الاثنين، 7 سبتمبر 2015

الرد على الطرق الجحيم الصوفية=)شرح كتاب التوحيد============================: أصح ما قيل فى معنى صلاة الله على عبده : ما ذكره البخارى رحمه الله تعالى عن أبى العالية قال : "صلاة الله على عبده ثناؤه عليه عند الملائكة" وقرره ابن القيم رحمه الله ونصره فى كتابيه جلاء الأفهام وبدائع الفوائد  .

قلت : وقد يراد بها الدعاء ، كما فى المسند عن على مرفوعاً " الملائكة تصلى على أحدكم ما دام فى مصلاه : اللهم اغفر له اللهم ارحمه " .

قوله (وعلى آله) أى أتباعه على دينه ، نص عليه الإمام أحمد هنا . وعليه أكثر الأصحاب . وعلى هذا فيشمل الصحابة وغيرهم من المؤمنين .

 

قال المصنف رحمه الله تعالى : كتاب التوحيد

ش : كتاب : مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً ، ومدار المادة على الجمع . ومنه : تكتب بنو فلان ، إذا اجتمعوا . والكتيبة لجماعة الخيل ، والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف . وسمى الكتاب كتاباً : لجمعه ما وضع له .

والتوحيد نوعان : توحيد فى المعرفة والإثبات . وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات . وتوحيد فى الطلب والقصد . وهو توحيد الإلهية والعبادة .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله : وأما التوحيد الذى دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان : توحيد فى المعرفة والإثبات ، وتوحيد فى الطلب والقصد .

فالأول هو : إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده ، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته ، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح ، كما فى أول سورة الحديد ، وسورة طه ، وآخر الحشر ، وأول تنزيل السجدة ، وأول آل عمران ، وسورة الإخلاص بكمالها ، وغير ذلك .

النوع الثانى : ما تضمنته سورة " قل يا أيها الكافرون " وقوله تعالى : '3 : 64' " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها . وأول سورة المؤمن : ووسطها وآخرها ، وأول سورة الأعراف وآخرها . وجملة سورة الأنعام ، وغالب سور القرآن . بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعى التوحيد ، شاهدة به داعية إليه .

فإن القران إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله ، فهو التوحيد العلمى الخبرى وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ، فهو التوحيد الإرادي الطلبي . وإما أمر ونهى ، وإلزام بطاعته وأمره ونهيه ، فهو حقوق التوحيد ومكملاته وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل به فى الدنيا وما يكرمهم به فى الآخرة ، فهو جزاء توحيده ، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم فى الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب . فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد . فالقرآن كله فى التوحيد ، وحقوقه وجزائه ، وفى شأن الشرك وأهله وجزائهم . انتهى .

قال شيخ الإسلام : التوحيد الذى جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله : لا يعبد إلا إياه ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يوالى إلا له ، ولا يعادى إلا فيه ، ولا يعمل إلا لأجله . وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات . قال تعالى : '2 : 163' "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" قال تعالى : '16 : 51' " وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون " وقال تعالى : '23 : 117' "ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" وقال تعالى : '43: 45' "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وأخبر عن كل نبى من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له . وقال : '60 : 4' " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " وقال عن المشركين : '37 :35 ،36' " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون " وهذا فى القرآن كثير .

وليس المراد بالتوحيد : مجرد توحيد الربوبية . وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم ، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف . ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد . وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا فى غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه . وأقر بأنه وحده خالق كل شئ ، لم يكن موحداً حتى يشهد بأن لا إله إلا الله وحده . فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة . ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له . و الإله هو المألوه المعبود الذى يستحق العبادة . وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع . فإذا فسر المفسر الإله بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله . وجعل إثبات هذا هو الغاية فى التوحيد - كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية . وهو الذى يقولونه عن أبى الحسن وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذى بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن مشركى العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شئ . وكانوا مع هذا مشركين . قال تعالى : '12 : 106' "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" قالت طائفة من السلف تسألهم : من خلق السموات والأرض ؟ فيقولون : الله وهم مع هذا يعبدون غيره قال تعالى : '23 : 84 - 89' " قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون " فليس كل من أقر بأن الله تعالى رب كل شئ وخالقه يكون عابداً له ، دون ما سواه . داعيا له دون ما سواه راجياً له خائفاً منه دون ما سواه . يوالى فيه ويعادى فيه . ويطيع رسله ويأمر بما أمر به . وينهى عما نهى عنه . وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شئ . وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً . قال تعالى : '39 : 43، 44 '" أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض " وقال تعالى : '10 : 18' " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " وقال تعالى : '6 : 14' "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون" وقال تعالى : '2 : 165' "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله" ولهذا كان أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها . ويصوم وينسك لها ويتقرأ إليها . ثم يقول : إن هذا ليس بشرك . إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لى . فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .

 

قال المصنف رحمه الله تعالى  : وقول الله تعالى : ' 51: 56 ' "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"

ش : بالجر عطف على التوحيد . ويجوز الرفع على الابتداء .

قال شيخ الإسلام : العبادة هى طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل .

وقال أيضاً : العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .

قال ابن القيم : ومدارها على خمس عشرة قاعدة . من كملها كمل مراتب العبودية .

وبيان ذلك : أن العبادة منقسمة على القلب واللسان والجوارح . والأحكام التى للعبودية خمسة : واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح . وهن لكل واحد من القلب واللسان والجوارح .

وقال القرطبى : أصل العبادة التذلل والخضوع . وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات . لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى .

ومعنى الآية : أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته . فهذا هو الحكمة في خلقهم .

قلت : وهي الحكمة الشرعية الدينية .

قال العماد ابن كثير : وعبادته هى طاعته بفعل المأمور وترك المحظور . وذلك هو حقيقة دين الاسلام . لأن معنى الإسلام : الاستسلام لله تعالى ، المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع . انتهى .

وقال أيضا فى تفسير هذه الاية : ومعنى الآية أن الله خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له . فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء . ومن عصاه عذبه أشد العذاب . وأخبر أنه غير محتاج إليهم . بل هم الفقراء فى جميع أحوالهم وهو خالقهم ورازقهم . وقال علي بن

أبى طالب رضى الله عنه فى الآية إلا لآمرهم أن يعبدونى وأدعوهم إلى عبادتى وقال مجاهد : إلا لآمرهم وأنهاهم اختاره الزجاج وشيخ الإسلام . قال : ويدل على هذا قوله ' 75 : 36 ' "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" قال الشافعى : لا يؤمر ولا ينهى وقال فى القرآن فى غير موضع "اعبدوا ربكم" "اتقوا ربكم" فقد أمرهم بما خلقوا له . وأرسل الرسل بذلك . وهذا المعنى هو الذى قصد بالآية قطعاً ، وهو الذى يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالآية عليه .

قال وهذه الآية تشبه قوله تعالى : ' 4 : 64 ' "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله" ثم قد يطاع وقد يعصى . وكذلك ما خلقهم إلا لعبادته . ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون . وهو سبحانه لم يقل : إنه فعل الأول . وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم . الثانى : وهو عبادته ولكن ذكر أنه فعل الأول ليفعلوا هم الثانى . فيكونوا هم الفاعلين له . فيحصل لهم بفعله سعادتهم ويحصل ما يحبه ويرضاه منه ولهم . انتهى .

ويشهد لهذا المعنى : ما تواترت به الأحاديث .

فمنها ما أخرجه مسلم فى صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذاباً : لو كانت لك الدنيا وما فيها ومثلها معها أكنت مفتدياً بها ؟ فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم . أن لا تشرك - أحسبه قال : ولا أدخلك النار - فأبيت إلا الشرك" فهذا المشرك قد خالف ما أراده الله تعالى منه : من توحيده وأن لا يشرك به شيئاً . فخالف ما أراده الله منه فأشرك به غيره . وهذه هى الإرادة الشرعية الدينية كما تقدم .

فبين الإرادة الشرعية الدينية والإرادة الكونية القدرية عموم وخصوص مطلق .

يجتمعان فى حق المخلص المطيع . وتنفرد الإرادة الكونية القدرية فى حق العاصى . فافهم ذلك تنج من جهالات أرباب الكلام وتابعيهم .

 

قال المصنف رحمه الله تعالى : وقوله ' 16 : 36 ' " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " .

ش : الطاغوت : مشتق من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد . قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : الطاغوت الشيطان . وقال جابر رضى الله عنه الطاغوت كهان كانت تنزل عليهم الشياطين رواهما ابن أبى حاتم . وقال مالك : الطاغوت كل ما عبد من دون الله .

قلت : وذلك المذكور بعض أفراده ، وقد حده العلامة ابن القيم حداً جامعاً فقال الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده : من معبود أو متبوع أو مطاع . فطاغوت كل قوم : من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله . فهذه طواغيت العالم . إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها . رأيت أكثرههم أعرض عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الطاغوت وعن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته .

وأما معنى الآية : فأخبر تعالى أنه بعث فى كل طائفة من الناس رسولاً بهذه الكلمة "أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" أي اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه ، كما قال تعالى : '2 : 256' "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها" وهذا معنى لا إله إلا الله فإنها هي العروة الوثقى .

قال العماد ابن كثير فى هذه الآية : كلهم - أى الرسل - يدعو إلى عبادة الله ، وينهى عن عبادة ما سواه ، فلم يزل سبحانه يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك فى بنى آدم فى قوم نوح الذين أرسل إليهم ، وكان أول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذى طبق دعوته الإنس والجن فى المشارق والمغارب ، وكلهم كما قال الله تعالى : '21 : 25' "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى فى هذه الآية الكريمة : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول : " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء " ، فمشيئة الله تعالى الشرعية عنهم منفية ، لأنه نهاههم عن ذلك على ألسن رسله ، وأما مشيئته الكونية - وهى تمكينهم من ذلك قدراً - فلا حجة لهم فيها ، لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة ، وهو لا يرضى لعبادة الكفر ، وله فى ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة ، ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة فى الدنيا بعد إنذار الرسل ، فلهذا قال : '16 : 36' "فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة" انتهى .

قلت : وهذه الآية تفسير الآية التي قبلها . وذلك قوله : "فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة" فتدبر .

ودلت هذه الآية على أن الحكمة في ارسال الرسل ، دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده ، والنهي عن عبادة ما سواه ، وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين ، وإن اختلفت شريعتهم كما قال تعالى "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" وأنه لا بد في الإيمان من عمل القلب والجوارح .

 

قال المصنف رحمه الله تعالى : قوله تعالى : '17 : 23' " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " .

ش : قال مجاهد قضى يعني وصى ، وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم ولابن جرير عن ابن عباس وقضى ربك يعني أمر .

وقوله تعالى : " أن لا تعبدوا إلا إياه " المعنى ، أن تعبدوه وحده دون ما سواه ، وهذا معنى لا إله إلا الله .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى ، والنفي المحض ليس توحيداً ، وكذلك الاثبات بدون النفي ، فلا يكون التوحيد إلا متضمناً للنفي والإثبات ، وهذا هو حقيقة التوحيد .

وقوله :" وبالوالدين إحسانا "أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً ، كما قضى بعبادته وحده لا شريك له . كما قال تعالى في الآية الأخرى '13 : 14'"أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير"

وقوله : "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" أى ألا تسمعهما قولاً سيئاً ، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء "ولا تنهرهما" أي : لا يصدر منك إليهما فعل قبيح ، كما قال عطاء بن أبي رباح لا تنفض يديك عليهما .

ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالفعل الحسن والقول الحسن فقال : "وقل لهما قولاً كريماً" أي ليناً طيباً بأدب وتوقير وقوله "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" أى تواضع لهما "وقل رب ارحمهما" أي في كبرهما وعند وفاتهما " كما ربياني صغيرا " وقد ورد في بر الوالدين أحاديث كثيرة ، منها : الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال : آمين ، آمين ، آمين ، فقالوا يا رسول الله ، على ما أمنت ؟ قال أتاني جبريل فقال : يا محمد رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصل عليك قل : آمين ، فقلت : آمين ثم قال : رغم أنف امرىء دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له ، قل آمين : فقلت آمين ، ثم قال : رغم أنف امرىء أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل : آمين ، فقلت آمين" وروى الامام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف رجل أدرك والديه ، أحدهما أو كلاهما لم يدخل الجنة " قال العماد ابن كثير : صحيح من هذا الوجه عن أبى بكرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، فقال ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت" رواه البخارى ومسلم . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رضى الرب فى رضى الوالدين ، وسخطه فى سخط الوالدين " ، عن أسيد الساعدى رضى الله عنه قال : "بينا نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة فقال : يا رسول الله ، هل بقى من بر أبوي شئ أبرهما به بعد موتهما ؟ فقال : نعم ، الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " رواه أبو داود وابن ماجة . والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة جداً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق