاسلاً عن العمل، متكلاً على ما في أيدي الناس أعطوه أم منعوه، كما هي حال كثير من المتصوفة، بعد أن فسدت فطرهم واختلت مفاهيمهم. حين صاروا كما مدحهم السهروردي بقوله:"واتخذوا لنفوسهم زوايا يجتمعون فيها تارة، وينفردون أخرى، أسوة بأهل الصفة، تاركين للأسباب متبتلين إلى رب الأرباب".

5- وبعضهم يرى أنَّه نسبة إلى الصف الأول، قال القشيري:"فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم، فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف".

6- وبعضهم يرى أنه نسبة إلى قبيلة بني صوفة، وهى قبيلة بدوية كانت حول البيت في الجاهلية، وهى تنتسب إلى رجل يقال له صوفة كان قد انقطع للعبادة في المسجد الحرام.

7- وبعضهم يرى أنها نسبة إلى الصفوة من خلق الله تعالى.

8- ما رجحه أبو الريحان البيروني 440هـ، وفون هامر حديثاً وغيرهما من أنها مشتقة من كلمة سوفا اليونانية، والتي تعني الحكمة. ويدلّل أصحاب هذا الرأي على صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجري، بينما لم تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي. ويضاف إلى الزمان والمكان التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان، حيث أفكار وحدة الوجود والحلول والإشراق والفيض. كما استدلوا على قوة هذا الرأي بما ورد عن كبار الصوفية مثل السهروردي المقتول ردة بقوله:"وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين وقعت إلى أخي أخميم- ذي النون المصري- ومنه نزلت إلى سيار ستري وشيعته،أي سهل التستري"، وأضافوا إلى ذلك ظهور مصطلحات أخرى مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة، الموسيقا، الموسيقار، السفسطة، الهيولي.

       وقد زعم الكاتب النصراني جورجي زيدان:"أن كلمة تصوف في العربية تعادلها كلمة "سوفيا" اليونانية والتي معناها الحكمة"، أي أن التَّصوف نسبة إلى الحكمة اليونانية، وهو زعم أبطله كثير من العلماء؛ وربمّا لأنّ التَّصوف إنما ظهر بعد الإسلام، ولا يمنع هذا أن تتأثر الصوفية بعد ذلك بشتى التأثيرات بل هو الواقع، ولكن ليس بالمفهوم اليوناني الكامل.

الرأي الصواب:

       لمّا كانت تلك التعريفات أموراً اجتهادية واستحسانات وتقريباً لهذا المذهب، فإنّك تجد أنَّه يرد عليها اعتراضات كثيرة، وفى بعضها أخطاء واضحة. ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردود على بعض تلك التعريفات، فقد ذٌكر أنّه إذا كانت النسبة إلى أهل الصفة –وهو خطأ تاريخي– فإنه يقال صُفِّي، وأما إذا كانت إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى فإنه يقال صَفِّي، وأما إذا كانت نسبة إلى الصفوة من خلق الله فإنه يقال صفوي، وأما إذا كانت النسبة إلى ذلك الرجل الجاهلي فإنه لا أحد من المتصوفة يرضى أن ينسب إلى قبيلة جاهلية قبل الإسلام، إضافة إلى أنه لم تعرف هذه التسمية بين الصحابة ولا كانت هذه القبيلة مشهورة أيضاً.

     وردَّ القشيري([2]) على معظم الأقوال في تعريف الصوفية فقال في رسالته:"فأما قول من قال:إنه من الصوف, ولهذا يقال:تصوّف إذا لبس الصوف كما يقال:تقمص إذا لبس القميص, فذلك وجه. ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف. ومن قال:إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي. ومن قال:إنه مشتق من الصفاء, فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة. ومن قال:إنه مشتق من الصف, فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم فالمعنى صحيح, ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف".([3])

       والصواب نسبة التَّصوف إلى الصوف، وهو الأقرب إلى الاشتقاق اللغوي، كما أنه الأقرب إلى ذوق الصوفية وحالهم في تمسكهم بلباس الصوف، وقد ذهب إلى تقرير هذا القول كثير من العلماء في نسبتهم لهذه الطائفة التي لم توجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان؛ إذ لو وجدت في هذه الأزمنة وعرفها الناس وعرفوا مسالكها لاشتهرت تسميتها ولما حصل لبس أو خلاف في حقيقتها واتجاهاتها بين المتأخرين.

        وقد رجّح شيخ الإسلام فيما يظهر من كلامه أن التَّصوف نسبة إلى الصوف حيث قال: "وقيل وهو المعروف: أنه نسبة إلى لبس الصوف".

       وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف، فقال:إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره، أو كلاما نحوا من هذا، ثم يقول بعد ذلك: هؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفي، وليس طريقهم مقيدا بلبس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به لمن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال، إلى أن قال:فهذا أصل التَّصوف، ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع.

      وما رجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء حق من أنها نسبة إلى الصوف، حيث كان شعار رهبان أهل الكتاب، الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية، وبالتالي فقد أبطل هؤلاء كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية، محمولة نسبة الصوفية أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري وسفيان الثوري رضي الله عنهم جميعاً، وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان.

    وأيّد السهروردي صحة القول بنسبة الصوفية إلى الصوف، وذكر أدلة كثيرة على فضائل لبس الصوف، وبالغ في مدح الصوفية حين اختاروا هذا الاسم. ثمّ ذكر الأسماء الأخرى والتي منها نسبتهم إلى أهل الصفة من فقراء الصحابة المهاجرين، ثم قال:"وهذا وإن كان لا يستقيم من حيث الاشتقاق اللغوي ولكن صحيح من حيث المعنى؛ لأن الصوفية يشاكل حالهم حال أولئك.

المبحث الثاني:نِشأة التَّصوف:

      لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التَّصوف في الأمة الإسلامية ومن هو أول متصوف، وإن كان الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما دخل مصر قال‏:‏"تركت بغداد وقد أحدث الزنادقة فيها شيئًا يسمونه السماع"‏.‏‏ والزنادقة الذين عناهم الشافعي هنا هم المتصوفة، ‏(‏والسماع‏)‏ هو الغناء والمواجيد والمواويل التي ينشدونها، ومعلوم أن الشافعي دخل مصر سنة 199هـ، وكلمات الشافعي توحي بأنّ قضية السماع هذه قضية جديدة، ولكن أمر هؤلاء الزنادقة يبدو أنه كان معلومًا قبل ذلك‏، بدليل أن الشافعي قال كلامًا كثيرًا عنهم كقوله مثلًا:"‏لو أن رجلًا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يكون أحمقا‏". وقال أيضًا‏:‏"ما لزم أحد الصوفية أربعين يومًا فعاد إليه عقله أبدًا".([4]‏) وكل هذا يدل على أنه قد كان هناك قبل نهاية القرن الثاني الهجري فرقة معلومة عند علماء الإسلام يسمونهم أحيانًا بالزنادقة وأحيانًا بالمتصوفة‏.‏‏

        وأما الإمام أحمد فقد أثر عنه أقوال كثيرة في التنفير من أفراد معينين نسبوا إلى التَّصوف‏.‏ كقوله في رجل جاء يستفتيه في كلام الحارث المحاسبي‏، قال أحمد بن حنبل‏:‏‏"‏لا أرى لك أن تجالسهم‏"،‏ وذلك بعد أن اطلع أحمد بن حنبل على مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها للبكاء ومحاسبة النفس كما يزعمون، والكلام على الوساوس وخطرات القلوب‏.‏ فلما اطلع الإمام أحمد على ذلك قال لسائله محذرًا إياه من مجالستهم وكتبهم ‏"‏إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات‏"‏‏.‏ والذي يبدو أنّ الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال هذا الكلام في مطلع القرن الثالث، ولكن هذا القرن ما كاد يكتمل حتى ظهر التَّصوف على حقيقته، وانتشر في الأمة انتشارًا ذريعاً، واستطاع المتصوفة أن يظهروا ما كانوا يخفونه سابقًا‏.‏

          وخلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الحسن البصري، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها وسلوكها، بل كانت التسمية الجامعة: المسلمين، المؤمنين، أو التسميات الخاصة مثل:الصحابي، البدري، أصحاب البيعة، التابعي. لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو العملي التعبدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة، ومنها قوله للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم:"لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني".وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء بنت نويت التي طوقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها:"عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل". وهكذا كان عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون، يجمعون بين العلم والعمل، والعبادة والسعي على النفس والعيال، وبين العبادة والجهاد، والتصدي للبدع والأهواء مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة الذكر الجماعي بمسجد الكوفة وقضى عليها، وتصديه لأصحاب معضد بن يزيد العجلي لما اتخذوا دوراً خاصة للعبادة في بعض الجبال وردهم عن ذلك.

 ظهور العبَّاد: في القرن الثاني الهجري في عهد التابعين وبقايا الصحابة ظهرت طائفة من العباد آثروا العزلة وعدم الاختلاط بالناس فشددوا على أنفسهم في العبادة على نحو لم يُعهد من قبل ومن أسباب ذلك بزوغ بعض الفتن الداخلية، وإراقة بعض الدماء الزكية، فآثروا اعتزال المجتمع تصوناً عما فيه من الفتن، وطلباً للسلامة في دينهم، يضاف إلى ذلك أيضاً فتح الدنيا أبوابها أمام المسلمين، وبخاصة بعد اتساع الفتوحات الإسلامية وانغماس بعض المسلمين فيها، وشيوع الترف والمجون بين طبقة من السفهاء، مما أوجد ردة فعل عند بعض العباد وبخاصة في البصرة والكوفة حيث كانت بداية الانحراف عن المنهج الأول في جانب السلوك.

       ففي الكوفة ظهرت جماعة من أهلها اعتزلوا الناس وأظهروا الندم الشديد بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وسموا أنفسهم بالتوَّابين أو البكَّائين. كما ظهرت طبقة من العباد غلب عليهم جانب التشدد في العبادة والبعد عن المشاركة في مجريات الدولة، مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة، واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلماً وتعليماً، بالإضافة إلى صدعهم بالحق وتصديهم لأهل الأهواء. كما ظهر فيهم الخوف الشديد من الله تعالى، والإغماء والصقع عند سماع القرآن الكريم مما استدعى الإنكار عليهم من بعض الصحابة وكبار التابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم رضي الله عنهم، وبسببهم شاع لقب العبَّاد والزُهَّاد والقُرَّاء في تلك الفترة. ومن أعلامهم: عامر بن عبد الله بن الزبير، و صفوان بن سليم، وطلق بن حبيب العنزي عطاء السلمي، الأسود بن يزيد بن قيس، وداود الطائي، وبعض أصحاب الحسن البصري.

بداية الانحراف:

      كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال: إبراهيم بن ادهم، مالك بن دينار، وبشر الحافي، ورابعة العدوية، وعبد الواحد بن زيد، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج. يقول مالك بن دينار:"لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب". وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشَّطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيله يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإقامة الصلاة، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق.

وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى:(وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء:90.

       ويلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله:"في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتَّصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتَّصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر، وبنى دويرة للصوفية، وهي أول ما بني في الإسلام أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع- صار لهم حال من السماع والصوت- إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين".

بداية ظهور مصطلح التَّصوف:

         لفظ التَّصوف والصوفية لم يكن معروفا في صدر الإسلام وإنما هو محدث بعد ذلك أو دخيل على الإسلام من أمم أخرى. وذكر ابن تيمية وسبقه ابن الجوزي وابن خلدون في هذا أن لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة الأولى.([5]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى:"أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني وغيرهما. وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري".

     وأول ما ظهرت الصوفية في البصرة، وأول من ابتنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد، وعبد الواحد من أصحاب الحسن، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار. واشتهر الفقه بالكوفة والتَّصوف بالبصرة.

     والذي توصَّل إليه بعض الكتاب العصريين أن التَّصوف تسرب إلى بلاد المسلمين من الديانات الأخرى كالديانة الهندية والرهبانية النصرانية، قد يستأنس له بما نقل عن ابن سيرين أنه قال:"إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا" فهذا يعطي أن التَّصوف له علاقة بالديانة النصرانية؛؛

         ويقول الدكتور صابر طعيمة في كتابه:"الصوفية معتقدا ومسلكا":ويبدوا أنه لتأثير الرهبنة المسيحية التي كان فيها الرهبان يلبسون الصوف وهم في أديرتهم كثرة كثيرة من المنقطعين لهذه الممارسة على امتداد الأرض التي حررها الإسلام بالتوحيد أعطى هو الآخر دورا في التأثير الذي بدا على سلوك الأوائل.

      وعبد الرحمن السلمي-المتوفى سنة 412هـ والذي لفق حكايات الصوفية ووضعها على ألسنة المشايخ السابقين- جعل إبراهيم بن أدهم رائدًا ومؤسسًا لبدايات هذا الفكر‏. وقال الشيخ إحسان إلهي ظهير في كتابه:(التَّصوف:المنشأ والمصادر):"عندما نتعمق في تعاليم الصوفية الأوائل والأواخر وأقاويلهم المنقولة منهم والمأثورة في كتب الصوفية القديمة والحديثة نفسها نرى بونا شاسعا بينها وبين تعاليم القران والسنة، وكذلك لا نرى جذورها وبذورها في سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام البررة خيار خلق الله وصفوة الكون، بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقتبسة من الرهبنة المسيحية والبراهمة الهندوكية وتنسك اليهودية وزهد البوذية..ويقول الشيخ:عبد الرحمن الوكيل في مقدمة كتابه(مصرع التَّصوف):"إن التَّصوف أدنأ وألأم كيدا ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسله، إنه قناع المجوس يتراءى بأنه لرباني، بل قناع كل عدو صوفي للدين الحق فتش فيه تجد برهمية وبوذية وزرادشتية ومانوية وديصانية، تجد أفلاطونية وغنوصية، تجد فيه يهودية ونصرانية ووثنية جاهلية..ومن خلال عرض أراء هؤلاء الكتاب المعاصرين في أصل الصوفية، وغيرهم مما لم نذكره كثيرون يرون هذا الرأي. يتبين أن الصوفية دخيلة على الإسلام، يظهر ذلك في ممارسات المنتسبين إليها-تلك الممارسات الغريبة على الإسلام والبعيدة عن هديه ن وإنما نعني بهذا المتأخرين من الصوفية حيث كثرت وعظمت شطحاتهم. أما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من الاعتدال، كالفضيل بن عياض، والجنيد، وإبراهيم بن أدهم وغيرهم.

متى ظهر أول من سمي بالصوفي:

تنازع العلماء والمؤرخون في أول من تسمَّ به على أقوال ثلاثة:-

1- شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه:أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام، بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ، قال عنه سفيان:"لولا أبو هاشم ما عُرِفت دقائق الريا". وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة الأوائل ويسميه الشيعة مخترع الصوفية. وصرّح الصوفي عبد الرحمن الجامي:"أن أبا هاشم الكوفي أول من دعي بالصوفي, ولم يسم أحد قبله بهذا الاسم, كما أن أول خانقاه بني للصوفية هو ذلك الذي في رملة الشام, والسبب في ذلك أن الأمير النصراني كان قد ذهب للقنص فشاهد شخصين من هذه الطائفة الصوفية سنح له لقاؤهما وقد احتضن أحدهما الآخر وجلسا هناك, وتناولا معا كل ما كان معهما من طعام, ثمّ سارا لشأنهما, فسرّ الأمير النصراني من معاملتهما وأخلاقهما".([6])

2- يذكر بعض المؤرخين أن عبدك -عبد الكريم أو محمد- المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام.

3- يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم.

حقيقة وأصل التَّصوف:

     إن التَّصوف علي الإطلاق ليس إسلامي النشأة، وإنما وفد علي البيئة الإسلامية مع ما وفد من عادات وتقاليد الأجناس الأخرى بعدما امتزجت واختلطت عقب الفتح الإسلامي. وعلى هذا الرأي بعض الملاحظات، فقد ينطبق هذا الرأي علي ذلك النوع من التَّصوف، الذي قام على أساس من الغلو والانحراف الذي جاء به أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد، مع تظاهرهم بالانتساب إلى الإسلام وتقديسهم لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ولعلَّ سبب هذا القول إنَّما يعود إلي الواقع الذي اشتمل عليه مفهوم التَّصوف. وقد يبدوا للناظر أنه يوجد لكل من القولين السابقين ما يبررهما في العقائد الصوفية، وأهل هذا القول يرجعون نشأة التَّصوف إلي أنه فارسي، أو هندي أو يوناني، أو مسيحي، أو أنه مزيج من هذا كله، وعلي رأس هذا الفريق كثير من المستشرقين ومن غيرهم أيضاً.

      والمطلع على الحركة الصوفية من أول نشأتها إلى حين ظهورها العلني على ذلك النحو يجد أن أساطين الفكر الصوفي جميعهم بلا استثناء في القرن الثالث والرابع الهجريين كانوا من الفرس، ولم يكن فيهم عربي قط، وعند مقابلة الدين الصوفي ستجد أن التَّصوف هو الوجه الآخر للتشيع، وأن أهداف التَّصوف والتشيع كانت واحدة تقريبًا، في السياسة والدين، والمهم هنا هو التذكير بأن التَّصوف بلغ غايته وذروته من حيث العقيدة والتشريع في نهاية القرن الثالث حيث استطاع الحسين بن منصور الحلاج أن يظهر معتقده على الملأ، ولذلك أفتى علماء العصر بكفره وقتله، فقتل سنة 309هـ وصلب على جسر بغداد، وسئل الصوفية الآخرون فلم يظهروا ما أظهر الحلاج.

وعلى الرغم من ذلك فإنّ الصوفية ظلت تواصل انتشارها في أرض فارس على الخصوص ثم العراق‏.‏‏.‏وساعد على انتشارها في فارس أن أقام رجل يسمى أبو سعيد الميهني نظامًا خاصًا للخانات الذي أصبح فيما بعد مركزًا للصوفية، وقلده في ذلك عامة رجال التَّصوف ومن هنا نشأت في منتصف القرن الرابع الهجري بدايات الطرق الصوفية التي سرعان ما انتشرت في العراق ومصر، والمغرب، وفي القرن السادس ظهرت مجموعة من رجال التَّصوف كل منهم يزعم أنه من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم، واستطاع كل منهم أن يقيم له طريقة صوفية خاصة وأتباعًا مخصوصين، فظهر الرفاعي في العراق، والبدوي في مصر وأصله من المغرب ولا يعرف له أم ولا أب ولا أسرة ولا هو من المغرب، وكذلك الشاذلي في مصر وأصله كذلك من المغرب‏.‏

     وتتابع ظهور الطرق الصوفية التي تفرعت من هذه الطرق، وفي القرون السادس والسابع والثامن‏.‏‏.‏ بلغت الفتنة الصوفية أقصاها وأنشئت فرق خاصة بالدراويش وظهر المجاذيب وبنيت القباب على القبور في كل ناحية، وذلك بقيام الدولة الفاطمية في مصر وبسط سيطرتها على أقاليم واسعة من العالم الإسلامي، وبنائها للمزارات والقبور المفتراة كقبر الحسين بن علي رضي الله عنهما في مصر والسيدة زينب، وإقامتهم بعد ذلك الموالد والبدع والخرافات الكثيرة، وتأليههم في النهاية للحاكم بأمر الله الفاطمي؛ لقد بدأت الدعوة الفاطمية بالمغرب لتكون بديلًا للحكم العباسي السني، واستطاعت هذه الدولة تجنيد هذه الفرق الصوفية وغزو العالم الإسلامي بهذه الجيوش الباطنية التي كان لها أعظم الأثر بعد ذلك في تمكين الجيوش الصليبية من أرض الإسلام.

عوامل نشأة التَّصوف:

لقد عمّ الخطب وطمّ في القرون المتأخرة التاسع والعاشر والحادي عشر إذ ظهرت آلاف الطرق الصوفية، وانتشرت العقيدة والشريعة الصوفية في الأمة، واستمر ذلك إلى عصر النهضة الإسلامية الحديثة‏.‏ وقد قامت الدعوة للصوفية وإظهار شأنها من جديد في هذا العصر على نطاق واسع بسبب عوامل عدة منها:-

1- جهل كثير من المسلمين بحقيقة دينهم، ثم الجهل بحقيقة الصوفية كذلك.

2- مساعدة أعداء الإسلام على نشر الصوفية، لأنهم يعرفون المكاسب التي سيجنون ثمارها إذا علا سلطان الصوفية وفشا الجهل، وانتشرت الخرافات الصوفية وخزعبلاتها، وتأثروا بآرائها السلبية في مفهوم الجهاد في سبيل الله، وفي مفهوم وحدة الأديان التابعة لمفهوم وحدة الوجود.

الصِّلة بين التَّصوف والتشيع:

       إنَّ صلة الصوفية بالتشيع شيء مؤكد, فمرجعهم دائماً من الصحابة هو علي بن أبي طالب أو الحسن بن علي"الذي هو أول الأقطاب".([7]) سلاسل التصوف كلها ما عدا النادر القليل منها تنتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي طرق إسنادها إلى علي أسماء أئمة الشيعة المعصومين حسب زعمهم من أولاد علي رضي الله عنه دون غيرهم, وأن رؤساء هذه العصابة يذكر لهم اتصال وثيق, وصلات وطيدة مع أئمة القوم كما يذكر في تراجمهم وسيرهم وأحوالهم, إضافة إلى ذلك أن الخرقة الصوفية لا يبدأ ذكرها أيضا إلا من علي رضي الله عنه أيضا.([8])

      وقالت الصوفية بالقطب والأبدال وهذا من أثر الإسماعيلية والشيعة.([9]) وعوامل نشأة الفرقتين وطبيعة كل منها توجب أن يقترب التشيع والتَّصوف, فالشيعة انهزموا في ميدان السياسة, والصوفية انهزموا في ميدان الحياة, وأهل فارس هم أكثر الناس تصوفاً بين الأمم الإسلامية([10]), وقد أخذ الصوفية فكرة الحياة المستمرة لبعض الأشخاص من الشيعة الذين يقولون بمهدية فلان أو فلان وأنه حي إلى الآن. قال ابن حزم:"وسلك في هذا السبيل بعض نوكي الصوفية فزعموا أن الخضر وإلياس عليهما السلام حيّـان إلى اليوم".([11])

       وقد اعتمد الصوفي عبد الرحمن السلمي في تفسيره على ما يروى عن جعفر الصادق من تأويلات للقرآن مخالفة للمنهاج الصحيح في التفسير, فإذا قالت الشيعة في تفسير قوله تعالى "وعلى الأعراف رجال" هو علي بن أبي طالب يعرف أنصاره بأسمائهم, قال السلمي:أصحاب المعرفة أصحاب الأعراف, وقال ابن عربي:"رجال هم العرفاء أهل الله وخاصته".([12])

      ويذكر السراج أنَّه"لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بين جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصية بمعان جليلة وإشارات لطيفة وألفاظ مفردة وعبارة، وبيان للتوحيد والمعرفة والعلم, تعلَّق وتخلَّق بها أهل الحقائق من الصوفية".([13]) وعلي رضي الله عنه من علماء الصحابة وأفضلهم بعد سابقيه في الخلافة فلماذا هذه الخصوصية ؟

      كما أخذ الصوفية مسألة عصمة الولي من الشيعة الذين يقولون بعصمة الأئمة ولكنهم أخفوها فترة من الزمن فسموها(الحفظ) ثم صرح بها القشيري فقال:"واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات والعصمة من المعاصي والمخالفات, ويجوز أن يكون من جملة كرامات ولي الله أن يعلم أنه ولي".([14]) ومن الموافقات الغريبة أن كل زعماء الطرق الصوفية يرجع نسبهم إلى علي بن أبي طالب ويتوارثون زعامة الطريقة كالإمامة عند الشيعة, وإذا كانت المشيخة هي محصول المجاهدة والسلوك فهل ولد الشيخ يجب أن يكون شيخاً؟

   إن الشيخ عبد القادر الجيلاني يرجع نسبه إلى آل البيت، وكذلك الشيخ أحمد الرفاعي والبدوي، وأبو الحسن الشاذلي، والبكتاشي، والسنوسي، والمهدي، وكل زعماء الطرق حتى في البلاد الأعجمية مثل محمد نور بخش، وخواجه اسحق وباليم سلطان.([15])

     والثلاثة الذين اشتهروا في التاريخ الإسلامي باسم الصوفي ولقبه بادئ ذي بدء كان اثنان منهم من الشيعة أو متهمين بالتشيع, كما أن هؤلاء الثلاثة كلهم كانوا من موطن الشيعة آنذاك, وهو الكوفة.

 1- فأبو هاشم الكوفي وإن لم يرم بالتشيع، فقد كان من الكوفة الشيعية, ومتهما بالزندقة والدهرية.

2-جابر بن حيان فيذكره ماسينيون بقوله:"وورد لفظ الصوفي لقبا مفردا لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي إذ نعت به جابر بن حيان وهو صاحب كيمياء شيعي من أهل الكوفة, له في الزهد مذهب خاص". وذكره نيكلسون بقوله:"جابر بن حيان الكيميائي المعروف كان يدعي جابر الصوفي, وأنه تقلد كما تقلد ذو النون المصري علم الباطن الذي يطلق عليه القفطي مذهب المتصوفين من أهل الإسلام". ويذكر المستشرقان التشيكوسلاوي بي كراؤس، وم بلسنر أن جابر بن حيان كان من الشيعة الغلاة, ولعله كان من القرامطة أو الإسماعيلية, وكان يرجح مثل النصيرية سلمان على محمد, كما كان يعتقد مثل الغلاة والنصيرية عقيدة تناسخ الأرواح وهذان المستشرقان ينقلان عن جابر بن حيان نفسه أنه يقول:إنه أخذ جميع علومه عن جعفر الصادق معدن الحكمة, وأنه ليس إلا الناقل المحض والمرتب.

     والشيعة فيعدونه من أعيانهم.فلقد كتب السيد محسن الأمين الشيعي المشهور في ترجمته أكثر من ثلاثين صفحة في كتابه(أعيان الشيعة) فيقول:"أبو عبد الله, ويقال:أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الطرطوسي الكوفي المعروف بالصوفي...كان حكيما رياضيا فيلسوفا عالما بالنجوم طبيبا منطقيا رصديا مؤلفا مكثرا في جميع هذه العلوم وغيرها: كالزهد والمواعظ, من أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام, وأحد أبوابه, ومن كبار الشيعة, وما يأتي عند تعداد مؤلفاته يدل على أنه كان من عجائب الدنيا ونوادر الدهر,...إذا هو زاهد واعظ مؤلف كتبا في الزهد والمواعظ".([16]) ثم نقل عن عديد من الشيعة أنهم ذكروا في كتبهم الرجالية, وعدّوه من تلامذة جعفر بن الباقر, ثم قال:"يستفاد مما سلف أمور, وهي:تشيعه, وعلمه بصناعة الكيمياء, وتصوفه, وفلسفته, وتلمذته على الصادق عليه السلام, واشتهاره عند أكابر العلماء, واشتهار كتبه بينهم اشتهارا لا مزيد عليه".([17])

3- عَبْدك أو عبد الله الصوفي فهذا ذكره كل من المستشرق ماسينيون، والباحث الإيراني الشيعي الدكتور قاسم غني, والشيعي العراقي الدكتور مصطفى الشيبي وغيرهم, على أنه كان شيعيا مغالياً.

     يقول المستشرق ماسينيون:"أمَّا صيغة الجمع (الصوفية) التي ظهرت عام 199هـ-814م في خبر فتنة قامت بالإسكندرية فكانت تدل– قرابة ذلك العهد فيما يراه المحاسبي والجاحظ–على مذهب من مذاهب التصوف الإسلامي يكون شيعيا نشأ في الكوفة, وكان عبدك الصوفي آخر أئمته, وهو من القائلين بأن الإمامة بالتعيين, وكان لا يأكل اللحم, وتوفي ببغداد حوالي عام 210هـ- 825م".([18])

        ونقل الدكتور مصطفى الشيبي عن السمعاني صاحب كتاب (الأنساب) أنّه قال:"إن اسم عبدك هو عبد الكريم, وأن حفيده محمد بن علي بن عبدك الشيعي كان مقدم الشيعة...وهكذا يبدو عبدك جامعا لاتجاهات عديدة مختلفة نابعة من التشيع, الممتزجة بالزهد المتأثر بظروف الكوفة التي انتقل منها كثير من سكانها إلى بغداد, بعد أن صارت عاصمة للدولة الجديدة, والمهم في شأن عبدك أنه أول كوفي يطلق عليه اسم صوفي بعد انتقاله إلى بغداد...وقد رأينا أن لبس الصوف قد نبع من بيئة الكوفة التي عرفت بتمسكها بالتشيع ومعارضتها وحربها بالسيف أو بالقول أو بالقلب لمن نكل بالأئمة العلويين, وذلك –إذا صح– يقطع بأن التصوف في أصوله الأولى كان متصلا بالتشيع".([19])

المبحث الثالث: طبقات الصوفية:

      ظهرت في القرنين الثالث والرابع الهجري طبقتان من المنتسبين إلى التَّصوف وهما:-

الطبقة الأولى:

        التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس، والعزوف عن الدنيا، والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بل وعن عباد القرن السابق له، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم-مثل الجنيد- بعض العبارات التي عدها العلماء من الشَّطحات، ومن أشهر رموز هذا التيار:-

* الجنيد: هو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة، ولذلك يعد من أهم الشخصيات التي يعتمد المتصوفة على أقواله وآرائه وبخاصة في التوحيد والمعرفة والمحبة. وقد تأثر بآراء ذي النون النوبي، فهذبها، وجمعها ونشرها من بعده تلميذه الشبلي، ولكنه خالف طريقة ذي النون والحلاج والبسطامي في الفناء، حيث كان يؤثر الصحو على السكر وينكر الشَّطحات، ويؤثر البقاء على الفناء، فللفناء عنده معنى آخر، وقد أنكر على المتصوفة سقوط التكاليف. وقد تأثر الجنيد بأستاذه الحارث المحاسبي والذي يعد أول من خلط الكلام بالتَّصوف، وبخاله السري السقطي(توفي 253هـ).

* وهناك آخرون تشملهم هذه الطبقة أمثال:أبو سليمان الدارني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني ت205هـ، وأحمد بن الحواري، والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطوي الصوفي وقد روى عنه البخاري في صحيحه، والسري بن المغلس السقطي أبو الحسن ت253هـ، وسهل بن عبد الله التستري ت273هـ، ومعروف الكرخي أبو محفوظ توفي 412هـ، ومحمد بن الحسن الأزدي السلمي، ومحمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبو يعلى البصري الصوفي توفي 368هـ شيخ الخطيب البغدادي.

ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة:

أ- بداية التمييز عن جمهور المسلمين والعلماء، وظهور مصطلحات تدل على ذلك بشكل مهد لظهور الطرق من بعد، مثل قول بعضهم: علمنا، مذهبنا، طريقنا، قال الجنيد:"علمنا مشتبك مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهو انتساب محرم شرعاً حيث يفضي إلى البدعة والمعصية بل وإلى الشرك أيضاً، وقد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يخرج من ماله، وأن يقل من غذائه وأن يترك الزواج مادام في سلوكه.

ب- كثرت الاهتمام بالوعظ والقصص، مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين. ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما سبب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية. وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة في مثل:كتب أبو طالب المكي قوت القلوب وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وكتب الحارث المحاسبي. وقد حذر العلماء الأوائل من هذه الكتب لاشتمالها على الأحاديث الموضوعة والمنكرة، واشتمالها على الإسرائيليات وأقوال أهل الكتاب. سئل الإمام أبو زرعة عن هذه الكتب فقيل له:في هذه عبرة؟ قال:من لم  يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة .

ج- الذوق من أهم هذه السمات المميزة لمذاهب التَّصوف والقاسم المشترك للمنهج المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها، والذوق أدى إلى اتساع الخرق عليهم، فلم يستطيعوا أن يحموا نهجهم الصوفي من الاندماج أو التأثر بعقائد وفلسفات غير إسلامية، مما سهل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها وانحرافها.

 

الطبقة الثانية:

        خلطت هذه الطبقة الزهد بعبارات الباطنية، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الوحدة، والفناء، والاتحاد، والحلول، والسكر، والصحو، والكشف، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال والمقامات، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم مما زاد العداء بينهما، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة، ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية، مما زاد في انحرافها، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التَّصوف حتى الآن.    

      وفيها اختلط التَّصوف بالفلسفة اليونانية، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، على أن الموجود الحق هو الله، وما عداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي. وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التَّصوف والتي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التَّصوف عن الإسلام بالكلية.     

      ومن أهمّ أعلام هذه الطبقة:أبو اليزيد البسطامي ت263هـ، وذو النون المصري ت245هـ، والحلاج ت309هـ، وأبو سعيد الخزار ت 286هـ، والحكيم الترمذي ت320هـ، أبو بكر الشبلي 334هـ. والسهروردي 587هـ، ومحي الدين ابن عربي ت638هـ، وابن الفارض632هـ، وابن سبعين ت667 هـ.

المبحث الرابع: مصادر التلقي عند الصوفية:

      إنَّ مصادر التلقي في التشريع عند المسلمين هي:الكتاب والسنة والإجماع. وأمّا مصادر التلقي عند المتصوفة فتقوم على الرؤى والمنامات والكشف والإلهام والجن والأموات والشيوخ...الخ، وكل هؤلاء يستمدون التشريعات منها، ولذلك تعددت طرق التَّصوف وتشريعاته، بل قالوا: الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، فلكل شيخ طريقة ومنهج للتربية، وذكر مخصوص وشعائر مخصوصة، وعبارات مخصوصة، ولذلك ضم التَّصوف آلاف الأديان والعقائد والشرائع، وكلها تحت مسمّى التَّصوف، وهذا هو الفارق الأساسي بين الإسلام والتَّصوف، فالإسلام دين محدد العقائد، محدد العبارات، محدد الشرائع. والتَّصوف دين لا حدود ولا تعاريف له في العقائد أو الشرائع.

أولا: الكشف: ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف، بل تحقيق غاية عبادتهم، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية منها:-

1-النبي صلى الله عليه وسلم:ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً.

2- الخضر عليه الصلاة السلام: قد كثرت حكايتهم عن لقياه والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية، وكذلك الأوراد، والأذكار والمناقب.

3- الإلهام: سواء كان من الله تعالى مباشرة، وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدون أن الولي يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى حيث أخذه الملك الذي يوحي به إلى النبي أو الرسول.

4-الفراسة: والتي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها.

5- الهواتف: من سماع الخطاب من الله تعالى، أو من الملائكة، أو الجن الصالح، أو من أحد الأولياء، أو الخضر، أو إبليس، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن.

6- الإسراءات والمعاريج: ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي، وجولاتها هناك والإتيان منها بشتى العلوم والأسرار.

7- الكشف الحسي: بالكشف عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر.

8- الرؤى والمنامات: وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها حيث يزعمون أنهم يتلقون فيها عن الله تعالى، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية.

ثانيا:الذوق: وله إطلاقان:-

1- الذوق العام الذي ينظم جميع الأحوال والمقامات، ويرى الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال إمكان السالك أن يتذوق حقيقة النبوة، وأن يدرك خاصيتها بالمنازلة.

2- الذوق الخاص فتتفاوت درجاته بينهم حيث يبدأ بالذوق ثم الشرب.

ثالثا:الوجد: وله ثلاثة مراتب:-

1- التواجد.

2- الوجد.

3- الوجود.

رابعاً: التلقي عن الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأشياخ المقبورين.

الكشف عند الصوفية:

      يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله عن الصوفية:"إنَّ ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية، فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة، بل الطريق تقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلموانكشف له سر الملكوت....فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الإرادة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة. ويرى أبو حامد إن علوم الأنبياء والأولياء عن طريق المكاشفة، لا بالتعلم و الكتابة للكتب".([20])

       ويقول عبد الرحمن إلجامي:"إنّ مستند الصوفية فيما ذهبوا إليه هو الكشف والعيان, لا النظر والبرهان. ويقول ابن عربي في رسالته إلى الفخر الرازي:"ارفع الهمة في أن لا تأخذ علما إلا من الله تعالى على الكشف, وأنه من المحال للعقل والفكر أن يصل إلى ما يطمئن إليه الإنسان في معرفة الله تعالى, وعليك أن تلزم طريق الرياضات والمجاهدات والخلوات".

      وقال عبد الكريم الجيلي:"إن إدراك الذات العلية هو بطريق الكشف الذي هو فوق العلم, ومن قبيل الذوق". وقال القاشاني:ومن العارفين من تحمله العناية الأزلية فيشهد الله تعالى بعد المشاهدة السابقة في معهد ألست بربكم, وهذه المشاهدة مطابقة للواقع كمستيقظ يرى مشهودا حقيقيا.

ويقول شعراً حسن رضوان:

أسماؤه وسائر الصفات    مجهولة لغيره كالذات

     وليس للعقول فيها مدرك بل    من وراء العقل كشفا تدرك

الكشف لغة اصطلاحا:

أولا: الكشف لغة:

      الكشف في اللغة هو الإظهار:يقال كشف الأمر يكشفه كشفا أي أظهره. والكشف هو رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه, أي إظهاره.([21])

ثانيا:الكشف اصطلاحا:

    هو:"الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الخفية وجودا وشهودا".([22]) وقال السراج الطوسي:"الكشف بيان ما يستتر على الفهم, فيكشف عنه للعبد كأنه رأى العين". وقال حسن رضوان:

فالكشف رفع ظلمة الحجاب                    عن قلبه ونفي الارتياب

فعن يقين كل أمر ينكشف                       له نعم والاكتشاف يختلف

     وأما المكاشفة فهي حضور للقلب لا ينعت بالبيان, فيكشف له ما يستر على الفهم, كأنه رأي العين. يقول أبو حامد الغزالي:"ونعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور اتضاحا يجري في مجرى العيان الذي لا يشك فيه".

     وللصوفية مصطلحات تحمل معنى الكشف, منها التجلي: وهو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب. ومنها الذوق: وهو نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه, يفرقون به بين الحق والباطل, من غير أن ينقلوا ذلك عن كتاب أو غيره. والكشف عند الصوفية يقابله الإشراق عند أصحاب الفلسفة الإشراقية كالسهروردي وغيره.

طريقة تحصيل الكشف:

      الكشف لا يمكنه البرهنة والاستدلال عليه حسا وعقلا, ولا يمكن انتقاله إلى الآخرين, وهو وقف على صاحبه السالك فحسب, لأنه وحده يعيش حالة الكشف..ومن أراد أن يحقق طريق الكشف فما عليه إلا أن يسلك الطريق الصوفي الذي يؤهله لذلك. فالكشف حال تعلم بالمنازلات والمجاهدات والمواجيد, فلا يعرفها إلا من نازل تلك الأحوال, وحل تلك المقامات. والوصول إلى حالة الكشف لا يكون بتحصيل العلم, ولا بقراءة القرآن وكتب التفسير والحديث, ولكن بسلوك طريق خاص, بينها أئمة الصوفية في كثير من مصنفاتهم.

        وطريقة تحصيل الكشف تكون: بتقديم المجاهدة, ومحو الصفات المذمومة, وقطع علائق الدنيا كلها, وتفريغ القلب من شواغلها, والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى, ولابد للسالك من الخلوة, والخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم, فإن لم يكن له مكان مظلم, يلف رأسه بجيبه, أو يتدثر بكساء أو إزاره, ويداوم على ذكر الله تعالى مع مراعاة الأدب والمراقبة والحضور, مع توحد العزيمة ودوام الجمعية, والمواظبة على هذه الحال, دون فتور, ولا تقسيم خاطر, ولا تشتت عزيمة, ويجب على السالك أن يقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن, وعن العلم والولاية والجاه, مع اقتصاره على الفرائض والرواتب, ولا يشغل نفسه بقراءة قرآن, ولا بالنظر في كتب التفسير والحديث ونحو ذلك من كنب العلم, فإذا واظب على هذا الحال تولى الله تعالى أمر القلب, وإذا تولاه فاضت عليه الرحمة, وأشرق النور فيه, وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت, وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة, وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية. وبالكشف يحقق الصوفية رؤية الله تعالى بالأبصار بعد طوال العناء. وشدة الرياضة والمجاهدات. وقد تحدث ابن عربي في الفتوحات المكية عن مشاهداته لله تعالى وتكليمه له.

     ونقل ابن الجوزي عن عدد من العلماء أنّ الصوفية ذموا العلماء، وزعموا أن الاشتغال بالعلم بطالة لأن علومهم بلا واسطة، وتوهم قوم من الصوفية أنّ المقصود هو العمل، وما فهموا أن التشاغل في العلم -الشرعي- من أوفى العمل، وإنّ العالم وإن قصر في العمل فهو على الجادة والعابد بغير علم على غير الطريق.

وزعموا أن العالم من اكتسب من البواطن حتى يقول أحدهم حدثني قلبي عن ربي.

    ويقول آخر شعراً:

إذا طالبوني بعلم الورق          برزت عليهم بعلم الخرق

     واستدل المتصوفة بحديث موضوع عن علي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علم الباطن سر من أسرار الله عز وجل وحكم من أحكامه يقذفه الله عز وجل في قلوب من يشاء من أوليائه" وهذا الحديث كما يقول ابن الجوزي لا أصل له وفي إسناده مجاهيل.([23])

      وكان العفيف التلمساني يشرح كتاب الفصوص، فإذا قيل له هذا مخالف للقرآن والحديث، قال التلمساني: ارم هذا كله خلف الباب واحضر بقلب صاف.([24])

     ولأنَّ الصوفية اعتمدوا على علم المكاشفة كانوا يدفنون الكتب في التراب أو يلقوها في اليم، وذلك لإتلافها كما أنهم كانوا يزعمون أن من اعتمد على العلم الشرعي والحديث والكتابة فإنه لا يمكن أن يصل أبداً. فقد كان أبو الحسن بن الخلال حسن الفهم، وله صبر على الحديث وأنه كان يتصوف ويرمي بالحديث مدة، ثم يرجع ويكتب، ولقد رمى بجملة من سماعاته القديمة في دجلة.([25])

   يقول أبو بكر الشبلي أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وأغرق في هذه الدجله سبعين قمطراً مكتوباً بخطه.([26]) وقال أبو سعيد عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي: كنت أنزل رباط الصوفية، واطلب الحديث في خفية، بحيث لا يعلمون فسقطت الدواة يوماً من كمي فقال لي بعض الصوفية استر عورتك.([27]) وقال الحسين بن أحمد الصفار:كان بيدي محبرة فقال لي الشبلي: غيّب سوادك عنى يكفيني سواد قلبي.([28])

     وقد اعترف الصوفية بوعورة طريق الكشف, وأن صاحبها قد يضل أثناء سلوكها, وأن عمره قد يضيع دون أن يصل إلى حالة الكشف, بل يبقى يعيش فترة من الزمان في خيالات وأوهام. ويقول الغزالي:"وفي أثناء هذه المجاهدة, قد يفسد المزاج, ويختلط العقل, ويمرض البدن, وإذا لم يتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم, نشبت بالقلب خيالات فاسدة تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول وينقضي العمل قبل النجاح فيها فكم من صوفي سلك هذا الطريق ثم بقي في خيال واحد وعشرين سنة".

    ويقول أبو حامد الغزالي‏:"‏فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر، وفاض على صدورهم النور، لا بالتعليم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى‏.‏ فمن كان لله، كان الله له، وزعموا أن الطريق في ذلك، أولًا بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها، وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن، وعن العالم والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود الشيء وعدمه‏.‏ ثم يخلوا بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب، ولا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا يكتب حديثًا ولا غيره‏.‏ بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى‏.‏ فلا يزال بعد جلوسه في الخلوة، قائلًا بلسانه‏:‏الله‏.‏‏...الله‏.‏‏.‏.على الدوام، مع حضور القلب، حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه‏.‏ ثم يصير عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة، ويبقي معنى الكلمة مجردًا في قلبه حاضرًا فيه، كأنه لازم له، لا يفارقه، وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هذا الحد، واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس‏.‏ وليس له اختيار في استجلاب رحمة الله تعالى‏.‏ بل هو بما فعله صار متعرضًا لنفحات رحمة الله، فلا يبقى إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة، كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريق‏.‏

      وعند ذلك إذا صدقت إرادته، وصفت همته، وحسنت مواظبته -فلم تجاذبه شهواته، ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا- تلمع لوامع الحق في قلبه، ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف ثم يلبث ثم يعود وقد يتأخر‏.‏ وإن عاد فقد يثبت، وقد يكون مختطفًا‏.‏ وإن ثبت قد يطول ثباته وقد لا يطول، وقد يتظاهر أمثاله على التلاحق وقد يقتصر على فن واحد‏.‏ ومنازل الأولياء الله تعالى فيه لا تحصر، كما لا يحصى تفاوت خلقهم وأخلاقهم، وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك، وتصفية وتجليات، ثم استعداد وانتظار فقط‏"‏.

     فانظر قول الغزالي عن الصوفي الذي يريد الوصول إلى الكشف:‏"ويجلس فارغ القلب، مجموع الهم، ولا يفرق فكره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا يكتب حديثًا ولا غيره‏.‏‏.‏ بل يقول‏.‏‏.‏.الله الله على الدوام‏.‏‏."‏ فهل وجد مثل هذا الأمر في كتاب أو سنة أو أنه عمل مبتدع يريد به صاحبه غاية لا تحصل له، وهي رؤية الله أو أنوار الله، أو الملائكة أو رسول الله‏؟‏‏!

     وأدهى من ذلك أنهم استعملوا الكشف والخواطر لتقوية أحاديث ضعيفة أو لتضعيف أحاديث قوية بحسب مزاج (المكاشف) الذي قد يكون فهمه في الواقع دون فهم الأمي الجاهل! يقول ابن عربي:"ورب حديثٍ يكون صحيحاً عن طريق رواته (العوام)، وحصل للمكاشف الذي يكون قد عاين هذا المظهر فسأل النبي عليه السلام – في موقف المكاشفة والمعاينة، عنه فأنكره، يقصد النبي، وقال للمكاشف:لم أقله ولا حكمت به فيعلم ضعفَه ويترك العمل به– على بينة من ربه! وعلى الرغم من عمل أهل النقل! وهذا ولا شك تخريب لأصول الإسلام وفروعه، وبهذا جرؤ المتصوفة على التنكر للشريعة، وشجعوا على وضع الحديث وتهربوا من تبعات أفعالهم. وجعلوا محور احتجاجهم حديثٌ يسندونه إلى رسول الله عليه السلام:"ما من آية إلا ولها ظاهر وباطن وحَدٌّ ومطلعٌ، ولكل مرتبةٍ من هذه المراتب رجال وأحوال ولكل طائفة من هذه الطوائف قطبٌ وعلى ذلك القطب يدور فلك ذلك الكشف".([29]) وزعم ابن عربي أن أصحابه وهم أهل الكشف أجمعوا على صحة هذا الحديث.

الرد على قول الصوفية بالكشف:

1- إن الحق الذي لا باطل فيـه هـو مـا جاء عن الله تعالى، وذلك لا يعرف إلا من الكتـاب والسنـة والإجماع([30])، قال تعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء:59. لذا لا يصح التحاكم إلى الرؤى المنامية ولا إلى المكاشفات، لأن ذلك ليس بمنضبط ولا يعلم الصادق من الكاذب.

2- شرط العلم النافع التقوى )وَاتقُوا الله وَيُعَلمكُمْ الله (وكل من خالف الكتاب والسنة أو جاء بعلم يخالفهما فليس تقياً حتى وإن ادعى الولاية والصلاح.

3-الفراسة هي أمر يقذفه الله في قلب المؤمن وهو خاطر يخطر للإنسان يميز فيه بين الحق والباطل.([31]) والكشف يحصل بطريق الرياضة والجوع والسهر وهذا قد يحصل للكافر كما يحصل للمؤمن فقد حصل على ذلك كثير من المرتاضين من كفرة الهند والنصارى والمجوس.([32]) فالمميز بين الفراسة وإلقاء الشيطان هو التقوى.

4-من لم تحصل له فراسة أو خارق لا يلحق ذلك ضرراً به ولا يؤثر ذلك في دينه وإيمانه، وليس الفراسة هي مقياس محبه الله للعبد ورضاه به.

      وقد يسلك بعض الصوفية الطرق ويقضي عمره في العبادة ولا يحصل له شيء من مكاشفاتهم فهل يضره ذلك إن كان على سنه المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

5- إن طريق المكاشفة يبعد عن العلم الشرعي ويزهد فيه قال أبو حامد الغزالي:"من الأولياء من يكاد يشرق نوره حتى يستغني عن مدد الأنبياء".([33]) وقال أبو القاسم الجنيد بن محمد:"إذا لقيت الفقير فالقه بالرفق ولا تلقه بالعلم فإن الرفق يؤنسه والعلم يوحشه، وقال الدقي:"سوء أدب الفقراء انحطاطهم من الحقيقة إلى العلم".([34]

6- كثير من غلاه الصوفية والزنادقة يقدمون الكشف والذوق على ظاهر الكتاب والسنة عند التعارض، وأدى ذلك ببعضهم إلى إسقاط التكاليف الشرعية.

      قال أبو حامد الغزالي:"ومن جنس ما يدعيه بعض من يدعي أنه قد بلغ حالة بينه وبين الله عز وجل أسقطت عنه الصلاة وحل له شرب الخمر والمعاصي".([35])

7- وأمَّا إتلاف الصوفية للكتب فلا تخلو هذه الكتب التي دفنوها أن يكون فيها حق أو باطل أو قد اختلط الحق بالباطل. فإن كان الذي أتلفوه باطلاً، فلا لوم عليهم. وإن كان قد اختلط الحق بالباطل ولم يمكن تمييزه كان معذوراً في إتلافها، كما دفن سفيان الثوري الكتب التي فيها اختلاط، وان كان فيها الحق والشرع فلا يحل إتلافها بوجه لكونها ضابطة العلم، وهى أموال لا يصح تضييعها. كما يرد عليهم من ثلاثة وجوه:-

أ - إنك لو فهمت لعلمت أنّ التشاغل بالعلم أوفى العبادات.

ب- إن اليقظة التي وقعت لك لا تدوم، وقد تندم بعد فوات الأوان، ولا تبقى القلوب على صفائها فقد تصدأ وتحتاج إلى النظر في كتب العلم، ومن أضاع الكتب قد يحدِّث من علمه فيحصل له خلط.

ج- وإذا استمرت يقظتك وحفظك، فهل وهبتها لمن هو دونك، أو أوقفتها على من ينتفع بها، أو بعتها وتصدقت بثمنها.([36]) وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يرى المحابر بأيدي طلبه العلم فيقول:هذه سرج الإسلام وكان رحمه الله يحمل المحبرة على كبر سنه، فقال له رجل:إلى متى يا أبا عبد الله فقال: المحبرة إلى المقبرة.([37])

8- إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبطوا الحديث وحفظوا القرآن وكتبوه، وكان رسول الله صلى الله عليـه وسلـم يحـث على ذلك ومن ذلك قوله:"استعن على حفظك بيمينك"([38]) يعنى بالكتابة، وروى ابن عمر رضي الله عنه عـن رسـول الله صلى الله عليـه وسلـم أنـه قـال:"قيدوا العلم فقلت وما تقيده ؟ قال: الكتابة".([39]) ولما سئل عليه السلام عن كتابة أقواله قال:"اكتبوا ولا حرج".([40]) والعلم هو النور والجهل ظلام، فمن ترك العلم عاش في ظلمة الجهل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]- الصوفية نشأتها وتطورها تأليف محمد العبْده- طارق عبد الحليم، الطبعة الرابعة، 1422هـ/ 2001م.

 

 

[2]- هو أبو القاسم عبد الكريم القشيري النيسابوري الشافعي قيل فيه:هو الإمام مطلقا, الفقيه, المتكلم, الأصولي, المفسر, الأديب..لسان عصره, وسر الله في خلقه, مدار الحقيقة, وعين السعادة, وقطب السيادة , من جمع بين الشريعة والحقيقة(مقدمة كتاب الرسالة القشيرية ص 15), وقال عنه أبو الحسن الباخرزي: لو ارتبط إبليس  في مجلسه لتاب( دمية القصر), توفي سنة 465 هـ.  

[3]- الرسالة القشيرية لأبي القاسم عبد الكريم القشيري، مطبعة حسان القاهرة 1974م، 2/550.

[4]- ‏تلبيس إبليس لابن الجوزي ص370‏.

[5]- الصوفية والفقراء لشيخ الإسلام بن تيمية ص 5, أيضا مقدمة ابن خلدون ص 467, تلبيس إبليس لابن الجوزي ص157.

[6]- نفحات الأنس: عبد الرحمن الجامي، ط إيران، ص31, 32.

[7]- لطائف المنن ص 67.

[8] - التَّصَوُّفُ المنْشَأ وَالمَصَادِر:إحسان إلهي ظهير ص131.

[9]- أبجد العلوم: صديق حسن خان 2/160.

-[10] التصوف الإسلامي: زكي مبارك 2/28.

[11]- الصلة بين التصوف والتشيع: د. مصطفى الشيبي ص 136.

[12]- المصدر السابق ص 191.

[13]- نفس المصدر ص343.

[14]- ص نفس المصدر ص386.

-[15] المصدر السابق ص 446.

[16]- أعيان الشيعة لمحسن الأمين الشيعي 15/87, 88 ط دار التعارف للمطبوعات بيروت.

[17] - المصدر السابق ص 102.

[18]- التصوف:ماسينيون ص27.  

[19]- الصلة بين التصوف والتشيع 1/293

[20]- الإحياء 3/19.  

[21]- لسان العرب 12/102.  

[22]- التعريفات للجرجاني ص 237.  

[23]- تلبيس إبليس 308، 309.

[24]- انظر مجموع الفتاوى 2/245.

[25]- تلبيس إبليس ص313.

[26]- السابق 313.

[27]- نفس المرجع 316.

[28]- المرجع نفسه 316.

[29]-الفتوحات المكية:ابن عربي 1/242.

[30]- الفتاوى 19/5.

[31]- مدارج السالكين 2/484.

[32]-السابق 2/228.

[33]- مشكاة الأنوار للغزالي، ص139.

[34]- القشيرية ص125-126.

[35]- فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة:للغزالي – مكتبة الجندي مصر، ص146.

[36]- تلبيس إبليس ص315.

[37]- السابق ص317.

-[38] لسان الميزان 4/20، وأخرجه العقيلي في كتابه الضعفاء (3/83).

[39]- سنن الدرامي باب من رخص في كتابة العلم رقم 427 (1/138).

-[40] المعجم الكبير للطبراني رقم 4410 (1/51)، مجمع الزوائد (1/151).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق