الأحد، 13 سبتمبر 2015

الرد على محرفي الاءسماء والصفات)الصوفية الاءشعرية)=(إثبات النفس لله (عز وجل) من الكتاب):
فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا (جل وعلا) في كتابنا هذا: ذكر نفسه جل ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه؛ وعز أن يكون عدما لا نفس له؛ قال الله (جل ذكره) لنبيه محمد ‘: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) فأعلمنا ربنا أن له نفساً كتب عليها الرحمة: أي ليرحم بها من عمل سوءً بجهالة ثم تاب من بعده؛ على ما دل سياق هذه الآية؛ وهو قوله: (أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعدة وأصلح فإنه غفور رحيم)؛ والله (جل ذكره) لكليمه موسى: (ثم جئت على قدر ياموسى. واصطنعتك لنفسي)؛ الله أن له نفساً اصطنع لها كليمه موسى ‘؛ وقال (جلا وعلا): (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد) فثبت الله (أيضاً) في هذه الآية أن له نفساً؛ وقال روح الله عيسى بن مريم –مخاطباً ربه: (تعلم في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب)؛ فروح الله عيسى بن مريم يعلم أن لمعبودة نفساً.

(باب ذكر البيان من خبر النبي ‘ في إثبات النفس لله (عز وجل) على مثل موافقة التنزيل الذي بين الدفتين مسطور؛ وفي المحاريب والمساجد والبيوت والسكك مقروء).

1- حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: ثنا أبو معاوية؛ قال: ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله ‘ (يقول الله أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم).

2- حدثنا عبدالله بن سعيد الأشج؛ قال: ثنا ابن نمير؛ قال: ثنا الأعمش بهذا السند مثله.

3- حدثنا بشر بن خالد العسكري؛ قال: ثنا محمد –يعني بن جعفرعن شعبة عن سليمان وهو الأعمش قال: سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة عن النبي ‘ قال: (قال الله: عبدى عند ظنه بي وأنا معه إذا دعإني؛ إن ذكرني في نفسي ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم وأطيب).

4- حدثنا محمد بن يحيى وعبدالرحمن بن بشر؛ قالا: حدثنا عبدالرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال رسول الله ‘ قال الله تبارك وتعالى: (ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي؛ فإن ذكرتني في ملإ ذكرتك في ملأ من الملا ئكة أو قال في ملأ خير منهم). فقال عبدالرحمن: ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي.

5- حدثنا عبدالجبار بن العلا العطار، قال: ثنا سفيان عن محمد بن عبدالرحمن وهو مولى آل طلحة عن كريب، عن ابن عباس: (أن النبي ‘ حين خرج إلى صلاة الصبح وجويرية جالسة في المسجد فرجع حين (تعالى) النهار قال: لم تزالي جالسة بعدي؟ قالت:نعم، قال: قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بهن لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ومداد كلماته، ورضى نفسه وزنة عرشه).
قال أبوبكر: (خبر شعبة عن محمد بن عبدالرحمن من هذا الباب خرجته في كتاب الدعاء).

6- حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرني أنس بن عياض، عن الحرث وهو ابن أبي ذباب، عن عطاء بن مينا، عن أبي هريرة _ أن رسول الله ‘ قال: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده: أن رحمتي نالت غضبي).
(قال لنا يونس قال لنا أنس: نالت).
حدثنا يحيي بن حبيب الحارثي، قال: حدثنا خالد –يعني ابن الحرث- عن محمد بن عجلان.

7- وحدثنا محمد بن العلا أبو كريب، قال: حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان، عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله ‘: (لما خلق الله الخلق كتب بيدة على نفسه أن رحمتي تغلب غضبي).
قال أبوبكر: فالله (جلا وعلا) أثبت في آي من كتابه أن له نفساً، وكذلك قد بين على لسان نبيه ‘ أن له نفساً، كما أثبت النفس في كتابه، وكفرت الجهمية بهذه الآي، وهذه السنن، وزعم بعض جهلتهم أن الله (تعالى) إنما أضاف النفس إليه على معنى أضافة الخلق إليه، وزعم أن نفسه غيره، كما أن خلقه غيره وهذا لا يتوهمة ذو لب وعلم فضلا عن أن يتكلم به.
قد أعلم الله في محكم تنزيله أنه كتب على نفسه الرحمة أفيتوهم مسلم أن الله (تعالى) كتب على غيره الرحمة؟ وحذر الله العباد نفسه. أفيحل لمسلم أن يقول: أن الله حذر العباد غيره؟ أو يتأول قوله لكليمه موسى: (واصطنعتك لنفسي) فيقول معناه: واصطنعتك لغيرى من الخلوق، أو يقول: أراد روح الله يقوله: (ولا أعلم ما في نفسك) أراد ولا أعلم مافي غيرك؟ هذا لا يتوهمة مسلم ولا يقوله إلا معطل كافر.

8- حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا أبو النعمان قال: ثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثني محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ‘ قال: (التقى آدم وموسى (عليهما السلام) فقال له موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، قال آدم: لموسى عليهما السلام، أنت الذي اصطفاك الله برسالاتة واصطنعك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فهل وجدته كتبه لي قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، قال: فحج آدم موسى (عليهما السلام)، ثلاث مرات)، يريد: كرر هذا القول ثلاث مرات.

9- حدثنا أبو موسى، قال: ثنا عبدالصمد، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أبي قلابة، عن ابن أسماء، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ‘ فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى: (إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي فلا تظالموا، كل بني آدم يخطئ بالليل والنهار ثم فاغفر له ولا أبالي، وقال: يا بني آدم كلكم كان ضالاً إلا من هديت، وكلكم كان جائعاً إلا من أطعمت)، فذكر الحديث.

10- حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو مسهر عبد الأعلى، بن مسهر، قال: ثنا سعيد ابن عبدالعزيز، عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، عن رسول الله ‘ عن الله تبارك وتعالى: (أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

باب ذكر إثبات العلم لله (جل وعلا):
تباركت أسماؤه وجل ثناؤه، بالوحي المنزل على النبي المصطفى ‘ الذي يقرأ في المحاريب والكتاتيب من العلم الذي هو من علم العام، لا بنقل الاخبار التي هي من نقل علم الخاص، ضد قول الجهمية المعطلة الذين لا يؤمنون بكتاب الله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، تشبها بإليهود ينكرون أن لله علماء، يزعمون أنهم يقول أن الله هو العالم، وينكرون أن لله علماً مضافاً إليه من صفات الذات. قال الله (جل وعلا) في محكم تنزيله: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك، أنزله بعلمه) وقال (عز وجل): (فإن لم يستجيبوا لكم فأعلموا أنما أنزل بعلم الله).
فأعلمنا الله أنه أنزل القرآن بعلمه، وخبرنا جل ثناؤه أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه فأضاف الله (جل وعلا) إلى نفسه العلم الذي خبرنا أنه أنزل القرآن بعلمه، وإن من أنثى لا تحمل ولا تضع لا بعلمه.
فكفرت الجهمية وأنكرت أن يكون لخالقنا علماً مضافاً إليه من صفات الذات (تعالى) الله عما يقول الطاعنون في علم الله علواً كبيراً، فيقال لهم: خبرونا عمن هو عالم بالاشياء كلها، أله علم أم لا؟ فإن قال: الله يعلم السر والنجوى وأخفى وهو بكل شيء عليم، قيل له: فمن هو عالم والنجوى وهو بكل شيء عليم، أله علم أم لا علم له؟ فلا جواب لهم لهذا السؤال إلا الهرب، (فبهت الذي كفر، والله لا يهدى القوم الظالمين).

(3) (باب ذكر إثبات وجه الله)
الذي وصفه بالجلال والإكرام في قوله: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، ونفى عنه الهلاك إذا أهلك الله ما قد قضى عليه الهلاك مما قد خلقه الله للفناء لا للبقاء (جل ربنا) عن أن يهلك شيء منه مما هو من صفات ذاتة، قال الله (جل وعلا): (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وقال: (كل شيء هالك إلا وجهه) وقال لنبيه ‘: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه).
وقال: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله).
فأثبت الله لنفسه وجهاً بالجلال والإكرام، وحكم لوجهه بالبقاء، ونفى الهلاك عنه.
فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن، والعراق والشام ومصر، مذهبنا: أن نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدماً كما قاله المبطلون، لأن ما لا صفة له عدم (تعالى) الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه محمد ‘ قال الله (جل ذكره) في سورة الروم: (فآت ذا القربى حقه) إلى قوله (ذلك خير للذين يريدون وجه الله) وقال: (وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله)، وقال: (إنما نطعمكم لوجه الله) وقال: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى).

(4) (باب ذكر البيان من أخبار النبي المصطفى ‘ في إثبات الوجه لله جل ثناؤه، وتباركت أسماؤه، موافقة لما تلونا من التنزيل الذي هو بالقلوب محفوظ، وبين الدفتين مكتوب، وفي المحاريب والكتاتيب مقروء).
11- (1):حدثنا عبدالجبار بن العلى العطار وسعيد بن عبدالرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال: لم نزلت هذه الآية على رسول الله ‘: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم) قال النبي ‘: (أعوذ بوجهك)، قال: (أو من تحت أرجلكم) قال النبي ‘: (أعوذ بوجهك الكريم)، قال: (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض)، قال: (هاتان أهون وأيسر). هذا لفظ حديث المخزومي ومعنى حديثهما واحد.

12- (2): حدثنا عبدالجبار بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، والحسين بن الحسين، وأبو عمار الحسين بن حريث، وسعيد بن عبدالرحمن المخزومي، قالوا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه، قال مرضت بمكة عام الفتح، فذكروا الحديث بتمامه.
وقالوا في الخبر قال: (قلت يا رسول الله أخلف عن هجرتي؟ فقال: إنك لن تخلف بعدي، فتعمل عملاً تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة)، قال أبوبكر: قد أمليت طرق هذا الخبر في أبواب الوصايا.

13- (3): حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حماد –يعني بن زيد- عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: (كنا جلوساً في المسجد فدخل عمار بن فصلى صلاة أخفها، فمر بنا فقيل لة: يا أبا اليقظان: خففت الصلاة فقال: أو خفيفة رأيتموها؟ قلنا: نعم، قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء قد سمعته من رسول الله ‘ ثم مضى فاتّبعه رجل من القوم قال عطاء يرونه أبي، اتبعه ولكنه كره أن يقول اتبعته فسأله عن الدعاء ثم رجع فأخبرهم بالدعاء: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أجمعين أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسالك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق والعدل في الغضب والرضا، وأسالك القصد في الفقر والغنى وأسالك نعيماً لا يبيد، وأسالك قرة عين لا تنقطع، وأسالك الرضا بعد القضاء، وأسالك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسالك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين).
قال أبوبكر: ألا يعقل ذوو الحجا -يا طلاب العلم- أن النبي ‘ لا يسأل ربه ما لا يجوز كونه، ففي مسألة النبي ‘ ربه لذة النظر لى وجهه أبين البيان وأوضح الوضوح أن لله (عز وجل) وجهاً، يتلذذ بالنظر إليه من منّ الله (جل وعلا) عليه وتفضل بالنظر إلى وجهه.
وللنظر إلى وجهه يوم المعاد باب سيأتي في موضعه، منّ الله بهذه الكرامة على من يشاء من عباده المؤمنين.
قد أمليت أخبار النبي ‘: (من صام يوماً في سبيل الله ابتغاء وجه الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) بعضه في كتاب الجهاد، فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الموضع.

14- (4): وروى سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نهيك، عن ابن عباس عن رسول الله ‘ قال: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن ساء لكم بوجه الله فأعطوه).
حدثناه نصر بن علي الجهضمي، وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي، قالا: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة...

15- (5):  ثنا أحمد بن داود الواسطي، قال: ثنا وهب –يعني ابن جريرقال: ثنا شعبة، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة _ عن النبي ‘ قال: (مثل المجاهد في سبيل الله ابتغاء وجه الله، مثل القائم المصلي حتى يرجع المجاهد).
 قال أبوبكر: قد أمليت هذا الباب في فضائل الجهاد.

16- (6): حدثنا بشر بن خالد العسكري، قال: ثنا محمد، عن شعبة، عن سليمان –وهو الأعمش-،قال: سمعت أبا وائل، قال: قال عبدالله: (قسم رسول الله ‘ قسماً فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي ‘ فذكرت ذلك له فاحمر وجهه، قال شعبة: وأظنه قال وغضب حتى وددت إني لم أخبره، قال شعبة: أحسبه قال: يرحمنا الله وموسى، شك شعبة في (يرحمنا الله وموسى) قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
قال أبوبكر: قد أمليت طرق هذا الحديث في باب صبر الإمام على أذى الرعية.

17- (7): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا أبو المغيره، قال: ثنا أبوبكر –يعني ابن عبدالله بن أبي مريم الغساني-، قال: حدثني ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء عن زيد بن ثابت: أن النبي ‘ علمه وأمره أن يتعاهد أهله في كل صباح: (لبيلك اللهم لبيك وسعديك، والخير في يديك، ومنك وإليك)، الحديث بتمامه، وفي هذا الحديث (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك وشوقاً إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) الحديث بطوله أمليته في كتاب الدعاء.
قال أبوبكر: وهذا الخبر أيضاً داخل في إثبات اليد لله (عز وجل)، سيأتي أبواب إثبات اليد في موضعه من هذا الكتاب.

18- (8): حدثنا محمد بن الحسن (بن) تسنيم، قال: ثنا محمد –يعني ابن بكر البرساني-، قال: ثنا أبو العوام –يعني عمران القطان-، عن عاصم عن أبي وائل أن شبث بن ربعي صلى إلى جنب حذيفة، فبزق بين يديه فقال حذيفة: (أن رسول الله ‘ نهى عن ذا، ثم قال: إن المسلم إذا دخل في صلاته أقبل الله إليه بوجهه فيناجيه، فلا ينصرف حتى ينصرف عنه أو يحدث حدثاً).

19- (9): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى قال: ثنا الأعمش قال: ثنا شقيق قال: كنا عند حذيفة، فقام شبث بن ربعي فصلى فبصق بين يديه، فقال له حذيفة: يا شبث: لا تبصق بين يديك، ولا عن يمينك (فإن عن يمينك) كاتب الحسنات، ولكن عن يسارك، أو من ورائك، فإن العبد إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، فيناجية فلا ينصرف عنه حتى ينصرف أو يحدث سوء".
قال أبو بكر: لم أجد في كتابي "حتى ينصرف" وأظن الوراق أسقطه، خرجت هذا الباب في (كتاب الصلاة).

(...)- (10): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، سليمان بن داود، قال: ثنا أبان –يعني بن يزيد-، عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن الحارث الاشعري، أن رسول الله ‘ قال: (أن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا ‘ بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن)، فذكر الحديث بطوله، وقال في الحديث: (وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده).
قال أبوبكر: قد أمليت خبر أبي توبة الربيع بن نافع عن معاوية بن سلام بهذا الخبر بطوله في كتاب الصلاة.
فعيسى روح الله قد حث نبي الله يحيى بن زكريا أن يعلم بني إسرائيل ما أمره الله بإعلامه، وفيما أمر الله يحيى بن زكريا بإعلامه بني إسرائيل: أن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده إذا قام إلى الصلاة، ففي هذا ما بان وثبت وصح أن بني إسرائيل كانوا موقنين بأن لخالقهم وجها يقبل به إلى وجه المصلى له.
ونبينا ‘ قد أعلم أمته ما أمر الله (عز وجل) به يحيى بن زكريا عليهما السلام أن يأمر به بني إسرائيل لتعلم وتستيقن أمته أن لله وجهاً يقبل به على وجه المصلي له، كما أوحى إليه فيما أنزل عليه من الفرقان. (فأينما تولوا ..) أي بصلاتكم (فثم وجه الله).

 20- (11): حدثنا عبدالله بن الحكم بن أبي زياد القطواني قال: حدثنا محمد –يعني ابن عبيد- قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن حبيب، عن ناعم مولى أم سلمة، عن عبدالله بن عمرو قال: حججنا معه حتى إذا كنا ببعض طريق مكة رأيته تيمم –وطرح شيء له فجلس تحتها، ثم قال: رأيت رسول الله ‘ تحت هذه الشجرة، إذ أقبل رجل من هذا الشعب فسلم على رسول الله ‘ ثم قال: يا رسول (الله): إني أريد الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: هل من أبويك أحد حي؟ قال: نعم يا رسول الله كلاهما، قال: ارجع فابرر والديك قال: فولى راجعاً من حيث جاء).

21- (12): حدثنا علي بن الحسين الدرهمي، قال: ثنا أبو عبدالصمد العمي يعني:عبد العزيز بن عبدالصمد عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه: (أن رسول الله ‘ قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان، من ذهب فنيتمها وما فيهما، وما بين أن القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم في جنة عدن إلا رداء الكبرياء على وجهه).

22- (13): حدثنا عبدالله بن محمد الزهري قال: ثنا سفيان عن الأعمش، قال: سمعت أبا وائل يقول: سمعت خبابا يقول: (هاجرنا مع رسول الله ‘ نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من حسناتة شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك بردة، فإذا جعلناها على رأسه بدت رجلاه، وإذا جعلناها على رجليه بدا رأسه، وأمرنا النبي ‘ أن نجعل على رجليه شيئاً من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها).
قال أبوبكر: خرجت طرق هذا الخبر في كتاب الجنائز في باب الاستدلال بأن الكفن من جميع المال.

23- (14): حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: ثنا همام، عن قتادة، عن موروق، عن أبي الاحواص، عن عبدالله عن النبي ‘ قال: (أن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها).
قال أبوبكر: قد أمليت طرق هذا الخبر في غير هذا الكتاب، في خبر فضيل بن مرزوق، عن عطية عن أبي سعيد عن النبي ‘ في الدعاء عند الخروج إلى الصلاة، فيه: (وأقبل الله عليه بوجهه).

24- (15): حدثنا محمد بن يحيى بن ضريس، قال: ثنا بن فضيل عن فضيل بن مرزوق.
(.....) حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا سليم بن حيان، عن فضيل بن مرزوق، فذكر الحديث بتمامه.
قال: محمد بن خلف في حديثه، قال: (رسول الله ‘: وقال: ابن يحيى بن ضريس رفعه إلى النبي ‘.

25- (16): وفي خبر زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن علي بن حسين، قال:
قال: حدثتنا أم سلمة: أن نبي الله ‘ قال: من أدى زكاة ماله، طيب النفس بها، يريد بها وجه الله والدار الآخرة).
حدثناه زكريا بن يحيى بن أبان، قال: ثنا عمرو بن خالد، وعلي بن معبد، قالا: ثنا عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، قد أمليته بتمامه في كتاب الزكاة.

26- (17): وفي خبر عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه، فقال النبي ‘: (إنك لن تخلف بعدي، فتعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجه الله (إلا) ازددت درجة ورفعة).
وقال أيضاً في الخبر: (إنك لن تنفق نفقةً تريد بها وجه الله إلا أجرت عليها).
قال أبوبكر: أمليت هذا الخبر في كتاب الوصايا.

27- (18): حدثنا محمد بن رافع قال: ثنا يحيى بن آدم، قال : ثنا شريك عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله، قال: إذا لبست المرأة ثيابها ثم خرجت قيل: أين تذهبين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أصلي على جنازة، أو أصلي في مسجد، فقيل: وما تريدين؟ بذلك؟ فتقول وجه الله، والذي لا إله غيره: ما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقر في بيتها وتعبد ربها.
قال أبوبكر: هذا باب طويل، لو استخرج في هذا الكتاب أخبار النبي ‘ التي فيها ذكر وجه ربنا (جل وعلا) لطال الكتاب، وقد خرجنا كل صفة من هذه الاخبار في مواضعها في كتب مصنفة.

(5) (باب ذكر صورة ربنا (جل وعلا)):
وصفة سبحات وجهه (عز وجل): (تعالى) ربنا أن يكون وجه ربنا كوجه بعض خلقه، وعز ألا يكون له وجه، إذ الله قد أعلمنا في محكم تنزيله أن له وجهاً، ذاوه بالجلال والإكرام، ونفي عنه الهلاك.

28- (1): حدثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن العلا –وهو ابن المسيب-، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله ‘: (أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النهار، حجابه النار، لو كشف طباقها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره (واضع يده لمسيء الليل ليتوب بالنهار، ومسيء النهار ليتوب بالليل، وحتى تطلع الشمس من مغربها).

29- (2): حدثنا سلم بن جنادة القرشي، قال : ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله ‘ بخمس كلمات: أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل بالنهار، وعمل النهار بالليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقة).

30- (3): حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن يحيى قالا: ثنا أبو عاصم عن سفيان، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله ‘ بأربع: أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره). وقال محمد بن يحيى: (يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل).

31- (4): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا محمد بن عبيد وأبو نعيم، قالا: ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله ‘ بأربع قال ابن يحيى: بمثله وزاد فيه) ثم قرأ أبو عبيدة: (أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين).
حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني قال: ثنا أسد –بن موسىالسنة قال: ثنا المسعودي بهذا الإسناد مثله، سواء، وقال: ويرفعه.

(5): (....): حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير عن الأعمش، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى عن النبي ‘ مثل حديث أبي عاصم وقال: (يد الله مبسوطة).

32- (6): حدثنا محمد بن عثمان العجلي، قال: ثنا عبيدالله بن موسى، قال ثنا سفيان، عن حكيم بن الديلم، عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (قام فينا رسول الله ‘ بأربع: فقال: إن الله إلا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره).

33- (7): حدثنا بحر بن نصر الخولاني، قال: ثنا أسد قال: ثنا أبو غسان –محمد بن مطرف، عن أبي حازم عن عبيدالله بن مقسم أنه ذكر: (أن دون الرب يوم القيامة سبعين ألف حجاب، حجاب من ظلمة لا ينفذها شيء وحجاب من نور لا ينفذها شيء، وحجاب من ماء لا يسمع حسيس ذلك الماء شيء إلا خلع قلبه إلا من يربط الله على قلبه).

34- (8): حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر عن مجاهد، قال: (بين الملائكة وبين العرش سبعون حجاباً من نور وحجاب من ظلمة، وحجاب من نور، وحجاب من ظلمة).
قال أبو بكر: لم أخرج في هذا الكتاب من المقطعات، لأن هذا من الجنس الذي نقول: إن علم هذا لا يدرك إلا بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى ‘.
لست أحتج في شيء من صفات خالقي (عز وجل) إلا بما هومسطور في الكتاب أو منقول عن النبي ‘ بالأسانيد الصحيحة الثابتة.
أقول وبالله توفيقي، وإياه أسترشد: قد بين الله (عز وجل) في محكم تنزيله الذي هو مثبت بين الدفتين: أن له وجهاً، وصفه بالجلال والإكرام والبقاء فقال (جل وعلا): (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ونفى ربنا جلا وعلا عن وجهه الهلاك في قوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} وزعم بعض جهلة الجهمية: أن الله (عز وجل) إنما وصف في هذه الآية (نفسه) التي أضاف إليها الجلال، بقوله: {تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام}، وزعمت أن الرب هو: ذو الجلال والإكرام، لا الوجه.
قال أبوبكر: قولي وبالله توفيقي: هذه دعوى، يدعيها جاهل بلغة العرب، لأن الله (عز وجل) قال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.
فذكر الوجه مضموماً في هذا الموضع، مرفوعاً، وذكر الرب –بخفض الباء- بأضافة الوجه ولو كان قوله (ذو الجلال والإكرام) مردوداً إلى ذكر الرب في هذا الموضوع لكانت القراءة (ذى الجلال والإكرام مخفوضاً) كما كان الباء مخفوضاً في ذكر الرب (وجل وعلا).
ألم تسمع قوله تبارك وتعالى: {تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام} فلما كان الجلال والإكرام في هذه الآية صفة للرب، خفض ذى الباء الذي ذكر في قوله (ربك)، ولما كان الوجه في تلك الآية مرفوعة التي كانت صفة الوجه مرفوعة، فقال: {ذو الجلا والإكرام}.
فتفهموا يا ذوى الحجا هذا البيان، الذي هو (مفهوم في خطاب العرب، لا تغالطوا فتتركوا سواء السبيل، وفي هاتين الآتين) دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله، صفات الذات، لا أن وجه الله هو الله، ولا أن وجهه غيره، كما زعمت المعطلة الجهمية، لأن وجه الله لو كان الله لقرئ: {ويبقى وجه ربك –ذى يالجلال والإكرام}.
فما لمن لا يفهم هذا القدر من العربية، ووضع الكتب على علماء أهل الآثار، القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ‘ وزعمت الجهمية –عليهم لعائن الله أن أهل السنة ومتبعي الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ‘ المثبتين لله (عز وجل) من صفاته ما وصف الله به نفسه، في محكم تنزيله المثبت بين الدفتين وعلى لسان نبيه المصطفى ‘ بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه مشبهبة جهل منهم بكتاب ربنا وسنة نبينا ‘  وقلة معرفهم بلغة العرب، الذين بلغتهم خوطبنا.

وقد ذكرنا من الكتاب والسنة (في) ذكر وجه ربنا، بما فيه الغنية والكفاية ونزيده شرحاً، فاسمعوا الآن أيها العقلاء: ما تذكر من جنس اللغة السائر بين العرب، هل يقع اسم المشبهة على أهل الآثار ومتبعي السنن؟
نحن نقول: وعلماؤنا جميعاً في جميع الأقطار: أن لمعبودنا (عز وجل) وجهاً كما أعلمنا الله في محكم تنزيله، فذواه بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك، ونقول: أن لوجه ربنا (عز وجل) من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، محجوب عن أبصار أهل الدنيا، لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية.
ونقول: أن وجه ربنا القديم لا يزال باقياً، فنفى عنه الهلاك والفناء ونقول: أن لبني آدم وجوهاً كتب الله عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام غير موصوفة بالنور والضياء، والبهاء التي وصف الله بها وجهه. تدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنيا، لا تحرق لأحد شعرة فما فوقها، لنفي السبحات عنها، التي بينها نبينا المصطفى ‘ لوجه خالقنا.
ونقول: أن وجوه بني آدم محدثة مخلوقة، ولم تكن، فكونها الله بعد أن لم تكن مخلوقة، أوجدها بعد ما كانت عدماً، وإن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية تصير جميعاً ميتاً ورميماً، ثم ينشئها الله بعد ما قد صارت رميماً، فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي خالقها في القيامة،ومن المحاسبة بما قدمت يداه وكسبه في الدنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق البارئ.
ثم تصير إما إلى جنة منعمة فيها، أو إلى النار معذبه فيها، فهل يخطر –يا ذوى الحجا ببال عاقل مركب فيه العقل يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التشبيه، أن هذا الوجه شيبه بذاك الوجه؟ وهل ها هنا –أيها العقلاء تشبيه وجه ربنا (جل ثناؤه) الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم التي ذكرناها ووصفناها؟ غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم كما سمى الله وجهه وجهاً ولوكان تشبيهاً من علمائنا لكان كل قائل: أن لبني آدم وجهاً وللخنازير والقردة والكلاب، والسباع، والحمير، والحيات، والعقارب، وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة، والكلاب، وغيرها مما ذكرت.
ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه، ولو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقردة، والدب، والكلب، والحمار، والبغل ونحو هذا إلا غضب، لأنه خرج من سوء الأدب في الفحش في المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه.
ولست أحسب أن عاقلاً يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب، والزور، والبهت أو بالعته، والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم، لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا.
فتفكروا يا ذوى الألباب، أوجوه ما ذكرنا أقرب شبهاً بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذالم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع أو اسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم- فكيف يلزم أن يقال لنا: أنتم مشبهة؟
ووجوه بني آدم، ووجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم محدثة، كلها مخلوقة، قد قضى الله فناءها وهلاكها وقد كانت عدماً فكوّنها الله وخلقها وأحدثها.
وجميع ما ذكرناه من السباع والبهائم لوجوهها أبصار وخدود وجباه، وأنوف وألسنة، وأفواه، وأسنان، وشفاه.
 ولا يقول مركب فيه العقل لأحد من بني آدم: وجهك شبيه بوجه الخنزير ولا عينك شبيهة بعين قرد، ولا فمك فم دب، ولا شفتاك كشفتي كلب ولا خدك خد ذئب إلا على المشاتمة، كما يرمي الرامي الإنسان بما ليس فيه.
فإذا كان ما ذكرنا على ما وصفنا ثبت عند العقلاء وأهل التمييز، أن من رمى أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ‘ بالتشبيه فقد قال الباطل والكذب، والزور والبهتان، وخالف الكتاب والسنة وخرج من لسان العرب.
وزعمت المعطلة من الجهمية: أن معنى الوجه الذي ذكر الله في الآي: التي تلونا من الكتاب الله، وفي الأخبار التي روينا عن النبي ‘ كما تقول العرب: وجه الكلام، ووجه الثوب، ووجه الدار، فزعمت –لجهلها بالعلم- أن معنى قوله: وجه الله: كقول العرب: وجه الكلام، ووجه الثوب، وزعمت أن الوجوه من صفات المخلوقين.
وهذه فضيحة في الدعوى، ووقوع في أقبح ما زعموا أنهم يهربون منه، فيقال لهم: أفليس كلام بني آدم، والثياب والدور مخلوقة؟، فمن زعم منكم أن معنى قوله (وجه الله) كقول العرب: (وجه الكلام) و(وجه الثوب) و(وجه الدار) أليس قد شبه –على أصلكم -وجه الله بوجه الموتان؟ لزعمكم- ياجهلة أن من قال –من أهل السنة والآثار، القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم ‘ وجه وعينان، ونفس، وإن الله يبصر ويرى ويسمع: أنه مشبه خالقه بالمخلوقين.
فإذا كان على ما زعمتم بجهلكم، فأنتم شبهتم معبودكم بالموتان.
نحن نثبت لخالقنا (جل وعلا) صفاته التي وصف الله (عز وجل) بها نفسه في محكم تنزيله، على لسان نبيه المصطفى ‘ مما ثبت بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه.
ونقول: كلاماً مفهوماً موزوناً، يفهمه كل عاقل نقول: ليس إيقاع اسم الوجه للخالق البارئ بموجب –عند ذوى الحجا والنهى وأنه يشبه وجه الخالق بوجوه بني آدم.
قد أعلمنا الله (جل وعلا) في الآي -التي تلوناها قبل- أن لله وجهاً، ذواه بالجلال والإكرام، ونفى الهلاك عنه، وخبرنا في محكم تنزيله أنه يسمع ويرى، فقال (جلا وعلا) لكليمه موسى ولأخيه هارون (صلوات الله عليهما): (إنني معكما أسمع وأرى)، وما لا يسمع ولا يبصر: كالأصنام، التي هي من الأوثان.
ألم تسمع مخاطبة خليل الله (صلوات الله عليه) أباه: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً؟)، أفلا يعقل –يا ذوى الحجا من فهم عن الله (تبارك وتعالى) هذا: أن خليل الله (صلوات الله عليه وسلامه لا يوبخ أباه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصر (ثم يدعو إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر)، ولو قال الخليل –صلوات الله عليه- لأبيه: "أدعوك إلى ربي الذي لا يسمع ولا يبصر" لأشبه أن يقول: فما الفرق بين معبودك ومعبودي؟
والله قد أثبت لنفسه أنه يسمع ويرى، والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله (جل وعلا) وصف بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيه ‘ لجهلهم بالعلم، وقال (عز وجل): (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، أن هم إلا كالآنعام بل هم أضل سبيلا)
فأعلم الله (عز وجل) أن من لا يسمع ولا يعقل: كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً، فمعبود الجهمية –عليهم لعائن الله- كالأنعام التي لا تسمع ولا تبصر. والله قد ثبت لنفسه: أنه يسمع ويرى، والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله وصف بها في محكم تنزيله، أو على لسان نبيه ‘ لجهلهم بالعلم، وذلك أنهم وجدوا في القرآن أن الله قد أوقع أسماء من أسماء صفاته على بعض خلقه، فتوهموا –لجهلهم بالعلم-أن من وصف الله (بتلك الصفة التي وصف الله) بها نفسه، قد شبهه بخلقه، فاسمعوا –يا ذوي الحجا- ما أبين من جهل هولاء المعطلة.
أقول: وجدت الله وصف نفسه في غير موضع من كتابه، فأعلم عباده المؤمنين أنه سميع بصير، فقال: (وهو السميع البصير)، وعلمنا (جل وعلا) أنه يرى فقال: (وقل أعلموا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين) وقال لموسى وهارون (عليهما السلام): (إنني معكما أسمع وأرى) فأعلم (عز وجل) أنه يرى أعمال بني آدم، وإن رسوله –وهو بشر- يرى أعمالهم أيضاً، وقال: (أو لم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) وبنو آدم يرون أيضاً الطير مسخرات في جو السماء وقال: (واصنع الفلك باعيننا) وقال: (تجرى باعيننا) وقال: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)، فثبت ربنا (عز وجل) لنفسه عيناً، وثبت لبني آدم أعيناً: (فقال: ترى أعينهم تفيض من الدمع).
فقد خبرنا: أن ربنا: أن له عيناً، وعلمنا أن لبني آدم أعيناً، وقال لإبليس عليه لعنة الله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) وقال: (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويان بيمينه) فثبت ربنا (جل وعلا) لنفسه يديْن، وخبرنا أن لبني آدم يديْن، فقال: (ذلك بما قدمت أيديكم) وقال: (ذلك بما قدمت يداك) وقال: (أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال: (الرحمن على العرش استوى).
وخبرنا: أن ركبان الدواب يستوون على ظهورها، وقال في ذكر سفينة نوح: (واستوت على الجودي) أفيلزم –ذوي الحجا- عند هؤلاء الفسقة أن من ثبت لله ما ثبت الله في هذا الآي أن يكون مشبهاً خالقه بخلقه، حاش لله أن يكون هذا تشبيهاً كما ادعوا لجهلهم بالعلم.
 نحن نقول: أن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارؤنا، ونقول من له سمع وبصر من بني آدم: فهو سميع بصير، ولا نقول: أن هذا تشبيه المخلوق بالخالق.
ونقول: أن لله (عز وجل) يدين، يمينين لا شمال فيهما، قد أعلمنا الله تبارك وتعالى أن له يدين، وخبرنا نبينا ‘ أنهما يمينان لا شمال فيهما.
 ونقول: أن من كان من بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان: يمين وشمال
ولا نقول: أن يد المخلوقين كيد الخالق –عز ربنا عن أن تكون يده كيد خلقه وقد سمى الله لنا نفسه عزيزاً، وسمى بعض الملوك عزيزاً، فقال: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) وسمى إخوة يوسف أخاهم يوسف: عزيزاً، فقالوا: (يا أيها العزيز أن له أبا شيخاً كبيراً) وقال: (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) فليس عزة خالقنا العزة التي هي صفة من صفات ذاته، كعزة المخلوقين الذين أعزهم الله بها، ولو كان كل اسم سمى الله لنا به نفسه وأوقع ذلك الاسم على بعض خلقه: كان ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق على ماتوهم هؤلاء الجهلة من الجهمية، لكان كل من قرأ القرآن وصدقه بقلبه أنه قرآن ووحي، وتنزيله، قد شبه خالقه بخلقه.
وقد أعلمنا ربنا –تبارك وتعالىأنه الملك، سمى بعض عبيده: ملكاً فقال: (وقال الملك ائتوني به) وأعلمنا جل جلاله أنه العظيم، وسمى بعض عبيده) عظيماً، فقال: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وسمى الله بعض خلقه عظيماً فقال: (وهو رب العرش العظيم) فالله أوقع اسم الله العظيم على عرشه، والعرش مخلوق، وربنا الجبار المتكبر فقال: (السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر) وسمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار).
وبارؤنا (عز وجل) الحفيظ العليم، وخبرنا أن يوسف –عليه السلام- قال للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقال: (وبشروه بغلام عليم)، وقال: (بغلام حليم) فالحليم والعليم اسمان لمعبودنا (جل وعلا)، قد سمى الله بهما بعض بني آدم، ولو لزم –ياذوى الحجا أهل السنة والآثار إذا أثبتوا لمعبودهم يدين كما ثبتهما الله لنفسه وثبتوا له نفساً (عز وجل)، وأنه سميع بصير، يسمع ويرى، ما ادعي هؤلاء الجهلة عليهم أنهم مشبهة، للزم كل من سمى الله ملكاً أو عظيماً ورؤوفاً ورحيماً، وجباراً، ومتكبراً، وأنه قد شبه خالقه (عز وجل) بخلقه، حاش لله أن يكون من وصف الله جل وعلا، بما وصف الله به نفسه، في كتابه، أو على لسان نبيه المصطفى ‘ مشبهاً خالقه بخلقه.
 (فأما احتجاج الجهمية): على أهل السنة والآثار في هذا النحو بقوله: (ليس كمثله شيء)، فمن القائل إن لخالقنا مثلاً؟ أوإن له شبيهاً؟ وهذا من التمويه على الرعاع والسفل، ويموهون بمثل هذا على الجهال يوهمونهم أن من وصف الله بما وصف به نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيه ‘ فقد شبه الخالق بالمخلوق، وكيف يكون ياذوي الحجا خلقه مثله؟
نقول: الله القديم لم يزل، والخلق محدث مربوب، والله الرازق، والخلق مرزوقون، والله الدائم الباقي وخلقه هالك غير باق، والله الغني عن جميع خلقه، والخلق فقراء إلى الله خالقهم، وليس في تسميتنا بعض الخلق ببعض أسامي الله بموجب عند العقلاء الذين يعقلون عن الله خطابه أن يقال: إنكم شبهتم الله بخلقه، إذ أوقعتم بعض أسامي الله على خلقه وهل يمكن عند هؤلاء الجهال حل هذه الأسامي من المصاحف أو محوها من صدور أهل القرآن؟ أو ترك تلاوتها في المحاريب وفي الجدور والبيوت؟
أليس قد أعلمنا منزل القرآن على نبيه ‘ أنه الملك؟ وسمى بعض عبيده ملكاً، وخبرنا أنه السلام، وسمى تحية المؤمين بينهم سلاماً في الدنيا وفي الجنة فقال: (تحيتهم يوم يلقونة سلام)، ونبينا المصطفى ‘ قد كان يقول يوم فراغه من تسليم الصلاة: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) وقال (عز وجل): (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً).
فثبت بخبر الله: أن الله هو السلام، كما في قوله: (السلام المؤمن المهيمن) وأوقع هذا الاسم على غير الخالق البارئ، وأعلمنا (عز وجل) أنه المؤمن، وسمى بعض عباده (المؤمنين) فقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)، وقال: (إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله) الآية وقال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) وقال: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) وقد ذكرنا قبل أن الله خبر أنه سميع بصير، وقد أعلمنا أنه جعل الإنسان سميعاً بصيراً فقال: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) إلى قوله: (فجعلناه سميعاً بصيراً).
والله الحكم العدل وخبرنا نبينا ‘ أن عيسى بن مريم ينزل قبل قيام الساعة (حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً)، والمقسط أيضاً اسم من أسامي الله (عز وجل) في خبر أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة _ عن النبي ‘ في أسامي الرب (عز وجل) فيه (والمقسط) وقال في ذكر الشقاق بين الزوجين: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها)، فأوقع اسم الحكم على حكمي الشقاق.
والله العدل، وأمر عباده بالعدل والإحسان، والنبي ‘ قد خبر: (أن المقسطين في الدنيا على منابر من نور، أو من لؤلؤ يوم القيامة) فاسم المقسط قد أوقعه النبي ‘ على بعض أوليائه الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، وفي خبر "عياض بن حمار": أن النبي ‘ قال (أهل الجنة ثلاثة: عفيف متصدق، وذو سلطان مقسط، ورجل رحيم، رقيق القلب لكل ذى قربى ومسلم).
حدثنا أبو موسى، قال: ثنا محمد بن عدي قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عياض بن حمار المجاشعي، قال: سمعت رسول ‘ يقول: قال أبوبكر: وإن كان المقسط اسم من أسامي ربنا (جل وعلا) وبارئنا الحليم (جل ربنا، وسمى الله إبراهيم عليه السلام حليماً فقال: (أن إبراهيم لحليم أواه منيب)، وأعلمنا أن نبيا محمداً المصطفى ‘ رؤوف رحيم، فقال في وصفه: {حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، والله الشكور وسمى بعض عباده الشكور، فقال: {وقليل من عبادي الشكور} فسمى الله القليل من عباده الشكور).
والله العلي، وقال في مواضع من كتابه: يذكر نفسه (عز وجل): {إنه علي حكيم} وقد سمى بهذا الاسم كثير من الآدميين.
لم نسمع عالماً ورعاً، زاهداً فاضلاً فقيهاً، ولا جاهلاً أنكر على أحد الآدميين تسمية ابنه علياً ولا كره أحد منهم هذا الاسم للآدميين، قد دعا النبي ‘ علي بن أبي طالب _ باسمه، حين وجه إليه فقال: ادع لي علياً).
والله الكبير وجميع المسلمين يوقعون اسم (الكبير) على أشياء ذوات عدد من المخلوقين، يوقعون اسم (الكبير) على الشيخ الكبير وعلى الرئيس، وعلى كل عظيم، وكثير من الحيوان وغيرها.
ذكر الله قول إخوة يوسف للملك: {أن له أبا شيخاً كبيراً}.
وقالت الخثعمية للنبي ‘: (أن فريضة الله على عباده أدركت أبى شيخاً كبيراً) فلم ينكر النبي ‘ عليها تسميتها أباها كبيراً، ولا قال لها: إن الكبير اسم (من أسامي)، الله تعالى، (وفي قصة شعيب: {وأبونا شيخ كبير} ….). وربنا (عز وجل) الكريم، والنبي ‘ قد أوقع اسم الكريم على جماعة من الأنبياء، فقال: (أن الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم).
وقال (عز وجل): {فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} فسمى النبي ‘ كل واحد من هؤلاء الأنبياء كريماً.
والله الحكيم، وسمى كتابه حكيماً، فقال: {آلم. تلك آيات الكتاب الحكيم}. وأهل القبلة يسمون (لقمان الحكيم)، إذ الله أعلم أنه آتاه الحكمة، فقال: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} وكذلك العلماء يقولون: قال الحكيم من الحكماء، ويقولون: فلان حكيم من الحكماء.
والله (جل وعلا) الشهيد، وسمى الشهود الذين يشهدون على الحقوق شهوداً، فقال: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}، وقال –أيضاً–: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}.
وسمى الله (عز وجل) ثم نبيه المصطفى ‘ وجميع أهل الصلاة: المقتول: في سبيل الله شهيداً والله الحق. قال الله (عز وجل): {فالحق والحق أقول}، وقال: {فتعالى الله الملك الحق}، وقال (عز وجل): {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} وقال: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} وقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات و أمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} وقال: {وإن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} وقال: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك} وقال: {الملك يومئذ الحق للرحمن}، وقال: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق} وقال: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} وقال (جل وعلا) لنبيه ‘: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله}.
فكل صواب وعدل في حكم أو فعل ونطق: فاسم الحق واقع عليه، وإن كان اسم الحق اسماً من أسامي ربنا (عز وجل) لا يمنع أحد من أهل القبلة –من العلماء من إيقاع اسم الحق على كل عدل وصواب.
والله الوكيل، كما قال الله (عز وجل): {وهو على كل شيء وكيل} والعرب لا تمانع بينها من إيقاع اسم (الوكيل) على من يتوكل لبعض بني آدم، والنبي ‘ في خبر جابر قد قال له: (اذهب إلى وكيلي بخيبر)، وفي أخبار فاطمة بنت قيس في مخاطبتها للنبي ‘: لما أعلمته أن زوجهاً طلقها، قالت: وأمر وكيله أن يعطيني شيئاً، وأنها تقالت ما أعطاها وكيل زوجهاً).
و العجم –أيضاً-يوقعون اسم (الوكيل) على من يتوكل لبعض الآدميين، كإيقاع العرب سواء.
وأعلم الله: أنه مولى الذين آمنوا، في قوله: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} وقال (عز وجل): {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون}، فأوقع اسم الموالي على العصبة، وقال النبي ‘ : (من كنت مولاه فعلي مولاه).
وقد أمليت هذه الأخبار في فضائل علي بن أبى طالب _.
وقال ‘ لزيد بن حارثة لما اشتجر جعفر وعلي بن أبى طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة: قال لزيد: (أنت أخونا ومولانا) فأوقع اسم المولى –أيضاً- على المولى من أسفل، كما أوقع اسم المولى على المولى من أعلى.
فكل معتق قد يقع عليه اسم مولى، ويقع على المعتق اسم مولى.
وقال ‘ في خبر عائشة (رضى الله عنها): (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)، فقد أوقع الله، ثم رسوله، ثم جميع العرب و العجم اسم (المولى) على بعض المخلوقين، والله (عز وجل) الولي، وقد سمى الله نبيه ‘ ولياً، فقال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة} الآية.
فسمى الله هؤلاء المؤمنين –أيضا- ًالذين وصفهم في الآية: أولياء، المؤمنين، و أعلمنا –أيضاً- ربنا (عز وجل) أن بعض المؤمنين أولياء بعض في قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعهم أولياء بعض}. وقال (عز وجل): {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
والله (جل وعلا) الحي، واسم الحي قد يقع أيضاً على كل ذي روح، قبل قبض النفس وخروج الروح منه قبل الموت، قال الله (تبارك وتعالى): {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي}، واسم الحي قد يقع –أيضاً–على الموتان، قال الله تعالى: {والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها}، وقال الله (تعالى): {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، وقال النبي ‘: (من أحيا أرضا ميتة فهي له).
والله الواحد. وكل ما له عدد من الحيوان والموتان، فاسم الواحد قد يقع على كل واحد من جنس منه، إذا عد قيل: واحد، واثنان، وثلاثة إلى أن ينتهي العدد إلى ما انتهى إليه، وإذا كان واحد من ذلك الجنس قيل: هذا واحد، وكذلك يقال: هذا الواحد: صفته كذا وكذا، لا تمانع العرب في إيقاع اسم الواحد على (ما) بينت. وربنا (جل وعلا) الوالي، وكل من له ولاية من أمر المسلمين فاسم الوالي واقع عليه عند جميع أهل الصلاة من العرب.
وخالقنا (جل وعلا) التواب، قال الله (عز وجل): {أن الله كان تواباً رحيماً}. وقد سمى الله جميع من تاب من الذنوب تواباً، فقال: {أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، ومعقول عند كل مؤمن أن هذا الاسم الذي هو اسم الله، ليس هو على معنى ما سمى الله التائبين به، لأن الله إنما أخبر أنه يحب التوأبين: أي من الذنوب، والخطايا، وجل ربنا وعز أن يكون اسم التواب له على المعنى الذي أخبر أنه يحب التوأبين من المؤمنين.
ومعبودنا (جل جلاله) الغني، قال تعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء} واسم الغني قد يقع على كل من أغناه الله (تعالى) بالمال، قال (جلا وعلا ذكره): {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله}، وقال: {إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف} وقال النبي ‘ عند بعثه معاذاً إلى اليمن: (وأعلمهم: أن الله افترض عليهم صدقه تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
وقال ضمام بن ثعلبة للنبي ‘: (آالله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا؟ فقال: نعم).
وربنا (جل وعلا) النور، وقد سمى الله بعض خلقه نوراً، فقال: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح} وقال: {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}، وقال: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمأنهم، يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} وقال: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمأنهم}.
قال أبوبكر: قد كنت خبرت منذ دهر طويل أن بعض من كان يدعي العلم ممن كان لا يفهم هذا الباب، يزعم أنه غير جائز أن يقرأ: {الله نور السموات والأرض} وكان يقرأ: {الله نوَّر السماوات والأرض} فبعثت إليه بعض أصحابي وقلت له: ما الذي تنكر أن يكون لله (عز وجل) اسم، يسمي الله بذلك الاسم بعض خلقه؟، فقد وجدنا الله قد سمى بعض خلقه بأسام هي له أسامي، وبعثت له بعض ما قد أمليته في هذا الفصل، وقلت للرسول: قل له قد روى عن النبي ‘ بالإسناد الذي لا يدفعه عالم بالأخبار ما يثبت أن الله نور السموات والأرض، قلت في خبر طاووس عن ابن عباس: أن النبي ‘ كان يدعو: (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن)، الحديث بتمامه.
قد أمليته في كتاب الدعوات وفي كتاب الصلاة أيضاً، فرجع الرسول وقال: لست أنكر أن يكون الله (تعالى) نوراً، كما قد بلغني بعد أنه رجع.
قال أبو بكر: وكل من فهم عن الله خطابه: يعلم أن هذه الأسامي التي هي لله (تعالى) أسامي، بين الله ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه ‘، مما قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين، ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق لأن الأسامي قد تتفق وتختلف المعاني، فالنور: وإن كان اسماً لله فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين، فليس معنى النور الذي هو اسم لله في المعنى مثل النور الذي هو خلق الله.
قال الله (جل وعلا): {يهدي الله لنوره من يشاء} وأعلم أيضاً أن لأهل الجنة نوراً يسعى بين أيديهم وبأيمأنهم، وقد أوقع الله اسم النور على معان.
وربنا (جل وعلا) الهادي، وقد سمى بعض خلقه هادياً، فقال (عز وجل) لنبيه: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}، فسمى نبيه ‘ هادياً، وإن كان الهادي اسماً لله (عز وجل).
والله الوارث، قال الله تعالى: {وأنت خير الوارثين} وقد سمى الله من يرث من الميت ماله (وارثاً)، فقال (عز وجل): {وعلى الوارث مثل ذلك} فتفهموا –يا ذوي الحجاما بينت في هذا الفصل، تعلموا وتستيقنوا أن لخالقنا (عز وجل) أسام قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ لا على المعنى، على ما قد بينت في هذا الفصل من الكتاب و السنة ولغة العرب.
فإن كان علماء الآثار الذين يصفون الله بما وصف به نفسه (وبما جاء) وعلى لسان نبيه ‘ مشبهة على ما يزعم الجهميه المعطلة، فكل أهل القبلة إذا قرؤا كتاب الله فآمنوا به بإقرار باللسان وتصديق بالقلب، وسموا الله بهذه الأسامي –التي خبر الله بها أنها له أسامي وسموا هؤلاء المخلوقين بهذه الأسامي التي سماهم الله بها هم مشبهة.
فعود مقالتهم هذه توجب أن على أهل التوحيد الكفر بالقرآن، وترك الإيمان به، وتكذيب القرآن بالقلوب، والإنكار بالالسن، فاقذر بهذا من مذهب واقبح بهذه الوجوه عندهم، عليهم لعائن الله، وعلى من ينكر جميع ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله، و الكفر بجميع ما ثبت عن نبينا المصطفى  بنقل أهل العدالة موصولاً: إليه في صفات الخالق (جل وعلا).

(6): (باب ذكر أخبار رويت عن النبي ):
تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير تاويلها، ففتن عالماً من أهل الجهل و الغباوة، حملهم الجهل بمعنى الخبرعلى القول بالتشبيه، (جل وعلا) عن أن يكون وجه خلق من خلقه مثل وجهه، الذي وصفه الله بالجلال و الإكرام، ونفي الهلاك عنه.

1- (35): حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا شعيب يعني ابن الليث قال: ثنا الليث، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة _ عن رسول الله ‘ أنه قال: (لا يقولن أحدكم لأحد: قبح الله وجهك، ووجهاً أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته).

2- (36): وحدثنا الربيع بهذا الإسناد سواء، قال: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته).

3- (37): حدثنا أبو موسى، محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن بن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة _ عن النبي ‘ قال: (إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه، قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته).

4- (38): وحدثنا بندار قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال حدثني ابن عجلان، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد
عن أبي هريرة _ قال: قال رسول الله ‘: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقولن قبح الله وجهك)، بمثل حديث أبي موسى.

5- (39): حدثنا أبو موسي، قال: ثنا يحيى، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة _ قال: (إذا ضرب أحدكم فيجتنب الوجه).
قال أبوبكر: ليس في خبر ابن عجلان أكثر من هذا

6- (40): حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرني أبي، قال: ثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب –وهو الأزدي عبد الملك بن مالك المراغي، عن أبي هريرة _، عن رسول الله ‘ قال: (إذا قاتل أحدكم فيجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته).
قال أبوبكر: توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله: (على صورته) يريد صورة الرحمن (عز ربنا وجل) عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله: (خلق آدم على صورته): الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب، والمشتوم، أراد ‘ أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب، الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبح وجهه، فزجر ‘ أن يقول: (ووجه من أشبه وجهك، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبحاً وجه آدم (صلوات الله عليه وسلامه)، الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم، فتفهموا –رحمكم الله- معنى الخبر، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل، وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال.

7- (41): وقد رويت في نحو هذا لفظة أغمض يعني من اللفظة التي ذكرناها في خبر أبي هريرة وهو ما حدثنا (به) يوسف بن موسى قال: ثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر: قال: قال رسول الله ‘: (لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن).

8- (42): وروى الثوري هذا الخبر مرسلاً، غير مسند، حدثنا أبو موسى، محمد بن المثني، قال: ثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء: قال: قال رسول الله ‘: (لا يقبح الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن).
قال أبوبكر: وقد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء، عالم ممن لم يتحر العلم، وتوهموا أن أضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من أضافة صفات الذات، فغلطوا في هذا غلطاً بيناً، وقال مقالة شنيعة، مضاهية لقول المشبهة، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم.
والذي عندي –في تاويل هذا الخبر- أن صح من جهة النقل موصولاً: فإن في الخبر عللاً ثلاثاً:
•    إحداهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسل الثوري ولم يقل:عن ابن عمر.
•    والثانية: أن الأعمش مدلس، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.
•    والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت: أيضاً مدلس، لم يعلم أنه سمعه من عطاء سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول: ثنا أبوبكر بن عياش عن الأعمش قال: قال حبيب بن أبي ثابت: لو حدثني رجل عنك بحديث لم أبال أن أرويه عنك، يريد لم أبال أن أدلسه.
قال أبوبكر: ومثل هذا الخبر، لا يكاد يحتج به علماؤنا من أهل الأثر، لا سيما: إذا كان الخبر في مثل هذا الجنس، فيما يوجب العلم لو ثبت، لا فيما يوجب العمل بما قد يستدل على صحته وثبوته بدلائل من نظر، وتشبيه، وتمثيل بغيره من سنن النبي ‘ من طريق الأحكام والفقه.
فإن صح هذا الخبر مسنداً بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت، وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح، وصح أنه عن ابن عمر –على ما رواه الأعمش فمعنى هذا الخبر عندنا أن أضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من أضافة الخلق إليه.

لأن الخلق يضاف إلى الرحمن إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن، لأن الله صورها، ألم تسمع قوله –عز وجل-: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}، فأضاف الله الخلق إلى نفسه، إذ الله تولى خلقه، وكذلك قول الله –عز وجل-{هذه ناقة الله لكم آية}، فأضاف الله الناقة إلى نفسه، وقال: {تأكل في أرض الله} وقال: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}، قال: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده}.
فأضاف الله الأرض إلى نفسه، إذ الله تولى خلقها فبسطها، وقال: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، فأضاف الله الفطرة إلى نفسه إذ الله فطر الناس عليها، فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين:
أحدهما: إضافة الذات.
والآخر: إضافة الخلق.
فتفهموا هذين المعنيين، لا تغالطوا. فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسنداً، فإن ابن آدم: خلق على الصوره التي خلقها الرحمن، حين صور آدم، ثم نفخ فيه الروح، قال الله (جل وعلا): {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} والدليل على صحة هذا التأويل:

9- (43): أن أبا موسى، محمد بن المثنى قال: ثنا أبو عامر عبدالملك بن عمرو قال:
(ثنا المغيره –وهو ابن عبدالرحمن، عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي  ‘ قال: (خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعاً).

10- (44): حدثنا عبدالرحمن بن بشر بن الحكم قال: ثنا عبد الرزاق،  قال ثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله  ‘، فذكر أحاديث، وقال: … (قال) رسول الله  ‘: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه، قال اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكه جلوس، فاسمع ما يجيبونك، وإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، قال فكل من يدخل الجنه على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن).
قال أبوبكر: فصورة آدم ستون ذراعاً، التي أخبر النبي  ‘ أن آدم  ‘ خلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم، فظن أن قوله (على صورته): صورة الرحمن، صفة من صفات ذاته، جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار، قد نزه الله نفسه وقدس عن صفات المخلوقين، فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وهو كما وصف نفسه في كتابه على لسان نبيه، لا كصفات المخلوقين من الحيوان، ولا من الموتان، كما شبه الجهمية معبودهم بالموتان، ولا كما شبه الغالية من الروافض معبودهم ببني آدم، قبح الله هذين القولين وقائلهما.

11- (45): حدثنا أحمد بن منيع، ومحمود بن خداش، قال: ثنا أبو سعد الصاغاني، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العليه، عن أبي بن كعب، أن الشركين قالوا: لرسول الله  ‘: انسب لنا ربك، فأنزل الله (عز وجل): {قل هو أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}، قال: ولم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء، وقال محمود بن خداش في حديثه: (الصمد لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث).
والباقي: مثل لفظ أحمد بن منيع سواء.

(7): (باب: ذكر إثبات العين لله (جل وعلا)):
على ما ثبته الخالق البارئ لنفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه ‘، قال الله (عز وجل) لنبيه نوح صلوات الله عليه: (واصنع الفلك باعيننا ووحينا)، وقال (جل وعلا): {تجري بأعيننا}، وقال (عز وجل) في ذكر موسى: {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني}، وقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}.
فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبت الخالق البارئ لنفسه، من العين، وغير مؤمن: من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبته الله في محكم تنزيله، ببيان النبي  ‘ الذي جعله الله مبيناً عنه، (عز وجل)، في قوله: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، فبين النبي  ‘ أن لله عينين، فكان بيان موافقا لبيان محكم التنزيل، الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب.

1- (46): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبدالله بن يزيد المقرى قال: ثنا حرملة بن عمران التجيبي، عن أبي يونس سليم جبير–مولى أبي هريرة عن أبي هريرة _ أنه قال في هذه الآيه: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، أن الله نعما يعظكم به، أن الله كان سميعاً بصيراً}.
رأيت رسول الله صلى الله ‘ يضع إبهامه على أذنه وإصبعه التي (تليها) على عينه، قال أبو هريرة _: (رأيت رسول الله  ‘ يفعل ذلك).

2- (47): حدثنا محمد، قال: ثنا عبدالله، بن يزيد المرى، قال: ثنا أبي، قال:ثنا حرمة عن عمران، قال: حدثني أبو يونس قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قرأ إلى قوله: {سميعاً بصيراً} فيضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، ويقول: هكذا سمعت رسول الله ‘ يقرؤها ويضع أصبعيه).
قال أبوبكر: أملاه إسحق بن موسى بن عبدالله بن يزيد بن حصن الخطمي الأنصاري، على جماعة من أصحابنا، وأنا حاضر المجلس فكتبته بخطي، إلا أني خائف أن أكون أخذت بعض الألفاظ عن المستلمي.

3- (48): إملاء علينا عن أنس بن عياض قال: حدثني عبيدالله بن عمر (قال حدثني نافع مولى عبدالله بن عمر) عن عبدالله بن عمر: (أن رسول الله ‘ قال إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور، عين اليمنى، كأنها عنبه طافية).

4- (49): حدثنا يحيى بن حكيم قال: ثنا عبدالوهاب، بن عبدالحميد الثقفي قال: ثنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: (أن الرسول الله ‘: ذكر المسيح الدجال بين ظهراني الناس، فقال: يا أيها الناس أن ربكم ليس بأعور، ولكن المسيح الدجال أعور عينه اليمنى كأنها عنبه طافية).

5- (50): حدثنا الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي، قال: عاصم بن هلاك يعني البارقي، قال: ثنا أيوب، عن نافع عن عبدالله قال: قال رسول الله  ‘: (ألا إن الله ليس بأعور)، إلا وإن المسيح الدجال أعور، عينه اليمنى كأنها عنبه طافية).

6- (51): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي  أنه قال: (الدجال هو أعور هجان، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فأما هلك الهلك فإن ربكم ليس بأعور).
قال محمد بن جعفر: قال شعبة: (فحدثت به قتادة، فحدث نحواً من هذا).

7- (52): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا إبراهيم –وهو ابن طهمان عن أبي الزبير عن جابر، عن النبي  قال: (يخرج الدجال في خفه من الزمان، فذكر الحديث بطوله، و قال: يأتي الناس فيقول: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ليس بأعور).

8- (53): حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب قال: ثنا عمي، قال: حدثني مخرمة بن بكير بن عبدالله بن الأشيخ، عن أبيه، عن عروة بن الزبير قال: (قالت أم سلمه زوج النبي  ذكرت المسيح الدجال ليلة، فلم يأتني النوم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله  فأخبرته، فقال: لاتفعلي، فانه أن يخرج وأنا حي يكفيكموه الله بي، وإن يخرج بعد أن اموت يكفكموه الله بالصالحين، ثم قال: ما نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني أحذركموه، أنه أعور، وإن الله ليس بأعور، وإن الله ليس بأعور، أنه يمشي في الأرض، وإن الأرض والسماء لله، إلا أن المسيح عينه اليمنى كأنها عنبة طافية).
قال أبوبكر: هذا باب طويل، خرجته في كتاب الفتن، في قصة الدجال.

9- (54): حدثنا عبدالقدوس، بن محمد بن شعيب، قال: ثنا عمي، (عمر بن) صالح بن عبد الكبير، قال: حدثني عمي، أبوبكر بن شعيب، عن أبيه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : (أنذركم الدجال، أما أنه أعور عين اليمنى، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر. يقرءوه كل مؤمن (يقرأ، وكل مؤمن لايقرأ.).

(8): (باب إثبات السمع والرؤيه لله (جل وعل)):
الذي هو كما وصف نفسه: سميع بصير، ومن كان معبودهم غيرسميع بصير، قال الله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء)، (وقال (عز وجل) في قصة المجادلة: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجهاً وتشتكي إلى الله .. الآية).
قال أبوبكر: (قد كنت أمليت في كتاب الظهار خبر عائشه ~: (سبحان ربي وبحمده، وسع سمعه الأصوات، إن المجادله تشكو إلى النبي  فيخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله))، وقال (عز وجل): (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجوهم) الآيه.
وقد أعلمنا ربنا –الخالق البارئ أنه يسمع قول من كذب على الله وزعم أن الله فقير، فكذبهم الله في مقالتهم تلك، فرد الله ذلك عليهم، وخبر أنه الغني وهم الفقراء، وأعلم عباده المؤمنين أنه السميع البصير، فكذلك خبر المؤمنين: أنه قد سمع قول المجادلة وتحاور النبي  والمجادلة، وخبرت الصديقة بنت الصديق ~ أنه يخفى عليها بعض كلام المجادلة مع قربها منها فسبحت خالقها الذي وسع سمعه الأصوات، وقالت: (سبحان من وسع سمعه الأصوات)، فسمع الله (جل وعلا) كلام المجادلة، وهو فوق سبع سموات مستو على عرشه وقد خفي بعض كلامها على من حضرها وقرب منها، وقال (عز وجل) لكليمه موسى وأخيه ابن أمه هارون، يؤمنهما فرعون، حين خافا أن يفرط عليهما أو أن يطغى: (إنني معكما أسمع وأرى)، فأعلم الرحمن (جل وعلا) أنه سمع مخاطبة كليمه موسى وأخيه هارون (عليهما السلام) وما يجيبهما به فرعون، وأعلم أنه يرى ما يكون من كل منهم، وقال (جل وعلا): (سبحان الذي أسرى بعبده (ليلاً من المسجد الحرام) إلى قوله: (السميع البصير).
وقال في سورة حم المؤمن: (فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير). واستقصاء ذكر قوله: السميع البصير، يطول بذكر جميعه الكتاب.
وقال (عز وجل) –لكليمه موسى ولأخيه هارون صلوات الله عليهما: (كلا فاذهب بآياتنا إنا معكم مستمعون)، فأعلم (جل وعلا) عباده المؤمنين أنه هو كان يسمع ما يقول لكليمه موسى وأخيه.
وهذا من الجنس الذي أقول: استماع الخالق ليس كاستماع المخلوق. قد أمر الله –أيضاً- موسى ‘ أن يستمع لما يوحى فقال:
(فاستمع لما يوحى)، فلفظ الاستماعين واحد، معناهما مختلف، لأن استماع الخالق غير استماع المخلوقين، عز ربنا وجل عن أن يشبهه شيء من خلقه، وجل عن أن يكون فعل أحد من خلقه شبيها بفعله، (عز وجل)،
وقال الله (عز وجل) (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وليس رؤية الله –أعمال من ذكر عملهم في هذه الآيةكرؤية رسول الله والمؤمنين، (وإن كان اسم الرؤية يقع على رؤية الله أعمالهم وعلى رؤية رسول الله، ورؤية المؤمنين).
(قال أبوبكر): وتدبروا –أيها العلماء ومقتبسو العلم، مخاطبة خليل الرحمن أباه، وتوبيخه إياه لعبادته من كان يعبد، تعقلوا توفيق خالقنا (جل وعلا) صحة مذهبنا، وبطلان مذهب مخالفينا من الجهمية المعطلة.

قال خليل الرحمن –صلوات الله وسلامه عليه لأبيه: (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً)، أفليس من المحال –يا ذوى الحجا أن يقول خليل الرحمن لأبيه آزر: (لم تعبد ما لا تسمع ولا يبصر) ويعيبه بعبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ثم يدعوه إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر، كالأصنام التي هي من الموتان لا من الحيوان أيضاً، فكيف يكون ربنا الخالق البارئ السميع البصير كما يصفه هؤلاء الجهال المعطلة؟ عز بنا وجل عن أن يكون غير سميع ولا بصير (فهو كعابد الأوثان والأصنام لا يسمع ولا يبصر) أو كعابد الأنعام، ألم بسمعوا قول خالقنا وبارئنا: (أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون أن هم كالآنعام) الآية.
فأعلمنا (عز وجل) أن من لا يسمع ولا يعقل: كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً.

(9): (باب البيان من سنن النبي ):
على تثبيت السمع والبصر لله، موافقا لما يكون من كتاب ربنا، إذ سننه  إذا ثبتت بنقل العدل موصولا إليه لا تكون أبداً إلا موافقة لكتاب الله، حاشا لله أن يكون شيء منها أبداً مخالف لكتاب الله أو لشيء منه فمن ادعى من الجهلة أن شيئاً من سنن النبي  إذا ثبت من جهة النقل مخالف لشيء من كتاب الله، فأنا الضامن بتثبيت صحة مذهبنا على ما أبوح به منذ أكثر من أربعين سنة.

 1- (55): حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب: قال: ثنا عمي، قال: حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير " أن عائشة ~ زوج النبي  حدثته أنها قال لرسول الله : " هل أتي عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقيت من قومك، وكان أشد مالقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي علي ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يحبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذابسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل  ‘ فناداني فقال: يا محمد: أن الله (عز وجل) قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني امرك، وبما شئت، أن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فقال له رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبدالله، لا يشرك به شيئاً.

 2- (56): حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا المعتمر قال: سمعت أبي يقول: ثنا أبو عثمان عن أبي موسى.

(.....): وثنا: محمد بن بشار والحسين بن الحسن وغيرهما، قالا: قال بندار ثنا، وقال الحسين، أخبرنا مرحوم العطار، قال: ثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان النهدى، عن أبي موسى الأشعرى، وهذا حديث مرحوم، قال: " كنت مع رسول الله  في غزاة، فلما أقبلنا وأشرفنا على المدينة كبر الناس تكبيرة رفعوا بها أصواتهم فقال: رسول الله : "أن ربكم ليس بأصم ولا غائب "، وقال المعتمر في حديثه: "فقال رسول الله : أنكم لا تدعون أصم ولا غائباً".

3- (57): حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى، ... فذكر الحديث وقال: فقال رسول الله : "أيها الناس: إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريباً".
خرجت طرق هذا الخبر في كتاب: الذكر والتسبيح.
قال أبوبكر: فاسمعوا يا ذوي الحجا ما نقول في هذا الباب ونذكر بهت الجهمية وزورهم، وكذبهم على علماء أهل الآثار ورميهم خيار الخلق بعد الأنبياء بما الله قد نزههم عنه، وبرأهم منه، بتزوير الجهمية على علمائنا (أنهم مشبهة، فاسمعوا ما أقول وأبين من مذاهب علمائنا)، تعلموا وتستيقنوا بتوفيق خالقنا أن هؤلاء المعطلة يبهتون العلماء ويرمونهم بما الله نزههم عنه.
نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السموات العلى، وما بينهما من صغير وكبير، لا يخفى على خالقنا خافية في السموات السبع والأرضين السبع، ولا مما بينهم ولا فوقهم، ولا أسفل منهن لا يغيب عن بصره من ذلك شيء، يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه.
وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم، مما لا حجاب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم، وما يبعد منهم وإن كان يقع اسم القرب عليه في بعض الأحوال، لأن العرب التي خوطبنا بلغتها قد تقول: قرية كذا منا قريبة وبلدة كذا قريبة منا ومن بلدنا، ومنزل فلان قريب منا. وإن كان بين البلدين وبين القريتين وبين المنزلين فراسخ.
والبصير من بنى آدم لا يدرك ببصره شخص آخر، من بني آدم، وبينهما فرسخان فأكثر، وكذلك لا يرى أحد من الآدميين ما تحت الأرض إذا كان فوق المرئي من الأرض والتراب قدر أنملة، أو أقل منها بقدر ما يغطي ويواري الشيء، (وكذلك لا يدرك بصره إذا كان بينهما حجاب من حائط أو ثوب، صفيق أو غيرهما مما يستر الشيء) عن عبن الناظر، فكيف يكون يا ذوي الحجا مبها من يصف عين الله بما ذكرنا، وأعين بني آدم بما وصفنا.
ونزيد شرحاً وبياناً: نقول: عين الله (عز وجل) قديمة، لم تزل، باقية، ولا تزال محكوم لها بالبقاء، منفي عنها الهلاك، والفناء، وعيون بني آدم محدثة مخلوقة، كانت عدماً غير مكونة الله وخلقها بكلامه الذي هو: صفة من صفات ذاته، وقد قضى الله وقدر أن عيون بني آدم تصير إلى بلاء، عن قليل والله نسأل خير ذلك المصير وقد يعمي الله عيون كثير من الآدميين فيذهب بأبصارها قبل نزول المنايا بهم، ولعل كثيراً من أبصار الآدميين قد سلط خالقنا عليها ديدان الأرض حتى تأكلها وتفنيها بعد نزول المنية بهم، ثم ينشئها الله بعد، فيصيبها ما قد ذكرنا قبل في ذكر الوجه، (فما الذي يشبه يا ذوى الحجا عين الله التي هي موصوفة بما ذكرنا عيون بني آدم التي وصفناها بعد)؟
ولست أحسب: لو قيل لبصير- لا آفة ببصره ولا علة بعينه، ولا نقص، بل هو أعين، أكحل، أسود الحدق، شديد بياض العينين أهدب الأشفار: عينك كعين فلان، الذي هو: صغير العين، أزرق، أحمر بياض العينين، قد تناثرت أشفاره، وسقطت، أو كان أخفش العين، أزرق، أحمر بياض شحمها، يرى الموصوف الأول: الشخص من بعيد، ولا يرى الثاني مثل ذلك الشخص من قدر عشر ما يرى الأول، لعلة في بصره، أو نقص في عينه، إلا غضب من هذا وأنف منه، فلعله يخرج إلى القائل له ذلك إلى المكروه من الشتم والأذى.
ولست أحسب عاقلاً يسمع هذا المشبه عيني أحدهما بعيني الآخر، إلا وهو يكذب هذا المشبه عين أحدهما بعين الآخر، ويرميه بالعته، والخبل والجنون، ويقول له: لو كنت عاقلاً يجري عليك القلم: لم تشبه عيني أحدهما بعيني الآخر. وإن كانا جميعاً يسميان بصيرين، إذ ليسا بأعميين، ويقال: لكل واحد منهما عينان يبصر بهما، فكيف لو قيل له: عينك كعين الخنزير، والقرد، والدب، والكلب، أو غيرها من السباع، أو هوام الأرض، والبهائم، فتدبروا –يا ذوى الألباب- أبين عيني خالقنا الأزلي، الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال، وبين عيني الإنسان من الفرقان أكثر أو مما بين أعين بني آدم وبين عيون ما ذكرنا؟
تعلموا (وتستيقنوا أن من سمى علماءنا مشبهة) غير عالم بلغة العرب، ولا يفهم العلم، إذ لم يحز تشبيه أعين بني آدم بعيون) المخلوقين، من السباع والبهائم، والهوام، وكلها لها عيون يبصرون بها، وعيون جميعهم محدثة مخلوقة، خلقها الله بعد أن كانت عدما، وكلها تصير إلى فناء وبلى، وغير جائز إسقاط اسم العيون والأبصار عن شيء منها، فكيف يحل لمسلم لو كانت الجهمية من المسلمين أن يرموا من {يثبت لله عينا بالتشبيه، (فلو كان كل ما وقع} عليه الاسم كان مشبها لما يقع عليه ذلك الاسم)، لم يحز قراءة كتاب الله، ووجب محو كل آية بين الدقتين فيها ذكر نقس الله، أو عينه، أو يده، ولوجب الكفر بكل ما في كتاب الله (عز وجل) من ذكر صفات الرب، كما يجب الكفر بتشبيه الخالق بالمخلوق، إلا: أن القوم جهلة، لا يفهمون العلم، ولا يحسنون لغة العرب، فيضلون ويضلون.
والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد في كل ما نقول وندعو إليه.

(10): باب ذكر إثبات اليد للخالق البارئ (جل وعلا)):
والبيان: أن الله (تعالى) له يدان، كما أعلمنا قي محكم تنزيله أنه خلق آدم ‘ بيديه.
قال (عز وجل) لإبليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي).
وقالجل وعلا تكذيبا لليهود حين قالوا: (يد الله مغلولة) فكذبهم في مقالتهم، وقال: بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء).
وأعلمنا أن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه و (يد الله فوق أيديهم) وقال: (فسبحان الذي ملكوت كل شيء وإليه ترجعون)
وقال: (تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير) وقال: (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً).

(11): (باب ذكر البيان من سنة النبي ‘):
على إثبات يد اللهحل وعلا موفقا لما تلونا من تنزيل ربنا لا مخالفاً.
قد نزه الله نبيه، وأعلى درجته، ورفع قدره عن أن يقول إلا ما هو موافق لما أنزل الله عليه من وحيه.
1- (58) : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال؛ ثنا حماد بن زيد عن مطر الوارق، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، قال: (لما تكلم معبد الجهني قي القدر …) فذكر الحديث بطوله، قد أمليته في كتاب الإيمان.
وفي الخبر؛ قال عبدالله بن عمر: حدثني عمر بن الخطاب: أن رسول الله ‘ (التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه، أمرك بأمره فعصيته، فأخرجتنا من الجنة.
فقال له آدم: قد آتاك الله التوراه، فهل وجدت فيها كتبت على الذنب قبل أن أعمله. قال: نعم.
قال: فحج آدم موسى فحج ‘آدم موسى عليهما السلام).

2- (59): حدثنا عبدالله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان قال: ثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -_-: أن النبي ‘: قال: "احتج آدم وموسى عليهما السلام، فقال موسى: يا آدم: أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى عليهما السلام".

3- (60): حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا المعتمر قال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة _، قال: رسول الله ‘: (احتج آدم وموسى عليهما السلام …) فذكر عمرو الحديث.

4- (61): حدثنا عمرو، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال. ثنا محمد بن عمرو، قال ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة _ قال حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة _ قال: قال رسول الله ‘.
 (…): وثنا عمرو بن مرة، الحديث.
 (…): وثنا يحيى بن حكيم، قال: ثنا عبد الوهاب، قال ثنا محمد بن عمرو، فذكر الحديث نحوه.

5- (62):حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري، قال: ثنا صفوان يعني بن عيسى- قال: ثنا الحرث بن عبدالرحمن، قال: أخبرني يزيد بن هرمز عن أبي هريرة _، قال: قال رسول الله ‘: (احتج آدم وموسى عليهما السلام، فقال موسى: أنت آدم، خلقك الله بيده) فذكر الحديث بطوله، قد أمليته في كتاب (القدر).
(…): حدثنا أحمد بن ثابت، قال: ثنا صفوان عن الحرث، (قال: أخبرني عبدالرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة مثل هذا الحديث) لم يزد ولم ينقص.

6- (63): حدثنا محمد بن بشار، وأبو موسى قالا: ثنا يحيى قال: بندار : ثنا محمد بن عمرو ، وقال: أبو موسى عن محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة _، قال: قال رسول الله ‘: (احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسكنه جنته) فذكر الحديث بطوله.

7- (64) حدثنا يوسف بن موسى ، قال: ثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة _ قال رسول الله ‘: (احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم: أنت خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه) وذكر الحديث بطوله.

(....): حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانه، عن سليمان وهو الأعمش بهذا الإسناد مثله .
قال أبوبكر: (هذا الباب قد أمليته بتمامه في كتاب القدر. قال أبوبكر: فكليم الله خاطب آدم عليهما السلام- أن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، على ما هو محفوظ بين الدفتين من إعلام الله (جل وعلا) عباده المؤمنين: أنه خلق آدم ‘ بيده.

(12): (باب ذكر قصة ثابتة في إثبات يد الله جل ثناؤه).
بسنة صحيحة عن النبي ‘ بيانا أن الله خط التوراة بيده لكليمه موسى، وإن رغمت أنوف الجهمية.

1- (65): حدثنا عبدالجبار بن العلاء المكي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرنا طاووس قال: سمعت أبا هريرة _: يذكر عن النبي ‘ (أنه) قال: (احتج آدم وموسى عليهما السلام فقال موسى: يا آدم: أنت أبونا خيبتنا و أخرجتنا من الجنة، فقال آدم يا موسى: اصطفاك الله بكلامه وخط لك (التوراة) بيده، تلوم على أمرك قد قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة.
قال: فحج آدم موسى عليهما السلام).

(....): حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، وهو ابن دينار، عن طاووس (أنه) سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ‘ بمثله، وقال وخط لك التوراة بيده. ولم يذكر: (فحج آدم موسى).

(....): حدثنا عمرو بن علي قال: ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاووس (أنه) سمع أبا هريرة _ قال: قال رسول الله ‘ ... بمثل حديث عبدالجبار، وقال: (وخط لك التوراة بيده)؛ وقال: أتلومني).

2- (66): حدثنا أبو موسى ، قال: ثنا محمد بن أبي عدي عن شعبة ، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله : (يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهمون بذلك، أو يلهمون به، فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم: فيقولون يا آدم: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء …)، فذكر الحديث بطوله. قال أبوبكر: خبر شعبة عن قتاده: قد خرجته في أبواب الشفاعة.

3 (67): حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، قال: ثنا معتمر بن سليمان قال أبي، عن سليمان، عن أبي صالح،، أبي هريرة _ عن النبي قال: (احتج آدم وموسىعليهما السلام فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس وـخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: وانت ياموسى اصطفاك الله بكلامة، تلومني على عمل كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض؟ (قال) فحج آدم موسى)
قد أمليت هذا الباب بتمامه في كتاب القدر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق