الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

الرد على الصوفيةالفصل الأول سُلطَانُ المَنَامَاتِ=كان "الحُلْم" -ولا يزال- من التجارب الإنسانية التي حَظِيَتْ باهتمامٍ بليغٍ في حياة البشر؛ إذ للحلم آثارُهُ وانطباعاتُهُ في نفس الحالم؛ فقد تلقى صديقًا أو قريبًا فتراه حزينًا كئيبًا، فتسبر غَوْر نفسه؛ لتعرف سرَّ كآبته وحزنه، فتعجب أشد العجب عندما تعلم أن سبب ذلك رؤيا مرعبة، أو منذرة بخطرٍ سيُدَاهِمُهُ، وقد تجده فرِحًا منشرح الصدر، بَاسِمَ الثغر، وما ذلك إلا لأنه رأى رؤيا مفرحة، أو مُبَشِّرَةً بحدث سارٍّ قادم.
يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر -حفظه اللَّه-: " كانت الرؤى -وما زالت- ذاتَ تأثير لا على الأفراد العاديين فحسب، بل على النابغين والأذكياء، وكم أقَضَّت الرُّؤَى مضاجِعَ الجبابرة والملوك، وكم شغلت شعبًا بأكمله يَوْمًا مَا، وما رؤيا ملك مصر في عهد يوسف ببعيدة عن ذاكرتنا، فقد رأى سبع بَقَرَاتٍ سمانٍ يأكلهن سبع عجاف، وسبعَ سنبلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابساتٍ، وكانت رؤيا حق، نفعت الناس نفعًا عظيمًا، عندما وُجِدَ الشخصُ الذي يُحسن تفسيرها، وتأويلها" (1).

تعريف الرؤيا:

قال ابن منظور -رحمه اللَّه-: "والرؤيا والحُلْم (2) عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح=======وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه-: "وظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الرؤيا من اللَّه، والحلم من الشيطان) أن التي تضاف إلى اللَّه لا يُقال لها حُلم، والتي تضاف للشيطان لا يقال لها رؤيا، وهو تصرفٌ شرعي، وإلا فالكل يُسمى رؤيا" (1). اهـ.

والغالب استعمال الرؤيا في خصوص البشرى من اللَّه، مع أنها تُطلَق على عموم ما يراه النائم، قال رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الرؤيا ثلاث (2): فالرؤيا الصالحة: بشرى من الله، ورؤيا: تحزين من الشيطان، ورؤيا: مما يُحَدِّثُ المرءُ نفسَه" الحديث (3).

وفي حديث عوف بن مالك -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إن الرؤيا ثلاث:

منها أهاويلُ من الشيطان ليحزنُ بها ابن آدم، ومنها ما يَهُمُّ به الرجلُ في يَقَظته،

فيراه في منامه، ومنها جزء من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة" (4).= 337)، و"تفسير الكشاف" (2/ 302)، والأحلام تُدعَى عند العرب "بناتِ الكرى" أي النعاس،


و"بنات الليل"، قال الشاعر في بخيل رأى في حلمه ضيفًا يطرق بابه، فقام إليه بالسيف ليطرده عنه:

أَرَتْهُ بُنيَّاتُ الكَرى شخصَ طارقٍ ... فقام إليها مُصْلَتًا بحسامِ

(1) "فتح الباري" (12/ 369).

(2) وليس الحصر مرادًا من قوله: "ثلاث" لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو حديث النفس، وبقي نوع خامس وهو: تلاعب الشيطان، ففي صحيح مسلم: "إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يخبر به الناس"، وفي رواية: "لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام" (4/ 1776، 1777)، ونوع سادس: وهو رؤية ما يعتاده الرائي في اليقظة، كمن كانت عادته أن يأكل في وقت، فنام فيه، فرأى أنه يأكل، أو بات طافحًا من أكل أو شرب -أي ملأ معدته حتى يكاد الطعام يفيض منها- فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص، وسابع: وهو الأضغاث - أفاده الحافظ بمعناه كما في "الفتح" (12/ 407، 408).=======نقد موقف المدرسة النفسية المادية من المنامات
مِن الناس مَن قد غلظ حجابهم، كالماديين الملاحدة، وكأتباع مدرسة التحليل النفسي، فهم ينكرون الرؤيا الصادقة، وليست الرؤى في زعمهم إلا انعكاسًا لما في النفس في حال اليقظة، أو لما يختبئ في سراديب العقل الباطن أو "اللاشعور" (1).
فعند فرويد: تعتبر الأحلام نافذة يطل منها على "العقل الباطن" فيعرف الكثير عن هذه المنطقة المستترة والهامة والمؤثرة في حياة الشخص (2).
- لقد استقر رأي فرويد على أن النوم يتميز بقلة تعرض الشخص للمؤثرات الخارجية، وابتعاده تمامًا عن الواقع، وفي هذا الجو الهادئ تنشط الصراعات الداخلية اللاشعورية، والرغبات غير المقبولة في الحياة العادية، حيث تجد هذه الأشياء مجالًا أكبر أثناء النوم لعملها، ولكن هذه الأشياء لا تظهر في الحلم بصورتها الفجة، حتى لا تزعج (الضمير) وتوقظه، وبالتالي تقطع نوم الشخص، وإنما تأخذ أشكالًا رمزية حتى تفرغ شِحْنَةَ اللاشعور دون إزْعاج للجهاز النفسي (3).
وبعبارة أخرى: الأحلام -عند فرويد- هي الطريق الملكي الموصِّل للَّاشعور، فالحلم "رغبة"، وكل الأحلام قسم واحد ناتج عن الرغبات المكبوتة في النفس، والتي تختبئ أثناء النهار في العقل الباطن واللاوعي، حتى


(1) "اللاشعور" تعبير غير دقيق من حيث اللغة ومن حيث التركيب؛ إذ لا يصح أن نعرف (بأل) نكرة منفية، أما التعبير المقبول فهو "مكنون النفس"، أو "العقل الباطن".
(2) ولهذا قال بعضهم: "أخبرني بأحلامك، أشخصْ مشكلتك"، ويقول بعض المحللين النفسيين: إنه يمكن إجراء عملية "التحليل النفسي" الكامل لشخصٍ ما من خلال الاقتصار على معرفة أحلامه فقط.=====================
إذا نام الإنسان وخفت الرقابة، انطلقت هذه الرغبات من العقل الباطن واللاوعي لتظهر في تلك الأحلام.
لقد قصر "فرويد" الأحلام على حديث النفس، مع بعض المؤثرات الخارجية على الشخص أثناء النوم، وألغى أي احتمال لاتصال النفس بعالَم الغيب تمشيًا مع إلحاده، وفسَّر ملاحظاته على مرضاه تفسيرًا لفظيًّا فلسفيًّا لا يدعمه دليل ولا برهان (1)، وهي مجرد آراء شخصية غير موضوعية وقابلة للنقاش.
إن "فرويد" لم يملك أدلة موضوعية على إثبات ما أثبته، ولا على إنكار ما أنكره، لكنه أفلح في أن يُوهم من يقرأ له أنه أمام حقائق، لا مجرد فروض ونظريات.
ومن هنا فإن "فرويد" و"الفرويديين" يقعون في مأزِق محرج أمام الرؤى الصادقة التي لا يفسرها حديث النفس، ولا رغبات الشعور (2).
إن الماديين الملحدين يزعمون أن القول بأن هناك رؤى تأتي من الغيب أو من إله أو من شيطان إنما هو من الخرافات البالية التي ينبغي طرحُها باعتبارها موروثات شعبية كالخرافات والأساطير، وتنحصر حجة هؤلاء في أنهم يجحدون ما وراء الحِس، فيقبعون داخل قمقم المادية الكثيفة، وينكرون الغيب لمجرد أننا لا نراه ولا ندركه بحواسنا.

"فرويد" لم يعرف من الرؤى إلا أضغاث الأحلام:
يقول الأستاذ الدكتور "سعد الدين السيد صالح" في معرض نقده نظرية الأحلام الفرويدية:
"زعم فرويد أن الحلم ما هو إلا تعبير عن رغبة جنسية مكبوتة، وبناءً على ذلك فسر كل ما يراه الرائي تفسيرًا جنسيًّا، ووضع نظريته في تفسير الأحلام، والتينراها مجرد تبرير لنظريته الجنسية الفاسدة، فقد أخطأ فرويد في نواحٍ كثيرة منها:
1 - أن الإنسان له رغبات كثيرة، ونزعات متعددة غير نزعة الجنس، وبالتالي فقد تأتي الأحلام مواكبة لهذه الرغبات:
- فأحلام المؤمن الذي يشعر دائمًا بالخوف من اللَّه فيرى في منامه صورًا من عذاب النار أو نعيم الجنة، لا يمكن أن يكون سببها الجنس، وإنما الخوف، أو الطمع في عفو اللَّه.
- وأحلام الخوف والرعب التي يراها الجندي وسط المعارك لا يمكن تفسيرها على أساس من الجنس، لأن لها دوافع أخرى.
- وهناك أحلام تكون دوافعها الشعور بالعداء والكراهية أو الغضب أو السيطرة أو غير ذلك من المشاعر النفسية المتعددة، ولكن فرويد لا يضع اعتبارًا لكل هذه المشاعر في تفسير الأحلام التي يُرجِعها جميعًا إلى الشعور بالجنس فقط.

2 - ومن هنا يبدو لنا جهله في تفسير رموز الأحلام، حيث حلل كل الرموز تحليلًا جنسيَّا، مع أن مفسري الأحلام يقولون بأن هناك رموزًا ثابتة، وهناك رموزًا متغيرة من فرد إلى فرد، على حسب ظروف الشخص نفسه.

فبعض الرموز التي فسرها فرويد تفسيرًا جنسيَّا، وضع لها العلماء تفسيراتٍ أخرى لا تمت إلى الجنس بصلة، فقد فسر فرويد صعود السلم والطيران بأنه رمز للعملية الجنسية، بينما فسره العلماء بأنه رمز للطموح أو الرفعة، فأي التفسيرين أوقع؟
3 - وقد ركزت نظرية تفسير الأحلام عنده على نوع واحد من أنواع المنامات، وهي الأحلام، وهي في الإسلام لا تكون إلا من الشيطان، ولم يتحدث عن الرؤيا، وهي لا تكون إلا من اللَّه. كما أنه لم يتحدث عن "الأحلام التنبؤية".
اhttp://moheb111.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق